استطلاع: مارش الحسام / لا ميديا -
لاقت أولى خطوات البنك المركزي اليمني بصنعاء في صك عملة نقدية معدنية فئة 100 ريال كبديل لنظيرتها الورقية التالفة، ارتياحا شعبيا كبيرا في البدء، خصوصاً أنها تمثل أكثر الفئات النقدية تداولا في تعاملاتنا اليومية التي لا تخلو من المنغصات المترتبة على اهتراء العملات الوقية والتي يزداد تلفها يوميا بشكل متزايد مع استمرار تداولها وصولا لفقدان قيمتها.. غير أن هذا الارتياح الشعبي لم يدم لأسابيع حتى انقلب إلى ارتياب.

مصير الخطوة الأولى
بعد الخطوة التى أعلنها البنك المركزي واستهلها بصك عملة نقدية معدنية جديدة فئة 100 ريال، ونتيجة للتعطش الشعبي للخلاص من أزمة السيولة المالية وتلف الفئات الورقية الأخرى، طالب كثيرون البنك بتعجيل خطوته الثانية والتى كانت أغلب التوقعات تشير الى أنها ستتمخض عن صك عملة معدنية فئة 50 ريالا بديلا لتلك الورقية شبه المنقرضة والتي حلت محلها قطع الشوكولاتة والعلكة في التعاملات التجارية، ولكن سرعان ما تخلوا عن مطلبهم الأخير، بحيث إنه لم يعد هناك من يطالب البنك بالانتقال إلى الخطوة الثانية وإنما بالكشف عن مصير الخطوة الأولى، أي عملة 100 ريال المعدنية التى باتت تثير الكثير من الشك والريبة المتمحورة حول ندرة العملة الجديدة التى لا أثر لها في التداولات التجارية والمصرفية.

ارتياح شعبي وانزعاج غربي
الارتياح الشعبي قابله انزعاج غربي لدول تحالف العدوان على اليمن والتي أسهمت ضمن حربها الاقتصادية في تحويل العملة التالفة إلى مشكلة تمس المواطن والحكومة الوطنية ووضعها أمام القبول بالأوراق النقدية المزورة أو فقدان السيولة النقدية المتداولة في جغرافيا السيادة الوطنية مع استمرار تلف العملة، ومع ذلك استمر الشعب في التمسك بهذه الأوراق رغم تهالكها، ولم تستسلم صنعاء لتلك القيود، والتى ردت عليها بإعلان أولى خطواتها والمتمثلة بصك عملة نقدية فئة 100 ريال بديلا لتلك التالفة.

مكايدة أم معالجة؟
هذه الخطوة لم تزعج دول تحالف العدوان على اليمن فحسب، وإنما عملاءهم وذبابهم الإلكتروني في الداخل والذين سبق أن اتخذوا من تلف واهتراء العملة الورقية فئة 100 ريال موضعا للتندر والسخرية منها ومن الحكومة في صنعاء وعجزها في إيجاد الحلول لها.
 ومن المتناقضات العجيبة أن من شاركوا في الحملة الكيدية ضد الفئة الجديدة هم أنفسهم من سبق أن سخروا وسخطوا من نظيرتها التالفة ومن حكومة الإنقاذ وتقاعسها في إيجاد الحلول لهذه العملة الورقية التالفة، ولكن وبمجرد أن اتخذ البنك خطوة لإيجاد الحلول لهذه العملة اشتاطوا غضبا وانقلبوا رأسا على عقب، وكل ذلك بهدف المكايدة السياسية ليس إلا.
لا أدري لماذا حشرت المكايدة السياسية في هذا الاستطلاع الذي يبحث من مصير الفئة النقدية الجديدة النادرة في دورانها في السوق؟! وهل صكت فعلا لتحل محل الورقية التالفة الموازية لها؟!
إذا كان هذا هو الهدف فإنه لم يتحقق وليس له أي أثر ملموس، أما إذا كانت صكت كمكايدة سياسية لإزعاج تحالف العدوان على بلادنا وعملائهم، فيحسب للبنك أنه نجح في مسعاه.
بخلاف التقويم الشعبي العالم المرتبط بشهر أبريل، وما يعرف بـ»كذبة أبريل» استقبل اليمنيين خبر تداول عملة نقدية معدنية فئة 100 ريال كبديل لتلك الورقية التالفة والتى نعاني منها جميعا.
مثل هذا الخبر كان إلى وقت قريب أقرب إلى الإشاعات المرتبطة بشهر أبريل، وبسبب عدم ظهور العملة النقدية الجديدة وانعدام التعامل بها في الأسواق، تساءل كثيرون عن مصيرها وسر اختفائها، لذلك ارتبطت حولها كثير من الشائعات منها أن البنك أوقف التعامل بها رضوخا لضغوط العدوان، أو بعد ما أشيع أنه جرى تزويرها في ورش ومعامل، فيما آخرون وكجزء من الإشاعات المرتبطة بهذا الشهر، خاصة ما يعرف بـ»كذبة أبريل»، والتى سبق أن قادت كثيرين الى مطاردة الكنوز في الفوانيس ومكائن الخياطة.

