تقرير / لا ميديا -
في غزة، الموت لم يعد حدثاً، بل صار روتيناً. والحياة هناك صارت معجزة يومية. في القطاع المسيج بالنار والحقد الصهيوني الهائج، تداس القوانين الدولية، ويُشنق الضمير الإنساني بدم بارد.
وفي فصل مروع من عدوان الإبادة، صعّد الكيان الصهيوني جرائمه على قطاع غزة، متجاوزاً كل حدود العقل والمنطق والإنسانية. وخلال الأيام الثلاثة الأخيرة فقط، ارتقى أكثر من 500 شهيد، وفق مدير المستشفيات الميدانية بوزارة الصحة، ليصبح الدم الفلسطيني المراق مشهداً يومياً مكروراً على مذبح الصمت الدولي وتواطؤ العجز الإقليمي.

150 شهيدا في ساعات
في يوم دامٍ آخر، ارتقى أمس أكثر من 150 فلسطينياً خلال أقل من 12 ساعة، غالبيتهم في مدينة غزة وشمال القطاع.
وأفادت مصادر فلسطينية بأن 35 استشهدوا بقصف طال منازل وخيام نازحين في منطقة المواصي غرب خان يونس، فيما استُشهد عشرات آخرون في غارات متفرقة، في يوم جديد من المجازر الجماعية.
في تطور يعكس فداحة الجريمة في غزة وضراوة الهجوم الوحشي الصهيوني، استشهد أمس خمسة صحفيين في القطاع، باستهداف مباشر لمنازلهم من قبل قوات الاحتلال.
المكتب الإعلامي الحكومي في غزة وصف ما يجري بأنه «حرب إبادة». ففي 48 ساعة فقط، استشهد أكثر من 200 شخص، وهُجّر نحو 300 ألف من منازلهم، بينما دُمّرت نحو 1000 وحدة سكنية، في عمليات عدوانية لا تفسير لها غير الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة أن حصيلة الشهداء منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بلغت 53,339 شهيداً و121,034 مصاباً، وسط استمرار القصف الجوي والبري العنيف، وتحت ظل الحصار الخانق الذي حوّل القطاع إلى مقبرة مفتوحة.

سفاح تحت الأضواء
العدو الصهيوني لم يتحفظ على إظهار جرائمه، وأعلن بدء عملية برية دموية جديدة في مناطق شمال وجنوب القطاع، ضمن ما سماه بـ»عربات جدعون»، ومازال يتوعد بالمزيد.
وترافق الهجوم البري مع ضربات جوية استهدفت أكثر من 670 موقعاً، متسببة بمذابح كبيرة. وبينما يدّعي العدو الصهيوني «تحقيق تقدم ميداني»، يشهد القطاع أكبر عمليات الإبادة وتدميراً واسعاً للبنية التحتية، وسحق حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين.

16 ألف مصاب من جنود الاحتلال
رغم استمرار الآلة العسكرية الصهيونية في جريمة الإبادة بغزة بلا هوادة، إلا أن قوات العدو تواجه أزمة داخلية خانقة تتكشف فصولها تباعاً. فقد كشفت صحيفة «هآرتس» عن انتحار 35 جندياً منذ بدء العدوان، سبعة منهم منذ مطلع 2025، في ظل تفاقم الأزمة النفسية في صفوف القوات الصهيونية.
ووفق إعلام العدو، يُقدّر عدد الجنود الذين يتلقون علاجاً نفسياً بأكثر من 9000 جندي، بينما تم إخفاء معطيات إصابة آلاف آخرين بإصابات جسدية ونفسية، لأسباب تتعلق بـ»الجاهزية القتالية».
وأعلن قسم إعادة تأهيل الجنود المصابين، خلال اجتماع في الكنيست (البرلمان الصهيوني)، في 9 آذار/ مارس الماضي، أنه قبل «الحرب» على غزة كان عدد الجنود الذين اعتنى بهم القسم 62 ألفاً، وأن العدد ارتفع الآن إلى 78 ألفاً، معظمهم جنود احتياط و51% من المصابين دون سن 30 عاماً.
ذلك يعني أن 16 ألف جندي أصيبوا خلال العدوان على غزة وطلبوا عناية قسم إعادة تأهيل الجنود بهم.
ووفق الإعلام الصهيوني، يواصل «الجيش» استدعاء جنود مصابين باضطرابات ما بعد الصدمة للخدمة مجدداً. بعضهم، كما في حالة الجندي الذي انتحر في آذار/ مارس 2024 بعد استدعائه رغم تسجيله كمصاب نفسي، لم يتح له حتى فرصة التماس المساعدة الطبية. وقد نُقل عن أحد الضباط قوله: «نحن بحاجة إلى أكبر عدد من البنادق».
ونقلت تقارير إعلام العدو عن «المؤرخ» الصهيوني د. لي مردخاي قوله إن إخفاء الأعداد الحقيقية لخسائر قوات العدو عائد لأهداف يسعى الكيان لتحقيقها. وقال إن «مصلحة الجيش الإسرائيلي هي تقليل عدد الجرحى، وبذلك خفض الثمن الذي يدفعه الجمهور بسبب الحرب. وهذا يتلاءم مع سياسة أوسع هدفها منح شرعية للحرب، وأن يكون الجمهور مستعداً لدفع الثمن».