اليمن فيتنام السعودية
 

منير إسماعيل الشامي

منير إسماعيل الشامي / لا ميديا -

 تكاد الصورة النهائية لنتيجة الحرب على اليمن تكتمل بعد أكثر من أربعة أعوام ونصف من العدوان، فهناك شبه إجماع للمختصين والمراقبين على أن اليمن بات فيتنام السعودية، وهذا ما تؤكده الكثير من تقارير الخبراء والمهتمين بالشأن اليمني.
فالكثير من المراقبين أكدوا في تقارير خاصة أن ما حدث في حرب أمريكا على فيتنام في سبعينيات القرن الماضي قد تكرر في حرب التحالف الذي تزعمته السعودية على اليمن، فالصمود اليمني خلال سنوات الحرب، وما رافقه من اعتماد اليمنيين على الذات في تطوير قدراتهم الدفاعية والهجومية على حد سواء من الصفر وحتى المستوى الذي وصلوا إليه اليوم وعكسته عملياتهم الهجومية على العمق السعودي من أول عملية إطلاق صاروخ باليستي وحتى آخر عملية هجومية بالطيران المسير المطور محليا والذي استهدف أكبر تجمع تصنيعي نفطي، وأكبر حقل نفطي في بقيق وخريص ونتج عنها توقيف ٥٠٪ من صادرات المملكة النفطية في الرابع عشر من سبتمبر الماضي، يؤكد ذلك.
هذه النقطة هي ما تناولته صحيفة "لوتون" السويسرية الناطقة بالفرنسية، واصفة اليمن بأنه أصبح للسعودية بمثابة فيتنام للولايات المتحدة، مشيرة إلى أن محمد بن سلمان لم يحقق أي إنجاز حتى الآن سوى "الإخفاقات المتوالية" ولم يجن غير الفشل والفضائح المتتابعة عسكريا وسياسيا، وأن عمليات التحالف لم يتمخض عنها سوى الجرائم والمجازر بحق المدنيين. 
وقالت الصحيفة، في مقال نشرته تحت عنوان "اليمن.. فيتنام المملكة السعودية" إنه على الرغم من عدم التكافؤ بين قوات التحالف وقوات الجيش واللجان الشعبية إلا أن الأخيرة تمكنت من امتلاك ترسانة عسكرية متفوقة استطاعت بها أن تشن هجمات نوعية قوية ومؤثرة على العمق السعودي، مخلفة آثاراً اقتصادية وعسكرية وسياسية مدمرة على الرياض. 
إسقاط طائرة "سكان إيغل إرم" أمس الأول من أجواء الحديدة وقبلها طائرة (M Q 9) المتطورة، إنما يعكس تطور القدرات الدفاعية لحكومة صنعاء، وهو ما تناولته الصحف البريطانية بقولها إن تزايد أعداد الطائرات التي تم إسقاطها في اليمن يؤكد صعوبة عمل الطائرات المسيرة السعودية والإماراتية والأمريكية في اليمن، ويؤكد تنامي مستوى القدرات الدفاعية اليمنية، مشيرة إلى أنه إذا استمر تطور قدرات الدفاع الجوي لحكومة صنعاء بهذه الوتيرة فإنها ستصبح قادرة على استهداف المقاتلات الحربية السعودية من طراز (F 15) و(F 26) في القريب العاجل، وهو ما يعني تحييد الورقة الأخيرة التي ما زالت السعودية تتفوق بها على حكومة صنعاء.
من جانبها أكدت فرنسا، على لسان وزير خارجيتها جان إيف لودريان، أن هناك "إشارات إيجابية" في اليمن لأول مرة منذ فترة طويلة، منوها بما تبديه السعودية من انفتاح على تسوية الأزمة اليمنية، وأن فرنسا ستعمل مع الإمارات من أجل التهدئة في المنطقة.
هذا التطور في الموقف السعودي الذي بات دلالة قوية على أن نظام الرياض اليوم يسعى جاهدا للبحث عن مخرج له من المستنقع اليمني، وهو ما جعله يستجدي أمريكا وفرنسا دعم التهدئة والبحث عن مخرج له يضمن بقاء ماء وجهه. وهذا التطور في موقف الرياض إن دل على شيء فإنما يدل على أنها باتت اليوم في مأزق خطير، خاصة بعد النتائج الكارثية التي خلفتها الضربات الأخيرة من الجيش واللجان الشعبية، وكذلك الفضيحة الكبرى التي تلقتها بعد عملية "نصر من الله" في محور نجران. 
القلق الصهيوني المتزايد يوما بعد يوم من تطور الصناعات العسكرية اليمنية يعكس الآثار الكارثية التي خلفتها العمليات الأخيرة للجيش واللجان على السعودية. هذه الآثار والنتائج فاقمت مستوى القلق الصهيوني، وهو ما عبر عنه المحلل السياسي في صحيفة "هارتس"، عاموس هرئيل، يوم الأربعاء الماضي، والذي أكد أهمية متابعة الأوضاع في اليمن عن كثب، مشيرا إلى ضرورة التعاطي الإيجابي مع كل معلومة أمنية جديدة تنشر هذه الأيام عن قوات صنعاء. وأضاف أن تطور قدراتها لم يتوقف عند حد بل إنه استمر بوتيرة عالية رغم الحصار، وأن أحدث تقنية فشلت في تحجيم هذا التطور خلال أربع سنوات من الحرب، مشيراً إلى أن "إسرائيل" ترصد هذا الأمر من أول وهلة، وهو ما جعل قلقها يتنامى مع تنامي قدرات قوات صنعاء، وأن الفارق الكبير والتفوق العسكري للتحالف لم ينجح أمام الجيش واللجان الشعبية، "وهذا أمر مقلق جدا". 
إذن فما ذكرناه سابقا يؤكد أن هناك شبه إجماع من المهتمين والمراقبين للشأن اليمني على أن اليمن اليوم أصبح فيتنام السعودية، وأن التحالف فشل فشلا ذريعا وأصبح اليوم مجبرا على رفع الراية البيضاء دون تأخير، وهذا الوضع هو ما جعل.
الطرف اليمني هو الطرف الأقوى، وعلى السعودية أن ترضخ وتقبل بشرط وفد صنعاء، ما لم فسيتم إعلان عن انتهاء فترة مبادرة الرئيس المشاط أحادية الجانب، كونها مشروطة بالتجاوب الفعلي معها من قبل نظام الرياض، والذي لم يحدد موقفاً رسمياً تجاهها حتى اليوم، وحينها فما عليه سوى الاستعداد لتلقي المزيد من الضربات التي وعدت بها القيادة اليمنية وينتظرها الشعب اليمني بفارغ الصبر.

أترك تعليقاً

التعليقات