محمد أبو راس

محمد أبو راس / لا ميديا -
فــي ليلة السابع من أكتوبر 2023، انطلقت عملية «طوفان الأقصى» كشرارة للمقاومة الفلسطينية، مستهدفة المستوطنـــات «الإسرائيلية» حول غزة. جاء هذا بعد تأكيد الرئيس الأمريكي جو بايــــدن على دعم بلاده لـ«إسرائيل»، في وقت تصاعدت فيه الأحداث على الأرض ورفضت الإدارة الأمريكية أي تدخل دولي، تجلى دور اليمن في دعم المقاومة الفلسطينية بشكل واضح، حيث أرسلت القوات المسلحة اليمنية رسائل دعم عبر إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة نحو أهداف في «إسرائيل»، مما أظهر تصميما قويا على مواجهة العدوان.
 - التصعيد العسكري (المرحلة الأولى) 18 أكتوبر 2023 وتحت شعار «الفتح الموعود والجهاد المقدس»، شنت القوات المسلحة اليمنية هجومًا مستهدفا على أم الرشراش «إيلات» باستخدام دفعات من الصواريخ والطائرات المسيرة. حيث ادعت الولايات المتحدة أنها اعترضت ثلاث طائرات من بين أكثر من 25 استهدفت العمق «الإسرائيلي»، مما أظهر عدم قدرة أنظمة الدفاع «الإسرائيلية» على التصدي لهذه الهجمات.
- التصعيد (المرحلة الثانية) نوفمبر 2023 -يناير 2024، حيث توسعت العمليات العسكرية اليمنية لتشمل استهداف السفن التجارية المرتبطة بـ»إسرائيل» في البحر الأحمر.
- التصعيد (المرحلة الثالثة) مارس 2024، سجل دخول القوات المسلحة اليمنية في مرحلة جديدة من التصعيد، حيث وسعت نطاق استهدافها ليشمل السفن «الإسرائيلية» والأمريكية، حيث استهدفت السفن في المحيط الهندي، مما كشف عن قدرة اليمن على تنفيذ عمليات فعالة ودقيقة، وفتح جبهة جديدة في الصراع.
- الحظر الشامل (المرحلة الرابعة) مايو 2024، أعلنت القوات المسلحة اليمنية بدء المرحلة الرابعة من التصعيد، حيث تم استهداف جميع السفن التي تخترق قرار حظر الملاحة المفروض على الموانئ الفلسطينية المحتلة.
- الذعر في الداخل «الإسرائيلي» (المرحلة الخامسة) يوليو 2024، استهدفت القوات المسلحة اليمنية «تل أبيب» باستخدام طائرة مسيّرة، مما أدى إلى إصابة مباشرة، وإحداث حالة من الذعر في الكيان «الإسرائيلي». وقد أثار الهجوم انتقادات حادة تجاه الحكومة «الإسرائيلية»، حيث اعتبر المراقبون أن الحكومة فشلت في حماية أمن الكيان، مما أضاف ضغطا سياسيا كبيرا عليها.
بحلول صباح الأحد 19 يناير 2025 دخل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ، منهيا أكثر من عام وثلاثة أشهر من عمليات الإبادة الجماعية ضد سكان القطاع، أكد سيد الثورة عبدالملك بدر الدين الحوثي أن «هناك جولات قادمة من المواجهة مع العدو الإسرائيلي.. ونحن في جهوزية مستمرة للتدخل الفوري في أي وقت يعود العدو الإسرائيلي إلى التصعيد وجرائم الإبادة والحصار لقطاع غزة»، وهذا ما جرى. ومع عودة العدوان على قطاع غزة، تحدث السيد القائد يوم الجمعة 7 مارس 2025 عن مهلة مدتها أربعة أيام، قبل استئناف العمليات البحرية ضد «إسرائيل»، «إذا لم تدخل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة».
ولكن العدو الأمريكي لم يستجب وأعلن تأكيده على المشاركة وتقديم الدعم وتأمين الحماية للعدو «الإسرائيلي» واستأنف عدوانه على اليمن، وقد قام السيد القائد في سلسلة خطابات متتالية خلال شهري مارس وأبريل 2025، بشرح ما يجري في غزة والإقليم من خلال تقديم سردية واضحة، فضلا عن سرديات أخرى مرتبطة بالعدوان على اليمن وموقف اليمن الإيماني والجهادي والإنساني.

أولاً: سردية السيد القائد عن الدور الأمريكي في غزة والإقليم
في الوقت الذي يعاني فيه قطاع غزة من عدوان متواصل، يتكشف الدور الأمريكي في هذا السياق بشكل واضح وصريح. المسؤولون الأمريكيون يعترفون علنا بأن ما يحدث في غزة ليس إلا نتيجة لمشورتهم ودعمهم الكامل لـ«إسرائيل»، بل إنهم لا يكتفون بتأييد هذا العدوان، ويُشجّعون عليه، ويُشرفون عليه بشكل مباشر. الولايات المتحدة، من خلال تصريحاتها وأفعالها، تبدو وكأنها لا تُمانع في إبادة الشعب الفلسطيني، حيث تصل إلى حد تبني خطاب يطالب بإبادة الفلسطينيين جميعا.
منذ توليه منصب الرئاسة الأمريكية، كان دونالد ترامب من بين أولئك الذين دعّموا هذا التوجه الأمريكي بشكل صريح. فقد تحدث في بداية حكمه عن ضرورة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وكان يتعهد بتنفيذ اتفاقات بهذا الشأن، ولكنه كان يتنكر لهذه الالتزامات مع مرور الوقت. هذا النفاق يُظهر الدور الأمريكي المستمر في دعم «إسرائيل» في محاولاتها لإنهاء الوجود الفلسطيني في غزة، وتطبيق سياسة الحصار والتجويع، بل والإبادة الجماعية تحت غطاء من الدعم الأمريكي.
«إسرائيل»، مستفيدة من الدعم الأمريكي غير المشروط، تستمر في سياساتها العدوانية في غزة، وهو ما يُظهر أن المعركة ليست فقط بين الشعب الفلسطيني والعدو «الإسرائيلي»، بل هي معركة ممتدة بين الشعب الفلسطيني وبين الولايات المتحدة، التي تشارك بقوة في هذا العدوان. أمريكا ليست مجرد داعمة لـ«إسرائيل»، بل هي شريك فعلي في هذا العدوان، تسهم في توفير الغطاء السياسي والعسكري لـ»إسرائيل»، بهدف إخضاع الشعب الفلسطيني وتدمير مقاومته. هذا العدوان يأتي في إطار محاولة أمريكية لتسليم المنطقة كلها للهيمنة «الإسرائيلية»، وإزالة أي عقبات قد تواجه الاحتلال في مساعيه للسيطرة على المنطقة.
وفي إطار هذا العدوان المستمر، يتجلى المشروع الأمريكي الأكبر في الإقليم. الولايات المتحدة تسعى لتحويل «إسرائيل» إلى القوة المهيمنة في «الشرق الأوسط»، بحيث تمتد سيطرتها إلى كامل منطقة الشام، وأجزاء من مصر والعراق والسعودية. هذا المشروع يهدف إلى تغيير المعادلات الجغرافية والسياسية في المنطقة، بحيث تصبح الدول العربية عبارة عن كيانات صغيرة وممزقة، متناحرة فيما بينها على أساس عرقي وطائفي. هذه الدويلات ستكون ضعيفة، لا تملك أي قدرات للدفاع عن نفسها، مما يجعلها فريسة سهلة لـ«إسرائيل».
في هذا السياق، تصبح «إسرائيل» القوة الوحيدة القادرة على فرض سيطرتها على المنطقة. وستكون بقية الدول غير قادرة على الدفاع عن نفسها أمام الهجمات «الإسرائيلية»، وستظل تحت رحمة «المشروع الأمريكي -الإسرائيلي». أمريكا، عبر تحالفها الوثيق مع «إسرائيل»، ستتمكن من استغلال ثروات المنطقة، وإنشاء قواعد عسكرية في أي مكان تختاره، بينما تستمر في نهب الموارد الطبيعية والبشرية دون أي رادع.
هذا المشروع الأمريكي لا يستهدف فقط إعادة تشكيل المنطقة لصالح «إسرائيل»، بل يهدف أيضا إلى تمزيق الأمة العربية وإضعافها من خلال إضعاف الروابط بين دولها، مما يجعلها غير قادرة على مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها. في ظل هذا الوضع، يُصبح الاحتلال «الإسرائيلي» أكثر قدرة على فرض إرادته على المنطقة، بينما تصبح الشعوب العربية مجبرة على التكيف مع الواقع الجديد الذي يفرضه هذا المشروع.
إذن العدو «الإسرائيلي»، في سعيه لتنفيذ هذا الإجرام الفظيع والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، يعتمد على عدة عوامل تدعمه وتشجعه على المضي قدماً في عدوانه.
أولاً: الشراكة الأمريكية التي تمنح «إسرائيل» كل أشكال الدعم العسكري والسياسي، بل وتوفر لها الحماية في محافل الدول والمنظمات الدولية. هذه الشراكة تسمح لـ«إسرائيل» بالاستمرار في انتهاكاتها دون خوف من عواقب دولية.
ثانياً: التخاذل العربي يسهم بشكل كبير في تعزيز جرأة العدو «الإسرائيلي». بعض الأنظمة العربية، بدلاً من الوقوف في وجه العدوان، تُظهر تحريضاً على استمرار الهجوم «الإسرائيلي» وتجاهل معاناة الشعب الفلسطيني. هذا التخاذل، مع التحريض من بعض الأنظمة، يساهم في تشجيع «إسرائيل» على مواصلة عدوانها بشكل متسارع وغير مبال بالخطوط الحمر التي تجاوزتها في العديد من المناسبات.
هذا وتكشــــــــــف التوجهات المشتركة بيـــــــــــن العدو «الإسرائيلي» والأمريكي عن أهداف استراتيجية تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل. الأمريكــــــــــي و«الإسرائيلي» يتبنيان بشكل علني سعيهم لتوسيــــــــع الاحتلال «الإسرائيلي» على حساب الأراضي الفلسطينية، بل والعمل على تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه. هذه السياسة لم تعد تتم في الخفاء كما في السابق، حيث كان الحديث عن «التسوية» و«السلام» في المحافل الدولية، بل أصبح التهجير هدفاً معلناً بلا مواربة. هذا التحول في السياسة الأمريكية يفضح نواياها ويكشف عن دعمها المستمر للمشروع «الإسرائيلي» الذي يسعى لتوسيع حدود «إسرائيل» من النيل إلى الفرات.
الحديث الأمريكي عن التهجير أصبح فضيحة كبرى، يكشف الصورة الحقيقية للمخططات الأمريكية و«الإسرائيلية» تجاه المنطقة. كانت الولايات المتحدة في السابق تدعي دعم «التسوية السياسية» وحل الدولتين، لكنها الآن تنتقل إلى مرحلة أكثر وضوحاً، تتمثل في التصفية النهائية للقضية الفلسطينية، وتهجير الشعب الفلسطيني، وتوسيع الاحتلال «الإسرائيلي» في الأراضي المحيطة بفلسطين.
رغم الشراكة الواضحة بين الولايات المتحدة و«إسرائيل»، ورغم الاتفاقات التي تُعقد حول وقف العدوان على غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية، وإنهاء الحصار المفروض على الفلسطينيين في القطاع، إلا أن الولايات المتحدة لا تكترث بالوفاء بتعهداتها. تتجاهل التزاماتها بموجب هذه الاتفاقات وتستمر في نكث العهود، مما يفضح مدى التواطؤ الأمريكي في دعم العدوان «الإسرائيلي».
بذلك، تظل السياسة الأمريكية و«الإسرائيلية» متشابكة في محاولات مستمرة لتحويل المنطقة بأسرها إلى منطقة خاضعة بالكامل للاحتلال «الإسرائيلي»، في ظل دعم أمريكي غير مشروط وموقف عربي ضعيف.

