واشنطن في وحل البحر الأحمر وغزة.. حربان مكلفتان بلا نصر ولا شرف
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا

عادل بشر / لا ميديا -
منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لم تكتف الولايات المتحدة بدعم الاحتلال الصهيوني في حرب الإبادة الجماعية بقطاع غزة، بل وجدت نفسها منخرطة في حرب ثانية لا تقل استنزافا وهي الجبهة اليمنية التي أعلنت منذ الوهلة الأولى للمجزرة في غزة بأن المعركة واحدة ضد عدو الأمة وشرعت في عملياتها العسكرية البحرية وإلى العمق الصهيوني، الأمر الذي اندفعت فيه واشنطن بكل ثقلها لمواجهة اليمن، وبينما كانت القنابل الأميركية تُسقط الأبراج في غزة، كانت الصواريخ نفسها تُطلق من المدمرات البحرية والمقاتلات الجوية نحو صنعاء والحديدة وغيرهما في مشهد يجسد اتساع "طوفان الأقصى" من البر إلى البحر.
تقرير جديد صادر عن مشروع "تكاليف الحرب" في كلية واتسون بجامعة براون الأميركية، يكشف أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر نحو 33 مليار دولار خلال عامين في حربين متزامنتين واحدة لحماية "إسرائيل" من السقوط السياسي والعسكري، وأخرى لوقف اليمن من كسر الهيمنة الأميركية في الممرات البحرية. لكن ما بين الإنفاق الهائل والنتائج الميدانية الهزيلة، تظهر صورة واشنطن كقوة عظمى تخوض حربين مكلفتين بلا نصر ولا شرف، بأنها شريكة في الإبادة على أرض فلسطين، وغارقة في الاستنزاف على مياه البحر الأحمر، وبالمقابل بقيت غزة صامدة واليمن حاضراً بقوة في قلب المعادلة.
اليمن.. جبهة الإسناد التي استنزفت واشنطن
الدراسة الصادرة عن مشروع "تكاليف الحرب" في جامعة براون الأمريكية كشف أن واشنطن أنفقت ما يقارب 10 مليارات دولار على عملياتها العسكرية ضد اليمن منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحتى أيلول/ سبتمبر 2025.
وبحسب الدراسة الصادرة بتاريخ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري فقد مثّلت العمليات المرتبطة بـ"مواجهة الحوثيين" أكبر بند في ميزانية وزارة الدفاع الأميركية للسنة المالية 2025، سواء عبر الاستهداف المباشر أو ضمن ما تصفه أمريكا بـ"جهود حماية الشحن التجاري"، في إطار ما أُطلق عليه "تحالف حارس الازدهار".
وتكشف الأرقام عن استنزاف هائل وغير مسبوق في موارد الجيش الأميركي في العمليات ضد اليمن، من بينها تشغيل حاملة طائرات لمدة 9 أشهر كلّف أكثر من 2.7 مليار دولار. وتشغيل حاملة ثانية لمدة 60 يوما بلغت تكلفتها 1.6 مليار دولار، بخلاف كلفة تشغيل ثلاث حاملات طائرات أخرى تشاركت في المهمات الدورية بالبحر الأحمر ضد قوات صنعاء، وتعرضت تلك الحاملات لاستهدافات مباشرة بالصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية.
كما أن نقل أنظمة الدفاع الجوي "باتريوت" عبر 73 رحلة لطائرات C-17 كلف ما بين 39 و95 مليون دولار، فضلا عن تكاليف استهلاك الطائرات التي تجاوزت 8 ملايين دولار.
وتشير الأرقام إلى استخدام 75 صاروخ توماهوك بتكلفة تراوحت بين 112 و142 مليون دولار، وعدد 20 قنبلة دقيقة AGM-150 كلفتها 30 مليون دولار، وخسارة ثلاث مقاتلات F/A-18 قُدرت قيمتها بـ210 ملايين دولار.
كما تشير الدراسة إلى أن إجمالي تكلفة العمليات الأميركية ضد اليمن خلال عام واحد (2024/2025) تراوح بين 2.76 و4.94 مليار دولار، لتصل الكلفة الإجمالية منذ أكتوبر 2023 إلى نحو 10 مليارات دولار، دون احتساب الخسائر غير المباشرة ومن بينها نجاح قوات صنعاء في إسقاط أكثر من 20 طائرة مسيرة نوع (MQ-9) وتُقدّر قيمتها بـ800 مليون دولار.
