المحلل السياسي والخبير في الشؤون «الإسرائيلية» الدكتور سمير أبو صالح لـ«لا»:الإسناد اليمني غيّر معادلات الإقليم
- تم النشر بواسطة أحمد رفعت يوسف / لا ميديا

دمشق - حوار: أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
يتميز المحلل السياسي والخبير في الشؤون «الإسرائيلية»، الدكتور سمير أبو صالح، بمَلَكات وتجربة خاصة لا توجد عند غيره من الشخصيات الأخرى في هذا المجال.
هو ابن بلدة مجدل شمس، في الجولان السوري المحتل، وأسير سابق لدى سلطات الاحتلال «الإسرائيلي»، ويجيد اللغة العبرية، وخبير في الشؤن «الإسرائيلية»، إضافة إلى ما يتميز به على الصعيد الشخصي من أدب ودماثة خُلُق، وهذه الصفات تجعل اللقاء معه يكتسب أهمية كبيرة، خاصة في هذا الوقت، بعد الجريمة التي ارتكبتها سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» في بلدة مجدل شمس، التي ينتمي إليها الدكتور سمير، وبعد التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة منذ «طوفان الأقصى».
صحيفة «لا» التقت الدكتور سمير وكان هذا اللقاء.
حال الجولان كـ»غزة»
أنت ابن بلدة مجدل شمس، في الجولان السوري المحتل، ولهذه البلدة شهرة وسمعة خاصة في النضال الوطني، وفي تمسك أهلها بسوريتهم، ورفضهم لـ»الهوية الإسرائيلية»... ماذا تعطي لأهلنا في اليمن وللقراء العرب من تفاصيل أكثر عن هذه البلدة؟
مجدل شمس قرية عربية سورية تتموضع في أقصى شمال الجولان، في منطقة المثلث الحدودي بين سورية ولبنان وفلسطين المحتلة.
احتل العدو الصهيوني قسما من الجولان إبان عدوان 1967، ومن بينها قريتي، مجدل شمس. كان عدد سكانها (آنذاك) حوالى ثلاثة آلاف مواطن. هؤلاء رفضوا الاحتلال، وانخرطوا بعمل مقاوم ضده، رغم إمكانياتهم اللوجستية المتواضعة، وكان منهم عشرات الشهداء والمعتقلين لعشرات السنوات، إضافة إلى الإبعاد ومصادرة الأرزاق ومنعهم من التواصل مع الوطن الأم، مما أدى إلى تحويل الجولان إلى معتقل كبير من قبل سلطات الاحتلال، كما هو الحال في الضفة الغربية وقطاع غزة.
طرد المسؤولين الصهاينة
في وقت سابق، طرد أهل بلدة مجدل شمس أكثر من رئيس لحكومة الاحتلال، بطريقة مهينة، واليوم طردوا بنيامين نتنياهو، ووصفوه بالإرهابي... أي معنى تعطي هذه الصور لأهل الجولان؟ وأي رسالة تعطيها للسوريين ولكل العرب؟
خلال سنوات الاحتلال، حاول العدو تطبيع أبناء الجولان مع واقع الاحتلال، إلا أنهم رفضوا ذلك، وحدثت صدامات ومظاهرات عنيفة، ورفض أبناء الجولان كل محاولات الاستمالة والتطبيع، وطردوا رئيس الكيان الصهيوني آنذاك، إسحاق نافون، ورئيسي الحكومة إسحاق رابين وشيمون بيريز، ومؤخرا وليس آخرا بنيامين نتنياهو ووزيره الإرهابي سموترتش، حيث حاولا اقتحام مجدل شمس، مستغلين استشهاد 12 طفلا وشابا من أبناء القرية كانوا يلعبون كرة قدم في ملعب القرية، إلا أن المواطنين رفضوا استقبالهما كمعزين، وطردوهم.
جريمة مجدل شمس
حاولت حكومة نتنياهو اتهام المقاومة اللبنانية بالجريمة، فماذا قال أهالي مجدل شمس عنها؟
أبناء القرية وأهالي الشهداء وجهوا اتهاماً مباشراً لنتنياهو وكيانه، أنه هو المسؤول عن استشهاد الأطفال بواسطة صاروخ «إسرائيلي»، مؤكدين أن صواريخ المقاومة الإسلامية في لبنان لم ولن تخطئ الهدف، رافضين الادعاء «الاسرائيلي» بهذا الشأن، بل وخرجوا أثناء تأبين ودفن أجساد الشهداء في مسيرة تضامنية مع المقاومة اللبنانية، واستنكارا ورفضا للعدو الصهيوني، ورفعوا لافتات حيوا فيها جبهات الإسناد للمقاومة الفلسطينية، بقولهم: «لسنا وحدنا والأشقاء الفلسطينيين، بل نحن وهم وكل السوريين والأشقاء في اليمن والعراق ولبنان وإيران جبهة واحدة موحدة».
