العميد عابد الشرقي

العميد عابد الشرقي / لا ميديا -
اليوم نحن أمام شهيد أقل ما يمكن أن نقول عنه أنه أول من وصل للفرقة الأولى مدرع في فتح صنعاء، معقل الطاغية العجوز الفار من وجه العدالة علي محسن الأحمر. والمضحك في الأمر أن الشهيد أبو شعوب آنذاك كان يسأل من حوله: أين الفرقة؟ وقد دخلها بمجاميعه من منتسبي المنطقة العسكرية المركزية. إنه الشهيد فايد محمد الحسوني -منطقة خولان- فوط- محافظة صعدة، رجل المهام الصعبة في سبيل الله.
لقد كان المجاهد عبدالخالق بدر الدين الحوثي، قائد المنطقة العسكرية المركزية، يراهن على الشهيد أبو شعوب لتنفيذ المهام الصعبة في سبيل الله، فكلما كان هناك مهمة صعبة يتم استدعاء الشهيد وتكليفه بالمهمة، والذي بدوره وهو المسلم لله وللقيادة والمتولي التولي الصادق لله ورسوله والإمام علي والقائد العلم يسارع بالتنفيذ على أكمل وجه لأي مهمة يكلف بها.
كان الشهيد (رحمة الله عليه) مجاهداً بارعاً مقتدراً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وكان ينجز المعركة في أقل وقت ممكن، لأنه كان يتميز بحسن الإعداد المسبق قبل أي معركة، استطلاعاً وتخطيطا واستعدادا. عن ذلك يقول المجاهد عبدالعالم المتوكل: "كان السيد أبو يونس يحفظه الله يراهن عليه في كثير من المواقف الصعبة التي تحتاج إلى رجال من نوعية خاصة أمثال الشهيد أبو شعوب، الذين يتولون أبرز المواقف، التي تكفل بها الشهيد رحمة الله عليه، سواء في حرب دماج أو جيزان أو قحزة أو دخولنا إلى صنعاء أو عمران أو الجنوب، وفي مختلف المعارك، والمهام التي كلف بها المجاهد الشهيد، وكان من أبرز الشخصيات المؤثرة في سير المعارك وكان يعرف عنه النظام الدقيق في عمله، وفي مجال البناء، ولم يستشهد إلا وقد بنى العشرات، بل المئات من المجاهدين الذين لا يزالون حتى اللحظة ويعتبرون بركة من بركات الشهيد الذي كان فعلاً يعد رجل بناء من الطراز الأول".

دور كبير في تطهير منطقة دماج من التكفيريين
كان للشهيد أبو شعوب دور بارز وكبير في تطهير منطقة دماج من التكفيريين الذين كانوا يتواجدون هناك من أكثر من 120 دولة. وكان من أعظم الناس صبرا وجلدا في مختلف الظروف، سواء قبل أو أثناء المعركة أو ما بعدها.
لم يكن من الذين يبحثون عن الراحة لفترات طويلة، بل كان هو من يبحث عن كيف يبني وضعه ويستغل الوقت لصالحه، لحساباته المسبقة عن المعركة وظروفها، فكان وبفضل الله سبحانه وتعالى يحسم المعركة وينجز المهام الكبيرة في أقرب وقت ممكن، وهذا مكنه من أن يكون القائد الناجح بكل المواقف الصعبة في جميع المعارك التي خاضها. 