ثانياً: العدوان على اليمن
العدوان الأمريكي على اليمن ليس له أي مبرر، فهو يعتمد على منطق مشوه يُسمى «الدفاع»، في حين أن الحقيقة هي أن الأمريكي هو من بدأ العدوان. هذا العدوان بدأ خلال «معركة طوفان الأقصى»، حيث قام الأمريكي بالتدخل إلى جانب العدو «الإسرائيلي». ورغم أن الموقف اليمني كان واضحا ومباشرا في دعم القضية الفلسطينية والتصدي لعدوان الكيان «الإسرائيلي»، إلا أن الولايات المتحدة صعدت من عدوانها على اليمن. هذا الموقف الأمريكي ليس فقط عدوانيا، بل يخالف القوانين الأمريكية نفسها ويعد انتهاكا لحقوق الإنسان، حيث يهدف إلى إضعاف الموقف اليمني وتغيير إرادة شعبه.
الأمريكي يسعى من خلال هذا العدوان إلى التأثير على موقف الشعب اليمني وإرادته، لكنه سيفشل في ذلك. مهما بلغت التهديدات والاعتداءات، فإن الشعب اليمني لن يتراجع عن مواقفه الوطنية ولن يستطيع الأمريكي تغيير إرادته أو إضعاف قدراته، بل على العكس، كل عدوان أمريكي يعزز من قدرة الشعب اليمني على التصدي ويزيد من إصراره على المواجهة. في هذا السياق، يظهر أن العدوان الأمريكي ليس إلا محاولة فاشلة لكسر إرادة الشعب اليمني.
أما الهدف الحقيقي من العدوان الأمريكي على اليمن، فهو يتمثل في أمرين رئيسيين:
الأول: إسناد العدو «الإسرائيلي» في ممارساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني: هذا العدوان الأمريكي جزء من السياسة الأمريكية التي تدعم «إسرائيل» بشكل كامل، خاصة في ما يتعلق بالحرب على غزة، حيث تمنع وصول المساعدات الإنسانية وتفرض الحصار على القطاع. هذا الدعم الأمريكي يأتي ردا على الموقف اليمني الواضح في دعم الشعب الفلسطيني في مقاومته للعدوان «الإسرائيلي».
الثاني: يسعى الأمريكي إلى معاقبة الشعب اليمني على موقفه المشرف والمتضامن مع فلسطين: الولايات المتحدة تعترف بأن جزءا من أسباب العدوان على اليمن هو دعم الشعب اليمني لفلسطين في مواجهة الإبادة الجماعية التي نفذتها «إسرائيل»، وهو موقف شجاع وغير متماش مع السياسة الأمريكية في المنطقة، ولذلك، تسعى الولايات المتحدة إلى الانتقام من هذا الموقف من خلال عدوانها على اليمن.
في الختام، يظهر أن العدوان الأمريكي على اليمن ليس مجرد عدوان عسكري، بل هو رسالة تهديد للشعوب التي ترفض الهيمنة الأمريكية و«الإسرائيلية». كما أن هذا العدوان يهدف إلى إرغام الشعوب على التخلي عن مواقفها العادلة، وخاصة تجاه القضية الفلسطينية، إلا أن الشعب اليمني سيظل ثابتا في مواقفه، متمسكا بحقوقه وحقوق الشعب الفلسطيني.

ثالثاً: ما هو الموقف المقابل؟
إن موقف العالم العربي تجاه ما يحدث في غزة يتسم بالبرود الشديد، حيث لا نجد تفاعلاً شعبياً حقيقياً أو ضغطاً سياسياً أو اقتصادياً يُجبر على اتخاذ موقف يرتقي إلى مستوى الحدث بما تعنيه الكلمة. هناك حالة من الخشية من أمريكا، حيث يبدو أن العديد من الأنظمة العربية تخشى العقوبة الأمريكية أكثر من خشيتها من العقوبة الإلهية. هذا الخوف من أمريكا جعل المواقف العربية هشة، وعدم اتخاذ خطوات جدية لدعم غزة في محنتها.
