مسرحية المفاوضات الإيرانية – الأمريكية .. طهران تُسدل الستار!
- محمد صالح صدقيان الثلاثاء , 30 سـبـتـمـبـر , 2025 الساعة 2:15:00 AM
- 0 تعليقات
محمد صالح صدقيان / لا ميديا -
أسدل مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الإمام علي الخامنئي، الستار على المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، بعد أن قال إنها لا يمكن أن تخدم المصالح الإيرانية راهناً، ولا يمكن أن تدفع الضرر عن إيران، بل إنها تضر بالمصالح الإيرانية.
هذه التصريحات جاءت عندما كان الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، في طائرته متوجهاً إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ كانت أوساط إيرانية تعتقد أن بزشكيان بإمكانه العودة من نيويورك وبيده إنجازٌ ما كفيل بوقف التصعيد مع الولايات المتحدة، ويُشكل مدخلاً لاستئناف المفاوضات معها، وبالتالي إعطاء فرصة كبيرة للتوصل إلى اتفاق معها يضمن استئناف المفاوضات المتوقفة منذ العدوان «الإسرائيلي» - الأمريكي على إيران في حزيران/ يونيو الفائت.
الموقف الجديد للمرشد الإيراني يأتي في ظل استحقاقات تنتظرها إيران، بعد الخطوة التي أقدمت عليها الترويكا الأوروبية ممثلة ببريطانيا وفرنسا وألمانيا، والقاضية بتفعيل «آلية الزناد» أو «سناب باك»، أي تمديد عقوبات مجلس الأمن الدولي.
وتنتظر طهران سلسلة من المواعيد، أولها: إعادة تفعيل ستة قرارات صدرت عن مجلس الأمن الدولي وتم توقيفها بموجب الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وذلك بعد مرور عشر سنوات على توقيع الاتفاق الذي خرج منه الأمريكيون في العام 2018 بعد وصول دونالد ترامب إلى السلطة في ولايته الأولى.
ثاني الاستحقاقات في 18 تشرين الأول/ أكتوبر، تاريخ انتهاء صلاحية القرار الأممي رقم (2231) الذي احتضن الاتفاق النووي الموقع بين إيران والمجموعة الغربية (5+1) عام 2015.
ثالث الاستحقاقات يتصل باتفاق طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة على وثيقة تم بموجبها السماح لفرق التفتيش التابعة للوكالة المذكورة بتفقد المنشآت النووية الإيرانية، بما في ذلك تلك التي تعرضت للقصف «الإسرائيلي» - الأمريكي في حزيران/ يونيو الماضي، وذلك لأجل التحقق من كمية اليورانيوم مرتفع التخصيب فيها. هذا الاتفاق الذي سمي «اتفاق القاهرة» نصّ على أن إيران ستنسحب من هذا الاتفاق إذا تعرضت لاعتداء أو تم تفعيل آلية «سناب باك» لعودة العقوبات الأممية. وطالما أنه تم تفعيل الآلية فإن طهران باتت متحررة من التزاماتها ضمن الاتفاق المذكور.
زدْ على ذلك أن مجلس الشورى الإيراني أصدر قراراً يُلزم الحكومة بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) في حال تفعيل آلية «سناب باك».
ويعتقد نواب إيرانيون أن السماح لفرق التفتيش بالدخول للمواقع النووية الإيرانية له هدف واحد، وهو معرفة مصير كمية اليورانيوم عالي التخصيب، وتحديد موقعها من أجل إيجاد ذريعة لواشنطن و»تل أبيب» لشن عدوان جديد على إيران.
ومن نافل القول أن طهران كانت تترقب تاريخ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، عندما تُدشّن روسيا رئاستها لمجلس الأمن الدولي، إذ كانت تنوي -بالاتفاق مع الصين- تقديم «مشروع قرار» لمجلس الأمن يطلب تمديد صلاحية القرار (2231) لمدة معينة لإفساح المجال أمام الجهود الرامية لإيجاد حل للملف الإيراني واستئناف المفاوضات بين طهران وواشنطن على أسس وقواعد جديدة. لكن استعجال الترويكا الأوروبية حرق المراحل وجعل مجلس الأمن يُسقط مشروع قرار روسياً صينياً بتمديد القرار (2231) وتأجيل إعادة فرض العقوبات على طهران لمدة 6 أشهر، وذلك من خلال استخدام واشنطن حق النقض (الفيتو) ضد المشروع الصيني - الروسي. يعني ذلك أننا أمام تصعيد إيراني مقابل كل تصعيد غربي؛ غير أن هذا المسار المتدحرج لا يستطيع أحد أن يتوقع حدوده، ولاسيما أن المناخات الدولية والإقليمية تتحدث عن جولة عسكرية إيرانية - «إسرائيلية» جديدة لن يكون الأمريكيون بعيدين عنها.
واللافت للانتباه أن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي رافق الرئيس بزشكيان في زيارته إلى نيويورك، أجرى محادثات مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، مرتين وعلى مدى يومين متتاليين قبل أن يتوجه يوم الأربعاء الماضي إلى موسكو في زيارة رسمية.
وحتى الآن لا توجد معلومات واضحة لماذا حصل اللقاء الثاني مع غروسي، أو ما الذي استوجب زيارة موسكو، وهل ثمة قناة اتصال ثالثة أفضت إلى نتيجة معينة ما زالت تفاصيلها غير واضحة حتى الآن! لا أحد يملك جواباً حاسماً؛ لكن عراقجي أجرى محادثات أيضاً مع نظرائه في الترويكا الأوروبية، كما التقى أعضاء في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا يعني أن وزير خارجية إيران كان يركز جهوده على بحث ملف بلاده النووي والأزمة الحالية بشأن المفاوضات التي يقول الإيرانيون إنها تحطمت طاولتها لحظة بدء الهجوم «الإسرائيلي» - الأمريكي على إيران.
لكن السؤال الكبير يبقى: هل تصريحات المرشد الإيراني في 23 أيلول/ سبتمبر الجاري بعدم جدوى المفاوضات مع واشنطن راهناً، أسدلت الستار على هذه المفاوضات، وبالتالي ثمة توجه نحو إدارة البلاد في ظل عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية، إضافة إلى عقوبات مجلس الأمن الدولي؟
من المفترض أن تكون تصريحات الخامنئي ملزمة للحكومة الإيرانية؛ لأنها صدرت عن الرجل الأول في البلاد، بحسب القوانين السائدة؛ لكن مصادر دبلوماسية ترى أنها غير مُلزمة للحكومة ما دامت الأولوية لإنهاء العقوبات على إيران.
وتعتقد هذه المصادر أن هذه التصريحات رفعت السقف التفاوضي عالياً؛ لكنها أرادت أن تحدد الموقف أولاً، وتحدد اتجاه البوصلة ثانياً؛ لكنها في الوقت ذاته أرادت تخفيف حدة الضغوط التي تواجه الحكومة الإيرانية أثناء وجود بزشكيان في نيويورك.
وفي ظل هذه الأجواء، من الصعب استئناف المفاوضات بين واشنطن وطهران على أساس القواعد السابقة، وخصوصاً أن كيان الاحتلال، الذي لديه اليد الطولی على البيت الأبيض، لا يريد القبول بأي مفاوضات لا توفر له الأمن المنشود.
ويبدو أن المفاوضات مع الجانب الأمريكي يجب أن تتخذ مساراً مختلفاً إذا كانت واشنطن وطهران مستعدتين للتوصل لاتفاق، وهو مسار يبتعد عن الملف النووي نحو معالجة المشاكل الموجودة بين البلدين على قاعدة «رابح/ رابح»؛ الاحترام المتبادل، والتفاهم على «المصالح المشتركة»؛ الأمر الذي يُمهد الطريق للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب الباردة بينهما ويضع الأمور في نصابها، بما يخدم مصالح البلدين وعودة العلاقات المبنية على القواعد الثلاث الآنفة الذكر.
ربما يبدو هذا الاقتراح صعب المنال في الوقت الراهن؛ لكنه يُصبح ممكناً إذا اقتنعت به الإدارة الأمريكية وساعدت فيه الدول العربية، التي تسعى إلى تعزيز الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة.
المصدر محمد صالح صدقيان
زيارة جميع مقالات: محمد صالح صدقيان