علاء عيد

علاء عيد / لا ميديا -
من بطون الحكاياتِ أتى. أملى على العالم حضوره الاستثنائي. أذل ببأسه أعتى جيش احتلال في التاريخ، وهزم بعبقريته تفوُّق الترسانة العسكرية الإمبريالية، ليذيق الصهاينة طعم الحقيقة، ويذيق رفاقه وأبناءه في كتائب القسام برتقالة من بستان أبيه في مجدل عسقلان المحتلة عام 1948، ويذيقنا جميعاً طعم الأمل بإمكانية التحرير.
قدم نموذج الفلسطيني الكامل والقائد المناضل، السياسي المبدئي والعسكري الفدائي، والمثقف المشتبك. وقبل هذا كله، كان واحداً منا، يشبه أهلنا الودعاء الطيبين، بسيطاً كالماء، واضحاً كطلقة المسدس، بكامل عبقرية البطولة، وإهاب الفرسان الملحميين، جاء يحيى السنوار، ورحل.
وُلد في مخيم خان يونس عام 1962، ولكن روحه الثائرة كانت قد ولدت قبل ذلك بتسعين عاماً. مع أول رصاصة أطلقها الشهيد عز الدين القسام ضد الاستعمار الانجليزي والصهيوني في مرج بن عامر، هناك وُلدت شخصية يحيى السنوار.
أسره الاحتلال عام 1988، وحاول تطويعه لثلاثة وعشرين عاما كما طوع ودجن الكثير من المثقفين الذين أغرتهم دولارات التطبيع ووهم التسوية السلمية بعد «أوسلو».
استثمر السنوار سني أسره الطويلة بدراسة مجتمع العدو ولغته، فخرج في صفقة تبادل عام 2011 مصقولاً بالتجربة والمعرفة والتصميم.
عام 2017 تسلم قيادة المقاومة في قطاع غزة. وفي 2021 خاض مواجهته الأولى مع الاحتلال وخرج منتصراً من معركة «سيف القدس» بعد أن أرسى توازناً للرعب مع جيش العدو.
كان الهدف واضحاً أمام السنوار، وكذلك الطريق.
في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وقف العالم مذهولاً أمام النموذج الاستثنائي للفدائيين الفلسطينيين الذين أعدهم السنوار. يقتحمون حصون الفرقة الأكثر تطوراً وتسليحاً في الجيش «الإسرائيلي»، يذلون قادتها ويسوقون جنودها أسرى على مشهد من العالم كله.
أعاد السنوار بناء صورة الفدائي الفلسطيني الثائر، الطاهر من الأموال النفطية والدعاية الوهابية التي لوثت الثوريين قبل «الربيع العربي» وخلاله، ورمم صورة الفلسطيني المقاوم الذي مرغ أنف الاحتلال، فكسر طاولة القمار التفاوضية، بخياراتها وخساراتها التي أضاعت 90% من فلسطيننا التاريخية.
ستضع شهادة السنوار المشتبك ومواقفة الجذرية حداً للتهافت السياسي الفلسطيني والعربي نحو التطبيع، وستلهم جيلاً جديداً من الفدائيين، فلا خريف لحياة الأبطال الملحميين الذين غادرونا في هذا الخريف المثقل بالأحزان، لا خريف لحضور السيد نصر الله ويحيى السنوار؛ فلهما انحناءات الخريف، كما قال محمود درويش واصفاً الفدائي العربي الكامل، ابن الأرض التي تنجب زعترا ومقاتلين.

أترك تعليقاً

التعليقات