اقتحم جبل الدود دون أي شهيد أو جريح
كان الشهيد أول من اقتحم جبل الدود، وهو الجبل الاستراتيجي الذي استخدم فيه العدو السعودي كل ثقله، واستخدم في الدفاع عنه مختلف الأسلحة الفتاكة، بما فيها الطيران الحربي والأباتشي والصواريخ، إلا أن الشهيد -ولأنه كان رجل بناء- كان يكتفي بعدد قليل من الأفراد ويحقق الله على أيديهم النصر.
وكان يتحقق فيهم ما قاله السيد القائد العلم (يحفظه الله): نحن نحرص على الكيف وليس على الكم؛ فقد كان الشهيد يبني رجالاً عظماء عرفناهم في وقته وبعد استشهاده ولا يزال البعض منهم حتى هذه اللحظة، ولهم الدور الكبير في المعركة بعد الله سبحانه وتعالى، وهم لا يزالون بتلك النفسية التي عرفوا بها أثناء تواجدهم مع الشهيد وبعد استشهاده.
المجاهد أبو محمد المراني لم يدر من أين يبدأ الحديث عن الشهيد أبو شعوب، فقد وجدناه معجباً محباً للشهيد، ومنبهراً بصبره وإحسانه وشجاعته، حتى أنه وصفه بعبارة مختصرة قائلاً: "إنه الرجل الاستثنائي بكل ما للكلمة من معنى، فهو أول من اقتحم جبل الدود دون أن يقدم شهيداً واحداً أو جريحاً واحداً، وهذا وحده يجعل الشهيد أبو شعوب من أفضل القيادات الميدانية على الإطلاق".
ويتابع المجاهد المراني: "إن هذا الرجل أتى من زمن الصالحين، وهو الرجل الشاجع والثابت والمتعلم، وهو من أفضل المشرفين الذين اختارتهم القيادة للمهام النوعية والاستراتيجية، وله تاريخ عريق وعظيم في الاستبسال والاقتحامات والفتوحات، فمثلا في جبل الدود استطلع وأعد وخطط واقتحم وقام بالاستيلاء على هذا الجبل الاستراتيجي الذي عجز عن الاستيلاء عليه الكثير من المشرفين والمجاميع، ليس ذلك فحسب، بل ولم يقدم شهيداً واحداً أو جريحاً واحداً كما سبق وذكرنا".

بصمات مميزة في دماج والجنوب
كان الشهيد مشرف المجاميع المنسوبة للأخ المجاهد أبو يونس (يحفظه الله)، هذه المجاميع الخاصة كان يقودها الشهيد أبو شعوب (رحمة الله عليه)، وهي المجاميع التي سبق أن كان يقودها من قبله الشهيد أبو راغب (رحمة الله تغشاه) الذي استشهد في دماج، ثم استلمها أبو شعوب من بعده وظل قاىداً لها حتى في معارك الجنوب وفي جيزان، وقد استشهد في جيزان.
وتعد هذه المجاميع من أفضل وأضخم المجاميع التي عرفها القائد أبو يونس (يحفظه الله) الذي يصفهم ويمتدحهم بالقول: "إنهم مجاميع لا يستطيع أحد أن يخترقهم".

كان الشهيد أبو شعوب رجلاً عسكرياً من الطراز الأول. وفي دماج كانت له بصمة كبيرة جداً، كما كانت له بصمة كبيرة أيضاً في جبهات الجنوب، واقتحم أكثر المناطق في الجنوب، بل "إنه من أبرز الرجال الذين كان لهم دور كبير بارز في فتح صنعاء، وأنا رافقته شخصياً في فتح صنعاء"، هكذا يقول المجاهد أبو محمد، والذي يصمت برهة ثم يعاود الحديث قائلاً: "لقد دخل أبو شعوب بالمجاميع القتالية في فتح صنعاء من طرق صعبة جداً لا يستطيع أحد أن يدخل منها، لكنه دخل منها بكل قوة وبكل زخم وبكل شجاعة، واقتحم كل المناطق الخطيرة حتى وصل إلى الفرقة الأولى مدرع واقتحمها بكل عنفوان". ثم يبتسم المجاهد أبو محمد ويضيف: "الشهيد أبو شعوب اقتحم الفرقة وهو لا يدرى أنه في الفرقة، فقد كان يبحث ويسأل من حوله: أين هي الفرقة؟!".
كان لا يهدأ ولا يدع العدو يهدأ
"كان الشهيد أبو شعوب هو المحرك الرئيسي للجبهة، لا يهدأ له بال، لا يكل ولا يمل، كان أنموذجاً عملياً في كل تحركاته، وكان ينعكس ذلك على أفراده من خلال تقديمه النموذج القرآني في تعاملاته وكنا نتساءل: متى ينام أبو شعوب الذي لا يهدأ ولا يدع العدو يهدأ؟!"، كما يقول المجاهد طه سريع، الذي يضيف أنه عرفه على هذا النحو في معارك الجنوب وفي اقتحام جبل الدود بجيزان، وكان حينها يعمل صحياً في الجبهة. كما أن الشهيد خطط واقتحم الجبل الاستراتيجي بأقل التكاليف ولم يقدم حتى شهيداً واحداً أو جريحاً واحداً في المعركة.
وقد كان الشهيد أبو شعوب السباق في الاقتحامات والاشتباكات قبل أفراده (سلام الله عليه وعلى جميع الشهداء)، هناك كان يتقدمهم في خطوط التماس، وأذكر أننا كنا نتحدث ذات مرة نحن والشهيد أبو حمزة النعمي عن الشهداء وقال لنا إن الشهيد أبو شعوب كان مجاهداً قرآنياً وهو من النماذج القيادية النادرة. وقال: "لقد فقدنا قائداً عظيماً، وفقدانه خسارة كبيرة"، هكذا وصف الشهيد أبو حمزة النعمي شهيدنا العظيم أبو شعوب.
فقد كان القادة يقتدون به في أغلب الأعمال، فأينما وجد أبو شعوب في أي جبهة من الجبهات كانت الجبهة حية وفي حركة مستمرة بكل المقاييس، حتى لو وجد فيها أفراد "مبهطلين"، لا تجدهم بعد فترة عند أبوشعوب إلا ناراً وشراراً وعزيمة وشحطة بفضل الله وبفضل القائد الشهيد أبو شعوب، فقد كان يعكس روحيته على الأفراد كقائد عملي يقتدى به". بهذه الكلمات يختم المجاهد طه سريع الحديث معنا.

