أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
التغيير الجذري في العمل الحكومي في اليمن ضرورة لا بد منها، اليوم أو غداً، في صنعاء منفردة اليوم، أو في ظل حكومة وحدة وطنية غداً، ومادام أن الحكومة الوطنية في صنعاء بدأت في هذا المسار، وسُمي رئيس الوزراء برئيس «حكومة التغيير والبناء»، فلا بد من دعم هذا التوجه، وهناك قضايا عديدة، يجب أخذها بعين الاعتبار، في ما يتعلق بالتغييرات.

لماذا يجب دعم مسار التغيير؟
دعم التغيير الجذري، وتحقيقه على نحو أعمق، سيساهم في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، وهو أمر ضروري للخروج من دوامة الصراع والفقر. كما أن إصلاح الحكومة سيعزز ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، مما يسهم في تعزيز الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي.
التغيير الجذري في السياسات الحكومية سيفتح الباب أمام التنمية المستدامة، وتحسين حياة المواطنين على المدى الطويل. كما أن إصلاح النظام القضائي والمؤسسات العامة سيضمن تحقيق العدالة والمساواة، مما يعزز السلام الاجتماعي. بشكل عام، دعم مسار التغيير الجذري هو السبيل الوحيد لليمن للخروج من أزماته الحالية والبدء في بناء مستقبل أفضل لأبنائه وتقيق الوحدة الوطنية والمصالحة والشراكة في ظل السيادة الوطنية.

تغييرات في الشخوص أم النُظم؟
التغييرات ضرورة، لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة، فهل التغيير في الشخصيات أم النُظم؟ في الدول النامية، بما في ذلك اليمن، التغيير المطلوب غالباً ما يكون في الأمرين معاً، تغيير في الشخصيات والنظم وأساليب الحكم، لأن الفشل يعتري الشخصيات والنُظم معاً.
تغيير الشخصيات ضروري عندما يكون القادة الحاليون غير قادرين على تلبية احتياجات الشعب أو عندما يكونون متورطين في الفساد وسوء الإدارة والفشل، كما أن تجديد القيادات يمكن أن يجلب أفكاراً جديدة ونظرة مختلفة للتحديات التي تواجه البلاد، مما يساعد في إحداث تغيير إيجابي، خصوصاً مع إعطائهم الصلاحيات الكاملة في العمل، الصلاحيات التي بناءً عليها يُمكن محاسبتهم لاحقا.

النظم وأساليب الحكم
مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية التغييرات في الشخصيات للجوانب السالف ذكرها، لكن التغيير في النظم وأساليب الحكم هو الأساس لتحقيق التحول الجذري. النظم السياسية والإدارية التي تعاني من القصور والفساد تحتاج إلى إصلاحات عميقة لضمان أنها تعمل بكفاءة وتحقق العدالة.
بدون تغيير أساليب الحكم لتعزيز الشفافية والمساءلة، فإن تغيير الشخصيات وحده قد لا يكون كافياً، الهياكل النظامية يجب أن تدعم القادة الجدد وتمنحهم الأدوات اللازمة لإحداث الفرق.
الشخصيات الجديدة التي تتمتع بالكفاءة والنزاهة تحتاج إلى نظم حكم حديثة وفعالة لتكون قادرة على تطبيق سياسات ناجحة، بالمثل فالنظم التي تم إصلاحها تحتاج إلى قيادات كفؤة لتشغيلها بفعالية.
تغيير الشخصيات فقط بدون إصلاحات هيكلية يمكن أن يؤدي إلى تغيير سطحي أو مؤقت، بينما إصلاح النظم فقط بدون تغيير في القيادات قد يؤدي إلى استمرار الوضع الراهن بنفس المشاكل.
بناءً على ذلك فإن التغيير المطلوب في الدول النامية مثل اليمن هو تغيير شامل يتضمن إصلاح النظم وأساليب الحكم بالتوازي مع استبدال الشخصيات القيادية الفاسدة أو غير الكفؤة. هذا التغيير المتكامل ضروري لتحقيق تقدم حقيقي ومستدام يلبي تطلعات الشعب في التنمية والعدالة والاستقرار.

لماذا التغييرات الجذرية ضرورية؟
الاقتصاد اليمني في حالة انهيار مستمر، مما أدى إلى زيادة الفقر والبطالة. الإصلاحات الاقتصادية الجذرية ضرورية لوقف التدهور واستعادة الثقة في الاقتصاد.
ارتفاع قيمة السلع الأساسية والخدمات يجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة للمواطنين، ويتطلب سياسات حكومية جديدة وأكثر فاعلية لضبط الأسعار وتوفير الدعم.
الفساد المستشري في مختلف مؤسسات الدولة -أيا كانت مستوياته- يعوق التنمية ويؤدي إلى سوء إدارة الموارد العامة. التغيير الجذري مطلوب لإنشاء آليات فعالة لمكافحة الفساد وضمان الشفافية.
المؤسسات الحكومية تعاني من ضعف الكفاءة وعدم القدرة على تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، الوزارات والشخصيات التي لا يوجد إمكانية للفساد فيها لعدم وجود موارد كبيرة هي فاشلة والنتيجة ذاتها، لذا فإن إصلاح هذه المؤسسات ضروري لضمان تقديم خدمات فعالة وتحقيق العدالة.
تداخل الصلاحيات وازدواجية السلطات المحلية والمركزية وبين دواوين الوزارات والهيئات التابعة لها في مختلف الجهات الحكومية تؤدي إلى الفوضى وعدم الفاعلية في إدارة شؤون الدولة. التغيير الجذري سيساعد في توحيد الصلاحيات وتحديد المسؤوليات بوضوح.
النظام القضائي في اليمن يعاني من مشاكل جمة، بما في ذلك عدم الاستقلالية والتأثيرات السياسية من قبل السُلطة والأحزاب، فالتغيير الجذري مطلوب لإصلاح النظام القضائي وضمان تطبيق العدالة.
اليمن يعاني من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، مع نقص الغذاء والدواء، تغيير الحكومة بشكل جذري يمكن أن يساعد في توفير استجابة أكثر فاعلية لهذه الأزمات.
القطاعات الأساسية مثل التعليم والصحة تحتاج إلى إصلاحات جذرية لضمان حصول جميع المواطنين على الخدمات الضرورية.
اليمن بحاجة إلى سياسات تنموية طويلة الأمد تركز على إعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية بشكل مستدام. التغيير الجذري ضروري لتحقيق هذه الأهداف.
تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمار الأجنبي والمحلي يتطلب تغييرات جذرية في سياسات الحكومة وضمان استقلالية القضاء والشفافية والعلنية وإتاحة التنافس للجميع.

المهام الملحة للحكومة الجديدة
لتكون حكومة التغيير والبناء فعالة للشعب اليمني، هناك عدة تغييرات وإصلاحات ضرورية يجب أن تركز عليها، في ضوء التحديات الاقتصادية والمؤسسية الراهنة:
- فتح قنوات للحوار المستمر مع المواطنين، النقابات الاتحادات، والقرب من الشرائح والطبقات الاجتماعية المنتجة لاستيعاب مشكلاتهم والاستجابة لمطالبهم التي تحفزهم على الإنتاج وتحل مشاكلهم اليومية التي تعوق نشاطهم الإنتاجي والخدمي، من المزارعين والعمال والموظفين في القطاعين العام والخاص، فهم من يقومون بالإنجاز في المجالات الخدمية وفي الأعمال المكتبة الحكومية وفي حقول الإنتاج الاقتصادية الصناعية والزراعية والخدمية، لهذا فإن الارتباط بهم إحدى الأولويات، ولا يُمكن دونهم تحقيق النجاح.
- فتح قنوات حوار والقرب من الاتحادات والروابط العلمية والثقافية والفكرية والفنية، وذوي الخبرات والمهارات والمعارف الجديدة، وفي مقدمة ذلك الجامعات ومراكز الدراسات والبحوث، والاستفادة من هذه المعرفة العلمية ليكون نشاط الحكومة أكثر فاعلية وقائما على أساس العلم والخبرة لا التجريب.
- الأولوية إعادة صرف الرواتب للموظفين الحكوميين لضمان استقرارهم الاقتصادي، فبدون صروف رواتب وتجاوز هذه التحديات التي فرضها تحالف العدوان، فإن الموظف الحكومي لن يكون قادراً على العطاء وتحسين جودة العمل.
- إعادة النظر في النظام الضريبي والجبايات المتكررة تحت أكثر من اسم -التي لطالما رفض وجودها قائد الثورة- التي تزيد العبء على المواطنين، مع تحسين جمع الإيرادات بشكل عادل وشفاف.
- تطوير برامج لتحفيز القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة، وتوفير تسهيلات للشركات الصغيرة والمتوسطة، وحماية الإنتاج المحلي والرقابة على تطبيق مختلف القوانين التي أقرت في ظل الحكومة السابقة، وجرى اختراقها.
- إصلاح القضاء وتحصين القضاة من الضغوط المختلفة لضمان عدالة نزيهة وفعالة.
- دعم مؤسسات الرقابة والمحاسبة لمكافحة الفساد وإعطاؤها الصلاحيات القانونية تكون مسؤولة عن التحقيق والملاحقة في قضايا الفساد داخل مؤسسات الدولة.
- إنهاء الازدواجية في عمل المؤسسات والهيئات الحكومية والسلطات المحلية وضمان أن كل مؤسسة تعمل ضمن اختصاصاتها المحددة.
- الاستثمار في إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، مثل الطرق، والمياه، والكهرباء، والمستشفيات.
- تحسين خدمات الصحة والتعليم، وضمان وصولها لجميع المواطنين في مختلف المناطق.
- الالتزام التام بتطبيق القانون والدستور -مع العمل على إصلاح النظام القضائي- لضمان العدالة والمساواة.
- دعم آليات المحاسبة والمساءلة لضمان أن المسؤولين الحكوميين ملتزمون بأداء واجباتهم بأمانة وفاعلية.
- الالتزام بالعمل على تحقيق المصالحة الوطنية وإعادة بناء الثقة بين مختلف مكونات المجتمع اليمني وقواه السياسية، والاستمرار في التفاوض مع الطرف الآخر من أجل فتح الطرقات وإعادة تصدير النفط وتوظيف عائداته لخدمة المواطن وفي مقدمة ذلك تسليم الرواتب، مسار التقارب مع الطرف الآخر مهم في مواجهة الضغوط الخارجية لإيقاف عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة وسلطنة عمان.
- تبني سياسات تعالج آثار الحرب العدوانية وما ارتبط بها من أضرار داخل المجتمع اليمني وتعزز السلام والاستقرار.
هذه التغييرات، إذا نفذت بشكل جاد وفعّال، يمكن أن تضع الحكومة على طريق تحقيق التنمية المستدامة وتحسين حياة المواطنين.

معايير اختيار الحكومة وما يجب أن تكون قادرة عليه:
- يجب أن تكون التعيينات في الحكومة والمؤسسات الحكومية على أساس الكفاءة والخبرة، وليس على أسس سياسية أو قبلية أو شطرية أو معايير القرابة.
- يجب أن يكون المرشحون معروفين بنزاهتهم واستقامتهم، مع عدم وجود شبهات أو اتهامات بالفساد أو سوء الإدارة.
- يجب أن يتمتع الوزراء بالاستقلالية في قراراتهم، بعيداً عن الضغوط أياً كان مصدرها.
- تبني موقف حيادي يتماشى مع مصالح الشعب ككل وليس خدمة لفئة أو جهة محددة.
- يفضل أن يكون لدى المرشحين سجل من الإنجازات والنجاحات في مجال عملهم، سواء في القطاع العام أو الخاص.
- يجب أن يكون الوزراء قادرين على العمل معاً بتناغم بشكل جماعي لتحقيق أهداف الحكومة المشتركة، مع الالتزام بخطط وبرامج واضحة ومحددة، فقد شهدت الحكومة السابقة تعارضات بين الوزراء، وبين الوزير ونائبه، وغيرها من الإشكالات.
- القدرة على التواصل بفاعلية مع الشعب، وتوضيح السياسات الحكومية والقرارات بطريقة واضحة ومفهومة، وتجنب التكبر على الشعب وتجاهله وعدم إيلائه اهتماما كما كان عليه وضع الحكومة السابقة.
- الالتزام بتنفيذ خطة عمل وطنية واضحة تلبي احتياجات وتطلعات الشعب اليمني في مختلف المجالات.
- الالتزام بإجراء الإصلاحات الهيكلية اللازمة في المؤسسات الحكومية والاقتصاد، مع القدرة على اتخاذ قرارات صعبة عند الحاجة.
- الاستعداد لتعديل السياسات والاستراتيجيات بناءً على التطورات والظروف المستجدة.
إذا تم اختيار الحكومة بناءً على هذه المعايير، يمكن أن تكون أكثر قدرة على تحقيق التغيير الحقيقي وتلبية تطلعات الشعب اليمني.

أترك تعليقاً

التعليقات