ارتفاع الوفيات إلى 14.. ألف يوم على الجريمة بحق «أطفال اللوكيميا» والعدالة متعثرة
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا

مصدر في البنك لـ «لا»: لدينا توجيهات عليا بعدم صرف أي مبالغ من المحكوميات على الجهات الحكومية
أولياء أمور الضحايا: تعاقبت حكومتان على الجريمة ولم نجد إنصافا وكل يوم نشعر بالعدالة تبتعد والحق يزداد ضياعاً
تحقيق: عادل عبده بشر / لا ميديا -
ارتفع عدد وفيات الأطفال جراء جرعة الدواء الملوثة في مركز لوكيميا الدم بمستشفى الكويت الجامعي بالعاصمة صنعاء، إلى 14 وفاة، بعد التحاق ثلاثة أطفال من بين (10 مصابين) بأقرانهم الـ(11) المتوفين في ذات القضية التي حدثت أواخر أيلول/ سبتمبر 2022م، وشغلت الرأي العام قطعة من الزمن.
وبعد مرور قرابة ألف يوم على تلقي 21 طفلاً من مرضى لوكيميا الدم في مستشفى الكويت، جرعة من دواء ميثوتريكسيت (methotrexate) مبكترة، وانقضاء نحو عام و8 أشهر منذ صدور حكم المحكمة بحق المدانين بالجريمة، تعيد صحيفة «لا» هذه القضية إلى الواجهة، مع استمرار معاناة أهالي الأطفال الضحايا بحثاً عن عدالة تائهة بين قضاء لا يمتلك قوة التنفيذ لقراراته، وبين مُدان «حكومي» عصي على سُلطة القانون، بحسب تعبير أحد أولياء أمور الأطفال الضحايا.
في جديد القضية، أفاد «لا» عدد من أهالي أطفال مرضى لوكيميا الدم ضحايا الجرعة الملوثة، أن ثلاثة أطفال توفوا جراء المضاعفات التي يعانون منها بسبب جرعة الدواء الفاسدة، ليصل إجمالي المتوفين في هذه الجريمة إلى 14 طفلاً، فيما لايزال 7 آخرون يصارعون مرض اللوكيميا مضافاً إليه مضاعفات خطيرة تسببت بها جرعة (methotrexate).
والثلاثة المتوفون الجدد هم (جود فهد الصلاحي -يوسف أمير عوض -يوسف عثمان الضريبي).
وكان الأطفال من مرضى لوكيميا الدم في مستشفى الكويت بصنعاء، قد تلقوا بتاريخ 24-25 أيلول/ سبتمبر 2022، جرعة من دواء (methotrexate) المصنع لدى شركة CELON LABS (سيلون لابز) الهندية، ليتضح لاحقاً أن الدواء ملوث وأودى، حينها، بحياة 11 طفلاً، وإصابة عشرة أطفال آخرين بمضاعفات خطيرة، بينهم طفلان بمركز الأورام في سيئون بمحافظة حضرموت.
وقال لـ»لا» فهد الصلاحي إن ابنته جود (14 عاماً) غادرت الحياة في 19 آذار/ مارس الماضي، بعد صراع كبير مع مرض «لوكيميا الدم» والمضاعفات التي تسببت بها الجرعة الملوثة.
وأُصيبت «جود» بالمرض عام 2021م وهي في العاشرة من عمرها، وفقاً لوالدها، ثم تلقت العلاج في مركز لوكيميا الأطفال بمستشفى الكويت الجامعي بصنعاء، لمدة عام ونصف، تحسنت صحة جود خلالها كثيراً. وفي 24 أيلول/ سبتمبر 2022م، تلقت الطفلة حُقنة من دواء «ميثوتريكسيت» في النخاع العظمي، تسببت بانتكاسة كبيرة لصحتها، وأُدخلت جود العناية المركزة لثلاثة أشهر.
إلى جانب جود كان هناك عشرون طفلاً آخرون، تلقوا ذات الجرعة في الفترة نفسها 24-25 أيلول/ سبتمبر 2022م، وكانت النتيجة وفاة 10 أطفال في غضون أيام من تلقيهم الجرعة، ثم التحق بهم الطفل «قصي القحطاني» بعد أربعة أشهر من مكوثه في العناية المركزة، بينما العشرة الأطفال الآخرون استمروا في الصراع مع المرض ومضاعفات الجرعة الملوثة، حتى غادر ثلاثة منهم الحياة مؤخراً، بينهم «جود».
