«عربات جدعون» خرافة توراتية تُغلف مجازر الإبادة في غزة
- عبدالحكيم عامر الأحد , 25 مـايـو , 2025 الساعة 12:50:13 AM
- 0 تعليقات
عبدالحكيم عامر / لا ميديا -
في سعيها لتبرير مجازرها البشعة في رفح وغزة، أطلقت قوات الاحتلال على عمليتها الجديدة اسم «عربات جدعون»، في محاولة مكشوفة لربط الجرائم العسكرية الراهنة بأساطير دينية توراتية تعكس ذهنية استعمارية تسعى لتغليف القتل والتدمير بإطار «مقدّس» زائف. هذه التسمية تمثل نموذجاً فاضحاً لذهنية العدو الصهيوني، التي ترى في المجازر الدموية استمراراً لـ»نبوءات» مفتراة، ووسيلة لتكرار نكبة 1948 بحلّة دينية جديدة.
«جدعون»، في المخيال التوراتي، هو قائد محارب مزعوم ألحق الهزيمة بأعدائه، من خلال جرائم إبادة جماعية تكشف مدى تعطش اليهود للدماء البريئة. يعتقدون أنه عرض أعداءه لهزائم بمعجزة. باستدعاء هذا الرمز التوراتي، يسعى العدو لتقديم عملياته في رفح كمهمة «مقدسة»، لا مجرد آلة قتل عسكرية، وهذا يكشف عمق الأزمة النفسية والذهنية التي يعيشها الاحتلال الصهيوني، حين يلجأ إلى الخرافة لتغطية فشله في تحقيق نصر فعلي على المقاومة. هذه التغليفات التي يضفيها على جرائمه الدموية، كانت انعكاساً لنهج متجذر في عقليته، يُضفي على القتل طابعاً «مقدساً»، ويُلبس المجازر عباءة أسطورية مزيفة. وإن هذا الانفصام بين الواقع والخرافة يكشف حجم الأزمة النفسية التي يعيشها كيان يدّعي الحداثة بينما يتغذّى على تراث خيالي لتبرير الإبادة والتهجير.
ليست هذه المرة الأولى التي يستدعي فيها الكيان الصهيوني رموزاً توراتية لتغليف عملياته العسكرية؛ فمن «يشوع» إلى «عاموس»، ومن «السور الواقي» إلى «حد السيف»... تتكرّر الرموز وتتجدد الأساطير؛ لكن الحقيقة تبقى واحدة: شعب يُباد، ومدن تُمحى، وأرض تُسرق، تحت لافتات دينية زائفة. «عربات جدعون» ليست عملية عسكرية بقدر ما هي إعلان نية مبيتة لإعادة إنتاج نكبة 1948 بحلة توراتية جديدة.
الاحتلال لا يُخفي نواياه الحقيقية، فعبر استهداف رفح ومخيمات النازحين، يبعث برسالة واضحة: التهجير هو الحل، والنكبة يجب أن تتكرر، وما يجري في رفح وغزة خطوة ممنهجة في مشروع التهجير القسري. استهداف المخيمات ومناطق النازحين يكشف بوضوح استراتيجية الاحتلال: لا مكان للفلسطيني في وطنه، والتهجير هو الهدف النهائي. «عربات جدعون» ليست إلا قاطرة تهجير جديدة، تسير فوق أجساد المدنيين، وتسعى لتفريغ الجنوب كما فُرّغ الشمال.
فالاحتلال، العاجز عن تحقيق نصر عسكري حقيقي أمام المقاومة، يعوّض فشله عبر صناعة نصر رمزي من ورق. في كل عملية، يبحث عن اسمٍ ديني يُضفي الشرعية على جريمته؛ لكنه في الحقيقة لا يحرّك عربات الدين، بل دبابات القتل والإبادة. فالمقاومة التي أفشلت احتلال غزة، وأسقطت هيبة «الجيش الذي لا يُقهر»، تفضح كل رواية توراتية يحاول العدو تسويقها.
فمنذ نشأته، يعيش الكيان الصهيوني في صراع بين صورتين: «دولة» تدّعي الديمقراطية والحرية، وصهاينة تعتاش على نبوءات قديمة. هذا التناقض يتجلى بوضوح في تسمية عملياته، حيث تتحول الدبابة إلى عربات نبوية، والقناص إلى نبي مزعوم. إنها محاولة لتبرير المشروع الاستيطاني، وتقديمه كتحقيق لوعد إلهي، بينما في الواقع هو استمرار لمنطق القتل والإجرام والإبادة والاقتلاع.
رغم الضجيج الديني والإعلامي الذي يرافق عمليات الاحتلال، تبقى الحقيقة واضحة: لا جدعون ولا غيره يغيّر واقع المعركة. المقاومة الفلسطينية، بإيمانها الحقيقي وإرادتها الراسخة، تُسقط الأساطير وتفضح الخرافات. «عربات جدعون» ليست سوى سراب يسير على ركام البيوت المدمرة، بينما الواقع يكشف أن من يملك الأرض والصمود هو من يملك الحق والنصر بصبرة وثباته في المواجهة.
في الأخير، «عربات جدعون» ليست أكثر من محاولة يائسة لإخفاء الفشل خلف ستار الدين والخرافة الزائفة؛ لكن الواقع لا يُغطّى التزييف والأكاذيب. فرفح تصرخ، وغزة تنزف، والعالم يرى بأمّ عينه كيف يحول الاحتلال الصهيوني الأديان إلى سلاح للقتل والإبادة والتهجير، وكيف تفشل كل الأساطير أمام مقاومة تملك الإرادة، لا العربات الوهمية.
إن تسمية مجازر الإبادة بأسماء توراتية، لا تُبرئ الاحتلال من جرائمه، بل تكشف المزيد عن طبيعته الاستعمارية المتجذرة في الوهم الديني. «عربات جدعون» لن تمرّ كمجرد عملية عسكرية، بل ستُسجل في التاريخ كمجزرة جديدة ارتُكبت باسم ديني مزيف، وسيفضحها وعي الشعب ومقاومة لم تنحنِ، ولن تنكسر.
المصدر عبدالحكيم عامر
زيارة جميع مقالات: عبدالحكيم عامر