استشهد متنقلا بين الجبهات يلبي داعي الله
"كان الشهيد فائد الحسوني (أبو شعوب) من الأشداء على الظالمين رحيماً بإخوانه المجاهدين، وقد أظهر ضراوة شديدة في كل المعارك التي خاضها ضد أعداء الله. كان شخصاً ينبعث من وجهه نور الإيمان والثقة بالله". هكذا يتحدث عنه المجاهد عبدالملك الصيلمي.
وعن أدواره في عمران وفتح صنعاء وفي الجنوب وفي جبل الدود بجيزان، فقد كان من المشاركين في جبل الدود هو والشهيد أبو حمزة النعمي (رحمه الله). يقول أبو حمزة وهو يستعـــرض بطــولات الشهــــــيد: "كـــــان جبل الدود من أهم المواقع التي يهتم بها العدو ويحرص على الدفاع عنها بكل طاقاته وأسلحته، لكنه سقط أمام تخطيط واستطلاع وإعداد أبو شعوب (رحمة الله تغشاه). وقد استشهد في جيزان بعد السيطرة الكاملة على الجبل. استشهد وهو مغادراً للتعزيز إلى نهم بغارة جوية، ملبياً دعوة رفيق دربه المجاهد أبو يونس (يحفظه الله). فقد لقي ربه صامداً شامخاً أبياً، وبعد أن نكل بالعدو في كل المعارك استشهد ولم يجد الفرصة لأن يتزوج أو يلتفت لحياته الاجتماعية، فقد كان مرابطاً ومتنقلاً بين الجبهات".

كلما أراد الزواج دخل في معركة جديدة
كان يعرف بالذوبان في الله، يصنع الانتصارات والبطولات، عُرف بدوام المرابطة في سبيل الله بجبهات العزة، حتى أنه لم يلتفت للاهتمام بأحواله الاجتماعية، فقد كان من أوائل المجاهدين المطلوبين لخوض المعارك في شتى الجبهات، ولم يجد الفرصة حتى أن يتزوج.
كان دائماً في صلواته وفي دعائه وفي نوافله وعبادته متمثلاً معنى الذوبان في الله، ولذلك هو من أعظم من عرفت المسيرة القرآنية، ومن أعظم ما امتاز به أنه تجاوز سن الخامسة والعشرين من عمره دون أن يتزوج، حيث لم تتح له الفرصة للتفكير في الزواج، لأنه كان رجلاً ميدانياً، وكان قد خطب إحداهن ونحن في قحزة، لكنه لم يجد وقتاً للزواج، فما إن ينتهي من معركة في إحدى الجبهات حتى تندلع معركة أخرى في جبهة أخرى فيذهب للمشاركة فيها، حتى استشهد في جبهة جيزان دون أن يتزوج، فلم يجد الوقت للتفكير في الزواج. سلام الله عليه وعلى كل شهدائنا العظماء.

أترك تعليقاً

التعليقات