البنك ينفي الشائعات ولا يرد على التساؤلات
مع تصاعد الشائعات حول أسباب احتجاب العملة الجديدة وعدم خروجها للأسواق، وهي أسباب كافية ليس فقط لخلق الكثير من الشائعات حولها وإنما أيضاً لحرمان البنك من فضيلة الصمت والرد على تلك الشائعات.
ومن المفارقات أن البنك أصدر بيانا يفند كل الشائعات التي انتشرت حول تداول العملة النقدية الجديدة دون أن يقدم تفسيرا واحدا لغياب التداول التجاري لها، ومن يقف وراء هذه الشائعات، وكان الأحرى بالبنك أن يرد عليها من خلال ضخ العملة الجديدة للأسواق وليس الاحتفاظ بها في مقره.

تداول سماعي دون تجاري
هذا الاستطلاع كان مخصصا لرصد الانطباعات المجتمعية حول العملة النقدية الجديدة باعتبارها حلا لمشكلة قائمة، إلا أننا وجدنا أنفسنا نستطلع عن عملة غير موجودة في السوق، ويتم تداولها بشكل سماعي لا تجاري لندرة وجودها في التعاملات التجارية أو المصرفية، حيث الجميع سمع عنها، لكن أغلبهم لم يجدوها.
بعد حوالي شهر من صك العملة المعدنية، وهي مدة كافية لإشباع فضول الأغلبية في التعرف على شكلها وربما دون لمسها فضلا عن عدم تداولها، فمازال التعامل بـ100 ريال الورقية التالفة ساريا، وذات المشكلة مازالت قائمة ويعاني منها أصحاب الدخل المحدود والذين يجدون صعوبة في تصريفها، إضافة للإحراج الذي تسببه لحاملها حين يرفضها البائع أو سائق الحافلة، فيما العملة المعدنية الجديدة مازال تداولها سماعيا، ومن خلال التداول السماعي أيضا سمعنا أنه يتم تداولها في المناطق المحتلة وبما يعادل 300 ريال من الفئات المزورة المتداولة في تلك المناطق.

معاناة بائع الخضار
بداية جولتنا الاستطلاعية كانت مع بائع الخضار، الذي يقول: «بعد سماعي عن طباعة عملة معدنية فئة 100 ريال بديلا لتلك التالفة، سعدت كثيرا ولكن للأسف وبعد طول انتظار ماتزال عملة نادرة جدا، حتى إنني بدأت أشك في وجودها أصلاً».
ويضيف: «مازالت كل تعاملاتي مع زبائني بالعملة الورقية التالفة والتي لها تأثير سلبي عليّ بشكل كبير، وأضطر لقبولها بسبب ضعف حركة البيع، المشكلة الأخرى أن طبيعة عملي تكثر فيه الرطوبة وبسبب رداءة العملة وسرعة تلفها، لا تتحمل البلل وتتفاقم حالتها أكثر، وتصبح مهترئة تماما، لا يمكن تصريفها في الأسواق أو تداولها للمواطنين الذين يرفضونها».

هرمنا
سائق حافلة يقول: «هرمنا ونحن بانتظار العملة المعدنية الجديدة»، ويتساءل: «هل مكتوب علينا التعامل بتلك الورقية التالفة والتأقلم مع المشاكل مع الركاب؟».
ويضيف: «في شهر رمضان أعلن عن إصدار العملة الجديدة، لكنها لم تصل بعد، ومازال كل سائقي الحافلات يواجهون مشكلات يومية مع العملة الورقية الممزقة، ركاب لا يملكون غيرها فيضطر السائق لأخذها ولكن أحيانا الراكب لا يقبل بها، ويطلب منا استبدالها بأخرى، رغم أن كل ما بحوزتنا من عملات تالفة نأخذها من الركاب، ويحدث أحيانا تلاسن بيننا وبين الركاب وقد يتطور إلى اشتباك بسبب اشتراطات الركاب على السائقين عملة جديدة وليست ممزقة».

عمليات تجميل مستمرة
ويستطرد: «أنا عن نفسي أقبلها تقديرا لما يمر به المواطن، آخذها مهما بلغ تلفها، رغم أن بعض الركاب لن يقبلوها مني، لذا صرت أجمعهن في كرتون، وأتفرغ لها في أحد الأيام، مستعينا باللصقة والمقص، بعض العملات صارت بحاجة إلى تجميل أو زراعة قطع، وأقوم بزراعة أجزاء من إحدى العملات وإلصاقها بأخرى، وبعض العملات أستخدمها كقطع غيار، أحيانا أخسر 3 أوراق من فئة 100 ريال للحصول على ورقة واحدة».

اكتفيت بالمشاهدة
فيما يؤكد أحد المواطين، أنه لم يسبق له أن لمس قطعة نقدية من العملة الجديدة إطلاقا، وأن معرفته بها لا تتعدى حدود المشاهدة فقط.
ويضيف: «لم يسبق لي أن تعاملت بهذه العملة الجديدة، ومازالت معاناتي مع العملة التالفة، حين أذهب إلى البقالة ومعي ورقة فئة 500 أو 1000 ريال، لشراء شيء ما أجد نفسي مضطرا لشراء أشياء لا أحتاجها، فحين يعطيني التاجر الباقي أوراقا نقدية ممزقة ومتهالكة فئة 100 ريال أجد نفسي أمام مشكلة إذا أخذتها ووضعتها في جيبي، فهذا سيؤدي إلى زيادة تهالكها وتلفها بشكل كبير، وإذا ذهبت لأحد الباعة وطلبت منه شيئا وأعطيته تلك العملات الورقية لن يقبلها، لذا أضطر أن أشتري أشياء لا أحتاجها».

مشكلة قائمة
ويوضح أحد التجار: «استبشرت خيرا بسماعي خبر صك عملة معدنية فئة 100 ريال لأستبدلها بالورقية التالفة، للأسف هذه العملة الجديدة لم تصل إلينا بعد إلا في حالات نادرة لا تذكر، وأحيانا طوال الأسبوع لا تصلنا منها قطعة واحدة، وكل تعاملاتي مع الزبائن مازالت بالورقية الممزقة والتى نواجه بسبها مشكلات بين الحين والآخر، رغم تهالكها نحن نقبلها ممزقة عندما نتعامل بيننا البين ونتداولها لبعضنا البعض، ولكن المشكلة أن البعض لا يقبل بها.

ولا قطعة
صاحب محل صرافة، يقول إن كل تعاملاته مازالت بالعملة الورقية التالفة فئة 100 ريال ولم يسبق له أن تعامل بالعملة المعدنية الجديدة، نافيا أن تكون دخلت قطعة واحدة منها أو تم تداولها في محل الصرافة الذي يعمل به.

