تحليل روسي: صنعاء أثبتت التزامها في الحرب وفي السلام.. «إسرائيل» تُصر على استئناف عدوانها على اليمن
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا

عادل بشر / لا ميديا -
في قلب التحول الذي تشهده المنطقة على خلفية ملحمة طوفان الأقصى الفلسطينية ضد العدو الصهيوني وما تبعها من حرب إبادة جماعية نفذها كيان الاحتلال في قطاع غزة على مدار عامين متواصلين، وصولاً إلى اتفاق وقف النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، تقف صنعاء بثباتٍ استثنائي، تُملي حضورها على خرائط القرار الدولي وتعيد صياغة المفاهيم التقليدية للردع والسيادة.
في هذا الصدد ومن بين أصوات التحليل الدولي المتزاحمة حول هدنة غزة، ارتفع صوت روسي يختلف في جوهره وموقفه، مسجلاً شهادة علنية بما أدركته العواصم الغربية على مضض بأن اليمن هو الطرف الذي قلب موازين الهيمنة، وأفشل مشروع السيطرة «الأميركية الإسرائيلية» على الممرات البحرية، ثم عاد ليقدم نموذجا فريدا في الجمع بين المعركة العسكرية والانضباط السياسي.
التحليل الروسي الذي نشره، أمس، موقع «الصحافة الحرة» Svpressa بعنوان (الحوثيون وتل أبيب: التقلبات السياسية تُبقي الجيش الإسرائيلي تحت السيطرة) تناول اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال «الإسرائيلي» في ما يُطلق عليه «خطة ترامب للسلام»، لكنه توقف طويلاً أمام الموقف اليمني المساند للشعب الفلسطيني، معتبراً أن صنعاء أصبحت رقماً صعباً في الحرب وفي الهدنة، لا سيما بعد أن أثبتت أن معركة البحر الأحمر ليست سوى «مرآة عاكسة للتطورات في غزة».
التزام ومراقبة
وأفاد الموقع أنه وعقب توقيع اتفاقية وقف النار في غزة، كانت صنعاء من أوائل من أعلنوا استعدادهم لوقف الأعمال العسكرية المساندة لغزة ضد الاحتلال الصهيوني، مع الالتزام بمراقبة دقيقة لمسار السلام، مؤكدين أن اليمن ليس طرفاً معرقلاً كما تصوره الدعاية الأمريكية و«الإسرائيلية»، بل قوة تمد يد السلام دون أن تتنازل عن كرامتها ولا عن قضايا الأمة.
واستشهد التحليل بحديث سيد الجهاد والمقاومة السيد عبدالملك الحوثي الذي قال فيه «إن البيان المشترك للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ودول أعضاء الاتحاد الأوروبي يصور اليمن كطرف يعرقل بشكل جدي تقدم عملية السلام، على الرغم من أن صنعاء هي التي تطرح المبادرات وتمد يد السلام»، مضيفاً «لقد توقفنا (مؤقتا) عن العمل العسكري ضد إسرائيل، ولكننا لن نبقى يقظين وجاهزين للقتال فحسب، بل سنراقب عن كثب أيضا تنفيذ اتفاقيات وقف إطلاق النار وتوافر المساعدات الإنسانية».
هذه العبارات، التي وصفها الموقع الروسي بأنها «مؤشر على النضج الاستراتيجي لأنصار الله»، انعكست فوراً على الأسواق الدولية، حيث ارتفعت أسهم شركات الشحن العالمية التي رأت في موقف صنعاء بادرة استقرار في البحر الأحمر، بعد أشهرٍ من الاضطراب الذي سببته الحرب الأميركية الفاشلة ضد اليمن، إضافة إلى الحظر البحري التي تفرضه صنعاء على الملاحة «الإسرائيلية» والسفن المرتبطة بها.
لم يكتفِ التحليل الروسي برصد الموقف الحالي؛ بل أعاد التذكير بأن اليمن سبق أن التزم بوقف إطلاق النار في مراحل سابقة، حين توقفت هجماته على السفن «الإسرائيلية» وإلى فلسطين المحتلة، خلال هدنة غزة الأولى في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، كما التزم بذلك في الهدنة الثانية (من 19 كانون الأول/ يناير إلى 18 آذار/ مارس 2025م).
فشل وعار
وفي قراءة روسية لافتة، وصفت العملية الأميركية المسماة «حارس الرخاء» بأنها «عار عسكري شامل» للتحالف الغربي، الذي فشل رغم مشاركته بعشر دول متقدمة في كسر شوكة المقاتلين اليمنيين «ذوي الصنادل»، بحسب وصف التحليل الروسي الذي أضاف «بعد أن اجتاحوا البحر الأحمر وخليج عدن، وضاقوا ذرعا بالغارات المستمرة، وخسروا طائرات هجومية مسيّرة باهظة الثمن من طراز MQ-9 Reaper، انسحب الأمريكيون الشجعان ورفاقهم على عجل»، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة كررت الهجوم على اليمن في عهد الرئيس ترامب، وشنت حملة مكثفة لكنها «انتهت بكارثة مماثلة»، قبل أن يلوذ ترامب بسلطنة عمان للتوسط لدى صنعاء بحثاً عن مخرج يحفظ ما تبقى من ماء وجه القوة والغطرسة الأمريكية.
تهديد «إسرائيلي»
في المقابل، يشير التحليل الروسي إلى أن «تل أبيب» تُصر على استئناف عدوانها على صنعاء رغم الهدنة الحالية في غزة، حيث أعلن الاحتلال عبر عدد من مسؤوليه أن «الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع حماس لا يعني الحوثيين اطلاقاً».
وأعتبر التحليل أن هذا الإصرار يعكس حالة ارتباك وخوف «إسرائيلي» من استمرار الصعود اليمني. إذ أعلن قادة سلاح الجو «الإسرائيلي» أن العملية المسماة «الراية السوداء» مستمرة حتى «القضاء على الحوثيين» حد وصفهم، غير أن الرد اليمني جاء بلهجة حاسمة: «عسكرة البحر الأحمر، والوجود العسكري الأجنبي في مياهه، ومن يشاركون في تحالفات مشبوهة خدمةً للمصالح الإسرائيلية، هم التهديدات الحقيقية للملاحة. ولكن، إن كانوا يتوقون لغضبنا، فليكن. لدينا وفرة من الصواريخ والطائرات المسيرة».
وفي هذا السياق، يرى التحليل الروسي أن اليمن لا يخوض حربا عبثية، بل يدير سياسة متوازنة بين الردع والمبادرة الدبلوماسية، مشيراً إلى أن «أنصار الله» التزموا بالاتفاقات أكثر من «إسرائيل» نفسها التي لم تلتزم بالاتفاق الموقع مع لبنان بوساطة الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية، وخرقت وقف إطلاق النار بعد ساعات من توقيعه، ولا زالت حتى اليوم تشن غارات جوية على الأراضي اللبنانية وترفض الخروج من خمس نقاط تحتلها، لتؤكد مرة أخرى أن الخطر الحقيقي على السلام في المنطقة ليس في صنعاء أو غزة، بل في «تل أبيب» التي لا تعيش إلا بالحرب.
المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا