دمشق - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
تشهد عدة عواصم إقليمية ودولية، حركة نشطة هذه الأيام، لترتيب خريطة المنطقة وتوازناتها، بعد التطورات الكبيرة، التي شهدتها منذ طوفان الأقصى وإلى اليوم.
ما يميز الحركة السياسية والدبلوماسية هذه الأيام، أن ما يجري في كواليسها، أكبر بكثير مما يتم الإعلان عنه، وهذا يؤكد أن ما يجري، هو لإنجاز الترتيبات لرسم الخارطة الجيوسياسية، انطلاقاً من توازنات القوى والقوة المستجدة في المنطقة، في ضوء الحرب في غزة، والحرب الإيرانية -«الإسرائيلية»، والتغيير الدراماتيكي في دمشق. 
أبرز ما تم تسجيله خلال الأيام القليلة الماضية:
- الشرع في الإمارات، عرابة التطبيع و«الاتفاق الإبراهيمي».
- الرئيس ترامب يشيد بشكل لافت بالشرع.. والولايات المتحدة الأمريكية، ترفع «هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)» من قوائم التنظيمات الإرهابية، وتتحرك في الأمم المتحدة، لاتخاذ خطوة مماثلة، تمهيداً لزيارة الشرع إلى نيويورك، للمشاركة في جلسات الجمعية العامة للمنظمة الأممية، ومن المتوقع أن يجري الترتيب، لعقد لقاءات هامة على هامش الزيارة، وقد تشمل زيارة واشنطن، أو لقاء مع الرئيس ترامب في نيويورك.
- وزير الخارجية البريطانية ديفيد لامي يزور دمشق، لأول مرة منذ 14 عاما، ويلتقي الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني، ويعلن عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق ولندن.
- منظمة الاتحاد من أجل المتوسط، تعيد سورية إلى عضويتها.
- نتنياهو في واشنطن، في زيارة غير روتينية، وسط حديث عن ضغط أمريكي، لوقف القتال في غزة، وضربات قوية، توجهها المقاومة لجيش الاحتلال، وهو مخالف لما يريده نتنياهو وحكومته.
- اليمن يدمر سفينة بريطانية، في خطوة تؤكد فشل العدوان الأمريكي -البريطاني -«الإسرائيلي» على الحديدة، ومواقع يمنية أخرى، ويؤكد أن الحصار على الموانئ «الإسرائيلية» مستمر، وأن اليمن قادر على توجيه ضربات موجعة، لتحالف العدوان.
- إيران تحاول ترسيخ قوتها، واستخلاص العبر، من الاشتباك مع الكيان «الإسرائيلي»، وتتزود بشكل خاص، بأحدث الطائرات ووسائل الدفاع الجوي الصينية والروسية، وتوقف التعاون مع وكالة الطاقة الذرية.
- المبعوث الأمريكي توماس باراك في بيروت، ويطلق تصريحات مخففة حول حزب الله، وسلاح المقاومة.
واضح جداً أن كواليس هذه الحركة السياسية والدبلوماسية، تتمحور بشكل أساسي، حول تموضع ومكانة دمشق، والتي ستكون مفتاح الترتيبات الجيوسياسي، التي تجري حول المنطقة وتوازناتها، وهو الموضوع الأساسي لزيارة الشرع لأبوظبي، التي تتجاوز موضوع العلاقات الثنائية بين البلدين، لتدور بشكل أساسي، حول ترتيبات تجري لإنجاز اتفاق سلام سوري -»إسرائيلي»، تمهيداً للتطبيع بين الجانبين، ودخول دمشق في «الاتفاق الإبراهيمي»، والذي سيكون المفتاح لدخول أطراف عربية أخرى في التطبيع والاتفاق وفي مقدمتها السعودية.
وتحدثت أخبار غير رسمية، عن وجود تساحي هنيكبي، رئيس مجلس الأمن القومي «الإسرائيلي»، ومسؤول الكيان في المفاوضات غير العلنية مع دمشق في أبوظبي، خلال زيارة الشرع، وأن لقاء حدث بين الجانبين.
وكانت الأيام القليلة الماضية، قد حفلت بأخبار وتصريحات من مستويات سياسية عالية، في دمشق و«تل أبيب» وواشنطن، تؤكد وجود اتصالات ولقاءات سياسية ودبلوماسية، حول هذه الترتيبات، التي تجري لإنجاز اتفاق سلام، بين سورية والكيان الصهيوني.
في قوانين الصراعات والحروب، فإن الفترات المفصلية، والصراعات الكبيرة، لا تقاس نتائجها عادة، بعدد الخسائر، ولا تنتهي بخسارة نهائية لطرف، وإنما تؤدي إلى تفكيك أركان نظام جيوسياسي موجود، وولادة نظام جديد.
في هذه المواجهات الميدانية والسياسية، كانت النتيجة سجالا، حيث قاربت حرب غزة على الانتهاء، بدون تحقيق «إسرائيل» لأهدافها التي أعلنتها من هذه الحرب، وفشلت «إسرائيل» والولايات المتحدة، في تحقيق أهدافهما من العدوان على إيران، وتلقت «إسرائيل» ضربات موجعة، هزت أركان وجودها، وقرارات قمة بريكس، ستؤثر على مكانة الدولار الأمريكي، لكن أمريكا والكيان الصهيوني، لايزالان يمتلكان الكثير من عوامل القوة والتأثير.
أما التغيير الدراماتيكي الذي حصل في دمشق، فقد شكل الانعطافة الكبيرة، في مسارات الصراع، وتوازنات القوى والقوة في المنطقة، وهو ما سيجعل التحركات السياسية والدبلوماسية، ومحاولات تظهير الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، تنطلق من دمشق، وأساسها محاولة الولايات المتحدة الأمريكية، لإنجاز ترتيبات جيوسياسية، وتعميم السلام والتطبيع، و«الاتفاق الإبراهيمي»، في معظم دول المنطقة، بحيث يصبح المحرك لسياسات وتوجهات المنطقة، تمهيداً للدخول مع الصين وروسيا، لتقاسم النفوذ والمكاسب، بما يضمن الهيمنة الأمريكية، على منطقة غرب آسيا، التي تعتبر المدخل والبوصلة والمؤشر، على صعود وهبوط الإمبراطوريات، والدول العظمى، عبر التاريخ، مع الحفاظ على بعض المصالح الصينية، خاصة وأن الطرفين عاجزان عن تحقيق النصر، في أي مواجهة عسكرية بينهما، إضافة إلى المخاطر التي تحملها مثل هذه المواجهة على البلدين، وعلى الأمن والسلام في العالم.
المرحلة الآن هي للاتصالات واللقاءات وراء الكواليس، ومحاولة بلورة الاتفاق السوري -«الإسرائيلي» وتفاصيله، ثم الانتقال إلى المرحلة العلنية، وما يتطلبه إنجاز هذه الاتفاقات، من لقاءات وتفاهمات سياسية ودبلوماسية، ومن المتوقع ألا تتجاوز هذه المرحلة، نهاية العام الجاري، لتنتقل بعدها الاتصالات والاتفاقات، من الكواليس إلى العلن.
بالتأكيد هذا المسار، مرهون باستمراره، بالشكل الذي انتهى إليه، مع نهاية الحرب الإيرانية -«الإسرائيلية»، والترتيبات التي تجري لوقف القتال في غزة، والتغيير في دمشق، لكن حساسية المنطقة، وكثرة الألغام، وعوامل التفجير فيها، تجعلها مفتوحة، على احتمالات قد تكون غير محسوبة، لكن القرار اليوم هو للتهدئة.