بيتر بومونت  - صحيفة «الجارديان» (the guardian) البريطانية
ترجمة خاصة:إياد الشرفـي / لا ميديا -
الرهان «الإسرائيلي» على القوة العسكرية، وخصوصاً جرّ الولايات المتحدة إلى الحرب، يحمل مخاطر كبيرة، وقد لا يحقق النتيجة المرجوة. وفي حال لم تتدخل واشنطن بشكل واســـــع، فــــإن «إسرائيل» تكون قد «وضعت إصبعها في عش الدبابيـــــر» .
يشكك خبراء في قدرة هجوم «إسرائيل» على إيران، بما في ذلك برنامجها النووي والباليستي، على ضمان تحقيق أهدافها الاستراتيجية طويلة المدى، حتى لو تمكن بنيامين نتنياهو من إقناع إدارة ترامب بالانضمام إلى الصراع في الأيام والأسابيع المقبلة.
ووفقاً لدبلوماسيين وخبراء عسكريين ومحللين أمنيين، من المرجح أن تواجه «إسرائيل» -ورئيس وزرائها- رياحاً معاكسة متزايدة في هذه الحملة، وسط تحذيرات من أنها قد تُخاطر بزعزعة استقرار المنطقة بشكل خطير.
هناك شكوك متزايدة حول ما إذا كان حتى استخدام الولايات المتحدة للقنابل الضخمة التي تخترق الأرض قد يتمكن من تدمير منشأة فوردو النووية الإيرانية، المدفونة عميقاً تحت جبل، وبرزت تساؤلات حول قدرة «إسرائيل» على مواصلة هجوم بعيد المدى عرّض مدنها لدمار كبير بفعل هجمات مضادة بالصواريخ الباليستية.
يُفرّق الخبراء بين نجاح «إسرائيل» العملياتي في استهداف مواقع وقيادات إيرانية، وأهدافها الاستراتيجية التي يبدو أنها امتدت لتشمل تغيير النظام في طهران، بالإضافة إلى تدمير برنامجها النووي.
قال توبي دودج، أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد: «هناك اتجاه سائد في إسرائيل يعود إلى تشكيل الدولة، يُوحي للسياسيين بأن العنف سيُحقق حلاً لمشاكل سياسية. أشعر أن النظام الإيراني أكثر استقراراً مما يُشاع. ولأن لإيران تاريخاً طويلاً في الالتزام بالتحديث التكنولوجي وانتشار الأسلحة النووية، فهذا أمر لا يُمكن القضاء عليه ببساطة باستخدام قنبلة».
يشعر المحللون بالحيرة أيضاً إزاء استراتيجية «إسرائيلية». ويبدو أنها راهنت على إشعال صراع على أمل دفع الرئيس الأمريكي المتقلب دونالد ترامب للانضمام، موفرةً القوة النارية التي تفتقر إليها «إسرائيل» من حيث القنابل الضخمة الخارقة للتحصينات.
يقـدر الخبراء أن الولايات المتحدة ستضطر على الأرجح إلى استخدام العديد من هذه القنابل، والتي يجب إسقاطها على مقربة نسبية من منشأة فوردو، محميةً بما يصل إلى 90 متراً من الصخور، في عملية معقدة ومحفوفة بالمخاطر وغير مضمونة النجاح، ومن المرجح أن تستدعي رداً انتقامياً من إيران ضد القواعد الأمريكية، ما قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد.
كتب دانيال سي. كورتزر، السفير الأمريكي السابق لدى «إسرائيل»، وستيفن إن. سيمون، العضو المخضرم في مجلس الأمن القومي، في مجلة «فورين أفيرز» هذا الأسبوع: «إن التعاقد من الباطن على مهمة فوردو من شأنه أن يضع الولايات المتحدة في مرمى نيران إيران».
من شبه المؤكد أن إيران سترد بقتل مدنيين أمريكيين. وهذا بدوره سيجبر الولايات المتحدة على الرد بالمثل.
