معهد الأمن القومي«الإسرائيلي»: صناعة الأسلحة لدى الحوثيين تطورت بشكل كبير
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا
عادل بشر / لا ميديا -
لم يكن الكيان الصهيوني وأجهزته الأمنية والعسكرية يتوقع أن تأتي اللحظة التي يضطر فيها إلى الحديث عن صنعاء بلغة مختلفة. لسنوات طويلة ظل الخطاب "الإسرائيلي" يعتبر اليمن ساحة مهمشة، بعيدة، مستنزفة بالقلاقل الداخلية والعدوان الخارجي. لكن هذا التصور تهاوى تدريجياً بمجرد دخول اليمن معركة إسناد غزة أواخر العام 2023، وليبلغ ذروته أخيراً في اعتراف جديد أصدره معهد الأمن القومي "الإسرائيلي" (INSS)، أكد فيه أن صناعة الأسلحة لدى صنعاء تطورت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وأن هذا التطور لم يعد "هامشياً" أو "تكتيكياً"، بل يمثل تحولاً استراتيجياً يفرض على كيان الاحتلال إعادة النظر في ما وصفه بـ"خرائط التهديد في الشرق الأوسط".
هذا الاعتراف جاء من خلال ورقة بحثية مطولة أعدها ضابط فني في سلاح الجو الصهيوني، سبق أن حصل على جائزة "الدفاع الإسرائيلية"، لتطويره نظام أسلحة "فريداً"، بحسب توصيف معهد الأمن القومي الصهيوني.
الورقة المعنونة بـ"أسلحة متطورة للحوثيين"، ونشرها المعهد في موقعه على شبكة الانترنت، أمس الأول، تناولت قدرات صنعاء المتنوعة في المجال الجوي، مشيرة إلى أن لدى صنعاء "كميات هائلة من الأسلحة المتطورة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية وصورايخ كروز والطائرات المسيّرة".
وأفادت بأن هذه "الأسلحة المتطورة، وخاصة في المجال الجوي، امتلكتها صنعاء في غضون ما يزيد قليلاً عن عشر سنوات"، وتحديداً خلال الفترة 2014 - 2025، وهي الفترة التي شهدت معظمها عدواناً وحصاراً شاملاً قادته السعودية وحلفاؤها على اليمن مطلع 2015.
وقال المعهد القومي "الإسرائيلي" إن "صناعة الأسلحة لدى الحوثيين تطورت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة"، لافتاً إلى أن صنعاء "تسعى إلى تحقيق الاستقلال في تطوير وإنتاج أنظمة أسلحة متطورة".
وأشار إلى أن صنعاء استخدمت أنواعاً مختلفة من تلك الأسلحة في معركة إسناد غزة ضد الكيان الصهيوني، وتمكنت من ضرب أهداف مباشرة في عمق فلسطين المحتلة، رغم المسافة الكبيرة.
هذا الاعتراف، الذي يأتي من واحدة من أهم المؤسسات البحثية المرتبطة بصنع القرار الأمني في "تل أبيب"، ليس مجرد تقييم أكاديمي، بل إنه -وفقاً لمحللين- يُعد شهادة حية على واقع جديد تشكّل في المنطقة برزت فيه صنعاء كفاعل عسكري صاعد استطاع، رغم الحصار والحرب، أن يشيّد بنية تسليحية محلية تتجاوز ما اعتادته المنطقة من قبل. هذه النقلة، التي يصفها المعهد بأنها "تطور كبير" و"قدرة متنامية"، هي في الحقيقة إعلان عن فشل استراتيجي كامل للتحالف السعودي الإماراتي الأمريكي، الذي حاول لسنوات طويلة منع اليمن من امتلاك أي قدرات مؤثرة.
يقول التقرير "الإسرائيلي" بلغة واضحة إن قدرة صنعاء على تطوير الصواريخ الباليستية، وصواريخ كروز، والطائرات المسيّرة طويلة المدى، أصبحت تعتمد بشكل متزايد على "الهندسة المحلية" والتجميع النوعي وتصنيع أجزاء أساسية داخل الأراضي اليمنية. هذا الاعتراف لا يكشف فقط عن حجم التطور، بل يكشف أيضاً عن مستوى القلق الذي وصل إليه كيان الاحتلال أمام واقع أن التكنولوجيا العسكرية التي تُطور في صنعاء لم تعد بدائية، بل باتت تتمتع بمواصفات تجعلها قادرة على مواجهة أنظمة دفاعية متقدمة في البحر والجو وعلى مسافات غير متوقعة.
المثير في التقرير هو الأسلوب الذي يتحدث به عن "مراكز تصنيع" وعن "سلسلة إنتاج" تتسع بمرور الوقت، وعن قدرة صنعاء على استيعاب المعرفة الهندسية، ثم إعادة إنتاجها بأسلوب يمني خالص. وهذا ما يدفع "إسرائيل" للاعتراف بأن العدوان على اليمن منذ العام 2015 لم ينجح في قطع الطريق أمام التطور العسكري لصنعاء، بل كان الحصار والدفع نحو الاكتفاء الذاتي أحد أهم محفزات التقدم والتسارع في تطوير السلاح، إذ أراد العدو إضعاف اليمن فعزز قوته، وأراد محاصرته فوسع قدراته، وأراد إخضاعه فحوله إلى قبلة لأحرار العالم.
تقرير معهد الأمن القومي "الإسرائيلي" قدم قراءة تظهر فيها فلسطين المحتلة، والملاحة الصهيونية في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن، كمساحات باتت عرضة لتهديد نوعي قادم من اليمن، في حال تعرض الأخير لأي عدوان صهيوني، أو عاود الكيان ارتكاب جرائم الإبادة بغزة، إذ يربط المعهد بين ما تطوره صنعاء اليوم، وبين قدرتها على الاشتباك في مسارح بعيدة جغرافيا.
واستعرض التقرير أنواعاً من منظومات الأسلحة التي قال إنها "متطورة" وتمتلكها صنعاء، بينها الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز (صواريخ أرض-أرض، وصواريخ مضادة للسفن) والطائرات المسيّرة بأجيالها المختلفة، متطرقاً إلى أهم مواصفات هذه المنظومات وقدرتها التسليحية والتدميرية.
وخلص التقرير في مضمونه إلى أنه وبعد سنوات من الحرب والحصار والتدخل الخارجي، نجحت صنعاء في بناء نموذج مقاوم لا يعتمد على الخارج بدرجة رئيسة، ولا ينتظر التكنولوجيا الجاهزة، بل يطور ما يناسبه وفق بيئته القتالية. وهذا التطور الذي يسجله "الإسرائيليون" بقلق كبير، يعد واحداً من أهم التحولات الاستراتيجية في المنطقة خلال العقد الأخير.










المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا