الشركات الإلكترونية الوهمية.. فخ جذاب يبتلع أموال وأحلام اليمنيين
- تم النشر بواسطة مارش الحسام / لا ميديا

تحقيق: مارش الحسام / لا ميديا -
تزايدت في السنوات الأخيرة ظاهرة الاحتيال المالي الإلكتروني في اليمن، حيث تستمر منصات وهمية في الظهور ثم تختفي ومعها أموال وآمال الغلابى في الثراء الموعود.. منصات خارجية خاصة بالكشف عن الشركات الوهمية والنصب الإلكتروني تؤكد أن اليمن ليس فقط بيئة خصبة للنصب الإلكتروني، وإنما الأول عالميا في نشاط بعض الشركات الوهمية.
وعلى الرغم من كل التحذيرات المتكررة من قبل البنك المركزي بصنعاء وخبراء الاقتصاد، لازال كثيرون ينخدعون بالوعود الزائفة، ولازال هذا الفخ جذابا رغم كل الأدلة على خطورته ودون أن يتعلم أو يتعظ البعض من أخطاء من سبقوهم.
دائرة مفرغة من الاحتيال
ما إن تختفي منصة وهمية حتى تظهر أخرى بديلة مستفيدة من تسويق نفس الأوهام والوعود الزائفة لتضيف ضحايا جددا إلى قائمة طويلة من المنكوبين، وتستمر هذه الدائرة المفرغة من الاحتيال، حيث تتجدد الوعود والأحلام لإيقاع الضحايا في فخاخ جديدة.
الضحايا 40 ألفا والخسائر 12 مليون دولار
الشهر الماضي اختفت منصة إلكترونية وهمية للتداول الإلكتروني تدعى «AITS - إيتاس» بعد عملية نصب واحتيال واسعة تمكنت خلال فترة قصيرة من سرقة 12 مليون دولار وكان ضحيتها قرابة 40 ألفا من اليمنيين.
خبير اقتصادي قال إن منصة «إيتاس» قامت بجمع هذا المبلغ من نحو 40 ألف يمني، مشيرا إلى أن أدنى مبلغ اشتراك كان 80 دولارا، وأعلى مبلغ 900 دولار، ويبلغ المتوسط نحو 300 دولار لكل مشترك، وهو ما يفسر المبالغ الكبيرة التي سُرقت خلال فترة قصيرة.
«إيتاس» لم تكن الأولى، ولكنها حلقة في سلسلة تمتد إلى ما يقارب عشر سنوات.
تسرق أموالهم وتنعتهم بـ«الخنازير»
وفي وقت سابق من هذا العام، تم الإبلاغ عن اختفاء منصة أخرى بعد استيلائها على 10 ملايين دولار، حيث أعلن أهالي قرية في إب خسارة 7 ملايين ريال، فيما توزع باقي المبلغ على بقية المحافظات.
الصدمة لم تكن بحجم الخسارة فقط، بل في الطريقة المهينة التي أنهت بها الشركة تواصلها مع الضحايا، حيث أفاد مشتركون في مجموعات التواصل الخاصة بهم، بأن المسؤولة عن إدارة العلاقات داخل اليمن قبل أن تغادر المجموعات كتبت رسالة قالت فيها: «وداعاً أيها الخنازير اليمنية» وأرفقت الرسالة برموز ضحك، ثم كررت الرسالة خمس مرات متتالية، وكأنها تحتقر الضحايا وتسخر من خسارتهم.
سلسلة متصلة من حلقات النصب
هذه الحادثة جاءت بعد أسابيع فقط من اختفاء منصة احتيال أخرى.
وشهد العام الماضي والأعوام السابقة اختفاء عدد من المنصات الوهمية، وعلى الرغم من صعوبة حصر جميع هذه المنصات، يمكن ذكر بعض الأمثلة البارزة التي وردت في تقارير إعلامية وتنبيهات من جهات متخصصة أثناء إعداد هذا التحقيق.