أدلى آية الله العظمى علي السيستاني، المرجع الديني العراقي الأبرز، بتدخل نادر، مُحذراً من المخاطر الجسيمة التي تُهدد المنطقة.
ومن بين المُشككين الآخرين أندرياس كريج، الأستاذ المُشــــــارك في قسم الدراسات الدفاعية في كلية كينجز كوليدج بلندن، والذي عمل على نطاق واسع في الشرق الأوسط، ويُشكك في أن تتمكن القوة الجوية وحدها من إحداث التأثير الذي تسعى إليه «إسرائيل»، سواءً من حيث تدمير الخبرة النووية الإيرانية أو الإطاحة بالنظام الديني. «إنها ليست الحل الأمثل. لقد تعلمنا درساً مفاده أن القوة الجوية وحدها لا تُجدي نفعاً. ثم تعلمنا في العراق وأفغانستان أن حتى الأعداد الهائلة من القوات البرية لا تُجدي نفعاً»، كما قال.
وأضاف: «ما نراه ليس نهجاً استراتيجياً، بل هو نهج عملي يعتمد على القوة الجوية. وقد بدأ النهج العملي يستهلك النهج الاستراتيجي الذي يُمثل الهدف السياسي النهائي».
يقول أحد الخبراء: «على إسرائيل أن تأمل؛ لكنها تغيير لن تستطيع الواقع، وإن استهداف رؤوس النظام لا يُجدي نفعاً ضد هذا النوع من الشبكات. يُمكن القضاء على عُقد رئيسية مع تراجع الدعم الأمريكي للتدخل العسكري الأمريكي في استطلاعات الرأي، وتهديد هذه القضية بانقسام حركة «ماغا» (النصر العظيم) التي يتزعمها ترامب، قد تجد إسرائيل نفسها في موقف محرج من نقاشٍ سامّ ذي أهمية أكبر بكثير لترامب من دعم نتنياهو».
في حال فشل التدخل الأمريكي لدعم حملة «إسرائيل»، من المرجح أن تواجه «إسرائيل» تحدياتٍ متزايدة، وسط مؤشرات إلى نفاد بعض صواريخها الاعتراضية.
من المرجح أن يُضعف إرهاق الطاقم من الطلعات الجوية بعيدة المدى، ودورات صيانة الطائرات، واستنفاد قوائم الأهداف المُعدّة، قدرة «إسرائيل» على تحمُّل صراعٍ طويل الأمد بمستوى الشدة الحالي.
ولقد شعرت طهران بانخفاض عدد الصواريخ الاعتراضية، وأصبحت قادرة على استهداف المدن «الإسرائيلية»، وشعر الإيرانيون بأنهم قد تجاوزوا أسوأ ما في العاصفة.
هناك احتمال ثالث. في كتابه «شن حرب حديثة»، وفي أعقاب الحملة الجوية لحلف الناتو في كوسوفو عام 1999 (التي تُعتبر من أنجح عمليات استخدام القوة الجوية)، وصف القائد الأعلى السابق لقوات التحالف في الناتو، ويسلي كلارك، الحملة بأنها تهدف إلى إجبار الصرب على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
مع استئناف الاتصالات مع المفاوضين الإيرانيين، بما في ذلك محادثات جنيف يوم الجمعة مع الدول الأوروبية، أشار ترامب نفسه إلى أن هناك متسعاً من الوقت للدبلوماسية.
حتى لو أُجبرت إيران على إبرام اتفاق نووي، فقد تجد «إسرائيل» أن ذلك ينطوي على تكاليف خفية باهظة، ليس أقلها إمكانية بقاء نظام ديني لديه كل الأسباب ليكون أكثر عدائية لـ«إسرائيل» و«الإسرائيليين»، وربما كشف حدود القوة العسكرية «الإسرائيلية».
يقول دودج: «إذا لم يتحلَّ خامنئي بالحكمة للتراجع، وإذا لم تتدخل أمريكا، فإن إسرائيل قد وضعت إصبعها في عش دبابير».