صحيفة لا / حاوره/ عبدالرقيب المجيدي     

استطاع الفنان الكبير محمود خليل أن يقدم أعمالاً من أنضج المسلسلات شكلاً ومضموناً، وكان لها من الخصوصية ما يمثل إضافة للدراما اليمنية.
إنه الفنان الذي يخفي وراءه نفساً مرهفة يضنيها افتقاد بلادنا مسرحاً يعيد ترتيب واقع الفنانين.
يتميز الفنان محمود خليل بإنتاجه الغزير، وبإسهاماته في إثراء المشهد الفني وتحريكه وفتح آفاقه، وتمتاز أعماله الدرامية بالصدق في تصوير معاناة الناس والوطن.
إنه أحد رواد الدراما في اليمن، تجمعت لديه كثير من الملكات الإبداعية، ومن خلال الدراما يريد أن يفتح نوافذ الضياء فوق المساحات المظلمة.
يعمل دائماً بهدوء وتواضع، ليعطي لنا الكثير من إنتاجه الدرامي.
أعماله فيها مزيج باهر من الإبداع والفن الراقي، ولها نكهة خاصة لأنها تتدفق من موهبة ثرية، إضافة إلى غزارة لغته ومضمونه الجميل.
شكراً لمحمود خليل بقدر ما أمتعنا به من خلال أعماله الدرامية والتي استنارت بها عقولنا.

المبدعون مهضومون
 هناك مشكلة يعاني منها الفنانون القدامى والذين كان لهم باع طويل في الفن، ومع ذلك نرى المخرجين يتعاملون مع فنانين جدد، ما تفسيرك؟
حقيقة وضع الفنانين في اليمن بشكل عام وضع مزرٍ سواء كانوا قدامى أو حديثين، إلا أن الممثلين القدامى عندما يشعرون بأنهم قدموا وأعطوا شيئاً للشعب اليمني الكريم ولهذا البلد العظيم والذي يعتبر من أعظم بلدان العالم، فاليمن هي البقعة التي حباها الله بجمال أخاذ في الكرة الأرضية، فالفنانون القدامى أعطوا ولم يأخذوا شيئاً وهم الذين أسسوا المسرح والثقافة، لكن نقول: أي مجال في الإبداع يعتبر مهضوماً في بلادنا، لأن القرار كان بأيدي أناس لا يعرفون معنى الثقافة ومعنى الوعي ومعنى الإبداع، ولذلك ترى الفنان سواء كان ممثلاً أو مغنياً أو راقصاً أو فناناً تشكيلياً تراهم في حالة إحباط، لأنه لا يوجد اهتمام بهذا العنصر، لكن تستطيع أن تقول إن المؤسسين أخطأوا في أشياء، أهمها أنهم لم يوجدوا لبنة ولم يجدوا الحاضنة في تلك المرحلة تناسب العمل المسرحي والتلفزيوني أو غيره.

شخصية (صابر)
 اشتهرت كثيراً بدور (صابر) في (حكاية صابر)، هل ما زال صابر عالقاً في أذهان الناس؟
مسلسل (صابر) اشتهر لأنه حكى معاناة شعبية مع الإنسان البسيط في المجتمع اليمني، معاناة الفقر والعوز في المجتمع، فالمسلسل تلمس أحاسيس ومشاعر الناس، لذلك ترك انطباعاً قوياً وكبيراً لدى عامة الشعب، وإلى الآن الناس يعرفونني بـ(صابر) رغم أن لدي أعمالاً قوية، وتقريباً أنا أكثر ممثل لديه إنتاج تلفزيوني، لكن يبدو اسمي ثقيلاً، عكس بعض الفنانين اشتهروا رغم قلة إنتاجهم في التلفزيون والمسرح بسبب أسمائهم.