أما العدو «الإسرائيلي»، فهو واضح في مواقفه؛ لا يعترف بأي اتفاقات أو تعهدات، وهو يمارس انتهاكها بشكل علني. حتى من يراهنون على أن أمريكا ضامنة لهذه الاتفاقات، فإنهم يكتشفون أن الأمريكي لا يبالي بها أيضاً. فالولايات المتحدة، الشريك الدائم لـ«إسرائيل»، تنكث بتعهداتها تماماً كما يفعل العدو «الإسرائيلي». هذه المواقف تؤكد أن الرهان على التفاهمات أو الاتفاقات مع «إسرائيل» أو أمريكا هو رهان خاسر.
وفي الوقت نفسه، نجد بعض الحكومات العربية تحاول التوجه نحو تحسين العلاقات مع «إسرائيل» تحت مسمى «التطبيع». ولكن هذا التطبيع في ظل الإجرام المستمر من قبل «إسرائيل» ضد الفلسطينيين هو خيانة عظمى، ومساهمة في خدمة العدوان «الإسرائيلي» وخدمة للمصالح الأمريكية في المنطقة. العلاقة مع كيان إجرامي بهذه الصورة تمثل عاراً، لأنها تساهم في تأجيج العدوان وتغطي على جرائم الاحتلال، وتصبح جزءاً من الخيانة بحق الأمة الفلسطينية.
أما عن الخيار السياسي المروج كـ«التسوية» أو «الاستسلام»، فإن هذا الخيار فاشل وساقط. لن يقدم شيئًا للأمة العربية أو للشعب الفلسطيني، بل يزيد الوضع سوءاً ويتركه في دائرة من القهر والظلم. هذه الخيارات لن تعود بالنفع على الفلسطينيين ولا على الدول المجاورة ولا على الأمة العربية بشكل عام. الخيار الوحيد الذي يجب أن يتمسك به الجميع هو «خيار الجهاد في سبيل الله»، الذي يعبر عن الالتزام بالحقوق والدفاع عنها مهما كانت التحديات. هذا هو الطريق الذي يضمن الحفاظ على كرامة الأمة ووحدة الشعب الفلسطيني في وجه هذا العدوان المستمر.

رابعاً: النموذج السوري و«سلطة عباس» للتسوية
العدو «الإسرائيلي» في سياق تحركاته الإجرامية في سوريا، يتابع سياسة الاجتياح والتوسع، ويُنفِّذ الغارات الجوية بشكل مُكثَّف، مما يفضح سلسلة من الجرائم والاعتداءات الواضحة التي لا يوجد لها أي مبرر. ورغم هذه الاعتداءات المستمرة، إلا أن الغالبية العظمى تلتزم بالصمت. هذا الصمت يُعتبر نوعاً من القبول بالأمر الواقع، ويعني أن الأمريكي و»الإسرائيلي» يسعيان معاً لفرض معادلة الاستباحة في المنطقة العربية، حيث يُريدان أن تكون أيديهما مطلقة في العدوان والقتل والتدمير والاحتلال دون أن يواجها ردود فعل جادة أو موقفاً فعّالاً من جانب الدول العربية. وهذا الموقف يعد أمراً خطيراً للغاية، فإن القبول به يحمل تداعيات مدمرة على المنطقة.
لنفترض أن السكوت قد يكون مفيداً أو أن التوجهات التي لا تتبنى أي موقف ضد العدوان الأمريكي و«الإسرائيلي» قد تؤتي ثمارها، لكان ذلك قد نجح في سوريا. لكن الواقع يقول العكس تماماً. فالمواقف السائدة لدى بعض الجماعات في سوريا التي تؤكد أنها لا تُعادي الكيان «الإسرائيلي» ولا تخطط للتحرك ضده بأي شكل من الأشكال، قد أثبتت عدم جدوى هذا التوجه. هذه الجماعات ترفض حتى استخدام مصطلح «العدو الإسرائيلي» في الإعلام، ولكن على الرغم من ذلك، لم تجنِ أي فائدة من هذا الموقف. «الإسرائيلي» لا يُبالي بتصريحاتهم أو تحركاتهم، بل يستمر في احتلال المزيد من الأراضي السورية وتثبيت سيطرته على جنوب سوريا، في ثلاث محافظات مهمة (القنيطرة، درعا، السويداء)، وصولاً إلى أطراف ريف دمشق والمناطق المحيطة بالعاصمة السورية دمشق.
في الوقت نفسه، لاتزال السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية تُواجه نفس المأساة، على الرغم من الاتفاقات التي وُقِّعت مع العدو «الإسرائيلي» في الماضي، لا يلتفت هذا الأخير إليها. فهو لا يُفرِّق بين التزاماته الدولية والتعهدات التي وقعها، بل يستمر في ارتكاب الجرائم اليومية ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، ويعبر عن أطماعه العدوانية بوضوح من خلال ممارساته. هذه السياسة «الإسرائيلية» تسعى إلى تمهيد الطريق لمخططات أكبر تهدف إلى فرض واقع جديد على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وفلسطين بشكل عام، وهو واقع يعتمد على تكريس الاحتلال وفرض الهيمنة «الإسرائيلية».

خامساً: القرار اليمني من هذه الأحداث
موقف اليمن كان واضحاً وحاسماً في تأييد الشعب الفلسطيني في معركته ضد العدو «الإسرائيلي». فقد اتخذت بلادنا قراراً حازماً بحظر الملاحة البحرية «الإسرائيلية»، وذلك بهدف الضغط على العدو «الإسرائيلي» لفتح المعابر والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وإنهاء حصار الشعب الفلسطيني وتجويعه. هذا الموقف ليس مجرد خيار عابر، بل هو موقف ضروري ينبع من مبادئنا الإنسانية، الدينية، والأخلاقية في مواجهة العدوان «الإسرائيلي» المدعوم من قبل الولايات المتحدة.
اليمن يرفض تماماً أن تُفرض معادلة الاستباحة على المنطقة أو أن تُخضع للعدو «الإسرائيلي» بأي شكل من الأشكال. نحن لا يمكننا قبول أن يُجبر شعبنا على التعايش مع واقع الاحتلال «الإسرائيلي» وتواطؤ أمريكي يتعامل مع هذه الممارسات كأمر واقع. إن القبول بهذا الواقع يعني التخلي عن مبادئنا وقيمنا الإسلامية، والقبول بالذل والهوان، وهو أمر لا يمكن أن يحدث.
في ظل التصعيد المستمر من العدو الأمريكي و«الإسرائيلي»، كان الرد اليمني واضحاً، إذ أصدرت قواتنا المسلحة قراراً بالتعامل بالمثل «التصعيد بالتصعيد»، وعلى الفور، استهدفت قواتنا المسلحة البارجات الأمريكية وحاملة الطائرات والقطع البحرية التابعة لها، باستخدام الصواريخ والطائرات المسيَّرة. هذا هو خيارنا، وهذا هو قرارنا الذي نلتزم به طالما استمر العدوان الأمريكي على بلدنا.
كذلك، سيستمر قرار الحظر في الملاحة البحرية ضد العدو الأمريكي طالما استمر في تحركاته العدوانية، وخاصة بعدما حول البحر إلى ميدان حرب، مؤثراً بذلك على الملاحة البحرية الدولية. هذا القرار كان موجهاً أساساً ضد العدو «الإسرائيلي»، ولكن بما أن الأمريكي قد أصبح شريكاً في هذا العدوان، فقد أصبح يشمله الحظر أيضاً.
إن موقفنا هذا لا يأتي من منطلق عبثي أو تكتيكي، بل هو موقف ضروري وملحّ في هذه المرحلة الدقيقة. نؤكد أن لا خيار لدينا إلا الوقوف في صف الحق، ومساندة الشعب الفلسطيني في وجه الإبادة الجماعية التي يمارسها العدو «الإسرائيلي»، ويسعى بدعم أمريكي إلى فرض هيمنته على المنطقة.

