تداعيات عودة ترامب على الملفات الساخنة في المنطقة العربية الإسلامية
- أنس القاضي الثلاثاء , 14 يـنـاير , 2025 الساعة 12:08:29 AM
- 0 تعليقات
أنس القاضي / لا ميديا -
الملخص:
انهيار النظام السوري يعيد رسم خريطة «الشرق الأوسط» ويضعف نفوذ إيران الإقليمي ويهدد الاستراتيجية الروسية في البحر المتوسط. فيما تركيا تبرز كقوة مؤثرة في تشكيل مستقبل المنطقة، في حين أن هذه التحولات تخدم المصالح الأمريكية و»الإسرائيلية» بالدرجة الأولى.
عودة دونالد ترامب قد تزيد من اضطراب المشهد العالمي، حيث تتسم سياساته ووعوده بالتناقض، ما يخلق حالة من عدم اليقين في أوروبا وآسيا ومنطقة العالم العربي والإسلامي خصوصا.
في الملف السوري قطفت الولايات المتحدة الثمار وسوف تعززها أكثر، فها هي تسعى لتثبيت تواجدها العسكري في سوريا وهناك أنباء عن مساعي بناء قاعدة عسكرية في منطقة كوباني الكُردية، وسوف تقايض رفع العقوبات بالمزيد من التنازلات من النظام السوري الجديد الملتزم بـ»السلام» مع الكيان الصهيوني.
سقوط النظام السوري وتراجع حزب الله قد يشجع الولايات المتحدة و»إسرائيل» على استهداف إيران. من المرجح أن تعود إدارة ترامب إلى سياسة «الضغط الأقصى» عبر العقوبات والتهديدات العسكرية. ورغم استعداد إيران لمواجهة العقوبات، فقد تُجبَر على تقديم تنازلات في برنامجها النووي. فسيناريوهات التعامل مع إيران تشمل إما تصعيد الصراع أو التوصل إلى صفقة دبلوماسية تحد من دعم إيران لمحور المقاومة.
الاحتلال «الإسرائيلي» حقق مكاسب في غزة عبر السيطرة على محاور استراتيجية وتقسيم القطاع إلى مناطق منفصلة. وإدارة ترامب قد تدعم توسع الاستيطان «الإسرائيلي» وتعميق سياسة التطهير العرقي، ما يعزز أزمة الفلسطينيين، مع عدم استبعاد صفقة محتملة تشمل وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار، لكن من المرجح استمرار الحصار وتقليص الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية.
يسعى ترامب لتطبيع العلاقات بين السعودية والكيان ضمن «اتفاقيات إبراهام». قد تسعى السعودية لتقديم التطبيع كحل للقضية الفلسطينية عبر حل الدولتين، لكن استمرار سياسات الاحتلال يعقد هذا الأمر.
سياسة ترامب تجاه إيران قد تصطدم مع التوجه السعودي للمصالحة مع طهران. الخلاف حول إنتاج النفط قد يعمق التوتر، حيث تسعى الولايات المتحدة لزيادة إنتاجها وتقليص اعتمادها على النفط السعودي. ورغم الخلافات، تظل السعودية ترى في الولايات المتحدة شريكاً استراتيجياً لضمان أمنها.
الملف اليمني يرتبط بتصعيد الملفات الإيرانية والسعودية. الولايات المتحدة قد تزيد من تدخلها في اليمن بسبب تهديدات القوة البحرية اليمنية والتزامها بأمن «إسرائيل»، وتفوقها العسكري في المنطقة.
قد تتبنى إدارة ترامب التصعيد العسكري عبر دول الخليج والمرتزقة اليمنيين، مع استمرار استخدام العقوبات وحروب من أنماط «الجيل الخامس»، كما أن إنشاء تحالف أمني «الناتو العربي» يظل هدفاً أمريكياً وأولوية مقبلة، لكن تحقيقه مرهون بوقف الحرب في البحر الأحمر.