وقبل أن تقوم قوات الاحتلال بإغلاق الملعب ومحيطه بعد المجزرة، قام أحد الشباب الناجين من المجزرة بتصوير جزء من بقايا الصاروخ، وكان عليه كتابة باللغة العبرية، وعندما عرفت سلطات الاحتلال بذلك صادرت الهاتف من الشاب المذكور، ولم يعيدوه له حتى الآن.
نعم، فشلت «إسرائيل» في اتهام المقاومة اللبنانية بجريمة مجدل شمس، وأكدوا أنهم كعرب سوريين يأتمرون بأمر دولتهم وقيادتهم الحكيمة، برئاسة سيد الوطن الدكتور بشار حافظ الأسد، وعبروا عن استعدادهم لخوض معركة تحرير الجولان مع جيشهم العربي السوري البطل، مؤزرين بإخوتهم في لبنان واليمن والعراق وفلسطين.
شيخ الخيانة والخونة
برأيك، هل لهذه الحادثة علاقة بما يجري في السويداء، من خلال قيام بعض العملاء المعروفة ارتباطاتهم مع القاعدة الأمريكية في التنف وأجهزة الاستخبارات الغربية، لإحداث قلاقل في السويداء وعموم الجنوب السوري، إضافة إلى محاولة سلطات الاحتلال اختراق الطائفة، من خلال «موفق طريف»، الذي تنصبه شيخاً على أهلنا من بني معروف في فلسطين المحتلة؟
الخديعة لم تنطلِ على أبناء الجولان. ولعل أحد أسباب الخديعة له علاقة بما يحصل في جنوب البلاد، وخاصة في محافظة السويداء، حيث يقوم بعض العابثين والجهلة والموتورين المشحونين طائفياً، بتأثير ممن يسمى «شيخ طائفة المسلمين الموحدين في فلسطين المحتلة»، المدعو «موفق طريف»، وهو أحد أبرز عملاء كيان الاحتلال الصهيوني ومقرب بصداقة شخصية من بنيامين نتنياهو، حيث يقوم بشد العصب الطائفي لأبناء السويداء بعد أن فشل بذلك في الجولان المحتل؛ قام أبناء الجولان بطرده وتجريده من الاعتراف به كقائد ديني لهم، بل أطلقوا عليه صفة «شيخ الخيانة والخونة»، وعندما تجلى ذلك بوضوح للعامة انسحب عدد غير قليل ممن غرر بهم من هذا الحراك المشبوه.
ظروف اعتقال مريرة
كنت أسيراً في سجون الاحتلال. ماذا عن تجربتك في الأسر والسجن؟
تعرضت للاعتقال من قبل سلطات الاحتلال ثلاث مرات، وكانت ظروف الاعتقال صعبة للغاية، ورافقها تعذيب وحرمان من النوم والأكل... إلخ. وأحمد الله أني تمكنت من الإفلات من قبضة العدو الحديدية خلال فترة التحقيق وتمكنت من اللجوء إلى الداخل السوري، حيث تم استقبالي وتكريمي من قبل المسؤولين السوريين، بتوجيه من سيد الوطن، المغفور له الرئيس حافظ الأسد رحمه الله، وصدر قرار بالسماح لي استثنائيا بمتابعة دراستي الجامعية في كلية الطب البشري بجامعة دمشق، وبعد ذلك تابعت دراسة أكاديمية في كلية الإعلام، ولم أزل أعمل في الإعلام السوري والعربي المقاوم. وهكذا أصبحت بعيدا عن بلدتي وأهلي.
وأصعب هذا الفراق كان وفاة والدي ووالدتي وأخويّ، ولم أتمكن من وضع باقات ورد على قبورهم أو طبع قبلاتي على وجوههم.
لكنني لم أترك الجولان، فقد أقمت منزلا متواضعا في مزرعة والدي، قبالة قريتي مجدل شمس، واخترت موقع المنزل مطلا على قريتي وأهلي في المقلب الآخر، ويفصل بيننا حقل الألغام والشريط الشائك، و400 متر من الأرض السورية الطاهرة المملوءة بدم الشهداء، وتاريخ أبطال المقاومة من أبناء الجولان والجيش العربي السوري.
