يسرية الشرقي / لا ميديا -
خُلق الزواج ليكون بداية للسكينة والمودة، ليلة فرح تجمع الأحباب والأصدقاء، إلا أن مظاهر التفاخر التي تتزايد عامًا بعد عام حولت هذه المناسبة السعيدة إلى سباق محموم للظهور والمنافسة بين الناس. أصبح هذا السباق فرضًا ثقيلًا على كل طبقات المجتمع، فيربك ميزانية الغني، ويثقل كاهل المواطن البسيط بأعباء لا قدرة له عليها. في كل ليلة، تضاء القاعات بمئات الأضواء، وتُزين بآلاف الورود والكريستالات، تلك القاعات التي يفوق إيجارها ميزانية الأعراس بمئات المرات صارت مكانًا للتفاخر، وميدانًا لتقييم الحاضرين، متجاوزة الهدف الحقيقي للزواج، وهو السعادة والبساطة.
من هنا، يبدأ هذا الاستطلاع في محاولة فهم التحولات التي طرأت على الأعراس، وكيف تحولت من مناسبة اجتماعية تجمع الأحباب إلى حدث يظهر فيه المستويات الاجتماعية ويكسر قلوب المحتاجين، ويثقل كاهل الأهالي والعرسان على حد سواء، متجاوزًا حدود التعبير عن الفرح والسرور إلى مظاهر رفاهية مبالغ فيها.

رفاهية تتجاوز التعبير عن الفرح
تقول الأستاذة الجامعية، أم محمد: «فعلاً، المبالغة في تحضيرات الأعراس أصبحت ظاهرة متسعة في السنوات الأخيرة، وأصبحت سببًا للقلق لدى الأهالي والشباب المقبلين على الزواج. في يوم العرس، لا يكتفي الشخص بتأسيس بيت جديد، بل كأنه يضطر أيضًا إلى تدمير ميزانية أهله فعلاً».
وتضيف: «قبل عام، زوجت ابنتي، وما كان معروفاً في الماضي أن أعراس البنات أخف وأبسط، أما اليوم فأصبحت بنفس تكاليف زواج الأولاد، أو ربما أكثر. تكاليف القاعات، الكوشة، الفستان، والكثير من التفاصيل التي بلغت ستة ملايين ريال، جعلتني أتدين مبالغ كبيرة، لدرجة وصل بي الحال إلى التفكير بإلغاء العرس تمامًا، ولكن لم أستطع كسر فرحة ابنتي الوحيدة، مجبرة على مجاراة المجتمع حتى لا يعيب الآخرون علي».

كل شيء نار
ويشارك الحاج صالح، الذي زوج ابنه الكبير قبل خمسة وعشرين عامًا، تجربته فيقول: «حين تزوج ابني، كانت الدنيا بسيطة والناس قلوبهم صافية، يفرحون بالقليل، وعادهم كانوا يساعدوا العريس. لكن زواج حفيدي (ابن ابني) قبل ستة أشهر كان مختلفًا تمامًا، اضطررنا لبيع قطعة أرض لتغطية تكاليف العرس، المهور أصبحت مرتفعة جداً، وإيجار القاعات نار، وحتى تلبيس العريس أصبح مُكلفاً، وكل خطوة نخطوها في هذه الأعراس بفلوس، وعاد البعض يحضر العرس فقط من أجل البحث عن الأخطاء بغرض الانتقاد والانتقاص من أصحاب العرس، لكن خيرة الله، ربنا يعين الجميع».

مجبرون على مسايرة المجتمع
أما الشباب، وإن عبروا عن عدم رضاهم عن مطاهر المبالغة في الأعراس، إلا أنهم مضطرون للتماشي معها وفق العادات المجتمعية. يقول الشاب نادر: «أعراسنا أصبحت مظهرًا اجتماعيًا أكثر من كونها فرحة شخصية، حتى لو كنت شخصياً غير مقتنع بهذه المبالغات، إلا أنه لا مفر من مسايرة المجتمع بهذه المظاهر، من ضرورة جلب ثلاثة أو أربعة مصورين لتصوير العرس صورا فوتوغرافية وفيديو، ونحر الذبائح من أجل الضيوف، وإذا لم نفعل ذلك يشعرك الناس بأنك لم تتزوج فعلياً».
ويضيف: «صحيح نحن شعب كريم ومضياف، لكن لا يجب أن تتجاوز مظاهر الاحتفال بالأعراس قدرة الفرد، ومع ذلك -للأسف- نحن مجبرون على مسايرة المجتمع كي لا يقولوا علينا بأننا لسنا قبائل، وأننا لم نؤد واجبنا الاجتماعي».