عبء عملياتي خانق
تلفت الدراسة إلى أن هذه الحرب شكّلت عبئا تشغيليا ضخما على الأسطول الأميركي، إذ استحوذت منطقة القيادة المركزية (CENTCOM) خلال العام 2025 على 41% من إجمالي أيام تشغيل حاملات الطائرات الأميركية، مقابل 8% فقط في العام السابق، ما اضطر البنتاغون لتأجيل مهام عالمية أخرى بسبب الانخراط الطويل في البحر الأحمر.
ومع كل هذا الإنفاق، يقرّ التقرير بأن النتائج الميدانية لم تكن حاسمة، إذ واصلت صنعاء عملياتها المساندة لغزة مستهدفة السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني في البحرين الأحمر والعربي، وتم خلال تموز/ يوليو 2025 إغراق سفينتين يونانيتين لهما صلة بالاحتلال "الإسرائيلي"، إضافة إلى ضرب مطار بن غوريون ومواقع استراتيجية في فلسطين المحتلة، ما أكد محدودية الأثر العسكري للعمليات الأميركية رغم التكلفة الفادحة.
حرب غير متكافئة
ويشير خبراء المشروع إلى أن الحرب ضد اليمن كشفت عن اختلال جوهري في ميزان الكلفة العسكرية، إذ استخدمت واشنطن صواريخ بملايين الدولارات لاعتراض طائرات مسيرة لا تتجاوز قيمتها بضعة آلاف من الدولارات، وهو ما وصفه التقرير بأنه "أكبر مثال على حربٍ غير متكافئة تستنزف القوة العظمى اقتصاديًا".
وبحسب الدراسة، فإن هذه النتائج تطرح تساؤلات جدية حول جدوى الانخراط الأميركي في حرب لا تحقق أهدافها، فيما تزداد فاتورتها المالية والسياسية، وتُظهر أن واشنطن، بقدر ما حاولت حماية "تل أبيب" فقد وجدت نفسها في حرب استنزاف حقيقية مفتوحة في البحر الأحمر، حيث أهدرت الولايات المتحدة المليارات دون تحقيق الهدف المنشود، بينما يزداد حضور صنعاء قوة وثقة وجرأة في تحدي الغطرسة الأميركية و"الإسرائيلية".
غزة.. 21.7 مليار دولار لإدامة الإبادة
على الضفة الأخرى من مشهد الحرب، كشف معهد كوينسي بالتعاون مع مشروع تكاليف الحرب أن الولايات المتحدة قدمت 21.7 مليار دولار من المساعدات العسكرية "لإسرائيل" منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أي ثلاثة أضعاف الدعم السنوي المقرر في اتفاقية العشر سنوات التي وُقعت في عهد أوباما.
هذا التمويل الضخم شمل تزويد "تل أبيب" بأسلحة فورية من المخازن الأميركية تزيد قيمتها على 4 مليارات دولار، إضافة إلى الدعم اللوجستي والصيانة وقطع الغيار اللازمة لاستمرار المجهود الحربي "الإسرائيلي"، إذ يعتمد كيان الاحتلال بشكل كامل على الطائرات والمروحيات الأميركية، من F-15 وF-16 وF-35 إلى مروحيات الأباتشي والسي ستاليون وبلاك هوك.
وتؤكد الدراسة أن الولايات المتحدة تمتلك فعليا القدرة على إيقاف الحرب عبر تجميد الدعم العسكري، لكنها امتنعت عن ذلك في عهدي ترامب وبايدن، ما جعلها شريكا مباشرا في واحدة من أفظع الكوارث الإنسانية المعاصرة.
في المحصلة تكشف هذه الأرقام أن الولايات المتحدة لم تكن مجرد "داعمة لإسرائيل"، بل طرفا ممولا ومشاركاً في حربين متداخلتين، إحداهما في غزة لإدامة الإبادة، والأخرى في البحر الأحمر لمحاولة كبح جبهة الإسناد اليمنية.
ومع إنفاق يتراوح بين 31 و33.7 مليار دولار خلال عامين فقط، تبرز الحقيقة الصادمة: أن واشنطن، رغم كل قوتها، لم تنتصر في أي من الجبهتين، ولم تنجح في حماية حلفائها أو فرض هيبتها.
المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا