انهيار وعود «الجولاني» والوضع في حالة ترقب
- تم النشر بواسطة خاص / لا ميديا
خاص - دمشق / لا ميديا -
لم يكد يمضي شهر على انهيار حكم الرئيس بشار الأسد، ووصول المجموعات المسلحة بقيادة أحمد الشرع "أبو محمد الجولاني" زعيم "هيئة تحرير الشام" (النصرة - القاعدة) إلى السلطة حتى انهارت معظم وعود حكومة الأمر الواقع (ذات اللون الواحد) التي حاولت إطلاقها لطمأنة المجتمع السوري، المخالف بمعظمه لتوجهاتها، ولإعطاء انطباع بأنها ستعمل على أساس منطق الدولة.
صحيح أن الأسواق شهدت تحسنا في أسعار بعض السلع التموينية والغذائية، لكن هذا التحسن عائد لأسباب موضوعية، وليس لإجراءات "حكومة البشير - الجولاني"، وفي مقدمتها توقف عمليات الفساد والإتاوات التي كانت موجودة عند الجهاز الإداري في النظام المنهار، ومنع الاحتكار والتي كانت السبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار، لكن ذلك قابله ارتفاع كبير في أسعار الوقود، من البنزين والمازوت والغاز، وتالياً صعوبة شراء هذه المواد، وارتفاع في أسعار النقل، وبشكل فاق قدرة معظم الناس على التنقل والوصول إلى أعمالهم.
كما أصبحت الكهرباء تصل بمعدل أقل من ساعة نهاراً وساعة ليلاً في معظم المناطق، فيما كانت تصل قبل "التغيير" بمعدل ساعتي وصل وأربع ساعات قطع، وتلاشت كل وعود التحسن السريع، واستجرار الكهرباء من تركيا والأردن.
كما انهارت وعود رفع الرواتب بنسبة 400%، والتي ترافقت مع الكثير من التخبط، وتسريح واسع للعمال والموظفين، وتوقف رواتب شريحة كبيرة من المتقاعدين، والتعدي على حقوق عناصر الجيش وقوى الأمن السابقة بوقف رواتبهم، وإعلان عدم منح رواتب تقاعدية وتعويضات لكل من كان في الخدمة بعد العام 2011، ثم التراجع خطوة خطوة عن وعود رفع الرواتب، مع إعلان عدم منحها للمتقاعدين، ثم إعلان منحها فقط لجزء من الموظفين الذين يتوافقون مع شروطهم وإجراءاتهم (التي لم تعلن) وإبقاء من يتبقى على الراتب القديم، ليستقروا أخيرا على إلغاء الزيادة كلها، والإبقاء على الحالة السابقة.
الأخطر أن ذلك ترافق مع حالة فلتان أمني وزيادة كبيرة في عمليات الخطف والقتل والتعدي على المواطنين والسرقات وانتهاك حرمات الناس وكراماتهم.
كما توافقت مع عجز هذه الحكومة عن عقد "المؤتمر الوطني" ورفض معظم القوى السياسية والاجتماعية والنخب المثقفة، داخل وخارج سورية، لما رشح عن رؤية "حكومة الجولاني" للمؤتمر، ومحاولة استفرادها بتحديد من سيدعى إليه، ومن بين هذه الإجراءات استبعاد المعارضة الخارجية، وتحديدا قيادة الائتلاف الوطني، ومنصات موسكو والقاهرة، والتي تضم معظم الشخصيات السياسية التي كانت معارضة لحكم بشار الأسد، والحديث عن دعوة بعضهم بصفة شخصية، وهو ما آثار رفض معظم أطراف المعارضة الداخلية والخارجية والأحزاب الوطنية وقوى المجتمع المدني لهذه الرؤية، مما اضطرهم إلى تأجيل المؤتمر وبدون أن يتم تحديد تاريخ جديد له.
كما كان لافتا، استبعاد شريحة الضباط المنشقين عن النظام السابق، والذين كانوا يتوقعون أن يكونوا البدلاء لقيادة الجيش السوري في المرحلة الجديدة، حتى أن "الجولاني" رفض استقبال وفد منهم حاول نقل وجهة نظرهم.
ومما آثار الاستياء أكثر أن هذا الموقف جاء مع منح رتب عالية لقادة المجموعات المسلحة وعناصر أجنبية، وتم تسليم هؤلاء وزارة الدفاع ورئاسة الأركان والأجهزة الأمنية، واستبعد بشكل كامل الضباط المنشقين والذين يوجد بينهم رتب عالية وضباط قادة.
وعدا عن انهيار الوعود، فالأخطر ما تقوم به "حكومة البشير - الجولاني" لفرض رؤيتها -كحكومة أمر واقع- على كل مظاهر المجتمع السوري، وهو ما يتناقض مع توجهات أكثر من 80 بالمائة من الشعب السوري، ويتجاوز مهمتها كحكومة مؤقتة يفترض أن تقتصر فقط على المحافظة على مؤسسات الدولة في الفترة التي تلي "التغيير"، ولفترة لا تتجاوز الثلاثة أشهر، ثم تشكيل حكومة انتقالية تكون مهمتها عقد "مؤتمر وطني عام" ينتج عنه تعيين لجنة لإنجاز دستور جديد وإجراء انتخابات عامة على أساسه، ثم انتخابات رئاسية، وتشكيل حكومة دائمة تأخذ على عاتقها إجراء التغييرات في إدارات الدولة وتشكيل الجيش وقوى الأمن والمؤسسات الأمنية، بناء على الدستور الجديد ونتائج الانتخابات العامة.
وترافق ذلك، مع حركات وإجراءات استفزازية، مثل تغيير المناهج التربوية وإغلاق كنائس وتوجيه سيارات مع مكبرات صوت إلى الأحياء المسيحية تتحدث عن منع الاختلاط والحجاب، وظهور عناصر منهم في المقاهي والحدائق والأماكن العامة يحاولون فرض رؤيتهَم وتوجهاتهم الاجتماعية والدينية الغريبة عن تاريخ وعادات المجتمع السوري القائم على التنوع الإثني والعرقي والديني والإسلام المعتدل والمنفتح، وهو ما يزيد من حالة الاحتقان داخل المجتمع السوري.
ومما زاد حالة الارتياب أن "الشرع"، الذي سارع للعمل من داخل القصر الرئاسي، وهو ما يتناقض أيضاً مع الإجراءات والقوانين، في مثل هذه الحالات لم يظهر ولا مرة لمخاطبة الرأي العام السوري، واقتصر إعلان مواقفه على بعض اللقاءات الإعلامية، وخلال استقباله لبعض الوفود التي تزور دمشق.
الأصوات من النخب السياسية والاجتماعية والمثقفة بدأت ترتفع ضد سياسات حكومة الأمر الواقع، كما بدأت تحركات المجتمع المدني تنظم نفسها، وتؤكد رفضها لهذه السياسات، ولمحاولات أسلمة الدولة والمجتمع، وضد الفلتان الأمني، وتتلاقى رؤية هذه المؤسسات والتجمعات والحركات على قواسم مشتركة واحدة تطالب بـ"المؤتمر الوطني السوري" الممثل لكافة شرائح المجتمع، وإنتاج دستور يؤكد على سورية دولة حرة مدنية وديمقراطية.
المؤكد أن "إدارة الجولاني" تنهار وعودها وتفقد رصيدها بسرعة، والمرحلة اليوم هي مرحلة الترقب الداخلي والخارجي لرؤية إلى أين تسير الأمور، والكل حريص على عدم الانجرار وراء خطوات متسرعة تؤدي إلى الفلتان الأمني في ظل عدم وجود جيش وقوى أمنية تحظى بثقة المجتمَع لضبط الوضع، لكن بالتأكيد لن تستمر الأمور بهذا بشكل.
المصدر خاص / لا ميديا