تعـــويم المـــشتـــقـات الــنــفــطــية
- تم النشر بواسطة شايف العين/ لا

توفير السلعة مقابل تخلي الدولة عن أكثـر من تريليون ريال
تعويم المشتقات النفطية
تعويم المشتقات النفطية
عندما أصدرت اللجنة الثورية العليا قرار تعويم المشتقات النفطية في 27/7/2015، فإن دافعها الأساسي كان استمرار توفير المشتقات النفطية للمستهلكين وعدم تعطيل الحياة، وفق ما يسعى إليه تحالف العدوان الأمريكي السعودي من حصاره الجائر المفروض على مناطق سيطرة القوى الوطنية، حيث رأت (الثورية) أن الأهم في ظل الأوضاع التي تمر بها البلاد، هو توفير المحروقات، وليس جني الأموال، فكان إصدار القرار الذي يسمح للتجار وشركات القطاع الخاص باستيراد المشتقات النفطية وبيعها في السوق المحلية، بعد أن كان هذا الأمر حكراً بيد شركة النفط والغاز اليمنية، لضمان عدم انقطاعها، كون دول العدوان منعت الشركة الرسمية من استيرادها، وعرقلت وصول سفنها إلى ميناء الحديدة.
غير أن سلبيات قرار تعويم المشتقات ظهرت بعد أشهر، وتمثلت في إحداث ضرر كبير بالاقتصاد الوطني تمثل في فقدان الخزينة العامة للدولة أكثر من تريليون ريال، ما دفع بعض المسؤولين والمختصين إلى اقتراح حلول لمعالجة هذه السلبيات، قوبلت بالرفض من قبل وزارة النفط، لأسباب غامضة، وطالب آخرون بإلغاء قرار التعويم، وقدموا بدائل تحل محله مازالت في طور المناقشة.
ظروف قرار تعويم النفط وآليته
كان للجنة الثورية الفضل في إدارة مؤسسات الدولة بعد هروب هادي وحكومته إلى عدن، ومنها إلى الرياض، لكن ظروف العدوان أرغمتها على إصدار قرار تعويم المشتقات النفطية، نظراً للظروف بالغة الصعوبة التي عاشها البلد قبل القرار، خصوصاً وأن المحروقات التي كانت توفرها شركة النفط اختفت من السوق لفترة، وحلّت مكانها ما توفره السوق السوداء بسبب استهداف طيران التحالف لأرصفة الميناء النفطي، ومنع تحالف العدوان ممثل الدولة الرسمي في هذه التجارة، من استيراد المشتقات النفطية وتوفيرها، والهدف من ذلك كله هو شل حركة الحياة ومفاقمة الأزمة التي يعيشها أبناء الشعب.
فكان لزاماً على (الثورية العليا) حينها حل هذه المعضلة، والحيلولة دون نجاح مخطط المعتدين، وكسر حظر الاستيراد الذي فرضوه، لهذا أصدرت القرار 36 لسنة 2015 بتعويم المشتقات النفطية، وآليته تتمثل في ربط سعر بيعها بالبورصة العالمية وفقاً لمتوسط الشراء في الشهر الذي سبق القرار, وتعليق رسوم الجمارك والضرائب ورسوم صندوقي الطرق والتشجيع من بيع مشتقات النفط، وتورد بدلاً عنها مبالغ زهيدة تضاف إلى كل لتر من مواد البنزين والكيروسين والديزل إلى حسابي مشروعي إنشاء محطة توليد كهرباء وكذلك ميناء نفطي، في البنك المركزي.
وأقرت مادة القرار السابعة السماح للقطاع الخاص باستيراد المشتقات النفطية وفق ضوابط، منها أن تكون الشركة مرخصاً لها ومؤهلة لاستيراد تلك المواد بالكميات المصرح بها، ويمنع دخول أية كميات خلافاً لما هو محدد, والالتزام بالبيع بالسعر الرسمي، وتحويل قيمة شحنات المشتقات المستوردة عبر البنك المركزي، بالإضافة إلى التزام المستوردين بالضوابط والإجراءات التي تحددها شركة النفط المكلفة من قبل نفس القرار بتنفيذ إجراءاته على الوجه الأمثل.
