تحقيق/ بشرى الغيلي/ لا ميديا -
«لا أدري كم سيكلفني العلاج لمواجهة السرطان؟ لا أستطيع قبول العلاج الباهظ الثمن لأن دخلي محدود..؟» هكذا يسأل نفسه كل مريض ابتلي بمرض السرطان الخطير في اليمن، ونتيجة للتكلفة الكبيرة التي يتطلبها العلاج من السرطان يضطر الكثير من المرضى وذويهم لبيع عقاراتهم ومجوهراتهم، يصل ذلك لأثاث منازلهم، وحتى من يعملون كموظفين رسميين فقدوا وظائفهم، وكأن تلك لم تكن كافية حتى يدخل وسطاء العمل الإنساني باسم مرضى السرطان وأخذ مساعدات ولا يصلهم إلا الفتات منها كما تحدث بعض المرضى ضمن هذا التحقيق، والمأساة الأكبر أن يخرج جهاز الإشعاع عن الخدمة لأسابيع مما ضاعف المعاناة باللجوء للمشافي الخاصة التي تفوق قدرة المريض ماديا، وخاصة ممن لا دخل لهم، ورغم جهود المؤسسات والمراكز التي تعنى بمرضى السرطان إلا أن الكارثة أكبر من قدراتهم.. الكثير والكثير من التفاصيل التي بحثت عنها صحيفة «لا» ضمن السياق..

مركز الأورام لا أسمع.. لا أرى.. لا أتكلم!
تدخل مركز الأورام بصنعاء من بوابةِ المستشفى الجمهوري الذي تربطهما بوابة مشتركة واحدة، وتقع عينك على المكان الذي يوحي بوضع نفسي مزر مما يعكس انطباعا سيئا لدى مرضى السرطان، أسرّة وأثاث طبي مكسّر في فناء المركز، ومدخل ضيّق يعوق حركة المرضى ويسبب لهم الإرهاق، ويؤثر على حالتهم النفسية الهشّة، ويقلل من ثقتهم في جودة الرعاية الصحية. هذا ما وجدته صحيفة «لا» أثناء النزول الميداني للمركز.. هنا يخيّل إليك ويتبادر إلى ذهنك أن الشعب كله مصاب بالسرطان.
وبعد بحثٍ عن مشكلة توقف جهاز الإشعاع بمركز الأورام بصنعاء أكد الكثير من المرضى الذين ترددوا على المركز أن الجهاز خرج فعلا عن الخدمة لمدةِ أسبوعين، ومع ذلك وإن وجد الجهاز فإنه لا يغطي سوى نسبة قليلة من المرضى، وتحدث أحد المختصين -فضّل عدم ذكر اسمه- إن «الوضع الذي يمر به المركز هو بسبب زيادة عدد مرضى السرطان مما سبب صعوبة كبيرة على القدرة الاستيعابية وتقديم الخدمات الطبية اللازمة لهم».
وأضاف المصدر لـ«لا»: «نواجه تحديات جمة، منها نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، وقلة الكوادر الطبية المتخصصة، بالإضافة إلى الضغط النفسي الكبير على المرضى وأسرهم».
ووجّه المصدر نداءه للجهاتِ المعنية، والمنظمات الدولية والقطاع الخاص، لتقديم الدعم العاجل لمركز الأورام، لضمان استمرار تقديم العلاج للمرضى.

