أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
التغييرات التي قالت حكومة «التغيير والبناء» إنها ستطال مؤسسات الدولة والقضاء والهياكل والقوانين، ستظل مجرد أفكار ما لم تعتمد على الطبقة العاملة اليمنية، إذ يجب أخذ الدور الجوهري للقوى العاملة في القطاعين العام والخاص بعين الاعتبار، وغيرهم ممن يعملون لحسابهم الخاص وعمال المهن الحرة، كعنصر أساسي في تحقيق نجاح هذه الإصلاحات وديمومتها.
نجاح أي إصلاح يعتمد على مدى كفاءة هذه الشرائح العاملة. وضمان قبولها ودعمها للإصلاحات، ويجب إشراكهم في العملية الإصلاحية وضمان أن التغييرات تصب في صالح تحسين ظروفهم المعيشية والمهنية وتعليمهم وتدريبهم.
يقدم تقرير «تحليل وضع القوى العاملة في اليمن» رؤية شاملة لواقع القوى العاملة بناءً على مسح أجري في 2013-2014. ويُعد هذا المسح مرجعاً أساسياً لفهم وضع القوى العاملة في اليمن قبل اندلاع الحرب العدوانية، ومن الواضح أن الحرب أسفرت عن تدهور ملحوظ في سوق العمل، وأن النتائج هي الآن أكثر سوءًا فقد تراجع إجمالي الناتج المحلي لليمن بحسب تقديرات البنك الدولي من 43 مليار دولار في العام 2014م إلى 18 مليار دولار في العام 2020م.

النقاط الرئيسية في التحليل:
- عدد السكان في سن العمل: هناك 13.4 مليون شخص في سن العمل، لكن نسبة المشاركة في سوق العمل منخفضة (36.3%)، خاصة بين النساء (6.0%).
- التعليم والتحصيل العلمي: أقل من ثلث القوى العاملة أكملوا التعليم الثانوي، وحوالي 83% يعانون من عدم تطابق بين التعليم ومتطلبات سوق العمل (يعملون خارج اختصاصاتهم).
- القطاع غير الرسمي (العمل غير الثابت): حوالي 73.7% من العمال يعملون في القطاع غير الرسمي، ما يعكس هشاشة واضحة في الاستقرار الوظيفي.
- البطالة: بلغ معدل البطالة 13.5%، لكنه أعلى بشكل ملحوظ بين النساء (26.1%) والشباب (24.5%). هناك نسبة كبيرة من العمالة غير المستغلة (27.1%).

التحديات الرئيسية:
1. ضعف مشاركة النساء في سوق العمل في مقابل نسبة النساء في سن العمل.
2. انخفاض مستويات التعليم بين القوى العاملة، مع فجوة كبيرة بين التحصيل العلمي واحتياجات السوق، وفجوة بين تخصص العامل والموظف وبين العمل الذي يقوم به.
3. الاعتماد على القطاع غير الرسمي، مما يؤدي إلى عدم استقرار وظيفي.
4. ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب والنساء، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي.
5. يعتمد الاقتصاد بشكل أساسي على الزراعة (وبرغم ذلك فـ90% من الأغذية مستوردة) والاعتماد على الخدمات مع إهمال قطاع الصناعة بما في ذلك الصناعات الغذائية.
الخلاصة: تظهر البيانات تحديات كبيرة، لكن يمكن تحويلها إلى فرص من خلال إصلاحات في التعليم، تطوير قطاعات جديدة، ودعم الفئات المهمشة. الاستثمار في رأس المال البشري اليمني هو مفتاح للتنمية الاقتصادية المستدامة.
الاهتمام بالقوى العاملة (الثروة البشرية) مرتكز هام للتنمية، والتقدم الاقتصادي، وهناك عدة تجارب دولية كان اهتمامها بهذا القطاع عنصراً حاسماً في نهوضها وتطورها الاقتصادي، وهي اليوم من الدول الاقتصادية المتطورة بعد أن كانت في وضع اقتصادي سيئ.