اليمن في المرتبة الأولى عالميا
منصة «جوسيال» التى اختفت العام قبل الماضي واستهدفت بشكل خاص طلاب الجامعات، بحسب استطلاعنا ونحن بصدد إعداد هذا التحقيق، فيما الصدمة الحقيقية التي تفاجأنا بها (حول هذه الشركة الوهمية) بالتأكيد لم تكن على ألسنة الضحايا الذين قابلناهم وإنما كانت على لسان موقع (fakewebsitebuster.com) الأجنبي الخاص بالكشف عن حالات النصب الإلكتروني والشركات الوهمية، والذي أفاد في تقرير له حول «جوسيال» التي تدعي أنها تأسست في بريطانيا، أنها شركة وهمية عابرة للقارات، وأن اليمن من أبرز الدول على مستوى العالم التي تنشط فيها هذه الشركة، يليها المغرب في المركز الثاني.
غيض من فيض
منصتا (SahemAI) و(AIF): تُعدان من أبرز المنصات التي سرقت أموال اليمنيين، ومن ثم اختفتا فجأة.
منصتا (Atlantis) و(AQRL Trade): تشير تقارير خارجية إلى أنهما استهدفتا المستثمرين العرب، بما فيهم اليمنيين، من خلال تقديم وعود بالثراء السريع قبل أن تختفي فجأة.
شركة (Capital Gains): صُنفت ضمن الشركات الوهمية التي تعتمد أساليب احتيالية للإيقاع بالضحايا.
منصة (Kuex): اختفت مطلع هذا العام ومعها أموال الضحايا، وكانت تعتمد على نموذج التسويق الهرمي، حيث تم تسويق وعود تحقيق الأرباح من خلال جذب مستثمرين جدد بدلاً من الاستثمار الحقيقي.
الوعد الزائف
محمود الشرعبي، طالب في السنة الخامسة بكلية الطب في جامعة صنعاء، أفاد لصحيفة «لا» أنه وقع على غرار العديد من زملائة ضحية لعملية نصب من قبل شركة تدعى «جوسيال».
يقول محمود إنه في البداية، تم إقناعه بالاستثمار بمبلغ 100 دولار، مع وعد بتحقيق أرباح أسبوعية تصل إلى 10 دولارات مقابل تنفيذ مهام يومية، «وباعتباري طالبا يعتمد كليا في مصاريفه الدراسية على والده، كان من الصعب جدا توفير 100 دولار للدخول في الاستثمار، لذا قررت استدانة المبلغ للاستثمار على أمل استعادة المبلغ خلال فترة قصيرة».
محمود بدأ بنشر إعلانات الشركة على فيسبوك، ونال أرباحًا وهمية في الأسابيع الأولى، ولكنه تفاجأ عند محاولته سحب أرباحه بضرورة دفع 50 دولارًا لترقية عضويته إلى «مؤثر»، وهو الأمر الذي جعله يدرك أنه تعرض لعملية نصب.
وجبة في اليوم بدلا من أرباح شهرية
محمد الرهيدي، زميل محمود، لم ينخدع كباقي زملائه في مصيدة «جوسيال»، لكنه سبق وأن وقع ضحية لشركة تُدعى «كويكس- Kuex». إلا أنه وصف خسارته بأنها أهون من زملائه، حيث كان المطلوب منه دفع 50 دولارا للاستثمار، وتم وعده بأرباح شهرية.
اعتقد محمد أنها ستزيح العبء المالي الذي يتحمله والده لتوفير مصاريف دراسته، وفي سعيه لتخفيف الضغط على كاهل والده قرر محمد استثمار الأموال التى أرسلها له والده والتي لم تكن كافية فقرر استدانة بقية المبلغ للاستثمار مع الوعود بالحصول على 40 دولارا كأرباح شهرية، وإذا ما استطاع جذب مستثمرين جدد ستتضاعف أرباحه إلى 1000 دولار شهريا، حيث إنهم قالوا له إن بعض الأعضاء النشطين تصل أرباحهم إلى ما يقارب 6000 دولار شهريا، لكن انتهى به الأمر بفقدان المال الذي كان يمكن أن يُصرف على مأكله ومشربه وشراء المراجع الدراسية.