إحصاءات
تزايد حالات الإصابة بأنواع مختلفة من السرطانات نتيجة استخدام العدوان أسلحة محرمة دولياً، وما تحمله تلك الأسلحة من إشعاعات وفيروسات مسببة لأمراض كثيرة، بعضها معروفة والكثير منها لم تعرف حتى الآن، وتتحدث التقارير الدولية عن تسجيل المشافي في السنوات الأربع الأولى من العدوان على اليمن نحو 172,000 إصابة سرطانية، بمعدل 40 ألف حالة إصابة سنوباً، و40 ألف مريض بالأورام السرطانية مهددون بالوفاة نتيجة عدم إدخال جهاز الإشعاع الخاص بعلاج الأورام، ووفاة 28,000 مريض بسبب عدم توفر الأدوية والأجهزة الطبية اللازمة، وتقول الإحصائيات الرسمية إن محافظتي صعدة وحجة كنموذج، كانت كل واحدة منهما قبل عدوان العاصفة تسجل سنوياً حالتي إصابة بالسرطان فقط، ليرتفع العدد المسجل سنوياً في المحافظة الواحدة منذ عام 2015 إلى 600 حالة سنوياً، وأكدت تقارير طبية توسع انتشار الأمراض الجلدية والأورام الخبيثة يوماً بعد آخر، في مديرية حيدان والمديريات الحدودية الأخرى في محافظة صعدة بسبب الأسلحة المحرمة، التي تلقى بشكل يومي على تلك المناطق.

ما هو العلاج بالإشعاع؟
العلاج الإشعاعي هو أحد العلاجات الشائعة للسرطان. يستخدم طاقة عالية، مثل أشعة إكس أو الجسيمات، لتدمير الخلايا السرطانية أو إيقاف نموها. يتم توجيه هذه الطاقة بدقة 
نحو المنطقة المصابة بالسرطان، مما يقلل الضرر للخلايا السليــــمة المحيطة، ويعمــــل العلاج الإشعاعي على تدمير الحمض النووي (DNA) فــــي الخلايا السرطانية، ويمنعها من الانقسام والتكاثر. ويعمل أيضا على إضعاف الخلايا السرطانية، مما يسهل على الجسم التخلص منها.

طبيب محتال
من القصص التي جمعت بين المعاناة واستغلال بعض الأطباء، وإخراج مهنة الطب عن قداستها.. تحكي أم نزار (إعلامية) لـ«لا» تفاصيل قصة زوجها الذي أصيــــــــب بسرطان الدماغ، ومرض لمدة ثلاثة أشهر وبدأ بفقدان ذاكرته واعتقدت أسرته أن الزهايمر أصابه، أو حالة نفسية، وساءت حالته وأسعف لأحد المشافي الخاصة، وبعد فحوصات وأشعة مقطعية ورنين مغناطيسي ظهر في النتائج أن زوجها مصاب بورمٍ خبيث في الدماغ من الدرجةِ الرابعة والأخيرة، المؤسف في الأمر أن الطبيب لم يـــــراع مشاعر أسرة المريض ويعمل على طمأنتهم فقال لهم: «سيعيش من شهر إلى ستة أشهر»! وساءت حالة المريض خلال أسبوع، وأسعفوه مرة أخرى لمشفى خاص في حين كانت أسرته تعمل على إجراءات السفر، وفي ذلك المشفى صادفوا طبيبا محتالا عرف من خلال كلام الزوجة أنهم مسافرون بالمريض ويريدون منه علاجا يخفف عنه حتى يصلوا إلى سيئون بحكم أن مطار صنعاء كان مغلقا، فعمل على إقناعهم أنه سيقوم بإجراءِ تلك العملية، بمبلغ خيالي في حين كانت الدولارات منعدمة في صنعاء، وأصر ذلك الطبيب المحتال أن تكون أتعابه بالدولار، وبعد إجراء العملية أصيب المريض بموتٍ سريري، وهو حقيقة قد مات كما تضيف أم نزار: «وضعوه تحت الأجهزة لمدة عشرة أيام، فأصررت على نقله لمشفى آخر، فنزعوا الأجهزة منه ليلا وأخبروني أن زوجي قد مات».