في التقرير تلخيص لهذه التجارب، وعدة توصيات بناءً على نتائج تحليل وضع القوى العاملة في اليمن، وفي ما يلي التقرير كاملاً:

تحليل وضع القوى العاملة في اليمن
يعتمد تحليل القوى العاملة في اليمن على مسح القوى العاملة في الجمهورية اليمنية 2013-2014 (الجهاز المركزي للإحصاء، منظمة العمل الدولية) الذي قدم بيانات دقيقة تعكس الظروف قبل الحرب. في ذلك الوقت، كان تعداد سكان اليمن يقدر بحوالي 23 مليون نسمة، وحالياً يصل العدد إلى نحو 30 مليوناً حسب تقديرات البنك الدولي. أثرت الحرب بشكل كبير على هذه الأرقام، مما أدى إلى تفاقم البطالة وتدهور التعليم والأجور.
عدد السكان في سن العمل:
بلغ عدد الأشخاص في سن العمل حوالي 13.4 مليون شخص، لكن نسبة المشاركة في سوق العمل منخفضة نسبياً (36.3%) (4 ملايين يعملون من 13 مليونا) مع تفاوت ملحوظ بين الرجال (65.8%) والنساء (6.0%).
مستوى التعليم:
أقل من الثلث من القوى العاملة قد أكمل التعليم الثانوي أو ما بعده، وهو مؤشر على ضعف في التعليم والتأهيل. بالإضافة إلى ذلك، يعاني 83% من العمال من عدم تطابق بين التعليم والمهارات المطلوبة، مما يدل على نقص الكفاءات المناسبة.
القطاع غير الرسمي:
يشكل العاملون في القطاع غير الرسمي 73.7% من مجموع القوى العاملة، مما يعكس هشاشة سوق العمل وعدم استقرار الوظائف.
أنماط العمل:
نسبة كبيرة من العاملين (42.2%) يعملون لحسابهم الخاص أو ضمن أسرهم، مما يدل على انتشار العمل غير المنظم.
معدل البطالة:
يصل معدل البطالة إلى 13.5%، لكنه أعلى بين النساء (26.1%) والشباب (24.5%). يُظهر معدل البطالة بين الشباب تفاقماً كبيراً مقارنة بالمعدل العام.
قصور استغلال العمالة:
نسبة استغلال العمالة غير الكاملة تبلغ 27.1%، وهو ضعف معدل البطالة، مما يشير إلى أن العديد من الأفراد يعملون دون استغلال كامل لقدراتهم.
تشير البيانات إلى تحديات كبيرة في سوق العمل اليمني، ولكنها تفتح فرصاً لتحسين الثروة البشرية من خلال تعزيز التعليم، تطوير قطاعات جديدة، ودعم مشاركة الفئات المهمشة مثل النساء والشباب.
مفهوم الطبقة العاملة:
ظهر مفهوم الطبقة العاملة المعروف اليوم مع ظهور المدرسة الماركسية، ركزت الماركسية في أصولها، على مفهوم «البروليتاريا» أو «الطبقة العاملة» كفئة من المنتجين الذين لا يملكون وسائل الإنتاج ويضطرون لبيع قوة عملهم (جهدهم البدني والعقلي) لأصحاب رأس المال. كانت هذه الفئة، في عصر ماركس، تتألف بشكل أساسي من العمال الصناعيين الذين يعملون في المصانع والورش.
مع مرور الوقت وتطور الاقتصادات والمجتمعات، حدثت تغييرات كبيرة في مفهوم الطبقة العامل، لم تعد الطبقة العاملة تقتصر على العمال الصناعيين، بل اتسعت لتشمل العمال في مختلف القطاعات مثل الخدمات، التكنولوجيا، الصحة والتعليم. هذا التنوع يعكس التحولات الاقتصادية التي انتقلت من الاقتصاد الصناعي التقليدي إلى الاقتصاد القائم على الخدمات والمعرفة.
مع تقدم التكنولوجيا، وخاصة في عصر الثورة الصناعية الرابعة، مع دخول القرن الحادي والعشرين، وقعت تغيرات في طبيعة العمل، فإلى جانب العمل التقليدي -الذي لازال سائداً وخصوصاً في البلدان المتخلفة تقنيا كبلادنا- ظهر نوع جديد من العمال، مثل العاملين في مجال تكنولوجيا المعلومات، الذين قد يملكون مهارات فنية عالية وأجورا مرتفعة ولكنهم لايزالون يبيعون قوتهم العاملة ضمن نظام يسيطر عليه رأس المال.
ظهرت أيضاً فئة من العمال الذين يعملون في ظروف غير مستقرة أو مؤقتة، مثل العمال في الاقتصاد التشاركي (مثل من يعملون بسياراتهم الخاصة في شركات التوصيل) أو العمال الذين يعملون بعقود مؤقتة دون حقوق مضمونة.
ومع تزايد الاعتماد على المعرفة والتكنولوجيا وتحول المعرفة ذاتها إلى وسيلة من وسائل الإنتاج، ظهرت فئة من العمال الذين يعملون في مجالات المعرفة والإبداع، مثل المبرمجين والمصممين والباحثين. هؤلاء العمال غالباً ما يملكون مهارات عالية ويتقاضون أجوراً أعلى من العمال التقليديين، لكنهم لايزالون يعتمدون على بيع عملهم لأصحاب الشركات.
وكما أثرت العولمة في كثير من أوجه الحياة، فقد أدت العولمة إلى انتشار الطبقة العاملة في جميع أنحاء العالم، حيث أصبحت الشركات تنقل فروع الإنتاج إلى مناطق ذات تكاليف عمل أقل، مما أدى إلى تغيرات في توزع الطبقة العاملة عالمياً وزيادة التفاوت في الأجور والحقوق.
هذه التغيرات الاقتصادية العلمية، غيرت من مفاهيم علوم الاجتماع والاقتصاد، ومن ذلك مفهوم الطبقة العاملة، وفي الوقت الحاضر، يمكن القول إن الطبقة العاملة تشمل مجموعة متنوعة من العمال، من عمال الصناعة التقليديين وعمال الخدمات إلى عمال المعرفة، فكل من تقوم حياته الاقتصادية الاجتماعية على بيع قوة عمله البدنية والعقلية والإبداعية لرب عمل معين كشركة أو جهة حكومة معينة كمؤسسة أو شركة ومهما كان الأجر الذي يتقاضاه يُعد جزءًا من الطبقة العاملة في العصر الراهن، إذ يشتركون جميعاً في حقيقة أنهم يعتمدون على بيع عملهم في إطار علاقات إنتاج غير متكافئة، وفي ظل حياة اجتماعية قائمة على التفاوت الاجتماعي.

دور الطبقة العاملة في تحقيق التراكم
الطبقة العاملة تلعب دوراً مركزياً في تحقيق التراكم المالي في النظام الاقتصادي الرأسمالي، فالعمال هم من ينتجون السلع والخدمات التي تباع في السوق. من خلال عملهم، تضاف قيمة جديدة إلى المواد الخام ووسائل الإنتاج. هذه القيمة هي ما تُسمى «القيمة المضافة»، التي تشكل أساس الأرباح التي تحققها الشركات.
العمل الذي يؤديه العمال يُنتج أكثر من القيمة التي تُدفع لهم كأجور. الفرق بين القيمة التي يخلقها العمل والقيمة التي تُدفع كأجر يُعرف باسم «الفائض». هذا الفائض يُمثل الربح الذي يؤدي إلى التراكم المالي سواء لدى الشركات والمؤسسات الحكومية أو الخاصة، وبشكل عام للبلد، فالتراكم المالي في أي بلد هو حصيلة إنتاج الطبقة العاملة، وليس من المُستغرب أن دولة كالصين في هذه المكانة الاقتصادية فعدد طبقتها العاملة أكبر من أي بلد آخر، لكن المدهش هو أن الطبقة العاملة الأمريكية رغم أنها الأقل كمياً إلا أنها تُنتج أكثر من الطبقة العاملة الصينية بتوظيفها العلوم والمعارف والتقنيات الأحدث.
بالإضافة إلى دورهم في الإنتاج، يشكل العمال جزءاً كبيراً من قاعدة المستهلكين في الاقتصاد. من خلال استهلاكهم للسلع والخدمات، يساعدون في تحريك عجلة الاقتصاد، مما يؤدي إلى تحقيق المزيد من الأرباح للشركات وبالتالي المزيد من التراكم المالي، ومن الملاحظ اليوم في البلد أن هناك حالة ركود وضعف في القدرة الشرائية والاستهلاك لدى الطبقة العاملة بسبب الحرب والحصار التي جمدت ودمرت الأنشطة الاقتصادية.
بشكل عام، تقوم الطبقة العاملة بدور أساسي في تحقيق التراكم المالي من خلال إنتاج الفائض الاقتصادي الذي يُمثل الأساس للأرباح والتراكم الرأسمالي، هذا الفائض هو ما يدفع عجلة النمو الاقتصادي في الاقتصاد العالمي.