وتعليقا على خسارته يقول محمد: «خسرت مصروفي الشهري الذي أرسله والدي، وكنت أعتقد أنني سأجني أرباحا شهرية ولكني وجدت نفسي أتناول وجبة واحدة في اليوم».
خسائر كثيرة ونجاح واحد
كثير من القصص الطريفة والمؤلمة في آن، والتي يرويها الضحايا ولا يتسع المجال لذكرها، وعلى عكس تجارب كل من قابلناهم كانت تجربة مارش الأسد في الاستثمار الإلكتروني «ناجحة»، حد تعبيره.
يقول مارش الأسد، إنه تمكن من تحقيق إنجازات بارزة في عالم الاستثمار الإلكتروني والعملات الرقمية، بعد فترة عصيبة من الخسائر والتضحيات.
ويصف مارش الاستثمار الإلكتروني بأنه من أنجح الاستثمارات في الوقت الحالي، حيث يوفر له دخلاً شهرياً وفيراً، مما يتيح له السفر إلى عدة دول في رحلات سياحية أو تسويقية لمشاريعه.
ويشدد الأسد على أهمية اكتساب المهارات وفهم قواعد العمل المتعلقة بالعملات الرقمية، وينبه المبتدئين إلى تجنب الفكرة الخاطئة للرزق السريع، محذراً من أن 90% من الشركات الاستثمارية هي وهمية وتقوم على النصب.
التضحية والمعرفة
يؤكد الأسد أن التضحية ضرورية في بداية المشوار لفهم قواعد العمل، مشيراً إلى أهمية أن يكون المستثمرون المحتملون مدركين للمخاطر المرتبطة بالاستثمار الإلكتروني، كما ينصحهم بالتحقق من قانونية الشركات وتراخيصها، والبحث عن معلومات موثوقة حول سجلها التجاري.
وتحدث الأسد عن تجربته الشخصية، حيث فقد ملايين الريالات بسبب جهله بأساليب التداول، لكنه استطاع تحويل تلك الخسائر إلى خبرة قيمة ولفت الى أنه حالياً، يعمل كخبير في هذا المجال ويحقق أرباحاً كبيرة.
احتيال وغسيل الأموال
من جانبه دق خبير الأمن السيبراني، طارق العبسي، ناقوس الخطر محذرًا من تنامي ظاهرة المنصات الرقمية للنصب والاحتيال، مؤكدًا أن هذه العمليات لم تعد مقتصرة على جهود فردية، بل تقف وراءها «عصابات دولية منظمة» تستغل الإنترنت للاحتيال على الضحايا وربط الأموال بعمليات غسيل معقدة.
وأشار العبسي في تصريحات لصحيفة «لا» إلى أن هذه المنصات، التي تتخفى في صورة مواقع وهمية أو تطبيقات مقلدة بأسماء شركات معروفة، تستهدف الاستيلاء على الأموال والبيانات الشخصية مستخدمة تقنيات خداع نفسية وتقنية متطورة.
وكشف العبسي عن أن أبرز التقنيات المستخدمة حاليًا هي الهندسة الاجتماعية التي تستغل الثقة، إلى جانب استخدام البرمجيات الخبيثة، وظهور تقنيات متقدمة مثل (Deepfake) لإنشاء فيديوهات وشخصيات مزيفة لإقناع الضحايا.
أما فيما يخص الجانب المالي، فقد أكد الخبير أن العملات المشفرة أصبحت الأداة الرئيسية في عمليات غسيل الأموال الناتجة عن الاحتيال. وقال العبسي: «بعد جمع الأموال، يقوم المجرمون بتحويلها إلى عملات مشفرة وتوزيعها على مئات المحافظ الإلكترونية (طبقات Layering)، أو استخدام (خدمات Mixers) لإخفاء مصدرها، ثم إعادة إدخالها إلى النظام المالي عبر مشاريع وهمية، مما يجعل تتبعها صعبًا للغاية».