معاناة نفسية
سلوى الشنواح (مريضة بالسرطان) لجأت إلى العلاج في أحد المشافي الخاصة طلبا للعلاج الكيماوي والإشعاعي، بعد تعطّل الجهاز الخاص في المستشفى الجمهوري، مما كلفها أعباء مالية كبيرة إضافة إلى المعاناةِ النفسية نتيجة ذلك.. وجهت الشنواح نداءها عبر «لا»: «أطالب الجهات المعنية بالاهتمام بتوفير هذا الجهاز والحرص على تشغيله دائماً، وتوفير العلاج الكيماوي والإشعاعي لمرضى السرطان بشكل مجاني أو بتكلفة رمزية في المستشفيات الحكومية، وتخفيف معاناة مرضى السرطان».

حقوق مفقودة
نموذج آخر من المعاناة التي تنعكس على مرضى السرطان فئة الموظفين والذين فقدوا أعمالهم ووظائفهم، مما زادهم أعباء مضاعفة، كقصة أبو فاطمة (أحد الناجين من المرض).. بعد رحلة تعاف استغرقت منه الكثير وفقد على إثرها وظيفته، وكون أبو فاطمة أحد الذين أصيبوا بالمرض لم يستطع الحصول على إجازة مرضية مفتوحة، والتي استنفدت بعد المدةِ المسموحة 30 يوما وأصبح يواجه مستقبلا غير مؤكد.. رغم أنه في الوظيفة العامة لا يجوز إنهاء خدمة العامل بسبب المرض قبل استنفاد الإجازة، بينما أبو فاطمة واحد من الكثيرين الذين فقدوا وظائفهم عندما لم يعودوا قادرين على العمل بسبب المرض.
وفي النظام الصحي الذي يتضمن تأميناً اجتماعيًا، إلا أن أبو فاطمة علق على ذلك قائلا: «ما الفائدة من التأمين إذا كانت المستشفيات معتمة والأدوية نادرة..!» مما جعله يخضع للأمر الواقع ويبحث عن علاج في مرافق صحية لا تستطيع أن تقدم له ما يحتاجه، وتحمل تكاليف علاجه الباهظ الثمن بمفرده.
قصة أبو فاطمة هي نموذج يعبر عن الكثير من الموظفين اليمنيين الذين يمرضون ويجدون أنفسهم في عالم ينقصه التفهم والدعم.
في سياق الكفاح الذي يواجهه الموظف اليمني، والمواطن عندما يصابون بأمراض خطيرة، هناك العديد من القصص التي تعكس التحديات نفسها التي واجهها أبو فاطمة كقصة نورة التي تعمل ممرضة في مستشفى تعز قبل أن تصاب بسرطان الثدي، وبعد أن استفادت من إجازتها المرضية لم تتمكن من الاستمرار في العمل بسبب جلسات العلاج الكيماوي والإشعاعي، فوجدت نفسها تبحث عن تبرعات من الجماعات المحلية لتغطية تكاليف علاجها.

استغلال مرضى السرطان بدعوى «الإنسانية»
معاناة مرضى السرطان وما يواجهونه من صعوبةٍ كبيرة في إيجاد العلاج وتكاليفه الباهظة، وعدم توفر أجهزة الإشعاع في المشافي الحكومية باستثناء جهاز وحيد في مركز الأورام، ورغم ذلك دائما يخرج عن الخدمة، وإن توفر لا يعطي حتى 3% من المرضى، يأتي فوق ذلك وسطاء العمل الإنساني ليستغلوا المرضى ويستلموا مبالغ ومساعدات بأسمائهم ولا يصل إليهم إلا الفتات، وأحيانا لا يصلهم مطلقا، كقصة عبدالملك العماري (أحد مرضى السرطان) الذي قال لـ«لا»: «سلمتهم أوراقي الطبية وتقاريري ولم يعطوني شيئا، واكتشفت أن هناك مبالغ تم استلامها باسمي من مانحين ومنظمات خيرية، ولكن هذه المبالغ لم تصل إليّ. بعض الوسطاء اختلسوا المساعدات، وتفاقمت مشكلاتي الصحية بسبب عدم تلقي العلاج اللازم، وحتى المشفى الحكومي الوحيد لم نجد منه التعاون الذي يفترض أن يكون بمتناول الجميع».