تقرير / لا ميديا -
في غزة المدمرة، قرر العدو الصهيوني أن يضيف البرد إلى ترسانة أسلحة الإبادة ضد الشعب الفلسطيني.
ففي أقل من 24 ساعة، استضاف قطاع غزة مسرحا إضافيا لكارثة مركّبة، لا يصنع فصولها المنخفض الجوي وحده، بل شارك ولا زال يشارك في صنعها العدو الصهيوني بفعالية، عبر عدوان الإبادة واستمرار الخروقات، وتعطيل المساعدات، وتدمير البنية التحتية، وترك مئات آلاف النازحين في مواجهة البرد والسيول بلا مأوى ولا حماية.
14 شهيداً ارتقوا في يوم واحد نتيجة انهيارات جدران وخيام متهالكة، وغرق واسع اجتاح المخيمات، في ظلّ بيئة غير صالحة للعيش، هي من صُنع الحرب الصهيونية الأمريكية على غزة.
العاصفة المطرية التي ضربت القطاع كانت كاشفة لحجم الخراب الذي خلّفته الإبادة، وكشفت تواطؤ الغرب والعرب في جريمة لازالت مستمرة، كما عرّت إشراف الاحتلال على كارثة إنسانية مكتملة الأركان، لا تزال تتدحرج نحو الأسوأ. فالمنازل نصف المدمرة، انهارت واحدة تلو الأخرى، مسببة استشهاد خمسة نازحين في بئر النعجة ببيت لاهيا، و8 في جباليا، قبل أن يسقط ضحايا تحت حائط ضخم في حي الرمال، وتنهار جدران في مخيم الشاطئ، بينما يُستشهد رضيع في المواصي نتيجة البرد القارس داخل خيمة لا تصلح لتأمين حياة.
مشاهد الغرق والانهيار التي تكررت في النصيرات ودير البلح واليرموك والميناء، لم تكن مفاجئة لطواقم الدفاع المدني التي أعلنت انهيار ما لا يقل عن عشرة منازل خلال ساعات، وإجلاء عائلات بأكملها من مبانٍ آيلة للسقوط. فالقطاع الذي دمّر الاحتلال غالبيته العظمى، يعيش اليوم داخل بيئة غير قابلة للاستمرار: الركام تحوّل إلى خيام، والخيام تحوّلت إلى مقابر مؤقتة.

850 ألف ضحية مؤجلة
الأمم المتحدة تجاوزت مرحلة التحذير إلى التنبؤ بمئات الآلاف من الضحايا المحتملين: 850 ألف شخص يعيشون داخل 761 مخيماً هم عملياً رهائن لكارثة طبيعية مصنوعة بشرياً، إذ منع العدو الصهيوني إدخال مواد الإيواء والإغاثة، وحاصر المساعدات، وفرَض بيئة تضمن استمرار النزيف الإنساني. وزارة الداخلية في غزة بدورها أكدت تلقي 4,300 نداء استغاثة خلال المنخفض، ما يعكس حجم الانهيار الكامل في منظومة الحماية.
أما بلدية خان يونس فأكدت أن 300 ألف خيمة غرقت أو تمزقت بسبب المنخفض الجوي، في رقم يساوي مدينة كاملة أبيدت مساكنها، ثم تُركت في مواجهة المطر. وحتى منظمات الطفولة الدولية لم تستطع التخفيف من عباراتها، إذ قالت «يونيسف» إن أكثر من 800 ألف شخص نصفهم أطفال يواجهون خطر الأمطار، مؤكدة أن المجتمع الدولي «فشل وخذل أطفال غزة».
التدهور الصحي لم يكن أقل بشاعة: منظمة الصحة العالمية وصفت الوضع بأنه «صادم»، مؤكدة غياب أي حماية للنازحين، ونقص 50% من الأدوية الأساسية، وعجز المستشفيات عن التعامل مع موجة الإصابات التي تضاعفها الأمطار وانهيارات المنازل.

المقاومة: ما يجري امتداد لحرب الإبادة
هذه الكارثة ليست عرضية ولا طبيعية، كما قال المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية حماس حازم قاسم، بل إنها امتداد مباشر لحرب الإبادة؛ حرب بدأت بالقصف والتدمير، وتستكمل اليوم عبر حرمان الناس من المأوى والغذاء ووسائل النجاة الأساسية. لجان المقاومة وصفت ما يجري بأنه «فصل جديد من فصول الإبادة الإجرامية»، مؤكدة أن الاحتلال لا يلتزم حتى باتفاق وقف إطلاق النار، وأن المجتمع الدولي يتماهى بصمته.
وأكدت اللجان في بيان: «شعبنا في قطاع غزة بحاجة إلى إغاثة حقيقية فاعلة وتضامن جدي بعيداً عن الشعارات الرنانة فلا مجال لأي تقاعس وتخاذل جديد لأننا بتنا نواجه حرباً بشكل جديد سببها عدم التزام العدو الصهيوني بتنفيذ البروتوكول الإنساني لاتفاق وقف إطلاق النار».

الاحتلال يوقع على إنشاء 19 «مستوطنة»
في الوقت الذي يواجه فيه قطاع غزة الغرق والانهيارات، كان الاحتلال يوقّع على جريمة أخرى موازية في الضفة الغربية المحتلة: المصادقة على إقامة 19 «مستوطنة» جديدة. قرار يعتبره رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان «خطوة أخرى في سباق إبادة الجغرافيا الفلسطينية»، وهي عملية لا تنفصل عن الإبادة في غزة، بل تأتي في سياق استراتيجي واحد: السيطرة الكاملة على الأرض، وخنق أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية في المستقبل.
وزيرا الحرب والمالية في حكومة العدو الصهيوني، كاتس وسموتريتش، دفعا نحو إعادة إحياء «مستوطنات» أُخليت سابقاً مثل «غنيم» و»كديم»، في رسالة مفادها أن الاحتلال ماض في مشروعه الاستعماري بلا تردد. بل إن سموتريتش أعلن رصد 2.7 مليار شيكل لإقامة 17 «مستوطنة» جديدة خلال خمس سنوات. هذه القرارات، كما يقول شعبان، ليست مجرد توسع استيطاني، بل جزء من «منظومة استعمارية شاملة» تهدف إلى تقطيع أوصال الضفة وتحويل المدن الفلسطينية إلى جزر معزولة، بينما تُمنَح «المستوطنات» الجديدة صلاحيات إدارية وأمنية على مقاس المشروع العنصري.

الفائز بـ«يوروفيجن» يعيد جائزته احتجاجا
في المشهد العام، غزة تُغرقها العواصف، والضفة يغرقها الاستيطان، والعالم ينشغل ببيانات رمادية لا توقف جريمة ولا تنقذ طفلاً من الموت برداً في خيمة متهالكة. لكن وسط هذا الظلام، كانت هناك إشارات دولية صغيرة لكنها ذات معنى، مثل قرار الفائز السويسري بجائزة اليوروفيجن، نيمو ميتلر، إعادة الكأس إلى اتحاد البث الأوروبي احتجاجاً على السماح باستمرار مشاركة كيان العدو الصهيوني رغم تصنيف الأمم المتحدة لما يفعله الاحتلال في غزة بأنه إبادة جماعية.
وقال ميتلر: في العام الماضي فزت باليوروفيجن، وحصلت معه على الكأس، ورغم أنني ممتن للغاية للمجتمع المحيط بهذه المسابقة ولكل ما علّمتني إياه هذه التجربة على المستوى الشخصي والفني، فإنني اليوم لم أعد أشعر أن هذه الكأس يجب أن تكون على رفّي».
وأضاف أن «استمرار مشاركة «إسرائيل»، في ظل ما خلصت إليه لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة من أنه إبادة جماعية، يظهر تعارضا واضحا بين تلك المبادئ والقرارات التي يتخذها الـEBU».
وتابع :»لقد استخدمت المسابقة مرارا لتلميع صورة دولة متهمة بارتكاب مخالفات جسيمة، بينما أصرّ الاتحاد على أن يوروفيجن غير سياسي وعندما تنسحب دول بأكملها بسبب هذا التناقض، يصبح من الواضح أن هناك خطبا ما».