وفي الخلاصة فإن عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تؤدي إلى تصعيد الصراعات الإقليمية، خاصة ضد إيران واليمن، مع منح «إسرائيل» حرية أكبر في توسيع الاستيطان والهيمنة على الأراضي الفلسطينية.
إعادة رسم خارطة المنطقة
إن انهيار نظام الأسد لا يعيد رسم خريطة سوريا فحسب؛ بل إنه يعيد تحديد موازين القوة في «الشرق الأوسط». فقد تراجعت قوة إيران الإقليمية، وتواجه روسيا تحدياً وجودياً لاستراتيجيتها في البحر الأبيض المتوسط و«الشرق الأوسط»، وتبرز تركيا كقوة رائدة في تشكيل مستقبل المنطقة. وهي تغيرات في نهاية المطاف تخدم الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني بشكل رئيس قبل أي أطراف اُخرى.
في ظل هذه الأوقات يبدو أن عودة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في العشرين من هذا الشهر؛ يناير 2025م من شأنها أن تزيد الأمور اضطرابا، مع عالم مضطرب بالفعل!
إيــــران:
بعد سقوط النظام السوري والضربة التي تعرض لها حزب الله، قد ترى الولايات المتحدة والكيان الصهيوني أنها فرصة لتوجيه ضربة لإيران، إلا أن تداعيات مثل هذا الأمر أمنياً على المنطقة والاقتصاد العالمي ستكون كارثية، ومع ذلك يظل سيناريو متوقعا وإن كان ضعيفاً.
من المحتمل إعادة العمل بسياسة الضغط القصوى -تكثيف العقوبات والعمل العسكري على غرار سياسة ترامب في ولايته الأولى- بهدف إجبار إيران على تقديم تنازلات أكبر في المستقبل، هذا المسار هو المحتمل ومن شأنه أن يصب الزيت على النار في منطقة مشتعلة بالفعل، فزيادة الضغوط قد تغلق نافذة للدبلوماسية مفتوحة حالياً.
وقد أشارت إيران إلى أنها سترد على الضغوط الأمريكية بأقصى قدر من المقاومة، مؤكدة أنها مستعدة الآن بشكل أفضل مما كانت عليه أثناء إدارة ترامب الأولى لمواجهة العقوبات. لا شك أن هناك احتمالاً بأن ضعف إيران وعودة الضغط الأمريكي مع صعود ترامب مجدداً إلى الإدارة الأمريكية، قد يدفعها إلى إعادة النظر في عقيدتها النووية.
ومع ذلك فإن سيناريو ثالثا بحدوث تسوية يظل قائماً، فبشكل أو آخر، ومع وجود حكومة إصلاحية في طهران، ونظراً للتحديات الاقتصادية الكبيرة، فقد توافق طهران على صفقة مع الولايات المتحدة على الحد من البرنامج النووي، في مقابل أن تتعهد واشنطن بعدم زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية، ومحاولة ثني «إسرائيل» عن القيام بذلك وفي هذه الحالة فقد يكون من ضمن تفاصيل صفقة كهذه أن تحد إيران من دعم قوى محور المقاومة في المنطقة.
وفي غياب أي تغيير كبير في استراتيجية الولايات المتحدة تجاه إيران -التحرك نحو الحوار المباشر أو الحرب الصريحة- يبدو أن خيارات إدارة ترامب مماثلة لتلك التي واجهت الرئيس جو بايدن. فهل الفوائد التي يمكن جنيها من تشديد العقوبات وتصعيد الصراع مع إيران تستحق تكاليف الانتقام الإيراني؟ وهل هناك ثقة في إمكانية احتواء و/أو إدارة دورة تصعيدية مع إيران، وعدم التسبب في اندلاع حرب نووية إيرانية وتسليحها؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فقد يكون هناك المزيد من الاستمرار في السياسة الأمريكية التي تظل على مسار بايدن في عهد ترامب مع تعديلات طفيفة.
فلسطين:
على الصعيد الجيوسياسي -مع استمرار المقاومة بالطبع- حقق الكيان الصهيوني مكاسب على الأرض، فقد سيطر على محور صلاح الدين «فيلادلفيا» على طول الحدود بين غزة ومصر. كما شقت غزة إلى نصفين عبر ممر «نتساريم»، حيث توجد الآن قاعدة عسكرية ضخمة، وتخطط لتقسيم جنوب القطاع أيضاً. كما حاصرت المنطقة الواقعة شمال مدينة غزة وأفرغتها بالكامل تقريباً، كما وسعت المنطقة العازلة القائمة بالفعل على طول محيط القطاع مع المستوطنات.
من غير الواضح ما هو التغيير الذي قد يحدثه الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب. وفي المجمل، يبدو أن اختياراته الوزارية -من اليمين المتطرف- تميل في الغالب إلى منح الكيان حرية أكبر في التصرف. وقد تدعم الإدارة الأمريكية توسيع التطهير العرقي «الإسرائيلي» في غزة وتعميق ضم الضفة الغربية. ومن شأن مثل هذه السياسة أن تعمق الأزمة.
تفترض حلول أي صفقة لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق الأسرى من الجانبين، انسحاب القوات «الإسرائيلية» أو إعادة الإعمار أو شكل من أشكال الحكم المحلي. وبناءً على حقيقة الحكومة الصهيونية في الكيان والحكومة اليمينية في الولايات المتحدة، فإن الأرجح أن تستمر قوات الاحتلال في غزة ويبقي أغلب الفلسطينيين محاصرين في الجنوب، ويعيشون على المساعدات الإنسانية.
وتدور معركة أخرى في الضفة الغربية، التي يبدو أن «إسرائيل» على استعداد لضمها بمباركة امريكية، فتأمر بهدم المزيد من المنازل الفلسطينية، وبناء المزيد من المستوطنات وحتى بدون الضم الرسمي، سوف يمضي الكيان في هذه الإجراءات التي تكرس الاحتلال والاستيطان بشكل واقعي، وتحول الوجود الفلسطيني إلى تكتلات سكانية متفرقة مطوقة بالمستوطنات.
يرتبط الوضع الفلسطيني في التطبيع الصهيوني مع الكيان، فمازال ترامب يريد من المملكة السعودية تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع «إسرائيل» كجزء من «اتفاقيات أبراهام»، التي تشكل محور سياسته في المنطقة خلال ولايته الأولى. إلا أن السعودية التي تريد تصوير تطبيعها مع الصهاينة كحل للقضية الفلسطينية (حل الدولتين) لا خيانة من المرجح أن تدفع واشنطن للضغط على الكيان من أجل قبول صفقة في غزة وتسليمها للسلطة الفلسطينية.
العلاقات السعودية الأمريكية في مرحلة ترامب
إن المصالحة التدريجية بين محمد بن سلمان وإيران، ورفع السعودية شعار حل الدولتين في فلسطين مقابل التطبيع قد يؤدي إلى توتر بين السعودية والإدارة الجديدة لترامب.
من المرجح أن يطلق ترامب مرة أخرى سياسة «الضغط الأقصى» تجاه إيران، التي يعتبرها جذر كل المشاكل للولايات المتحدة في المنطقة، لا شك أن محمد بن سلمان يوافق على أن إيران المنافس الرئيسي للمملكة السعودية على الهيمنة في منطقة الخليج العربي تشكل التهديد الرئيسي له، لكن السعودية أطلقت سياسة جديدة للمصالحة الحذرة، بدلاً من المواجهة المباشرة مع إيران، وهي مرتبطة بضرورات الاستقرار من أجل طموحاتها الاقتصادية ومشاريع «رؤية 2030»، تظل هذه نقطة خلاف في حال لم تغير السعودية من سياستها.
