كيف دخل السيد حسن نصر الله قلوب متابعيه بسهولة؟
- نذير محمد الأثنين , 29 سـبـتـمـبـر , 2025 الساعة 1:53:45 AM
- 0 تعليقات
نذير محمد / لا ميديا -
"فكيف أرثيكَ يا من
سماؤه لا تغيمُ؟
وهل سيكفي كلامٌ
وكلُّ قولٍ عقيمُ؟"
(الشاعر السوري القس جوزيف إيليا،
ناعياً صديقه سليم).
تمر اليوم الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد سماحة السيد حسن نصر الله، الأمين العام الأسبق لحزب الله، الذي اغتيل بعملية مفجعة باستخدام أطنان من المتفجرات. يُعتبر هذا الحادث من أبرز المحطات وأصعبها في الصراع العربي - الصهيوني، إذ مثّل استشهاده صدمة وجرحاً عميقاً في ضمير أنصار المقاومة عبر العالم.
لقد تجاوز تأثير السيد نصر الله الحدود الجغرافية والدينية، ليتحول إلى قائد أممي استطاع بصوته وفكره أن يصل إلى قلوب المتابعين داخل العالم العربي وخارجه. وتميزت ردود الأفعال على استشهاده بشدة غير مسبوقة، إذ تجاوز الحزن لدى الكثيرين حدوده المعتادة، لدرجة مقارنته بفقدان الأقارب والأحبة.
وتشهد العديد من الشهادات على قوة هذا التأثير، كما في حالة أحد الأصدقاء الذي رأى أن فراق السيد حسن كان أثقل من فراق والدته.
هذه الظاهرة تعكس المكانة الاستثنائية التي احتلها الرجل في نفوس مريديه، الذين لم ينظروا إليه كزعيم تقليدي فقط، بل كشخصية أبوية حميمة، أقرب إلى الأب أو الجد أو الأخ الكبير.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن سرّ التأثير العميق للسيد يكمن في قدرته على خلق صلة وجدانية تتجاوز العلاقة السياسية أو التنظيمية، لتصبح علاقة إنسانية بحتة. وهذا ما يفسر ذلك الألم العميق الذي خلّفه رحيله، وذلك الحضور المستمر لصورته في قلوب أنصاره كما لو كان جزءاً من عائلتهم.
1 - أسلوب خطابه
في خطابات السيّد الشهيد نلحظ توازناً لافتاً على مستوى الشكل؛ فهو لا يجنح إلى الفصاحة المفرطة ولا إلى العامية البسيطة، بل يقدّم خطاباً وسطياً جامعاً. كما يوازن بين العقلانية والعاطفة: تارةً يقدّم تحليلات دقيقة للجغرافيا السياسية بموضوعية، وتارةً أخرى تطغى العاطفة على حديثه، سواء عبر أسلوب السخرية والفذلكة في مواقف عربية أو دولية (كما في خطابه عن "صفقة القرن" سنة 2019)، أو عبر إظهار مشاعره علناً، كما في خطابه العاشورائي وهو يرثي سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام.
أمّا على مستوى المضمون، فيتّسم خطاب السيّد بشمولية واضحة، إذ يجمع بين السياسي والاجتماعي والديني، مع تركيز أكبر على البُعد السياسي باستثناء المناسبات الدينية الخاصة، مثل عاشوراء. ومع ذلك، تبقى ثنائيّة جوهرية حاضرة في جميع خطاباته:
- الرفض المطلق لوجود المستعمرين/ المستوطنين في فلسطين، والتأكيد على أنّ التحرير يعني استعادة الأرض كاملةً "من البحر إلى النهر" وطرد المحتل، لا التعايش معه.
- النقد الجذري لفكرة "الشرعية الدولية" وقراراتها، باعتبارها -في منظور خطابه- أداةً لتشريع الاحتلال وخدمة الهيمنة الغربية، دون أن تمثّل حماية حقيقية للشعوب المستضعفة.
ويربط السيّد بين هذين المحورين؛ فالإيمان بـ"الشرعية الدولية" يساوي عملياً الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني، في حين أن رفضها يُعيد الصراع إلى أصله كصراع وجودي يهدف للتحرير الكامل. كما يشدّد على أنّ المقاومة التي تُعرَّف فقط كردّ فعل على جرائم الاحتلال يمكن احتواؤها أو التفاوض معها، بينما المقاومة الرافضة لوجود الاحتلال لا تنتهي إلا بتحقيق التحرير. لذلك ينتقد دعوات التسوية والاعتماد على المجتمع الدولي، ويرى فيها محاولات لاحتواء المقاومة وتفريغها من جوهرها، مؤكداً أنّ الضمان الحقيقي لاستعادة الحقوق هو بناء القوة والقدرة الميدانية.
2 - السيد.. رمز أممي عن غير قصد
قد يوحي العنوان بشيء من المبالغة؛ لكن المقصود أنّ من المعروف لدى الجمهور أنّ مرجعية السيّد حسن نصر الله الفكرية والسياسية واضحة؛ فهو ينتمي إلى تيار الإسلام السياسي الشيعي، مع إيمانه العميق بالوحدة وفكرة التحرّر الوطني. ورغم هذا الانتماء المحدّد، فقد استطاع أن يفرض نفسه كقائد أممي في مرتبة شخصيات كبرى، أمثال لينين، جيفارا، وهوشي منه، رغم أنّه لا يتبنّى أيديولوجيا أممية بالمعنى التقليدي كما هو الحال في الماركسية.