ممثلون بلا مسرح ولا دعم
 هناك عبارة لشكسبير تقول: (وما الحياة إلا مسرح كبير ونحن ممثلون فيه) لماذا لا يتم الاهتمام ببناء مسرح؟
الحياة مسرح والحياة عبارة عن تمثيلية وعمر الإنسان لحظة لا يستطيع أن يأخذ منها شيئاً، فالمسرح هو الذي يعكس معاناة الشعوب، ويُسمى مرآة الشعوب، فالمسرح هو أبو الفنون، ومن الضروري أن يكون هناك استيعاب من قبل المواطن والدولة من أجل إظهار المسرح وإبرازه والاهتمام به كي يستطيع المسرحي أو كتاب المسرح تقديم ما لديهم من إبداع، فالممثل الآن يستطيع أن يكتب لكن من سيدعم هذا الفنان ويدعم هذه المسرحية؟! نحن لدينا مسرح ولكنه مسرح رسمي، فعندما كانت صنعاء عاصمة للثقافة العربية كنت أتمنى أن يكون هناك نصيب لتأسيس وإيجاد بنية تحتية للعمل الثقافي، لكن للأسف الشديد لم يكن هناك أي اهتمام بإيجاد بنية تحتية للثقافة، كنت أتمنى أن يكون هناك قاعة خاصة تكون مرتعاً وبيتاً للفنانين، فالفنان بحاجة إلى مكان يؤويه بصرف النظر عن بيته، وقديماً عندما كان لدينا قاعة المسرح الوطني كان يعتبر بيتاً لنا وكان هناك إنتاج للعمل المسرحي فكان الطابور يمتد من المسرح الوطني الذي هو الآن التعليم العالي إلى قرب السفارة الألمانية والتي هي الآن مكتب النظافة في أمانة العاصمة، ومع ذلك لم يكن الإنتاج الذي نصبو إليه، وعندما أتت النقابات استبشرنا خيراً إلا أنها للأسف لم تقدم شيئاً لصالح الحركة المسرحية في البلد.

مؤسسة للفنانين
 هناك قلة من الأعمال الفنية لكنها لا تمثل ما يفترض أن يكون عليه المشهد الفني اليمني، برأيك لماذا؟
في المجتمع اليمني لكل إنسان قصة، في كل بيت (حدوتة)، في كل مجتمع رواية، في كل قبيلة مسلسل أو فيلم.. لكن من سيعمل على إخراج هذه (الحواديت) وهذه القصص وهذه المعاناة ليظهرها عبر الأعمال الفنية؟! فكما ذكرت سابقاً أن الذين كان بأيديهم القرار في الماضي كانوا لا يعيرون الجانب الفني أي اهتمام، فكنت أتمنى أن يشتروا (سينما بلقيس) وتصبح للإخوة المسرحيين، وكنت أتمنى أن يكون عندنا 6 كاميرات من الدولة وتدعم هذا الجانب وتنشئ مؤسسة للفنانين كي يبدعوا، فنحن لدينا تراث لا يوجد في العالم سواء في الفلكلور أو في التراث الشعبي أو الفنانين أو في الحواديت، حتى حواديت الجدات هي أقرب إلى (ألف ليلة وليلة) والتي أدهشت الأوروبيين، اليمن غنية بكل معاني الحياة، لكن لا يوجد من سيظهرها للعالم.

فنتازيا يمنية
 ماهو أفضل مسلسل برأيك ناقش قضايا مهمة وجريئة؟
هناك مسلسلات كثيرة من ضمنها (تلفزيون عبر العصور) و(حكاية سعدية) و(حكاية صابر) وأيضاً مسلسل (الإعصار). واليمن أول من استخدمت الفنتازيا في العمل الدرامي التلفزيوني، وعندما قمنا بمسلسل الإعصار والذي كان من تأليف علي صلاح أحمد المذيع المعروف فالمسلسل كان قوياً جداً وكان يرمز لأشياء كثيرة جداً، وقد ناقش هذا المسلسل مشاكل إلى الآن ونحن نعيشها وقدم حلولاً لها، ولذلك هذا المسلسل تم توقيفه وتعرض لحرب لأسباب لا نعرفها.