الطبقة العاملة اليمنية
هناك طبقة عاملة في اليمن، كما بينا في تحليل وضع القوى العاملة في اليمن، والطبقة العاملة اليمنية الفاعلة هم من يزاولون الأنشطة الاقتصادية المختلة، ويسهمون في إجمالي الناتج المحلي.
وباعتبار أن البُنية الاقتصادية الاجتماعية في اليمن انتقالية، لازالت فيها أنماط إنتاج قديمة وأنماط إنتاج حديثة، ففي اليمن توجد طبقة عاملة غزيرة التنوع، تشمل مختلف العُمال من العمل الإنتاجي الصناعي الزراعي إلى انتاج الخدمات وصولاً إلى العاملين في الإنتاج المعرفي. وبالتأكيد فإن مفهوم «الطبقة العاملة» في اليمن يختلف عن نظيره في البلدان ذات الاقتصادات الأكثر تطوراً.
تشمل الطبقة العاملة في اليمن فئات متنوعة، من العاملين في الزراعة والصناعة إلى الخدمات والاقتصاد المعرفي. بدأت الطبقة العاملة اليمنية في التشكل منذ أربعينيات القرن الماضي وهي مستمرة في التطور.
العمال في القطاع الزراعي: يشكل القطاع الزراعي جزءاً كبيراً من الاقتصاد اليمني، ويعمل فيه نسبة كبيرة من السكان. هؤلاء العمال يعتمدون بشكل أساسي على الزراعة التقليدية لتأمين سبل عيشهم، ويواجهون تحديات كبيرة مثل المياه، وتدهور الأراضي، والحروب.
العمال في القطاع الصناعي: رغم أن القطاع الصناعي في اليمن ليس كبيراً، إلا أن هناك عمالاً يعملون في مجالات مثل التعدين، وصناعة المواد الغذائية، والمنسوجات. هذا القطاع يعاني من نقص البنية التحتية، والقيود الاقتصادية، وعدم الاستقرار.
العمال في القطاع الخدمي: يشمل هذا القطاع العمال في مجالات مثل التجارة، والنقل، والتعليم، والصحة، والموظفين في مختلف المؤسسات الحكومية. بعض هؤلاء العمال يعملون في وظائف غير رسمية أو مؤقتة، مما يجعلهم عرضة لعدم الاستقرار الوظيفي.
العمال في الاقتصاد غير الرسمي: نسبة كبيرة من العمال في اليمن يعملون في الاقتصاد غير الرسمي، حيث لا توجد عقود عمل رسمية ولا يحصلون على حقوق عمالية مثل التأمين الصحي أو التقاعد. هؤلاء العمال يتضمنون الباعة المتجولين، والحرفيين، والعمال في الأنشطة الصغيرة غير المسجلة.
تواجه الطبقة العاملة في اليمن تحديات كبيرة مثل البطالة، وانعدام الأمان الوظيفي، وغياب الحماية الاجتماعية وتراجع القيمة الشرائية للأجور، وانقطاع أجور الموظفين الحكوميين في القطاعات غير الإيرادية، ومع ذلك، يظل هؤلاء العمال جزءاً أساسياً من النسيج الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، وهم المعنيون بتنفيذ الإصلاحات والتغييرات، وتحقيق النماء والتراكم المالي، وإنجاز المهام المختلفة الانتاجية والخدمية في القطاع الحكومي والقطاع الخاص وغيره، وأيا كانت البرامج الحكومية والهياكل والقوانين ممتازة فإن تنفيذها يتوقف على الطبقة العاملة ليس فقط في المؤسسة الحكومية الخدمة في ما يتعلق بمعاملات المواطنين بل في مختلف ميادين الإنتاج والخدمات.
تحديات القوى العاملة في اليمن:
- ضعف مشاركة النساء: نسبة مشاركة النساء في سوق العمل لا تتجاوز 6%.
- انخفاض مستويات التعليم: هناك فجوة كبيرة بين التحصيل العلمي ومتطلبات سوق العمل.
- القطاع غير الرسمي: يشير الاعتماد الكبير على القطاع غير الرسمي إلى قلة الفرص المستقرة.
- البطالة بين الشباب: تعاني الفئة الشبابية من معدلات بطالة مرتفعة.
- ضعف القطاعات الإنتاجية: التركيز على الخدمات والزراعة على حساب الصناعة يحد من فرص خلق وظائف جديدة.

مركزية القوى العاملة في الإصلاحات الاقتصادية
تلعب الطبقة العاملة بمفهومها الأوسع الذي يضم الموظفين الحكوميين وموظفي القطاع الخاص دوراً رئيسياً في نجاح الإصلاحات الاقتصادية والتغييرات في أي بلد، حيث تعتمد هذه الإصلاحات على تفعيل دور العاملين في القطاعين العام والخاص. يتطلب تحقيق أي تغيير جذري في المؤسسات والهياكل الاقتصادية مشاركة نشطة وفعالة من القوى العاملة لضمان استدامة هذه الإصلاحات. فالموظفون والعاملون هم الجهة التنفيذية التي ستقوم بتطبيق هذه التغييرات على أرض الواقع، ونجاح أي إصلاح يعتمد على مدى التزامهم وكفاءتهم في أداء مهامهم.
إصلاح وضع الطبقة العاملة يعزز من كفاءتها وإنتاجيتها، مما يسهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف الإصلاحات العامة. كما تعد الطبقة العاملة والموظفون دعامة الاستقرار الاجتماعي الذي هو شرط نجاح الإصلاحات الاقتصادية؛ تجاهل تحسين ظروف العاملين ومعالجة قضاياهم قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية تعرقل جهود الإصلاحات، بالتالي تعتبر هذه الفئات جزءاً لا يتجزأ من عملية الإصلاح، وإهمال تحسين أوضاعها قد يقوض الجهود الرامية إلى تطوير مؤسسات الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية.

أهمية الثروة البشرية والتجارب الدولية في تنميتها
تعتبر الثروة البشرية من القوى العاملة المنخرطة في العمل وكذلك العاطلين، العامل الأهم في بناء اقتصاد قوي ومستدام، حيث يعتمد نجاح الدول على كيفية استغلال هذه الطاقات، في تطوير التعليم، الصحة، الابتكار، والتكنولوجيا، وفي زيادة الإنتاجية ورفع مستوى النمو الاقتصادي.
هناك عدد من التجارب الدولية، ركزت على مسألة الثروة البشرية، من خلال تطوير القوى العاملة من حيث التدريب والتأهيل، وكان لتطوير القوى العاملة دور هام في تطورها الاقتصادي، وفي نجاح بقية السياسات الاقتصادية التي توقف أمر تنفيذها على القوى العاملة الوطنية.
سنغافورة: تعتبر سنغافورة من أبرز الأمثلة على الاهتمام بالقوى العاملة. بعد استقلالها في عام 1965، ركزت الحكومة على التعليم والتدريب المهني، مما أدى إلى بناء قوة عمل ماهرة ومتعلمة.
كوريا الجنوبية: بعد الحرب الكورية، كانت كوريا الجنوبية دولة فقيرة وتعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية. لكن الحكومة استثمرت بكثافة في التعليم والتدريب، مع التركيز على تطوير التكنولوجيا والصناعات التحويلية. اليوم، تُعرف كوريا الجنوبية كواحد من أكثر الاقتصادات تقدماً في العالم.
ألمانيا: تعتمد ألمانيا على نظام التدريب المهني (أوسبيلدونغ) الذي يدمج بين التعليم النظري والعمل التطبيقي في الشركات. هذا النظام يضمن أن القوى العاملة تكون متعلمة ومجهزة بمهارات تتناسب مع احتياجات السوق، مما يسهم في استمرار قوة الاقتصاد الألماني وتفوقه الصناعي.
اليابان: بعد الحرب العالمية الثانية، ركزت اليابان على إعادة بناء اقتصادها من خلال تعزيز التعليم والتدريب التقني. كما أن الشركات اليابانية تميل إلى تقديم تدريب مستمر لموظفيها، مما يعزز الابتكار والإنتاجية.
الصين: بدأت الصين في أواخر السبعينيات سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية تحت قيادة دينغ شياو بينغ، والتي كانت تستهدف الانتقال من اقتصاد مركزي صارم إلى اقتصاد سوق اشتراكي. تم السماح للقطاع الخاص بالنمو، وتم فتح الصين أمام الاستثمار الأجنبي، بينما ظل التخطيط المركزي يلعب دوراً مهماً. استثمرت بشكل كبير في التعليم والتدريب المهني، مع تركيز خاص على العلوم والتكنولوجيا. تم بناء معاهد تدريب مهنية ومدارس تكنولوجية تهدف إلى تطوير مهارات القوى العاملة.