فالسيّد حسن رجل دين درس في الحوزة، وزعيم حزب ديني، لا هو ماركسي ولا يساري. ومع ذلك نجح في أن يكون بمثابة "جيفارا العصر"، بفضل حضوره الكاريزمي وإنجازاته، رغم الاختلافات الفكرية والمرجعية. فهو آية الله، لكنّه تجاوز الدور الديني التقليدي عبر خطاباته، وشخصيته المتواضعة، وخطابه الجامع للطوائف، إضافةً إلى دوره التاريخي في تحرير جنوب لبنان وانتصاره على العدو الصهيوني مرتين: عام 2000، ثم عام 2006. وقد كان لهذه الانتصارات صدى عالمي واسع، إذ احتفلت جماهير في دول ليست عربية ولا إسلامية أصلاً بهذا الإنجاز، وبشخصية السيّد باعتباره رمزاً للتحرّر والصمود. وأذكر هنا أنّ لي صديقين، أحدهما برازيلي والآخر يوناني، تأثّرا تأثّراً بالغاً باستشهاد السيد نصر الله.
يظهر السيد كزعيم قل نظراؤه في المنطقة، من خلال دوره وخطاباته، من ناحية الكاريزما والشجاعة والرؤية.
ومن أبرز محطّاته التاريخية خطاب "نصر تموز 2006" الذي صدح فيه بجملته الشهيرة: "انظر، إنها تحترق".
كما أنّ موقعه كأمين عام لحزب الله، طوال أكثر من ثلاثة عقود متواصلة، من دون الحاجة إلى مناصب ثانوية أو بروتوكولية، جعل حتى ناقديه، بل وأعداءه، يعترفون به كقائد أممي بكل ما تحمله الكلمة من معنى أممي.
3 - السيد.. صاحب رؤية استراتيجية
رغم ارتباط هذه النقطة بما سبق، إلا أنّ أهميتها تفرض عرضها كعنوان مستقل.
ففي خطابات السيّد، سواء حول سورية ولبنان أو بخصوص الوطن العربي عموماً، ولاسيما مع تزايد محاولات بعض الدول الالتحاق بركب التطبيع، برزت لديه رؤية استراتيجية بعيدة المدى تجاه المنطقة. فقد كان باستمرار يحذّر من مخططات وأحداث مرشّحة لأخذ مسارات خطيرة، خصوصاً بعد عام 2011، وهو ما اعترف به خصومه قبل مؤيديه، إذ أصاب في معظم قراءاته وتوقّعاته.
حتى العدو الصهيوني نفسه أقرّ بمكانته، واصفاً إيّاه بـ"محور المحور". ومن أبرز ما شدّد عليه نصر الله هو خطورة عزل سورية وتقسيمها وإخضاعها، مؤكداً على دورها الحيوي كدولة رفض وداعمة للمقاومة. وليس أدلّ على ذلك من عبارته الشهيرة: "إذا سقطت سورية ضاعت فلسطين".
كما حذّر مبكراً من الفوضى والمجازر ومسار التطبيع الذي نشهده اليوم في الساحة السورية، وهو ما عزّز صورته كقائد يمتلك ملكة استشراف مستقبل المنطقة، فالسيد هو بالفعل "نوسترا داموس العصر". وهذه القدرة العظيمة كانت من أهم الأسباب التي جعلت شريحة واسعة من الناس، حتى من غير مؤيّديه، تتابع خطابه باهتمام دائم.
4 - ارتباطه بطفولة الشباب المؤيد للمقاومة
رغم أنّ هذه النقطة تخص فئة عمرية بعينها، والتي أنتمي إليها، إلّا أنّها تبقى بالغة الأهمية.
فالسيد حسن نصر الله كان جزءاً من طفولتنا نحن أبناء جيل Z، بل وحتى الجيل الذي سبقنا ممن دعموا خيار المقاومة. فقد اتّسمت خطاباته، خصوصاً بعد عام 2006، بطابع وجداني وحنيني ترك أثراً عميقاً في وعينا السياسي، وأسهم -إلى جانب عوامل أخرى- في ترسيخ كرهنا للكيان الصهيوني، وإيماننا بأنّ المقاومة هي السبيل الوحيد لاجتثاث هذا السرطان.
على المستوى الشخصي، أتذكّر السيّد منذ سنوات طفولتي المبكرة، غير أنّ تأثيره ازداد في نفسي حين قرّرت متابعته بانتظام منذ أن كنت في الرابعة عشرة من عمري. ولعلّه كان أحد أبرز الأسباب التي دفعتني للاهتمام بالشأن السياسي، وها أنا اليوم أكتب مقالي هذا في الذكرى السنوية الأولى لرحيله.
ولا شك أنّ مئات الآلاف، بل ملايين الشباب، يشاطرونني هذا الشعور والانطباع، ما يجعل من إرثه حاضراً في وعي جيلٍ كامل.
خـاتمـة
ما هذا المقال إلا محاولة متواضعة لاستعراض بعض الأسباب التي توصّلتُ إليها شخصياً في تفسير هذه المكانة الاستثنائية التي احتلّها السيّد الشهيد حسن نصر الله، وذلك الحب الجارف الذي حظي به بين الناس، ومن بينهم كاتب هذه السطور. لقد كان بالنسبة للكثيرين -ولي شخصياً- أقرب إلى صورة الأب أو العم أو الخال الحميم، أكثر منه شخصيةً سياسية فحسب.
المصدر نذير محمد
زيارة جميع مقالات: نذير محمد