خطوط حمراء لسلطة الأمر الواقع في دمشق
- تم النشر بواسطة خاص / لا ميديا

دمشق - خاص / لا ميديا -
فجأة انتبه السوريون، وخاصة في دمشق وحمص والساحل السوري، يوم الجمعة الماضي، على تحركات غير عادية للمجموعات المسلحة التي كانت تنتشر في هذه المناطق، وبما يوحي بوجود أمر ما.
تجمع لهذه القوات، ثم انسحاب غير معروف السبب، والجهة التي يتجهون إليها.
مساء بدأت الأخبار والشائعات المتناقضة تتوالى، تارة تتحدث عن انسحاب كامل أو جزئي، وأخرى عن تجميع القوات لمحاربة «قسد»، وثالثة عن انقلاب لمجموعات مسلحة على سلطة الجولاني في إدلب، ورابعة عن وجود العميد المنشق مناف طلاس في دمشق وأنه سيتسلم السلطة، وإشاعات تتحدث عن عودة ماهر الأسد محررا.
بعض هذه الشائعات كانت تلقائية، بسبب الإجراءات المفاجئة والغموض الذي يكتنفها، ولعدم وجود أي مصدر رسمي يوضح ما يجري، وبعضها كان يعبر عن أضغاث أحلام هنا أو هناك، وبعضها كان وراءه أهداف من عدة جهات ولغايات متعددة.
الملفت أن هذه التحركات والشائعات، ترافقت مع وصول وزير الخارجية السعودية، فيصل بن فرحان، بشكل مفاجئ إلى دمشق، ولقائه قائد العمليات العسكرية، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) مما أعطى نوعاً من الدراما السياسية للمشهد السوري الحافل بالأحداث هذه الأيام، وكان من الطبيعي أن يتم ربط كل ما يحدث بزيارة الوزير السعودي.
بعد ذلك بدأت الصورة تتضح أكثر، مع تناقل أخبار شبه مؤكدة عن خطة حملها الوزير السعودي، للسلطات في دمشق، بعد وصول الوضع في سورية، إلى مرحلة مقلقة من التوتر، الذي ينذر بانفلات الأوضاع الأمنية فيها، ليتبين فيما بعد، وجود أوامر للمجموعات المسلحة، وخاصة العناصر الأجنبية، من شيشان وإيغور وأوزبك وتركمان وغيرها، والتي تعرف بدمويتها وتطرفها، بالانسحاب من هذه المدن ومناطقها، وتسليمها للأمن العام، الذي تم تخريج دورات منه على عجل، ومن لون طائفي واحد، لكن ما يميزه عن غيره من المجموعات المسلحة، هو خضوع عناصره لأوامر وسلطة الإدارة العسكرية الحاكمة، بعكس الكثير من الفصائل، التي تضع نفسها تحت تصرف هذه السلطات، لكنها تتجاوزها، لترتكب عمليات القتل والاعتقال، والتنكيل بالناس.
ومع غياب أي بيانات أو مصادر رسمية، توضح حقيقة ما جرى، لكن ما تم تسريبه من أخبار، تتوافق مع الواقع، أكد أن الوزير السعودي، لم يحمل خطة للاتفاق عليها مع حكومة الشرع (الجولاني) وإنما أوامر لهذه السلطة، مترافقة مع ما قيل عن (رسالة شديدة اللهجة من الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب) لنزع فتيل التوتر الذي تحاول (معظم) الأطراف الإقليمية والدولية عدم وصوله إلى مرحلة الانفجار، بسبب خطورة وتأثير ما يجري في سورية، على كل دول المنطقة، بدون استثناء، وعلى التوازنات الإقليمية والدولية، التي تزعزت بقوة، مع التغيير السريع، الذي جرى في سورية.
ومع طغيان الوضع الأمني على الصورة، بسبب المجازر التي ارتكبتها مجموعات مسلحة، منضوية تحت سلطة حكومة دمشق، في عدد من القرى والمناطق العلوية والشيعية، خاصة في حمص وريفها، والتي ذهب ضحيتها عشرات الأشخاص من المدنيين الأبرياء، لكن تسريبات الأخبار أكدت أن هناك أوامر أخرى، وجهت لحكومة دمشق، أبعد من الموضوع الأمني، وتطال كل القضايا، التي تحدث التوتر في المجتمع السوري، وتنذر بانفجاره، وأهمها:
- إخراج جميع السجناء، الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء، وفي حال تم إدانة أي شخص، يعرض على لجنة من الأمم المتحدة، ليتم تقرير مصيره.
- إعادة جميع الموظفين المثبتين على رأس عملهم، ودفع كامل مستحقات المتقاعدين منهم.
- تشكيل وزارة دفاع تضم فيها الفصائل المنضبطة، وإعادة كافة الضباط الذين تخرجوا من الكليات السورية (في حال رغبتهم بذلك).
- طرد كامل الأجانب من الأراضي السورية الذين ينضوون تحت مسميات فصائل مسلحة.
- الإسراع في تشكيل حكومة جديدة، تضم كافة أطياف المجتمع السوري، بحقيبة سيادية، لكل مكون من الشعب السوري.
- عدم السماح للمتشددين الإسلاميين بتسلم أي منصب في الدولة الجديدة.
- احترام كامل حقوق المواطنين، وأهمهم الأقليات، في إقامة عاداتهم وتقاليدهم وممارسة طقوسهم الدينية، وحمايتهم في كل مكان وزمان، وتقديم ضمانات بذلك.
- إخراج جميع المظاهر المسلحة، من الشارع السوري، وتسليم المناطق لوزارة الداخلية، وعناصر من الشرطة، المنضبطين وغير ملثمين.
ما جرى يؤكد أن القوى الإقليمية والدولية، ضاقت ذرعاً بسياسات حكومة الأمر الواقع، الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي أدت إلى توترات كبيرة في المجتمع السوري، وطالت معظم شرائحه، والتي ترافقت مع تراجع حكومة دمشق، عن معظم الوعود، التي أطلقتها بشكل متسرع، وتبين صعوبة تحقيقها، مثل معالجة أوضاع الكهرباء، وزيادة الرواتب، والتبخر السريع لكل وعود المساعدات، التي تم الحديث عنها، من دول الخليج، للتغلب على الأوضاع الاقتصادية، وتسديد الرواتب، ليتبين أنها ليست أكثر من مجرد وعود، ليس لها وجود على أرض الواقع، حتى من قطر وتركيا، التي تعتبر عرابة السلطات الجديدة في دمشق، وليتأكد أن ما من شيء سيأتي بدون ثمن، وبدون أن تخضع سلطات دمشق، إلى الإرادة الإقليمية والدولية، المعنية بالوضع في سورية، وفي مقدمتها الإدارة الأمريكية.
ويبدو واضحاً أن هذه القوى وضعت خطوطاً حمراء أمام السلطات الجديدة، أهمها أن سورية لا يمكن أن تحكم من قوى إسلامية متطرفة، أو من قبل حكومة من لون واحد.
كما حملت رسالة من السعودية، ومعها مصر والأردن والإمارات، وبالتأكيد بضوء أخضر أمريكي، أن الساحة السورية لا يمكن أن تترك لتركيا، لتتصرف فيها، وكأنها حديقتها الخلفية.
الوضع في سورية، لم يستقر حتى الآن، ويبدو أنه مرشح لتطورات مفتوحة، خاصة مع التأكد من أن سلطات الأمر الواقع، فشلت حتى الآن، في اتباع سياسات تطمئن الشعب السوري، وتحافظ على وحدته، ومع التأكد من أن القوى الإقليمية والدولية، المعنية بالوضع في سورية، تراقب ما يجري بدقة، ولا يمكن أن تترك الأمور في سورية بدون ضوابط تمنع انزلاق الوضع فيها، إلى متاهات تهدد الجميع، وبانتقال التوتر فيها، إلى محيطها الجغرافي، وربما أبعد من ذلك بكثير.
المصدر خاص / لا ميديا