سرى عمل القرار في أشهره الأولى بشكل مثالي، توفر فيها البنزين والديزل بالسعر الرسمي في المحطات المتعاقدة مع شركة النفط، وبسعر أعلى قليلاً في المحطات التي تبيع ما يستورده التجار، بعد أن كانت في متناول تجار السوق السوداء بفعل الحصار، ولكن لم يستمر هذا كثيراً, فما إن تعرقل دول العدوان دخول السفن المحملة بشحنات البنزين والديزل الحكومية لتفريغ حمولتها، حتى ترتفع أسعار البيع في المحطات وتنتشر أسواقها السوداء, لأن الشركة لا تملك في مخزونها ما توزعه للمحطات، فيكون طريق التجارة سالكاً للقطاع الخاص فقط.
توالت بعدها مشاكل القرار بالظهور جراء عدم تنفيذه وفق المنصوص عليه، وتساهل الجهات الضبطية مع المخالفين له، خصوصاً بما يتعلق بضبط سعر البيع ودفع مبالغ الاستيراد عبر البنك المركزي، ما هدد بانعدام السيولة لدى الدولة، وعمل على خفض سعر العملة المحلية أمام بقية العملات.
وأشار المتحدث الرسمي لشركة النفط أنور العامري، إلى أنه من الصعب أن تتراجع الدولة عن قرار تعويم المشتقات النفطية، كون القرار يعفيها من التزاماتها ومن تحملها لفارق الدعم على المشتقات النفطية، خصوصاً وأنها كانت تدفع قرابة 3 مليارات دولار سنوياً قيمة فارق الدعم.
وأضاف في تصريحه لصحيفة (لا) أن القرار من المفترض أن يتم في ظل وجود دولة تطبق آليته التنفيذية، أما في ظل غيابها فإنه سيحدث التلاعب والعبث كما حدث في بلدنا بالضبط.
وأكد العامري أن المختصين في الشركة حاولوا معالجة الكثير من اختلالات القرار، وطرحوا عدة نقاط لذلك، ولكن لم تأخذ الجهات العليا تلك النقاط بعين الاعتبار، كما لم تعمل بأية آلية تنفيذية تنظم عمله, ما فتح الباب أمام التلاعب لتظهر على إثره المشاكل.
استغلال (الخاص) أضر بـ(العام)
لم يكن نص قرار تعويم مشتقات النفط السبب الرئيسي في المشاكل الاقتصادية التي ظهرت وزادت من تردي أوضاع المواطنين المعيشية, بل مخالفة القطاع الخاص لما جاء فيه، وتعمدهم ذلك، هو السبب، وتتحمل الدولة جزءاً من المسؤولية بتغاضيها عنهم، وعدم مراقبتها لعملية البيع الداخلية.
وأثّر عدم قيام التجار بتسديد قيمة ما يستوردونه عبر البنك المركزي، على توفر السيولة النقدية بيد الدولة، لأنه أحدث شرخاً كبيراً في حركة سير الدورة المالية, فبدلاً من أن تتم تلك الدورة بين المستهلك والبنك المركزي، ويكون الوسيط فيها هو مالك المحطة، تمت بين المستهلك والتاجر المستورد والوسيط نفسه. وزيادة على ذلك يقوم بعض المستوردين بتحويل تلك الإيرادات إلى خزانة العدوان ومرتزقته في مأرب وحضرموت، خصوصاً الذين تمر موادهم النفطية من منافذ تلك المناطق.
وأضافت المصادر التي تحدثت لصحيفة (لا)، وفضلت عدم ذكر اسمها، لأسباب خاصة، أن ما قام به أولئك التجار تسبب في سحب للعملة المحلية من السوق وتوريدها للمرتزقة في مأرب وحضرموت، بما يخدم مصالح العدوان، تمهيداً لضربها وخفض سعرها أمام العملات الأجنبية، خصوصاً الدولار والريال السعودي، وزاد من ذلك تنافسهم على شراء تلك العملات في سوق الصرافين ليوفروا قيمة استيراد المشتقات النفطية. مؤكدة أن هذا العمل منع الدولة من روافد أساسية توفر السيولة لها لضمان استمرارها في أداء مهامها.
وأفادت معلومات حصلت عليها الصحيفة أن معظم وكلاء بيع المشتقات النفطية (أصحاب المحطات) استغلوا قرار التعويم ليتحكموا بتلك السلع، ويوقفوا بيعها لفترات محددة رغم توفرها لديهم، تمهيداً لرفع سعرها، خصوصاً أثناء توقف محطات شركة النفط عن العمل بسبب فراغ منشآتها من المواد نتيجة محاربة العدوان لها.
غير أن قرار التعويم كان سبباً في مشكلة أخرى هي حرمان الخزينة العامة للدولة من عائدات وأرباح تجارة تدر أموالاً طائلة لا يتوقعها الكثير, لأنه كما يرى البعض حيد شركة النفط والغاز اليمنية من القيام بعملها الذي كانت توفر من خلاله إيرادات ضخمة للخزينة العامة.
الدولة.. لا تكسب شيئاً
59 دولاراً هي ما يدفعه التجار المستوردون مقابل البرميل الصافي لمادة البنزين، أي ما يعادل بسعر الصرف اليوم 20 ألف ريال، ويبيعونه حالياً بـ48 ألف ريال، وفي ما سبق وصل سعره إلى 58 ألفاً، أي بربح الضعف, ولا تحصل خزينة الدولة على شيء من هذه المبالغ الضخمة سوى رسوم الضرائب والجمارك في حال دخلت هذه المواد من ميناء الحديدة.
وقال أحد محاسبي شركة النفط لـ(لا) إن فرع الشركة في صنعاء كان يورد 3 مليارات ريال إلى البنك المركزي شهرياً, وفرع الأمانة كان يرفد البنك بضعف المبلغ، مع أن السعر حينها لم يكن كما هو عليه اليوم.
وبحسب المعلومات التي أفاد بها المحاسب، فإن التجار يجنون أموالاً طائلة كانت الدولة بأمس الحاجة إليها، فهم يبيعون المواد بسعر مرتفع، في الوقت الذي يشهد فيه سوق النفط العالمي انخفاضاً كبيراً.
وكان لشركة النفط والغاز اليمنية دور كبير في الاستقرار الاقتصادي بفضل الإيرادات الضخمة التي كانت توفرها للخزانة العامة, وبحسب ما قاله مستشار المدير التنفيذي للشركة أنور العامري، لأسبوعية (لا)، فإن إيرادات الشركة في 2013 بلغت تريليوناً و270 مليار ريال، تذهب لخزينة الدولة، فتتمكن من الإيفاء بالتزاماتها وتدفع رواتب الموظفين، وتعود للشركة في دورتها المالية, وعلى هذا تمت تسميتها بالصرح الاقتصادي العملاق.