أريده عرساً «مثالياً»
وتؤكد هند (فتاة مقبلة على الزواج) حرصها على تنظيم عرس «مثالي»، حيث تقول: «أريد عرسًا جميلاً يثير إعجاب الجميع. أحضر الكثير من الأعراس في هذه الفترة، وأركز على ما يشوبها من أخطاء، من أجل أن أتجنبها في عرسي حتى يكون الأجمل في كافة أنحاء اليمن، ويظل الجميع يتحدثون عنه».
وتضيف: «صحيح أن الإمكانيات محدودة، لكن لا أريد أن أضع نفسي في موقف سيئ أو محرج أمام صديقاتي، لذا يجب أن يكون العرس كاملا دون أي نواقص، حتى لو كان ذلك يعني تحمل تكاليف كبيرة أو تأجيل شراء بعض الأشياء الخاصة بي مثل الذهب وغيره».

الضغوط توصل الشباب إلى الحافة
أما نبيل، شاب في السابعة والعشرين، فيقول: «أخي الكبير تزوج قبل ثلاث سنوات وكانت التكاليف خيالية بالنسبة لدخله، واضطر لاستدانة مبالغ كبيرة ما يزال حتى اليوم لم يستكمل سدادها، لذا أراه طوال الوقت متضايقا ومهموما، منهارا حرفيا، من حجم المسؤوليات والديون المتراكمة عليه».
ويضيف: «هذه الضغوط التي يعاني منها أخي، دفعتني لتأجيل زواجي، فالزواج في ظل هذه المظاهر المُبالغ فيها يصبح همًا لا يحتمل، حيث غلاء المهور وتكاليف الأعراس، بل إن التفكير في أبسط التفاصيل تكسر الظهر، وفعلاً تكاليف الزواج تخليك تفكر مليون مرة قبل ما تقرر إكمال نصف دينك والاستقرار وتكوين أسرة».

غير مستعدة نفسيًا للزواج
أريج، ذات الرابعة والعشرين من العمر، المخطوبة منذ نحو عام، تبدي مخاوفها من عرسها القادم والمحدد بعد ستة أشهر، بسبب ما يتطلبه من تكاليف مادية كبيرة قد لا تستطيع والدها محدود الدخل الوفاء بها، تقول: «أشعر بأني غير مستعدة نفسيًا للزواج، ما عندي ثقة في نفسي ولا كيف سيكون العرس الذي أعتبره هما غير طبيعي ويفوق طاقتي».
وتضيف: «كل ما أفكر فيه هو كيف سيكون العرس والتكاليف الضخمة، صراحة في كل مناسبة أو عرس أذهب إليه يثير في نفسي القلق حول تكاليف عرسي.. صحيح أنني في النهاية أريد أن أفرح كالبقية، لكن التفكير بكل هذه التكاليف يحبطني ويحطم فرحتي قبل أن تبدأ».
وتمنت أريج أن تعود الأعراس كما كانت في السابق، وتقول: «ياريت نرجع زي أيام زمان، زفة وفستان، وخلصنا الهم والضيق بدل الاستعراضات والفشخرة الكذابة».

مقترحات لتخفيف الضغوط
من خلال حديثي مع الناس، يظهر بصيص أمل، حيث إن أغلبهم مستاؤون من هذه المبالغات، لكنهم مضطرون للمسايرة. لذلك، يمكن اقتراح عدة خطوات لتخفيف هذه الضغوط المجتمعية، ومنها: تشجيع الشباب والفتيات على اتخاذ قراراتهم بحرية بعيدًا عن ضغط المجتمع. زيادة الوعي بأهمية مؤسسة الزواج في بناء المجتمع، والتركيز على الحياة بعد العرس، وليس على مجرد احتفال ليوم واحد فقط. توعية الشباب بأن الزواج يبدأ بعد العرس وليس الاحتفال بعينه الذي ليس سوى مجرد إعلان رسمي بالارتباط. وضرورة إبراز جمال الأعراس البسيطة وأنها لا تقل قيمة عن نظيرتها الفخمة، حتى لا يشعر من كان عرسه بسيطًا بأنه أقل من الآخرين.

بعيدًا عن المظاهر الكاذبة والاستعراضات الفارغة
إن التفاخر في الأعراس لا يقتصر على ليلة واحدة، بل يتحول إلى سلسلة ضغوط تتراكم على العريس، وأهله والمجتمع الذي يتابع الاحتفال مما يقود الجميع إلى دوامة المقارنات، وانكسار القلوب، وغياب الفرحة الحقيقية التي تأتي من البساطة وإسعاد القلوب وتخفيف الهموم وعدم الغرق في بئر من الديون والتكاليف غير المبررة.
إن فقدان البساطة في الأعراس وتحولها إلى منافسة اجتماعية يزرع القلق في النفوس ويقلل من متعة الحياة الزوجية. وعندما يركز المجتمع على الجوهر ويقدّر بساطة الأعراس، تعود الفرحة إلى البيوت، ويجد الشباب والشابات السعادة التي كانوا يتطلعون إليها بعيدًا عن المظاهر الكاذبة والاستعراضات الفارغة.