كومبارس في (رأفت الهجان)
 أهم مسلسل شاهدته؟ وما هو المسلسل الذي تمنيت أن تشارك فيه ولم يحدث؟
هناك مسلسلات كثيرة تمنيت أن أكون فيها، فأنا كممثل لم أقم بالعمل الذي يجسد إبداعي وإظهار إمكانياتي في مجال التمثيل ما عدا مسلسل (صابر)، لأن فيه أحاسيس ويعالج قضايا شعبية.
كـــــــذلك هنــــاك مسلسلات كثيــــــرة علــــــى مستــــــوى الوطــن العربـــــي مثل (محمد رسول اللـــــه) و(خالـــد بن الوليد)، ومسلسلات عربية أخرى تمنيت أن أشارك فيها ولو كمبارس مثل المسلسلات الدولية كـ(رأفت الهجان) وغيره، وأيضاً مسلسل (فارس بلا جواد) لمحمد صبحي ويعتبر من أجمل المسلسلات لكنه كان يريد حاضنة وقاعدة عريضة للمشاهدة رغم أن الرمزية طغت على الإيحاء. ونتمنى الآن من كل الفنانين العرب والمبدعين والأدباء والصحفيين أن ينتبهوا لما يحاك للوطن العربي من مؤامرة دنيئة وحقيرة سخيفة، فلو وزعنا الثروات التي أهدرت للربيع العربي على كل فرد في الوطن العربي لأصبحوا أثرياء. وأنا أعجبت بعبارة لميركل مستشارة ألمانيا تقول: (إيرادات المسلمين إلى مكة تساوي مليارات) فلماذا لا توزع هذه المليارات على المسلمين، ولدينا ثروات كبيرة في الوطن العربي لكنها تذهب لدمار بعضنا البعض، فاليمن كما قال أحد الخبراء الدوليين هي أغنى دول المنطقة لكن اتركوا اليمن في حاله، لو عاش اليمن آمناً ومستقراً سيكون من أغنى شعوب المنطقة.

رأسمال يهمه الربح فقط
 لماذا الدراما اليمنية تنصاع دائماً لرغبات المنتجين؟
للأسف الشديد عندنا رأس المال الوطني لا يعي ولا يدرك أهمية ودور الثقافة في المجتمعات، فالرأسمال الوطني يستطيع أن يبني مسرحاً والإيرادات والفوائد ستأتي لاحقاً كما حصل في لبنان وفي مصر وفي سوريا، فنحن عندنا الرأسمال الوطني يريد نجاحاً ويريد ربحاً من أول يوم، لا يهمه أن يعمل بنية تحتية للثقافة والأدب وللرياضة، فرجال الأعمال في بلادنا هلعون على المال وليسوا هلعين في انتمائهم لهذا البلد الجميل الذي حبانا الله به.

بدأت مع المليجي
 لنعد بالذاكرة إلى البداية.. كيف كانت؟
البداية كانت جميلة جداً فقد كنت أمثل وأنا طفل في مدارس ذمار، كنت أخرج مع بعض الزملاء وكنا نذهب إلى السينما، وعلى فكرة السينما في ذمار كانت منذ بداية الثورة فقد سبقت بعض المحافظات الأخرى، فكنا نشاهد الأفلام ونأتي إلى ساحة المدرسة ونقلد هذه الأفلام، وكنت آخذ أنا دور المجرم الذي أداه محمود المليجي. في تلك الفترة كان هناك لطافة وبراءة والحب والترابط الاجتماعي نفتقده اليوم، فالتراحم والتكافل الاجتماعي والأسري كان رائجاً في تلك الأيام، فمثلاً عندما كان الولد يختلف مع أبيه يذهب إلى بيت عمه وإلى أقارب أبيه، كان الشخص يلقى مكاناً يأوي إليه، أما اليوم إذا اختلف الولد مع أبيه لا يجد مكاناً يأوي إليه، فنحن لا بد أن نعالج هذه القضايا ونسترجع عاداتنا القديمة، لقد كانت الحداثة سبباً لتطوير مجتمعات العالم إلا اليمن فالحداثة أثرت سلباً على حياة المجتمع اليمني.