إن القضية الأخرى التي قد تثير خلافاً هي إنتاج النفط. فالولايات المتحدة تنتج بالفعل أكبر كمية من النفط مقارنة بأي دولة أخرى في العالم (أكثر من 13 مليون برميل يومياً). وهذا يزيد بنحو أربعة ملايين برميل عن إنتاج المملكة السعودية اليومي حالياً. ويريد ترامب زيادة إنتاج الولايات المتحدة وصادراتها بشكل كبير. وهذا من شأنه أن يزيد من حدة المنافسة بين البلدين على حصة السوق.
من الواضح أن سياسات محمد بن سلمان وترامب في «الشرق الأوسط» تتعارض بشكل متزايد، إلا أن هناك عوامل اقتصادية قد تلعب دوراً في التقارب وهي استثمارات عائلة ترامب المتوسعة في السعودية. مع عدم إغفال أن السعودية تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية المدافع الأول عن أمنها والشريك الاستراتيجي في هذا المجال رغم كل التقاربات مع روسيا والصين والتهدئة مع إيران.
الوضع في اليمن
الملف اليمني للإدارة الأمريكية الجديدة متشابك مع نظرتها للملف الإيراني والملف السعودي، فالتصعيد في هذه الملفات سينتقل بصورة مباشرة إلى التصعيد في اليمن.
ورغم هذا التشابك فإن الولايات المتحدة بات لها دوافع جديدة في التدخل في الشأن اليمني سواء عسكريا بشكل مباشر أو بطرق أُخرى وهذه الدوافع متعلقة بالمستجدات، فالقوة البحرية اليمنية مستجد غير مقبول بالنسبة للولايات المتحدة ويهدد طغيانها وتوسعها الاستعماري في نقطة باب المندب، والمستجد الآخر متعلق بأمن الكيان الصهيوني، فالتهديد اليمني لـ«تل أبيب» هو الآخر غير مقبول بالنسبة لأمريكا وتجاوز لموازين القوة في المنطقة التي رعتها وهندستها سابقاً، هذا الأمر يجعلها على المستوى الاستراتيجي ضد تنامي القوة اليمنية، ويحفز من دوافعها العدوانية العسكرية في الوقت الراهن.
وفي حالة عدم وجود تصعيد سوف تستمر الحرب ضمن آليات حروب الجيل الخامس عبر الجماعات التكفيرية والعقوبات الاقتصادية والنشاط الاستخباراتي ودعم مشاريع تجزئة اليمن وتفجيرها من الداخل شطريا ومناطقيا والعمل على تفجيرها طائفياً إلا أن البُعد الطائفي في اليمن ضعيف والعصبية الأكبر في اليمن هي الشطرية والمناطقية والجهوية.
مع وجود هذه الحوافز العدوانية الجديدة ضد اليمن التي لم تكن بهذه القوة في العام 2015م فإن أي تصعيد جديد في المنطقة وخلاف مع إيران يجعل الولايات المتحدة أقرب إلى شن عدوان جديد على اليمن بواسطة دول الخليج أو المرتزقة اليمنيين بصورة مباشرة.
فتصعيد الولايات المتحدة ضد اليمن في فترة ترامب محتمل بشكل قوي، فترامب شخصية مغامرة ومقامرة إذا وجد أن المقابل المادي الخليجي سيكون كبيراً فلن يتردد في التصعيد ضد اليمن، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مشاركة قوات أمريكية براً هو احتمال ضعيف.
على الصعيد الأمني فإن الأكثر واقعية، هو عودة إدارة ترامب إلى صيغة «الناتو العربي» في المنطقة والبحر الأحمر، العودة إلى بناء تحالف أمني يضم دول الخليج ودول البحر الأحمر إضافةً إلى الكيان الصهيوني، مثل هذا التحالف سيكون من الأولويات الأمريكية المقبلة، إلا أن استمرار الحرب الراهنة في البحر الأحمر يعوق تحقيقه ويمثل حرجا للدول الأطراف، وعقب توقف الحرب سوف يكون من الممكن التقدم في ملف «الناتو العربي».
المصدر أنس القاضي
زيارة جميع مقالات: أنس القاضي