فيتنام: في أواخر الثمانينيات، أطلقت فيتنام سياسة «التجديد» التي كانت تهدف إلى تحويل الاقتصاد الفيتنامي من نظام مركزي صارم إلى اقتصاد مختلط يجمع بين التخطيط المركزي واقتصاد السوق. هذه السياسة ساعدت في جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز القطاع الخاص. استثمرت فيتنام في التعليم والتدريب المهني، مع تركيز خاص على تطوير المهارات التقنية والصناعية. هذا ساعد على رفع مستوى الإنتاجية وتحسين نوعية العمل.
التجارب التنموية الناجحة للدول مثل: سنغافورة، كوريا الجنوبية، اليابان، ألمانيا، الصين، وفيتنام تقدم العديد من الدروس التي يمكن لليمن الاستفادة منها لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، في الجانب المتعلق بتطوير القوى العاملة فهذا البُعد هو المشترك في هذه الدول، إلى جانب اهتمام كل تجربة بعناصر أُخرى فرضتها التحديات التاريخية التي واجهت كلا منها.
هذه الأمثلة توضح كيف أن الاستثمار في القوى العاملة يمكن أن يؤدي إلى نمو اقتصادي وتحسين مستويات المعيشة، ويعد التعليم والتدريب المهني جزءاً أساسياً من هذه الاستراتيجيات.
من خلال الاستفادة من هذه الدروس، يمكن لليمن تطوير استراتيجيات وسياسات تسهم في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، مع التركيز على بناء قوى عاملة ماهرة، تحسين البنية التحتية، تعزيز الاستقرار السياسي، ودعم الابتكار. هذه الخطوات يمكن أن تساعد في تحويل الاقتصاد اليمني إلى اقتصاد أكثر تنوعاً وكفاءة، قادر على مواجهة التحديات وتحقيق التقدم.

ضرورة إصلاح وضع الطبقة العاملة اليمنية
تطوير الدولة والاقتصاد والتنمية يتطلب نظرة شاملة تشمل جميع عناصر الإنتاج، بما في ذلك القوى العاملة، كما بينت التجارب الدولية المشار إليها. واقعياً تطوير بيئة الاستثمار، القوانين، والهياكل يمكن أن يكون له تأثير كبير على النمو الاقتصادي، لكن إهمال عنصر العمال قد يؤدي إلى نتائج غير متوازنة أو غير مستدامة.
العمال وبيئة الاستثمار: بيئة الاستثمار الجيدة تجذب الاستثمارات الجديدة وتوسع الأعمال الحالية، مما يخلق فرص عمل جديدة. العمال المدربون والمؤهلون بشكل جيد يساعدون في زيادة إنتاجية هذه الاستثمارات، مما يزيد من الأرباح ويحفز على المزيد من الاستثمارات.
العمال والقوانين: قوانين العمل التي تحمي حقوق العمال وتضمن بيئة عمل عادلة تعزز من استقرار القوى العاملة وتحفز على الأداء الأفضل. العمال المحميون بالقوانين يكونون أكثر انخراطاً وإنتاجية.
العمال والهياكل: الهياكل التنظيمية والاقتصادية، مثل البنية التحتية والتعليم والتكنولوجيا، تحتاج إلى قوى عاملة ماهرة لتشغيلها والاستفادة منها بفاعلية. العمال الذين يمتلكون المهارات اللازمة للتعامل مع التقنيات الحديثة والعمليات المعقدة يكونون أكثر قدرة على المساهمة في النمو الاقتصادي.
أهمية تطوير عنصر العمال: لكون الطبقة العاملة هي التي يتوقف عليها تنفيذ الإصلاحيات والتغييرات، ولوجود علاقة شرطية بين الطبقة العاملة من جهة وبين بيئة الاستثمار والقوانين والهياكل من جهة أُخرى، فإجراء إصلاحات في القوى العاملة متم لهذه الجهود، فكما أن هناك حاجة لإصلاح القوانين والهياكل والمؤسسات، فهناك حاجة إلى إصلاح حياة العمال الاقتصادية الاجتماعية، لتكون القوى المعول عليها إنجاز الاصلاحات والتغيرات قادرة على القيام بمهمتها.
التعليم والتدريب: تطوير العمال يبدأ بتحسين التعليم والتدريب المهني؛ العمال الذين يتمتعون بمستويات تعليمية أعلى وتدريب مهني ملائم يكونون أكثر إنتاجية وقادرين على التكيف مع التغيرات التكنولوجية والاقتصادية.
الصحة والسلامة: تحسين ظروف العمل والسلامة المهنية يضمن بقاء العمال أصحاء وقادرين على الأداء بكفاءة، وهذا يشمل الرعاية الصحية، وشروط السلامة في مكان العمل، وتوفير بيئة عمل خالية من المخاطر.
الأجور والمزايا: تحسين أجور العمال وضمان حصولهم على مزايا مثل التأمين الصحي والتقاعد يزيد من استقرارهم المالي والاجتماعي، مما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الكلي من خلال زيادة الاستهلاك والإنتاجية.
الحوار مع العمال: تشجيع الحوار بين العمال وأصحاب العمل والحكومة يؤدي إلى بيئة عمل أكثر توازناً، حيث يتم أخذ مصالح جميع الأطراف في الاعتبار، ورغم وجود التفاوت -على حساب العمال- إلا أن هذا الحوار يمكن أن يقلل من النزاعات العمالية ويحسن من الأداء العام للاقتصاد ويحافظ على معدلات نمو مستقرة.
التنظيم النقابي: تطوير قدرة العمال على التنظيم النقابي يسهم في تحسين ظروفهم وتحقيق قدر لا بأس به من الإنصاف في توزيع الأرباح. النقابات القوية تلعب دوراً هاماً في حماية حقوق العمال وتحقيق تطور مستدام، مع التأكيد على استقلالية النقابات عن الأنشطة السياسية الحزبية والانقسامات السياسية في البلد ناهيك عن الانقسامات العسكرية.

التوصيات
- توجيه الجهود نحو تحسين التعليم الأساسي والثانوي وإتاحة فرص التعليم العالي والتقني. التركيز على التدريب المهني وبرامج تطوير المهارات لتلبية احتياجات سوق العمل.
- خلق توافق أكبر بين مخرجات التعليم ومتطلبات التنمية وسوق العمل لتجنب مشكلة عدم التطابق بين المهارات المطلوبة والتحصيل العلمي.
- تعزيز برامج دعم المرأة وتوفير بيئة عمل ملائمة لها، مثل دعم ريادة الأعمال النسائية وتوفير فرص عمل مرنة.
- وضع سياسات لتقنين العمالة غير الرسمية -التي لا توفر مزايا الضمان الاجتماعي- وضمان حقوقهم العمالية، مثل ضمان التأمينات الاجتماعية والصحية للعمال.
- المساواة في الحقوق للعاملين في القطاعات الحكومية الإيرادية وغير الإيرادية.
- اعتماد معايير الكفاءة والخبرة في التكاليف والتعيين والترقيات في الجهات الحكومية، والتعامل مع الموظفين بحسب اللوائح، بعيداً عن بيئة العمل الشللية.
- تفعيل محاكم العمال، والمحاكم الإدارية، والسعي نحو إنصاف الموظفين الحكوميين والعمال عموماً، فهم الطرف الأضعف في المعادلة الاقتصادية والإدارية.
- التركيز على تطوير القطاع الصناعي والتكنولوجي في اليمن من خلال استثمارات في البنية التحتية، لتوسيع قاعدة الاقتصاد وخلق وظائف جديدة، خصوصاً وأن هذه القطاعات هي محط اهتمام طلاب الجامعات في هذه السنوات.
- وضع برامج لخلق فرص عمل للشباب وتشجيع ريادة الأعمال، بالإضافة إلى تقديم دعم لمشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم، مما يساعد على امتصاص البطالة وتوفير فرص عمل مستدامة.
- تطوير سياسات عمل تدعم استقرار العاملين وتحد من الاستغلال، مع تقديم حوافز للشركات التي توفر بيئة عمل قانونية وآمنة.
- العمل ما أمكن على صرف رواتب الموظفين وخاصة موظفي القطاعات غير الإيرادية فهم الأكثر معاناة، والعمل مستقبلاً على تحسين أجور العاملين في القطاع الحكومي والقطاع الخاص بالتعاون مع النقابات ورجال الأعمال، ورفعها بالتوازي مع انهيار قيمة العملة الذي أدى إلى تآكل قيمتها الشرائية.

أترك تعليقاً

التعليقات