شللية فنية
 نلاحظ أن المخرج اليمني في أغلب أعماله يرافقه مجموعة من الممثلين دون غيرهم، برأيك هل هذا يكون سبباً في نجاح العمل أم العكس؟
بحكم العلاقات مشكلتنا هي عزة النفس والكرامة، وأقول مشكلتنا لأنها تؤثر علينا حتى في الحياة العامة، فمثلاً مستحيل أتصل بالمخرج لكي أبحث عن دور أقوم به في أي مسلسل، وبعض الأحيان أظل بدون عمل إلا إذا اتصل بي المخرج وعرض عملاً ما، وهناك بعض مخرجين يتأثر بمجموعة ويسيطرون عليه، وأحياناً عندما تشاهد مسلسلاً تراه هابطاً رغم أن الموضوع يكون قوياً، لكن المسلسل هابط اجتماعياً وجماهيرياً، والسبب يعود إلى الشخصيات التي تم توزيعها بطريقة غير صحيحة، فتوزيع الشخصيات يؤثر على العمل سواء بالسلب أو الإيجاب، فربما إحدى الشخصيات قد تنفر المشاهدين من طريقة الأداء والحركات أو لم تتمكن من أداء الدور المطلوب.

 ما الذي يستفزك؟
يستفزني عدم الانتماء لهذا الوطن.

تقوقع إجباري
 متى سيقتحم اليمن درامياً الساحة الفنية العربية؟ ولماذا لم يظهر فنانون يمنيون في بعض المسلسلات العربية؟
للأسف الشديد عدم مشاركتنا في بعض الأعمال العربية لأننا تقوقعنا وكانت الوزارة لا تهتم بإرسال الممثل اليمني إلى الأقطار العربية. والجانب الآخر وهو الأهم أن المنتجين في العالم العربي معظمهم شركات خليجية فعندما كانوا ينتجون الأعمال في سوريا كان السوريون يبدعون، فالمنتجون لا يفكرون تفكيراً اجتماعياً أو إنسانياً، فالتمثيل هو محاكاة إنسانية يعالج من خلالها الفنان مشاكل الوطن، مشكلة انتماء حقيقي لتربته ولشعبه، ومتى ما كانت الدراما لا تنشد هذا الهدف فلا دور لها ولا فائدة منها.

تجربة صحفية
 عملت محرراً صحفياً في إحدى المجلات، لو تحدثنا عن هذه التجربة؟
نعم عملت محرراً في مجلة (المسيرة اليمانية) التي كان يرأس تحريرها الصحفي المعروف علي عباس الشامي، وكنت أرأس تحريرها في حالة غيابه. وفي مرة من المرات قمت بكتابة ريبورتاج صحفي فيها وقد كانت إحدى الأمريكيات تحضر الدكتوراه فأخذت موضوع الريبورتاج وحضرت من خلاله رسالة الدكتوراه. كذلك عملت الكثير من اللقاءات مع فنانين ومسرحيين وتشكيليين ومن ضمن هذه اللقاءات مع الفنان البحريني محمد المحرقي وخلال الحوار معه كنا نتحدث عن تأثير الفنون في المجتمع العربي فقال: أنتم في اليمن عندكم ثروة غنائية متنوعة لا توجد في أي بلد في العالم فكل حياتكم مرتبطة بالفن. فالمزارع مثلاً عنده أكثر من عشرين لوناً من الغناء عندما يزرع وعند الصراب (الحصاد) فكل حركة في الزراعة لها لون من ألوان الغناء، وحتى الموت عندكم له أكثر من 15 لوناً من الموشحات والأناشيد، وكذلك هناك مواويل للمرأة عندما تسقي وعندما تطحن... فكل حياتكم مرتبطة بالفن.
فالفنان اليمني يفترض أن يكون واجهة المجتمع، ومع ذلك نراه لا يمتلك أرضية ولا يمتلك شبراً في هذا الوطن، فكيف سيكون لديه انتماء؟! فالدولة يجب أن تعطي هذا المبدع الذي يحترق وأحياناً يموت، فأحد الزملاء كان يمثل مسرحية ووالده يموت، كما أن هناك بعض الفنانين والتشكيليين المبدعين في بلادنا للأسف الشديد قد أصيبوا بالجنون.

 كلمة أخيرة..
شكراً لصحيفة (لا) على هذه الاستضافة.