خلل في التوزيع
إلى ذلك يؤكد الخبير الاقتصادي رشيد الحداد، أن معاناة المواطنين مازالت مستمرة مع العملات الورقية التالفة فئة 100 ريال، بالرغم من إعلان البنك ومنذ أسابيع صك عملة معدنية موازية لها.
ولفت الى أن العملة المعدنية الجديدة ليس لها أثر ملموس في التداول التجاري حتى الآن، وأن حركة دورانها في السوق تكاد تكون نادرة. مشيرا إلى أن عملية توزيعها لم تتم على نطاق واسع وبالشكل المطلوب، رغم الإعلان عنها في شهر رمضان الذي يبلغ فيه النشاط التجاري ذروته.
وأضاف: «كالعادة عند طباعة عملة جديدة، كان البنك يقوم بضخها إلى السوق قبل العيد بأسابيع لكي يحدث نوع من الرواج لها بشكل كبير في السوق». متابعا: «المشلكة في فئة 100 ريال المعدنية الجديدة، البنك كان أعلن أنه سيحدد بنوكا ومراكز لاستبدال العملات الوقية التالفة الموازية لها، ولكن ذلك لم يحدث، لا توجد بنوك أو مراكز للاستبدال، باستثناء البنك المركزي فقط، ومن يريد أن يستبدل فليذهب إلى مقر البنك».

ثلاثة أسباب
وحول ما إذا كان حصر البنك استبدالها في مقره هو السبب الرئيسي لندرتها في الأسواق؟ يتحدث الخبير الاقتصادي الحداد عن ثلاثة أسباب تحول دون دوران العملة الجديدة في الأسواق بالشكل المطلوب والذي يلبي الاحتياج الشعبي لهذه الفئات النقدية، ويقول إن السبب الأول يكمن في ضعف عملية توزيعها وتمركز استبدالها في البنك المركزي حصريا، فيما السبب الثاني نابع من العادات والتقاليد وطقوس اليمنيين في استقبال العملة الجديدة، حيث «من عادات كثير من اليمنيين أنهم يفضلون الاحتفاظ بالعملة الجديدة، وادخارها لفترة من الوقت وهذا أحد الأسباب التي تعيق دوران هذه العملة بالشكل المطلوب».
ويعتقد رشيد الحداد أن الكتلة النقدية للعملة المعدنية الجديدة ثالث أسباب ندرتها في السوق وتداولها المحدود.

عدد محدود
ويضيف الحداد: «تحدث محافظ البنك في مؤتمره الصحفي الذي خصصه لإعلان صك العملة المعدنية الجديدة، وقال إن صكها يعد معالجة جزئية وليست كاملة وسيتم استمرار التداول بالعملة الورقية السليمة، لذا من غير المستبعد أن الكميات التي تم صكها ليست بالكبيرة، أي محدودة وليست بالشكل وبالعدد والكميات التي توازي الاحتياج لهذه الفئة النقدية الجديدة.
صنعاء نقيض عدن
وعن الفرق ما بين طباعة البنك المركزي في صنعاء لعملة جديدة وطباعة العملات التي قام بها بنك المرتزقة في عدن، يؤكد رشيد الحداد أن هناك فرقا كبيرا وشاسعا بين إجراءات البنكين وتبعاتهما الاقتصادية، وقال: «ما قام به بنك صنعاء يختلف كليا عما قام به بنك عدن من طباعة 5.2 تريليون ريال دون غطاء نقدي متسببا في انهيار العملة في تلك المناطق التى وصل فيها سعر الدولار إلى 1680 ريالا للدولار الواحد، فيما سعر الدولار لايزال ثابتا في جغرافيا السيادة الوطنية عند 530 ريالا حتى بعد إصدار العملة الجديدة، هو ما يعني أن الأثر التضخمي معدوم بشكل كبير».

لا أثر تضخميا
ويضيف: «عندما تقوم باستبدال عملة نقدية تالفة موجودة بالسوق بكتلة نقدية أخرى موازية لها، لا يوجد آثار تضخمية، خاصة أن هذا الإجراء ليس على حساب الغطاء النقدي، إنما عملية استبدال لحل مشكلة السيولة.. الفرق بين من يطبع عدة ملايين لحل مشكلة السيولة وبين من يطبع تريليونات ليس من أجل أزمة السيولة وإنما للحد من عجز الموازنة العامة لحكومة المرتزقة نتيجة الانتهاب وتقاسم الثروات والفشل الاقتصادي. في صنعاء مختلف كليا وذو جدوى اقتصادية حل مشكلة تفاقم أزمة السيولة في ظل استمرار الحصار والتصعيد الاقتصادي خصوصا في الأونة الأخيرة».