توصيات عاجلة
وشدد العبسي على أن مكافحة هذه الجرائم تتطلب جهودًا منسقة على عدة مستويات:
الدور الحكومي: دعا العبسي الحكومات لتبني استراتيجيـــــة رباعية المحـــاور تشمل: الجانب التشريعي بوضع قوانين واضحة. الجانب التقنـــــي بإنشاء مراكز إنذار مبكـر. التنسيق مـــــع البنوك لمتابعة المعاملات المشبوهة. والتوعية المستمرة للمجتمع حول مخاطر الاحتيال الرقمي.
دور الشركات الخاصة: أكد على مسؤولية الشركات في تأمين منصاتها والاستثمار في أنظمة كشف الاحتيال (Fraud Detection Systems)، وضرورة مشاركة البيانات مع الجهات المختصة عند اكتشاف أي عمليات مشبوهة.
نصائح للمستخدمين العاديين: وجه العبسي نصيحة حاسمة للمستخدمين بضرورة تفعيل المصادقة الثنائية (2FA) لجميع الحسابات الهامة، والتأكد من بروتوكول (HTTPS) قبل إدخال أي بيانات، والأهم هو «عدم الوثوق بالرسائل التي تطلب تحويل أموال عاجلة أو بيانات شخصية».
وفي الختام، أشار العبسي إلى أن الوعي الرقمي في المجتمعات يتحسن، لكنه «لا يزال بحاجة إلى دعم». داعيًا إلى إدخال ثقافة الأمن السيبراني ضمن المناهج التعليمية لمواجهة إغراءات «الربح السريع» التي تودي بالضحايا إلى شراك المحتالين.
فخ عبر الإنترنت
وفي السياق حذر الخبير الاقتصادي رشيد الحداد من المخاطر العالية للاستثمار الإلكتروني في الشركات الوهمية، مشيراً إلى أن معدل المخاطر في هذا المجال يصل إلى 100%، خصوصاً في اليمن.
في تصريح لصحيفة «لا»، أكد الحداد أن عددًا كبيرًا من الضحايا اليمنيين، سواء داخل البلاد أو خارجها، وقعوا في فخ الاستثمار عبر الإنترنت. وأكد على ضرورة أن يكون المواطنون حذرين من الشركات الوهمية والاحتيال الاستثماري.
وأشار الحداد إلى أن معظم الشركات العاملة في الاستثمار الإلكتروني هي شركات وهمية، تستهدف جمع الأموال من الطبقة الوسطى والفقيرة، وغالبًا ما تطلب هذه الشركات من الضحايا دفع مبالغ تتراوح بين 100 و150 دولارا، مع تقديم عروض مغرية للأرباح مثل الأرباح اليومية والأسبوعية.
تأثير الحرب والحصار
وأوضح الحداد أن معدل المخاطر يتضاعف في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد بسبب الحرب والحصار، مما يؤثر سلبًا على المواطنين والاقتصاد اليمني المتراجع.
كما أن هذه الشركات تتعامل بالعملات الصعبة، مما يؤدي إلى سحب كميات كبيرة من العملات الصعبة من خزينة الدولة، وتحويلها إلى حسابات غير مشروعة، حسب قول الحداد.
خط الدفاع الأخير
وشدد رشيد على أهمية تعزيز الرقابة والتوعية المالية والاقتصادية باعتبارها خط الدفاع الأخير أمام هذه الشركات الوهمية، ودعا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة الاحتيال الاستثماري، كما أكد على ضرورة وجود جهات حكومية وأمنية لمكافحة الجرائم الإلكترونية، مشيرًا إلى أهمية تعزيز الرقابة على الاستثمارات غير المشروعة لحماية المواطنين من الاحتيال المالي.
المصدر مارش الحسام / لا ميديا