معاناة مستمرة
فهد الصلاحي هو واحد من أولياء أمور الأطفال الـ21 الذين لم يتذوقوا طعم الراحة منذ حدوث «الجريمة» بحق أطفالهم، وفقاً لتعبيره. فبرغم مرور قرابة ألف يوم على «الجرعة الملوثة» بينها عام و8 أشهر على إصدار محكمة غرب الأمانة حكمها في هذه القضية أواخر أيلول/ سبتمبر 2023م، لايزال أولياء أمور الأطفال يتجرعون عناء البحث عن العدالة المفقودة والتائهة بين روتين قضائي فضفاض وبين غرماء حكوميين لا قيمة للمواطن لديهم.
وفيما يبدو أن معاناة أهالي الأطفال الضحايا ستطول أكثر، جدد أولياء أمور الأطفال شكاواهم لصحيفة «لا» متهمين الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية، بالمماطلة في تنفيذ جميع بنود الحكم الصادر من محكمة غرب الأمانة بتأريخ 24 أيلول/ سبتمبر 2023م.
وقالوا إن هيئة الأدوية لم تلتزم بقرار المحكمة فيما يخص التكفل بمعالجة الأطفال المصابين حتى يتماثلوا للشفاء.. وأكد عدد من أولياء أمور الأطفال المصابين، أنهم يتحملون علاج أطفالهم على نفقتهم الشخصية، بما في ذلك «حتى الأدوية التي يطلبها المستشفى ويتم شراؤها من الصيدليات».
وفيما يتعلق بالبند الخاص بإلزام الهيئة العليا للأدوية بدفع مبالغ مالية أقرتها المحكمة، لأولياء أمور الأطفال الضحايا، تعويضاً لهم عن الأضرار التي تعرضوا لها، أفاد الأهالي، بأن هيئة الأدوية، حتى اللحظة، لم تدفع التعويضات كاملة.
وقال لـ»لا» ثابت الحوري، والد الطفلة المتوفاة فاتن ضحية الجرعة الملوثة: «مازلنا نعيش ذات المعاناة على مدار قرابة ألف يوم، حيث حفيت أقدامنا وهزلت أجسادنا ونحن نتنقل ما بين المحكمة ووزارة الصحة وهيئة الأدوية والبنك المركزي اليمني، ورئاسة الحكومة ومجلس النواب، بحثاً عن حق لا يأبه له المسؤولين وجهات الاختصاص».
وأضاف: «تعاقبت حكومتان على الجريمة التي تعرض لها أطفالنا، ولكننا لم نجد إنصافا، ومع كل يوم يمر، نشعر أن العدالة تبتعد أكثر والحق يزداد ضياعاً».
وأوضح الحوري أن محكمة غرب الأمانة وجهت عدة مذكرات للهيئة العليا للأدوية ووزارة الصحة لتنفيذ حكم المحكمة، دون فائدة، فيما توجه هو وعدد من أولياء أمور الأطفال الضحايا، إلى رئاسة الحكومة بهدف إجبار «الأدوية» على تنفيذ حكم المحكمة، ولكنهم لم يجدوا سوى مذكرات لا تغني ولا تسمن من جوع.
وناشد أولياء أمور الأطفال عبر «لا» النائب العام، القاضي عبدالسلام حسن الحوثي، إنصافهم والتوجيه بالإسراع في تنفيذ حكم المحكمة.
وقضى منطوق حكم المحكمة في البند السابع منه، بإلزام الهيئة العليا للأدوية بدفع مبلغ عشرة ملايين ريال لأسرة كل طفل متوفى، ومبلغ خمسة ملايين ريال، لأسرة كل طفل مصاب، بإجمالي 160 مليون ريال، تعويضاً لهم عن الأضرار التي تعرضوا لها، وإلزام الهيئة بمعالجة الأطفال الذين أُصيبوا بمضاعفات، على نفقتها الخاصة حتى يتماثلوا للشفاء.
البحث عن توجيهات عليا بالصرف
في هذا الصدد قال لـ»لا» مصدر قضائي إن الهيئة العليا للأدوية سلمت محكمة غرب الأمانة في يونيو 2024م مبلغ مائة مليون ريال، من المبلغ المحكوم عليها في ذات القضية.
وأفاد بأنه وبعد خصم مبلغ 21 مليون ريال كانت الهيئة العليا للأدوية قد سلمته لأمهات الأطفال الضحايا بعد وقوع الجريمة، كـ»جبر خاطر»، تكون الهيئة ملزمة بدفع المتبقي من المبلغ الإجمالي 139 مليون ريال، غير أنها سلمت المحكمة في يونيو الماضي، مبلغ 100 مليون، فقط، تم توزيعه على أهالي الأطفال الضحايا، فيما لاتزال الهيئة تمتنع عن تسليم بقية المبلغ وقدره «39 مليونا».
