د.ميادة رزوق

د. ميادة إبراهيم رزوق / لا ميديا -

وصل أردوغان إلى سدة الحكم في تركيا بناء على مشروع صهيوأمريكي التزم بأجندته دون أن يتخلى وبتذاكٍ عن تحقيق حلمه العثماني الذي كان حقيقة ضمن وفي تفاصيل الأجندة الصهيوأمريكية، ودون العودة إلى وثائق قديمة تتحدث عن مشاريع تقسيم المنطقة وفقاً لمشروع برنارد لويس ووثيقة كيفونيم الصهيونية، أو مشروع الشرق الأوسط الجديد وفق كتاب شمعون بيريز الذي صدر عام 1993. ونورد وثيقة أحدث يمكن من خلالها فك الكثير من شيفرة أحداث تورط النظام والجيش التركي كرأس حربة على عدة جبهات متفرقة. والكلام عن وثيقة أوباما السرية (psd-11) أو الأمر الرئاسي الأمريكي ـ 11. وتعد إحدى أهم الوثائق التي كشفت دعم الولايات المتحدة الأمريكية لجماعة الإخوان المسلمين في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.

ووفقاً لصحف دولية وأمريكية نشرت بعض تفاصيل هذه الوثيقة، التي لاتزال سرية، فإن إدارة أوباما دعمت تنظيم الإخوان منذ عام 2007، حيث بدأت بتغيير خططها لاختيار سفرائها في الدول العربية، وبالتركيز على شخصيات ذات خلفية تاريخية على صلة بحركات الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين، من بين أعضاء جهاز الأمن القومي، وليس من الدبلوماسيين المحترفين، وخاصة في مصر وسورية وليبيا وتونس والجزائر والعراق والمغرب والأردن. ووفق صحيفة "إيبوخ تايمز" الألمانية، سهل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما التعاون بين جماعة الإخوان المسلمين في مصر ومنظمة "بيل وهيلاري كلينتون" الخيرية. وكان الهدف الأساسي من الخطة الأمريكية مساعدة الإخوان للوصول إلى الحكم في تونس وليبيا وسورية ومصر. فأوكلت المهمة لتركيا كقاعدة متقدمة لحلف الناتو منذ بداية ما يسمى "الربيع العربي"، وفي هذا المقال لن نتحدث عن تفاصيل الدور التركي في الحرب على وفي سورية (وقد تناولناه في مقالات سابقة نشرت في جريدة "البناء" اللبنانية: "العلاقات التركية ـ الإسرائيلية في إطار الاستراتيجية الأمريكية"، نشر بتاريخ 2016/7/1، و"من مشروع العثمانية الجديدة إلى سياسة اللعب على الحبال"، نشر بتاريخ 2020/2/26)، وعن دعمه مجموعات متطرفة في شمال لبنان بذرائع خيرية وإنسانية، بل عن تقاطع الدور التركي بأطماعه في شمال أفريقيا، مع المهمة الموكلة له في تحقيق الفوضى والفتنة والتقسيم ضمن الأجندة الصهيوأمريكية، وتقاطع أطماعه في إعادة أمجاد السلطنة العثمانية مع المشروع الأمريكي في تطويق إيران والصين وروسيا.
بالعودة إلى انغماس أردوغان بالحرب الدائرة في ليبيا بين أطراف داخلية مدعومة من قوى خارجية تدور جميعها في الفلك الأمريكي، ولكل منها دوره سابقاً في إنجاز "الربيع العربي". أما بالنسبة لأردوغان وبما يشابه دوره العسكري والأمني والاستخباراتي في سورية وسرقة النفط والغاز والمعامل والمصانع السورية، نقل أكثر من 11 ألفاً من الإرهابيين المرتزقة من الشمال السوري إلى ليبيا مع آليات ومعدات وتجهيزات عسكرية ودبابات وطائرات مسيرة وصواريخ لدعم حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج.
وعلى لسان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، يوم الاثنين 13 يوليو/ تموز 2020، رفض أردوغان إبرام أي اتفاق لوقف إطلاق النار قبل انسحاب قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر من مدينة سرت وقاعدة الجفرة الجوية، وذلك لأهمية خط سرت والجفرة كبوابة للسيطـرة علـــــى منطقة الهلال النفطي التي تضم حقول ومرافئ تصديره، حيث يعتبر هذا الهلال حوضاً نفطياً يقع على ساحل البحر المتوسط ويمتد على طول 205 كيلومترات من طبرق شرقاً إلى السدرة غرباً، ويعتبر أغنى مناطق البلاد بالنفط، وتحتوي المنطقة الواقعة بين مدينتي سرت وبنغازي على 80٪ من احتياطي ليبيا من النفط والغاز المقدر حجمه بأكثر من 45 مليار برميل نفط  و52 تريليون قدم مكعب من الغاز، ومن أكبر حقول النفط فيها السرير ومسلة والنافورة التي تنتج نحو 60٪ من النفط، كما تقع فيها أكبر مجمعات تكريره وموانئ تصديره إلى العالم. أما قاعدة الجفرة الجوية فهي من أكبر القواعد الجوية في البلاد، وتقع على بعد 300 كيلومتر جنوب سرت. وتتميز القاعدة ببنيتها التحتية القوية التي تم تحديثها مؤخراً وبإمكانها استقبال أحدث الطائرات المقاتلة، ولا يفصلها عن مدينة سرت سوى طريق مفتوح لا يتجاوز 300 كيلومتر، وبالتالي استخدامها كقاعدة له للتوسع في المنطقة.
كل هذا الدور ليس إلا في إطار الاستراتيجية الصهيوأمريكية في شمال أفريقيا، والتي لا مجال للإسهاب في شرحها في هذا المقال إلا بعنوان عريض: نهب الثروات وتقسيم المنطقة وتكبيل مصر وإضعافها وتهديد أمنها القومي، وبالتوافق مع مشروع سد النهضة الإثيوبي، للإمعان في الحؤول دون عودتهــــــا إلى منظومة الردع العربي، دون أن ننسى اضطرابات تونس الداخلية الأخيــــــرة ودور حزب النهضة ذي الخلفية والأصول الإخوانيّة وفق تواصل مباشر مع النظام التركي وحكومة الوفاق في ليبيا.
لم تتوقف أحلام أردوغان على منطقة الشرق الأوسـط، بــل امتــدت لتشمل كل أرض أو شبر كان تحت هيمنة السلطنة العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، بما فيها منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، من خلال تدريب وتسليح الجيش الأذربيجاني في دور تركي تصعيدي للأزمة، والمناوشات الأخيرة بين أرمينيا وأذربيجان، والتي اندلعت بعد أيام قليلة من المناورات البحرية التي شاركت فيها قوات أوكرانية ورومانية وجورجية وتركية وأمريكية في البحر الأسود ضمن خطوة استفزازية لروسيا، أو بكلمات أخرى، إن وقوف النظام التركي مع أذربيجان هو تحدٍّ شبه صريح لكل من إيران وروسيا وحتى الصين، حيث يوجد تحالف استراتيجي وعلاقات وطيدة دبلوماسية استخباراتية أمنية وعسكرية دفاعية واقتصادية بين "إسرائيل" وأذربيجان، بالإضافة إلى وجود قاعدة تجسس جديدة للموساد الصهيوني ضد إيران خارج العاصمة الأذربيجانية (باكو)، وفق صحيفة "تايمز" البريطانية، وقاعدتين استخباريتين أمريكيتين في العاصمة باكو، إحداهما في الجنوب لأجل مراقبة إيران، والأخرى في الشمال بهدف مراقبة روسيا، في حين تعتبر أذربيجان خاصرة إيران الضعيفة بحكم الجغرافيا والتاريخ، وثلث سكان إيران من الأذريين ويبلغ عددهم 20 مليون نسمة يتحدثون اللغة التركية (لغة مشتركة مع سكان أذربيجان)، وتربطهم عادات وتقاليد مشتركة تفصل بينهما الحدود، أي أنه يمكن تحريك ورقة الاذريين في إيران بمن فيهم المعارضة الإيرانية المنحدرة من أصول أذرية في حال تنامي تصعيد الوضع الحالي بتعاون (أمريكي ـ "إسرائيلي" ـ تركي) بتدعيم قوة أذربيجان، أحد أهم أوراق إضعاف النفوذ الإيـــراني الاقتصـــادي والعسكـــــري والأمني والسياسي في تلك المنطقة، واستخدامها كورقة ضغط على إيران لتهديدها عسكرياً وأمنياً، بالإضافة إلى تقييد الدور الروسي في القوقاز، عبر إيجاد دول معادية على حدودها وانشغالها بها، ومحاولة إفقادها أهميتها في نقل النفط عبر دول منطقة القوقاز، وكذلك التأثير على الموقف الروسي تجاه دعم بعض الدول كـ"إيران وسورية" مع وضع حدود للتوسع الإيراني ـ الصيني في المنطقة وفق الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية المشتركة التي تتم مناقشتها مؤخراً ربطاً مع خط تشابهار الإيراني، وخط شمال جنوب الذي يصل أوراسيا بدول المحيط الهندي، ومشروع الحزام والطريق الصيني.
وفي الخلاصة مجموعة من التساؤلات يمكن أن نطرحها عن سياسة أردوغان بين التذاكي واللعب على الحبال، بين دوره في الأجندة الصهيوأمريكية وأحلامه العثمانية، والضغط على روسيا وإيران لتحصيل أوراق تفاوض في سورية وليبيا: ماذا يستفيد أردوغان من هذا التحدي؟ هل يخدم تركيا، التي رفعت شعار "صفر مشاكل عام 2002" لتنتقل بفضل سياسات أردوغان العبثية عام 2020 إلى عزلة دولية شبه كاملة، مع استمرار معاداة الدول الأوروبية التي لايزال أردوغان يستخدم ورقة اللاجئين لابتزازها، ومجددا بتحويل متحف آيا صوفيا وأثره في التراث العالمي إلى مسجد في محاولة لاستجلاب دعم المحافظين في الداخل التركي والتنظيمات الإسلامية في المنطقة العربية، تركيا التي وصل تعداد السياح فيها إلى 5 ملايين سائح روسي سنوياً، وحجم التبادل التجاري الروسي ـ التركي أكثر من 100 مليار دولار سنوياً؟! هل تلجأ إلى ليّ الذراع الروسي خدمة للاقتصاد التركي الذي زادت جائحة كورونا عجزه وتضعضعه؟!
أردوغان الذي اتبع أبشع السياسات الدكتاتورية بالسيطرة على 95٪ من الإعلام الحكومي والخاص، واعتقال وتعذيب المعارضين والمناوئين له، هل بهذه الاستراتيجية الداخلية والخارجية يرصد نقاطا للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها عام 2023 في حين يعاني حزبه "حزب العدالة والتنمية" من تراجع شعبيته وانقسامات وانشقاقات داخلية؟!
ختاماً: برأينا إن معركة إدلب ستجر سلسلة من هزائم أردوغان تبدأ في سورية وتمر بفرملته عن قرصنة النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية القبرصية الخالصة شرق المتوسط، وتنتهي بجر ذيول الخيبة في ليبيا نحو سياسة تركية جديدة إزاء المنطقة قد لا يكون أردوغان في تفاصيلها.


* أكاديمية وكاتبة سورية

أترك تعليقاً

التعليقات