الدروس المُستفادة
 

بشار كاسر

بشار كاسر / لا ميديا -
إطالة أمد الحرب وإحداث أكبر خسائر في العدو كانت هي فلسفة النصر التي نظّر لها الفريق أركان حرب سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية في حرب تشرين 1973.
ارتكزت هذه النظرية على فكرة أن العدو «الإسرائيلي» يعبئ 11% تقريباً من مستوطنيه في الحرب، ما يعني توقف العجلة الاقتصادية والصناعية والزراعية والتجارية، وهذا يؤدي على المدى البعيد إلى خسائر فادحة في الاقتصاد «الإسرائيلي».
من جهة ثانية، إحداث خسائر بشرية بين صفوفه هو شيء لا يتحمله «المجتمع الإسرائيلي»، بالتالي فإن هذه الفلسفة القتالية ستؤدي بالنهاية إلى سقوط العدو كالثمرة العفنة من الشجرة.
عندما بدأ «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 عادت إلى الأذهان هذه النظرية، واستبشرنا خيراً بأن العدو لن يستطيع أن يتحمل تلك الخسائر غير المسبوقة، ولن يستطيع أن يستمر في حرب طويلة، أقله أمام مجتمعه الداخلي؛ لكن ما حصل كان العكس تماماً.
عامٌ على الطوفان المقدس فُتح في وجه العدو جبهات إسناد عديدة من اليمن والعراق ولبنان وإيران، مع دعم لوجستي سوري، ثم تطورت جبهة الإسناد اللبنانية إلى حرب أخرى طاحنة استخدم فيها حزب الله أسلحة وصواريخ جديدة أنزلت بالعدو خسائر فادحة وسطّر أبطاله ملاحم بطولية غير مسبوقة، ولما تزل النزالات قائمة حتى اليوم وستستمر إلى ما شاء الله.
علينا أن ندرك أن العدو «الإسرائيلي» استطاع أن يأخذ العبر من جميع حروبه السابقة، وأدرك أنه يجب أن يغيّر في عقيدته القتالية التي كانت تعتمد على الحروب الخاطفة قصيرة الأمد، وهيأ «مجتمعه» على مدى عقود لتقبل حروب طويلة وخسائر فادحة، بدليل أن أكثر المتفائلين لم يكن يتوقع أن يصمد «الإسرائيلي» أكثر من عام تحت ضربات محور المقاومة.
صحيح أن هجرة معاكسة قد بدأت، وأن هناك أصوات داخلية ارتفعت لعقد اتفاق وقف الحرب وإتمام صفقة تبادل الأسرى؛ لكن من يمتلك القرار في هذا الكيان المؤقت ماضٍ في عدوانه إلى الآخر معتمداً على دعمٍ غربي وأمريكي يرمم له خسائره المادية ويعزز قدراته العسكرية بالأسلحة والذخائر النعية، عدا عن الدعم الاستخباراتي واللوجستي الذي كان من أهم نتائجه اغتيال قيادات الصف الأول في حزب الله، وعلى رأسهم سماحة السيد حسن نصر الله.
الحرب في النهاية ستضع أوزارها، وسيكون هناك منتصر ومهزوم، ولا يساورنا أي شك أن المقاومة هي من ستحسم المعركة لصالحها، لأنها صاحبة الأرض والحق. صحيح أن العدو فاجأها بصموده الطويل؛ لكنها حرب عض الأصابع، من سيصرخ أولاً سيُهزم، والمقاومة منذ تأسيسها لم تصرخ يوماً في أي معركة خاضتها، ولن تصرخ اليوم في هذه المعركة المصيرية التي ستغير وجه «الشرق الأوسط».
قد لا تكون هذه هي الحرب الأخيرة؛ لكنها قد تكون المسمار الأخير في نعش الكيان المؤقت. وكما استطاع العدو أن يأخذ العِبر ويتجاوز نقاط ضعفه، يجب علينا أيضاً كمحور مقاومة أن نوجد فلسفة قتالية جديدة مبنية بشكلٍ علمي على ما استطاع العدو أن يتجاوزه، عقيدة تضع نصب أعينها أن الحروب الطويلة، وأسر الجنود، وإحداث خسائر بشرية كبيرة بين صفوفه لم تعد تشكل نقاط ضعف لديه كما في السابق.

أترك تعليقاً

التعليقات