فشل المشروع الصهيوني
تجيد اللغة العبرية، ولك خبرتك وتجربتك الخاصة، وهذا يتيح لك فهماً أفضل للمجتمع الصهيوني... كيف تنظر إلى مستقبل الصراع والكيان الصهيوني؟
تعلمت اللغة العبرية خلال دراستي ما قبل الجامعية أولاً، ثم تابعت دراستها في المرحلة الجامعية الأولى، وعلى مستوى وبرنامج أكاديمي، حيث كنت طالباً في كلية الطب البشري في جامعة «تل أبيب» ومنتسباً أيضا لمعهد عالٍ لتعليم اللغة العبرية أكاديمياً، وتخرجت فيه بشهادة ليسانس في اللغة العبرية وآدابها.
من خلال تقاطع المعلومات البحثية، إذ درست طبيعة وأهداف ووسائل ومقومات الكيان الصهيوني، يتبين لي جليا أن المشروع الصهيوني مآله الفشل، لاسيما أنه خلال ما يزيد عن 77 عاما، لم يستطع هذا المشروع الصهيوأمريكي تحقيق هدف القبول به، والاندماج مع ديموغرافية المنطقة، وبات واضحا للمفكرين الصهاينة أنفسهم أن مشروعهم إلى الزوال، ولولا تآمر بعض العرب وحلفاء الكيان لما تحقق له ما تحقق، ولذلك بات واضحا أن المجتمع الصهيوني هو مجتمع لقطاء ومستثمرين يتاجرون بالدم الفلسطيني والعربي بمساعدة مستثمرين من العرب وأدعياء الإسلام، سواء في دول الخليج والمنطقة عموما، أو في وراء البحار من قراصنة العم سام، حيث طالت شرور هؤلاء الأعداء شعبنا العربي وأمتنا الإسلامية قاطبة، وفشل المشروع الصهيوني هو بالضرورة انتصار للعرب والمسلمين، ولذلك نرى انتصار شعب الجمهورية الإسلامية في إيران نموذجا واضحا على انتصار الحق والعدل، وما تجربة الأشقاء والإخوة في اليمن السعيد وفي لبنان وسورية وفلسطين والعراق إلا ترجمة حقيقة لانتصار الحق والعدل، وانتصار الشعوب المؤمنة بربها وشعبها وحقها بالحياة الحرة.
قرار يمني استراتيجي
اليمن لعب دورا استراتيجيا في إسناد الشعب الفلسطيني، وبشكل فاجأ العالم وأحدث تغيرا استراتيجيا في موازين الصراع. كيف تقرأ الدور اليمني؟
لا شك أن الدور اليمني الحديث في معادلات الإقليم شكل صدمة كبيرة للمشروع الصهيوأمريكي، لاسيما أن اليمن يشكل مجالا جيواستراتيجياً مهماً جدا للعالم، ولذلك ومنذ بدايات تأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين، وضع اليمن نصب عينيه، محاولا إبقاء الشعب اليمني في حالة عقيمة من الانقلابات والانشقاقات الداخلية، ومهد العدو الصهيوني لهذه الحالة بالاتفاق مع بريطانيا والولايات المتحدة والأنظمة العربية المجاورة، واستمر هذا الوضع لسنوات طويلة، حتى تسنى لشعب اليمن العظيم، بفضل الله، استلام زمام المبادرة ووصول قيادة يمنية مؤمنة وثابتة عند مصلحة شعبها وأمتها، وهو السبب الذي دفع المتآمرين لشن حرب شرسة ضد اليمن وفرض حصار أمريكي عليه، دولة وشعباً.
إن قرار القيادة اليمنية المشاركة كقوة إسناد بعد «طوفان الأقصى» إلى جانب أشقائها من السوريين والعراقيين واللبنانيين، كان قرارا استراتيجيا لصالح القضية الفلسطينية والحقوق العربية عموما، ورفع أسهم اليمن من كونه دولة مهمة كموقع استراتيجي، إلى دولة فاعلة ومهمة في القرار الإقليمي، وجعل اليمن قوة عسكرية وقومية مهمة على مستوى العالم، وهذا بالطبع دفع أعداء اليمن والأمة إلى تصعيد حربي وحصار اقتصادي ضد الدولة اليمنية، ليبدأ العدوان الصهيوأمريكي باستهداف اليمن عمليا حيث الأساطيل الأمريكية وحاملات الطائرات انتقلت إلى دور المشاركة المباشرة في محاربة اليمن العظيم، أرضا وشعبا وقيادة.
المصدر أحمد رفعت يوسف / لا ميديا