سادساً: نتيجة العدوان الأمريكي على اليمن
إن العدوان الأمريكي الذي يستمر في تنفيذ الغارات والاعتداءات على بلادنا لن يحقق هدفه في الضغط علينا بالتراجع عن موقفنا الثابت تجاه دعم الشعب الفلسطيني. الحل الوحيد الذي نسعى إليه هو إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وإنهاء الحصار المفروض عليه، وإنهاء التجويع والتعطيش الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني هناك. إن موقفنا هذا هو موقف إنساني وأخلاقي وديني، ولا يمكن لأي ضغط أن يغيره.
العدوان الأمريكي هذا لن يحقق أهدافه أبداً، فهو فاشل وسيظل فاشلاً بإذن الله تعالى. لن يستطيع الأمريكي أن يضغط على شعبنا للتراجع عن قرارنا الثابت، لأن هذا الموقف بالنسبة لنا ليس مجرد خيار عابر، بل هو التزام إيماني وأخلاقي وحضاري تجاه قضيتنا، وتجاه الشعب الفلسطيني. نحن في هذا الموقف لا نتنازل عن مبادئنا، ولن نُغَيِّر من مواقفنا مهما كانت الضغوط.
أما بالنسبة لقدراتنا العسكرية، فإن العدوان الأمريكي لن ينجح في تقويضها. نحن نعيش تجربة جهادية طويلة ضد العدوان الأمريكي، وقد مررنا في مراحل عديدة من التصدي له. وعليه، فإن هذه الجولة من العدوان الأمريكي ستسهم في تعزيز قدراتنا العسكرية وتطويرها أكثر فأكثر. نحن نتعلم من كل تجربة، وكل هجوم يعزز من قوتنا ويرسخ من موقفنا، وستظل هذه الجولات من العدوان سببًا في زيادة قوتنا العسكرية وصمودنا بإذن الله تعالى.

سابعاً: خلاصة القرار اليمني
تعاني غزة من عدوان متواصل، ويظهر بشكل واضح الدور الأمريكي في دعم هذا العدوان، حيث تؤكد تصريحات المسؤولين الأمريكيين أنهم لا يكتفون بتأييد العدوان «الإسرائيلي»، بل يشجعون عليه بشكل مباشر. الولايات المتحدة، من خلال دعمها المستمر لـ«إسرائيل»، تسعى إلى تغيير المعادلات الجغرافية والسياسية في المنطقة لصالح «إسرائيل»، مستهدفة تحويل «إسرائيل» إلى القوة المهيمنة في «الشرق الأوسط». هذا المشروع الأمريكي يهدف إلى تمزيق الأمة العربية وتدمير مقاومة الشعب الفلسطيني، مع محاولة تحويل المنطقة بأسرها إلى خاضعة للهيمنة «الإسرائيلية». ولذلك العدوان الأمريكي على اليمن هو جزء من محاولات التأثير على موقف الشعب اليمني في دعم فلسطين، حيث يدعم الأمريكيون «إسرائيل» في عدوانها المستمر ضد الشعب الفلسطيني. هذه الحرب الأمريكية على اليمن تهدف إلى معاقبة اليمنيين على موقفهم الثابت من القضية الفلسطينية.
إن العدوان الأمريكي على اليمن لا يهدف فقط إلى فرض الهيمنة «الإسرائيلية» على المنطقة، بل يهدف أيضاً إلى إجبار اليمن على التراجع عن مواقفه الوطنية المستقلة، فيما موقف العالم العربي تجاه ما يحدث في غزة يتسم بالضعف والبرود. الأنظمة العربية تخشى العقوبات الأمريكية أكثر من خشيتها من العقوبات الإلهية، مما يعزز مواقف «إسرائيل» في المنطقة ويجعلها قادرة على الاستمرار في عدوانها. بعض الحكومات العربية تسعى لتحسين علاقاتها مع «إسرائيل» تحت مسمى «التطبيع»، وهو أمر يعد خيانة عظمى بحق الأمة الفلسطينية، ويزيد من تعميق الخلل في المنطقة. ولعل أبرز مثال على ذلك في الوقت المعاصر النظام السوري و«سلطة عباس» في الضفة الغربية اللذان يجسدان فشل التسوية مع العدو «الإسرائيلي». رغم محاولات اظهار السلام، فإن «إسرائيل» تواصل عدوانها ولا تكترث بالاتفاقات التي تم التوصل إليها.
في سوريا، يسعى الاحتلال «الإسرائيلي» إلى التوسع والسيطرة على الأراضي السورية، وفي فلسطين يستمر الاحتلال في انتهاك حقوق الفلسطينيين وفرض واقع جديد يؤبد الاحتلال. ومن هنا فإن موقف اليمن كان حاسماً، حيث اتخذت الحكومة اليمنية قراراً بحظر الملاحة البحرية «الإسرائيلية»، بهدف الضغط على العدو «الإسرائيلي» لفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. كما أكد اليمن على رفضه الكامل لأي محاولات لفرض الهيمنة «الإسرائيلية» على المنطقة. الرد اليمني جاء قوياً عبر التصعيد بالمثل ضد العدوان الأمريكي و«الإسرائيلي»، مع استهداف البارجات الأمريكية وحاملة الطائرات باستخدام الصواريخ والطائرات المسيَّرة، وبالتالي فان العدوان الأمريكي على اليمن لن ينجح في التأثير على موقف الشعب اليمني. موقف اليمن ثابت ولن يتراجع أبداً. العدوان الأمريكي يعزز من قدرات اليمن العسكرية ويزيد من صمود الشعب اليمني. رغم الضغوط، فإن الشعب اليمني سيستمر في دعم فلسطين في مقاومته ضد العدوان «الإسرائيلي».

ثامناً: تقدير موقف
الاستراتيجية اليمنية تعتمد على استراتيجية الردع المتدرج، حيث ربط السيد القائد وقف العمليات بوقف العدوان والتصعيد المقابل لأي هجوم يشير إلى وجود خطوط حمراء ومحاولة فرض توازن قوى جديد، وأن اليمن جزء من المعادلة الإقليمية والتصعيد لن ينفع، والأبواب ليست مغلقة ويمكن التفاوض، ولكن لا يمكن ذلك قبل إيقاف العدوان في غزة وعلى اليمن. إذن اليمن يعزز موقعه كمكوّن رئيسي في معادلة «الردع الإقليمي». والمعركة لا تُخاض فقط بالسلاح، بل أيضًا بالإعلام، الملاحة، والتحالفات. وطالما استمر الدعم الأمريكي و«الإسرائيلي» للحرب على غزة واليمن، فإن اليمن لن يتراجع، بل يسعى لخلق تكاليف متزايدة على أعدائه.
في المقابل الولايات المتحدة وحلفاؤها تقوم باستهداف البنية التحتية الحكومية والمجتمع القبلي ما يعكس محاولة كسر الحاضنة الشعبية وضرب مراكز القوة الاجتماعية في اليمن. حيث التركيز على القادة القبليين ويتزامن ذلك مع استهداف البنية الحكومية (الصحية، الاقتصادية، المالية...) في مسعى لإثارة الفوضى الداخلية، والهدف هنا هو تحييد الجبهة الداخلية وجعل اليمن منشغلاً بتهديدات داخلية (مثل المرتزقة أو التمردات القبلية)، بعيداً عن قدرته على التأثير الإقليمي. وتشير التقديرات الى أنه بعد إثارة الفوضى تجري تحضيرات لهجمات للمرتزقة، سيما وأن نقاط التماس على الجبهات تتعرض لهجمات في خطوة لفتح ثغرات تخدم تقدما بريا محتملا، والأكثر ترجيحاً (محور الحديدة) في خطوة تهدف للسيطرة عليه مما قد يشكل ضغطا اقتصاديا كبيرا على حكومة صنعاء.

أترك تعليقاً

التعليقات