وأضاف العامري: للجميع أن يتخيل بعد إيقاف عمل الشركة لمن تذهب كل هذه الأموال، بالرغم من أن سعر بيع المشتقات في 2013 كان منخفضاً عن سعر اليوم، وعلى هذا ستكون الإيرادات أضخم من سابقتها. وهذا دفع التجار الجشعين يساندهم متنفذون ومسؤولون في البلد، لمحاولة طرح وتبني مشروع خصخصة شركة النفط، لإيقافها تماماً، والتخلص من أية إشكاليات لاحقة، والأهم هو الحصول على منشآت الشركة البحرية.. مع كل هذه المشاكل التي ظهرت بفعل مخالفة القرار أو ما ورد في نصوصه، إلا أن إيجابية القرار تمثلت في توفير المشتقات النفطية بعد أن وصلت الشركة الرسمية إلى عجز تام في توفيرها بسبب الحصار المفروض عليها من قبل العدوان، وهي إيجابية لا يمكن إنكارها. وعند المطالبة بإلغاء القرار يجب طرح سؤال مهم مفاده: في حال تم إلغاء القرار فهل سيضمن المطالبون بذلك توفير البنزين والديزل ورفد الخزانة العامة بالإيرادات المالية؟
لماذا رفض بن معيلي مقترحاً
يوفر نصف رواتب موظفي الدولة؟
قدم بعض مسؤولي شركة النفط والغاز الحكومية مقترحات لحل المشاكل الناتجة عن القرار وعدم تنفيذ البنود الواردة فيه, وتضمن في الوقت نفسه توفير السلع للسوق المحلية، وأهم تلك المقترحات، حسب ما أفاد به مدير أحد فروع الشركة، هو ما قدمه مساعد المدير التنفيذي للشركة الأستاذ إبراهيم المؤيد، الذي تمثل مقترحه في السماح لتجار الاستيراد باستخدام منشآت الشركة في مدينة الحديدة على أن تكون نصف الشحنات المستوردة خاصة بها تشتريها منهم الشركة بالسعر الذي دفعوه مقابلها, ومن ثم تتنافس مع التجار على البيع في السوق المحلية، ولأن المواد ستكون متوفرة لدى الشركة التي ستبيعها بالسعر الرسمي، فإن المنافسة ستخضع لخفض الأسعار بدلاً من رفعها، وهذا يخدم المواطن كثيراً. كما أن الشركة تشترط دفع قيمة ما تشتريه من التاجر عبر البنك المركزي، لتضمن بذلك توفير السيولة لدى البنك, وتقوم الجهات الضبطية بإلزام التاجر أيضاً بذلك الأمر.
كما تضمن المقترح التزام الشركة بتوفير نصف راتب لكل موظفي الدولة للحد من أزمة الرواتب التي تسبب بها العدوان وحصاره وقراراته, إلا أن وزير النفط في حكومة الإنقاذ بن معيلي، رفض المقترح لأسباب قال موظفو الشركة إنها (مماحكات سياسية)، كون مقدم المقترح ليس من المكون السياسي الذي ينتمي إليه الوزير.
أما ما قدمه المطالبون بإلغاء القرار، ومن ضمنهم شركة النفط، فقد أشار ناطقها الرسمي للصحيفة إلى أنه يجب على الجهات العليا إلغاء القرار وإعطاء التاجر حق الاستيراد الخارجي فقط لتوفير العملة الصعبة، ولكن يُجبر على بيع كل ما يستورده للشركة، كونها صاحبة الامتياز الوحيد للتوزيع والتسويق المحلي، وتحتسب الشركة للتاجر بسعر البورصة العالمية في أيام الشراء، مع تحديد هامش ربح معين عن كل طن للتاجر المستورد, أي يقوم المستورد بمهمة وزارة النفط. وهذا سيوقف السوق السوداء، وستخضع كل المحطات لرقابة الشركة من جديد, كما أن الإيرادات ستعود لخزينة الدولة، فتحافظ بذلك على السيولة النقدية، وتعمل على استقرار العملة الصعبة، كون البنك المركزي والبنوك الأخرى ملزمين بتوفيرها لجهة واحدة، وهي حكومية.
وإلى جانب ذلك، يتم العمل على تشكيل لجنة اقتصادية، تلتزم بتحديد متوسط سعر شهري للمشتقات النفطية، وإصدار نشرة بذلك، وتكون اللجنة من عدة وزارات وجهات ضبطية، خصوصاً تلك التي لديها دوائر متخصصة في الأمن الاقتصادي.
إذن، فتفعيل دور الشركة سواء في المقترح الأول أو البديل الثاني، يرى مختصون أنه سيضمن حفظ السيولة النقدية وعدم ذهابها إلى أيدي العدوان ومرتزقته، لأنها مراقبة للسوق بأكمله سواء سوق العملة أو سوق بيع المواد النفطية, خصوصاً وأن معظم تجار هذين السوقين متعاونون مع العدوان، ويعملون على محاربة الشركة، بسبب صلتهم بمتنفذين في الدولة يدعمونهم على ذلك مقابل مبالغ يدفعونها لهم.
المصدر شايف العين/ لا