جمهور الأرشيف
 

قيس اليماني

قيس اليماني / لا ميديا -

هناك، حيث مظاهر الحياة التي تبدأ ليلاً وتنتهي صباح كل يوم، إذ تكتظ الكراسي الناعمة في كافيهات القاهرة بزبائنها الدائمين، والمكان بضجيج يومي لا بد أن يفضي في خاتمته إلى استدعاء الأرشيف بتعويذة: "سلام الله على عفاش".
وهذه التعويذة هي، بالضرورة، العمر الاختزالي لتاريخ الحياة السياسية اليمنية في أي نقاش مؤتمري- مؤتمري؛ فمن هنا دارت عقارب الزمن وتوقفت، وبدت اليمن مدينة أشباح! والأشباح من منظور "جمهور الأرشيف"، هم أولئك "الكفرة" بزعيم الخيل والآلهة التي تناسلت عنه لترث الأرض ومن عليها.
هكذا شكلت مراكز الدعاية الإعلامية خاصتهم عقول ووعي ووجدان هؤلاء على هذا النحو من الأسر السياسي، والشعور بالاغتراب والخوف تجاه أي مرحلة جديدة ورمزية سياسية أخرى، أكانت الشمس، أم النجمة، أم الصرخة، وأي رمزية للتعددية ووجود صوت آخر غير "الصهيل".
بالطبع، ستكون مجازفاً بوقتك الثمين لو فكرت بخوض نقاش عن آفاق المستقبل مع هذه الجوقة الأرشيفية التي ستعيدك بالضرورة إلى الماضي، بينما أنت تحاول الإشارة إلى الأمام؛ فحياتهم لا تحتمل تشويهاً للذاكرة الأرشيفية بالخروج من معبد الوقوف على الأطلال، إلى الواقع الذي يبدو أنه تجاوز الجميع غير آبه بأحد.
إذاً ما هو الحل؟
تطرح هذا السؤال معتقداً أنه قد يحدث صدمة لدى جمهور الأرشيف؛ وفجأة يطل أحدهم بإجابة لا تخلو من غبار: "الزعيم لم يقتل وسيعود". وفي هذا المشهد البوليودي يظهر آخر بربطة عنق وردية متجاوزاً رفيقه الأول بإجابة لا تخلو من غبار ودم: "اسمع، أحمد علي يمتلك 60 ألف مقاتل سيعلقون الحوثة على المشانق في صعدة وكل المحافظات اليمنية"، ويضيف بصوت حماسي: "مش حق أبتهم".
وبينما أنت لم تنتهِ بعدُ من البحث في وثائق المِلكية والمَلكية أيضاً، يصل ثالث معززاً بانتصارات الساحل الغربي لصاحبها الحصري "طارق" قائلاً: "لقد خذلته الإمارات وهو يقرع أبواب الحديدة فاتحاً". ثم لا ينسى نبرة الصراع في أسرة عفاش مضيفاً: "طارق طارق، لا أحمد ولا مخلوق، تحيا الجمهورية اليمنية". وهكذا يختتم ثقته بالانتصار الحتمي من جمهورية مصر العربية.
الخلاصة، وإن كانت عقيمة بالضرورة، فإنها قد كشفت لي شخصياً ماهية العبارة الشهيرة لعفاش "مخزون عفاش يعجبك" الذي كان يشهره كتهديد مزدوج في خطاباته المزدوجة للداخل والخارج.
ولأن المؤتمريين وزعيمهم بعيد الاحتجاجات الشعبية في 2011، لم يتجاوزوا حيز الأرشيف إلى معطيات الحضور السياسي الجديد بشروط الشراكة، كان لا بد أن تخلو الحلبة السياسية في ديسمبر 2017، لفرسان الشراكة والعيش المشترك، تاركين الإعلام الدعائي ممسكاً بأرشيفه حد الاستماتة، وعالقاً في رفوفه إلى جوار الأتربة وخيوط العنكبوت.

أترك تعليقاً

التعليقات