القضية اليمنية في «قمة بغداد» العربية 2025
- أنس القاضي الأثنين , 26 مـايـو , 2025 الساعة 1:10:10 AM
- 0 تعليقات
أنس القـاضي / لا ميديا -
عُقدت يوم السبت الأسبق 17 أيار/ مايو 2025م قمة عربية في بغداد، تناولت الوضع العربي عموماً، وكانت حفلاً خطابياً، غير جاد في معالجة القضايا العربية، ضعف القمة بالعموم انعكس على ما يتعلق باليمن، ويمكن القول إن إعلان بغداد لم يقدّم أي جديد نوعي في مقاربة الملف اليمني، بل أعاد إنتاج الموقف الرسمي التقليدي المنحاز للرؤية السعودية القائم على الاعتراف بشرعية طرف واحد والالتزام بمرجعيات تجاوزها الواقع، وتجاهل صنعاء الطرف المؤثر إقليمياً.
اختزل البيان القضية اليمنية في بعدها السياسي والأمني أي حصرها في "مواجهة الإرهاب" ومفهوم "استعادة الدولة"، دون الاعتراف بالتعقيدات الجيوسياسية للملف اليمني، وارتباطه بالتحولات الإقليمية، كما أنه لم يتطرق إلى أن الأزمة مستمرة منذ 10 أعوام أي أغفل أبعادها الاجتماعية والإنسانية. وفي ظل هذا التناول الأحادي للقضية اليمنية تبقى الجامعة العربية بعيدة عن لعب أي دور فاعل في حلحلة الأزمة اليمنية وغيرها من الأزمات العربية، ما لم تُراجع مقاربتها وتعد صياغة موقف أكثر واقعية وشمولاً وتوازناً.
كلمة رئيس مجلس الخيانة رشاد العليمي في القمة مثّلت خطاباً دبلوماسياً مألوفاً، كرّر فيه مواقف تحالف العدوان السابقة دون أن يقدّم أي مبادرة سياسية جديدة أو رؤية وطنية، وظهر الخطاب كبيان موجه للدول العربية أكثر منه دعوة للحل وملامسة للواقع المحلي، ورغم الإشارات إلى السعي نحو تحقيق السلام إلا أن شروطه الصارمة وعدم الاعتراف بالطرف الآخر كشريك والتمسك بمرجعيات تجاوزها الواقع، ينسفان هذا الخطاب.
رؤية منحازة
شكّل تناول الملف اليمني في إعلان قمة بغداد 2025 امتداداً للرؤية التقليدية التي تتبناها الجامعة العربية منذ اندلاع الحرب العدوانية 2015م، والتي تتسم بالانحياز الكامل إلى "الحكومة" العميلة، وتجاهل القوى الأخرى الفاعلة على الأرض، وفي مقدمتها سلطة صنعاء الوطنية.
أعاد بيان القمة التأكيد على دعم مجلس الخيانة، باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للدولة اليمنية، دون أي إشارة إلى صنعاء، رغم حضورها السياسي والعسكري والإعلامي في المشهد الإقليمي والدولي، خصوصاً بعد طوفان الأقصى. ويكشف هذا الإصرار على الاعتراف الأحادي بالعليمي عن استمرار الرهان العربي التقليدي على المسارات الأممية والخليجية، وتجاهل حركة التحول الفعلية في ميزان القوى داخل اليمن.
الدعوة للسلام وتبني المرجعيات المضادة لها!
بينما دعا البيان إلى تحقيق السلام، فقد قيّد ذلك بالدعوة إلى الحل ضمن إطار "المبادرة الخليجية" و"مخرجات الحوار الوطني" و"القرار الأممي 2216"، وهي مرجعيات لا تتوافق مع الواقع الجديد الذي فرضته سنوات الحرب والتطورات السياسية. وهذا الطرح لا يُقصد به إيجاد تسوية شاملة بقدر ما يعكس تمسكاً بشروط قديمة، لم تُنتج سلاماً فعلياً، بل ساهمت في تعقيد المشهد اليمني وتكريس الانقسام.
تجاهل صنعاء
في كلمته، استخدم رشاد العليمي توصيف "الميليشيات العابرة للحدود" للإشارة إلى أنصار الله (سلطة صنعاء) وحركة حماس، داعياً إلى تصنيف الأولى كمنظمة إرهابية بناءً على توصية سابقة لمجلس القمة العربية، هذه اللغة العدائية أثرت بشكل غير مباشر على البيان الختامي، من خلال إقصاء كامل لصنعاء وتجاهل مبادراتها السياسية، رغم أنها الطرف الميداني الأكثر استقراراً والأكثر تأثيراً على مسار الحرب والسلام، إضافة إلى كونها طرفاً فاعلاً في الجبهة الداعمة لغزة إقليمياً.
غياب الإشارة إلى الواقع الإنساني
خلافاً للقضايا الأخرى التي أُشير فيها إلى الأوضاع الإنسانية (كما في السودان وغزة)، غاب عن بيان القمة أي تعبير واضح عن المأساة الإنسانية في اليمن؛ فلم تتضمن الصياغة أي تعهدات دعم إنساني، أو إغاثي، أو إعادة إعمار، بل اقتصرت على شعارات "دعم تطلعات الشعب اليمني في السلام والتنمية"، دون أي التزام ملموس، ما يعكس انخفاض الأولوية السياسية والإنسانية لليمن في أجندة النظام العربي الرسمي.
الاختزال الأمني للقضية اليمنية
تم اختزال اليمن كملف أمني محصور في "مواجهة الإرهاب" ومفاهيم "استعادة الدولة" التي يطرحها تحالف العدوان، دون الاعتراف بتعقيداته الجيوسياسية، أو ارتباطه بالتحولات الإقليمية، خصوصاً مع تصاعد التوتر البحري، ودور اليمن في الصراع البحري مع "إسرائيل" والولايات المتحدة.
تغاضى البيان عن ذكر هذا الدور، ربما لتجنّب الإحراج أو تفجير التناقضات داخل القمة، فالموقف من اليمن وصنعاء خصوصاً متفاوت من دولة لأخرى ولا يوجد اتفاق على ما يجري في اليمن في الوسط الخليجي وفي الوسط العربي عموماً، ومن أبرز تجليات ذلك اعتراض ابن سلمان على أمير الكويت في القمة الخليجية -الأمريكية الذي أشار إلى صنعاء بوصفها السلطات المعنية في الجمهورية اليمنية، مما يؤكد أن النظام العربي يتعامل مع اليمن بوصفه حقلاً للتوافقات السياسية العربية لا بوصفه قضية على الأرض قضية شعب ودولة تحتاج إلى حل عادل وشامل مستمرة من العام 2015م.
اليمن في الرسالة الروسية والصينية
كان هناك تطرق إلى اليمن في رسالتي الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ أمام القمة العربية الرابعة والثلاثين (بغداد 2025)، تم تناول القضية اليمنية بشكل غير مباشر، ضمن مقاربة أوسع للأزمات الإقليمية، والسياسات الدولية تجاه المنطقة، وفي الكلمة الروسية ذكر اليمن صراحة.
جاءت الإشارة إلى اليمن ضمن فقرة عامة تتناول الأزمات العربية، حيث أكّد بوتين على دعم روسيا لحلٍّ سلمي في اليمن عبر الحوار الوطني، وعلى أساس احترام السيادة ووحدة الأراضي اليمنية. ودعا إلى رفض التدخلات الخارجية، معتبراً أن أي تسوية يجب أن تتم بإرادة اليمنيين أنفسهم دون إملاءات دولية.
لم يذكر بوتين أي طرف يمني بالاسم، واكتفى بإطار عمومي، مما يعكس حرص روسيا على الحفاظ على علاقاتها مع مختلف أطراف الصراع اليمني، بما في ذلك سلطة صنعاء.
الطرح الروسي اتسم بالتوازن والحياد النسبي، وابتعد عن لغة الاصطفاف خلف "الشرعية الدولية" كما تفعل الجامعة العربية. هذا الموقف يعكس سياسة روسيا القائمة على تقديم نفسها كـ"وسيط دولي بديل" للغرب، مع الحرص على إبقاء خطوط تواصل مفتوحة مع جميع القوى، بما فيها أنصار الله والحديث عن وحدة اليمن ورفض التدخلات الخارجية يتسق مع موقف سلطة صنعاء الوطنية.
لم تتطرق الكلمة الصينية بشكل مباشر إلى اليمن، ولكن أكد شي على رفض الهيمنة والتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول، وهو موقف يمكن أن يُفهم ضمنياً كرفض للعدوان الخارجي على اليمن. دعا إلى حلول سياسية للأزمات الإقليمية، ضمن مقاربة شاملة تقوم على التعددية الدولية، والتنمية المشتركة، وأشار إلى استعداد الصين لتعزيز التعاون مع الدول العربية في مجالات البنية التحتية والطاقة والذكاء الاصطناعي، وهو ما يشمل اليمن ضمنياً كموقع جغرافي مهم لمبادرة "الحزام والطريق".
الكلمة الصينية، رغم غياب الإشارة المباشرة لليمن، حملت في طياتها انتقاداً ضمنياً للتدخلات الغربية، ودعوة لتسويات سياسية، وهو ما يتلاقى مع خطاب السلطة الوطنية في صنعاء. ويُفهم الموقف الصيني كمؤشر على رغبة بكين في الحفاظ على سياسة "عدم الانحياز" مع انفتاح حذر على ملفات حساسة مثل اليمن، خصوصاً لما لها من أهمية جيواستراتيجية.
المصدر أنس القاضي
زيارة جميع مقالات: أنس القاضي