وأكد المصدر أن المحكمة وجهت مطلع العام الجاري مذكرة إلى محافظ البنك المركزي اليمني، حصلت «لا» على نسخة منها، طالبته فيها بخصم مبلغ 39 مليون ريال من حساب الهيئة العليا للأدوية لدى البنك أو لدى أي بنك آخر أو منشأة صرافة، حتى يتسنى للمحكمة تسليمها لأهالي المجني عليهم.
وتواصلت «لا» مع الشؤون القانونية في البنك المركزي اليمني، للاستفسار عن مصير هذه المذكرة، فأفاد أحد مسؤولي الشؤون القانوية في البنك المركزي، بأن المذكرة موجودة لدى البنك، ولكنها مجمدة نتيجة لوجود توجيه من رئاسة الجمهورية إلى محافظ البنك المركزي بعدم صرف أي مبالغ من المحكوميات القضائية على جهات حكومية، بينها وزارة الصحة والهيئة العليا للأدوية.
وقال المسؤول: «سبق أن قمنا بالرفع إلى محافظ البنك المركزي باستثناء مبلغ الأطفال ضحايا الجرعة الملوثة باعتبارها قضية إنسانية، ولكن لا نعتقد أن الأخ المحافظ سيخالف توجيهات الرئاسة». وأضاف: «اقترح أن يجد الأهالي طريقة للحصول على توجيه من رئاسة الجمهورية إلى البنك المركزي بصرف هذا المبلغ».
صحيفة «لا» وبلسان أولياء أمور الأطفال الضحايا، تضع هذا الأمر بين يدي فخامة رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير مهدي المشاط، خصوصاً وأن المبلغ المالي المتبقي لأهالي الأطفال لا يستحق كل هذا العناء.
25 جلسة محاكمة
وكانت محكمة غرب الأمانة قد أسدلت الستار على قضية مجزرة أطفال لوكيميا الدم، بتاريخ 24 أيلول/ سبتمبر 2023م، بعد عام من وقوع الجريمة ونحو 25 جلسة شهدتها المحكمة.
وقضى منطوق الحكم بإدانة ثلاثة متهمين بالتسبب بالخطأ بقتل 11 طفلاً من مرضى لوكيميا الدم، وإصابة 10 آخرين بمضاعفات خطيرة.. وإدانة الهيئة العليا للأدوية بتقديم مساعدة للمدانين الثلاثة.
وكذلك إدانة أربعة آخرين ببيع أدوية مهربة، وبراءة متهم واحد من التهم المنسوبة إليه.
كما قضى منطوق الحكم، بمعاقبة المدانين الثلاثة بالحبس مدة سنة مع وقف التنفيذ، وإلزامهم بدفع ديات القتل الخطأ وتسليمها لأولياء دم الأطفال الـ11 المتوفين، وكذلك دفع مبلغ 11 مليون ريال لأولياء دم الأطفال المتوفين، مقابل أغرام ومخاسير التقاضي، ودفع مبلغ 20مليون ريال، تُسلم لأولياء أمور الأطفال الـ10 المصابين، تعويضاً لهم عن الأضرار التي تعرضوا لها ومقابل نفقات التقاضي.
وقضت المحكمة بمعاقبة الهيئة العليا للأدوية، بدفع غرامة مبلغ وقدره 10 ملايين ريال لصالح وحدة لوكيميا الأطفال بمستشفى الكويت الجامعي، وإلزام الهيئة بدفع مبلغ 10 ملايين ريال لأسرة كل طفل متوفى، و5 ملايين ريال، لكل طفل مصاب، تعويضاً لهم عن الأضرار التي تعرضوا لها، وإلزام الهيئة، أيضاً، بمعالجة الأطفال العشرة المصابين بالمضاعفات، على نفقتها الخاصة.
كما قضى منطوق الحكم، بمعاقبة المدانين الأربعة بدفع مبلغ 300 ألف ريال عن كل واحد منهم وتسلم للخزينة العامة للدولة.. وإحالة شركة CELON LABS (سيلون لابز) الهندية، للتحقيق مع ممثليها بواقعة صناعة دواء (methotrexate) مُبكتر، والمتسبب بقتل وإصابة الأطفال الـ21، وعلى النيابة الرفع بقرار الاتهام وتقديم الشركة للمحاكمة عاجلاً.. وكذلك إحالة (ع.س.ف) إلى النيابة العامة للتحقيق معه بواقعة تهريب أدوية (methotrexate) المبكترة والمتسببة بالجريمة، وسرعة تقديمه للمحاكمة.
وبحسب أهالي الأطفال الضحايا، فإنه وحتى اليوم، لم تعقد المحكمة أية جلسة لمحاكمة شركة (سيلون لابز) أو إحالة (ع.س.ف) إلى النيابة العامة للتحقيق معه بواقع تهريب الأدوية محل الجريمة.
المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا