أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
خلال الفترة الممتدة من 4 إلى 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2025م، شهد المشهد اليمني تصعيداً متدرجاً ومنسقاً من قبل قوى العدوان بقيادة الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، وبمشاركة مباشرة من بريطانيا وفرنسا وتركيا (بشكل طفيف)، ضمن مسعى واضح لإعادة تشكيل أدوات السيطرة في المناطق المحتلة.
يأتي هذا التحرك في محاولة إحياء مشروعه القديم بوسائل جديدة تجمع بين الوصاية الدبلوماسية، والإدارة الاقتصادية، والتغلغل الأمني، وهو مشهد مكثف والعمل فيه حثيث مقارنة بعلاقة المرتزقة بقوى العدوان في الربع الأول من مطلع هذا العام.
ويعبّر هذا المسار عن مرحلة جديدة من إعادة تدوير مشروع الوصاية الغربية على اليمن، بحيث تُربط «الشرعية» العميلة بالدعم المالي والتنموي مقابل فتح الموارد الوطنية أمام الشركات الأجنبية، في موازاة إعادة هندسة المشهد السياسي داخل مجلس القيادة العميل تحت رعاية مباشرة من دول الخماسي، بعد أزمة داخلية مطلع هذا الشهر كادت تؤدي به.

تحديد المشكلة
تتمثل المشكلة المركزية في أن تحالف العدوان يسعى إلى ترميم كيان الحكومة العميلة بوصفها أداة سياسية واقتصادية وظيفية، من خلال دمج المسارات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية في مشروع واحد هدفه إعادة تأهيل الحكومة العميلة لأي مسار سياسي تفاوضي أو عسكري إذا تدهور الوضع.
تُستخدم الحكومة العميلة في هذا السياق كواجهة محلية لتسويق مشاريع استعمارية جديدة تشمل:
- إعادة تدويل الملف اليمني عبر بوابة حقوق الإنسان والسرديات الأمنية.
- إحياء الدور الغربي المباشر في الجنوب والشرق مع تلميحات بالاستثمار المزعوم في النفط والغاز.
- توسيع الوصاية الأمريكية على المؤسسات الأمنية والإدارية بذريعة «التطوير الفني».
- شرعنة الحصار الاقتصادي تحت لافتة «الإصلاحات المالية» بإشراف صندوق النقد الدولي.
بذلك، يتحول النشاط المكثف في المحافل الدولية والمناطق المحتلة إلى مقدمة سياسية واقتصادية لمرحلة جديدة، ضمن تحركات إقليمية ضد المقاومة في غزة وحزب الله، حيث يُدار اليمن المحتل كإقليم تابع ضمن منظومة نفوذ غربية -خليجية مشتركة.

تحليل الموقف الراهن المسار السياسي والدبلوماسي
يواصل تحالف العدوان في هذا الأسبوع عبر تصعيد سياسي منسق في جنيف وباريس وعدن، سعيه إلى تدويل الملف اليمني وتثبيت صورة «الحكومة الشرعية» كطرف قابل للتمويل والدعم.
في جنيف، شنّت الحكومة العميلة هجوماً إعلامياً على صنعاء مستخدمة ملف المعتقلين الأمميين وحقوق الإنسان، بينما أعاد وزير إعلامها في باريس سردية «الأسلحة الكيميائية والبيولوجية»، لتبرير تدخلات جديدة ضد اليمن تحت ذريعة «الخطر العالمي».
يتكامل هذا الخطاب مع مسار دبلوماسي نشط لدول الخماسية التي تشرف على إعادة تشكيل الحكومة العميلة ومحافظي المحافظات المحتلة (وهو أمر مرجح)، بما يجعلها أكثر قابلية للضبط والتمويل، ويعيد توظيفها في أي تفاوض قادم كواجهة محلية تخدم المصالح الغربية.
إلى جانب هذا المسار، برزت تحركات غربية جديدة في عدن في التاسع من أكتوبر، تمثلت في لقاء رئيس الحكومة العميلة بالسفيرتين البريطانية والفرنسية:
- أكدت لندن استمرار دعمها السياسي للمرتزقة، مقابل «عرض اقتصادي» قدّمه العملاء لتسويق إنجازات نسبية، بهدف الحصول على تمويل إضافي. ويكشف اللقاء عن عودة بريطانيا إلى ممارسة دورها التاريخي كـ»وصي استعماري» على الجنوب، من خلال التحكم في قنوات الدعم المالي والفني.
- أما اللقاء مع السفيرة الفرنسية فقد تناول فتح باب الاستثمارات الفرنسية، وعلى رأسها شركة توتال، التي تسعى لإعادة السيطرة على حقول الغاز في مأرب وشبوة، ضمن أطماع باريس القديمة المتجددة. وهو ما يعكس انتقال الدور الفرنسي من المراقبة إلى المشاركة النشطة في نهب الموارد اليمنية.
- بالتوازي، عقد عضو مجلس القيادة العميل سلطان العرادة لقاءً مع السفير التركي الذي أعلن دعم بلاده لليمن، غير أن اللقاء يُقرأ كجزء من تحرك تركي موازٍ لدعم جناح حزب الإصلاح في مأرب، إضافة لرعاية تركيا مكون ما يسمى بـ«التحرير والتغيير» المشكل في حضرموت ومنافسة النفوذ السعودي -الإماراتي. وهكذا تتبدّى ساحة مأرب كساحة تنافس بين رعاة متعددين يتقاطعون في الهدف ويختلفون في النفوذ.

المسار الاقتصادي -المالي
برز هذا الأسبوع مسار اقتصادي شديد الترابط مع التحركات السياسية. فقد أعلنت السعودية عن تقديم دعم مالي جديد بقيمة 368 مليون دولار وُصف بأنه «إنساني» إلى جانب مليار و300 مليون دولار في وقت سابق، بينما هو في جوهره عملية إنقاذ سياسي لمجلس العليمي بعد تفاقم أزماته الداخلية.
يتزامن هذا الدعم مع لقاءات بين الحكومة العميلة وصندوق النقد الدولي، الذي أعاد تفعيل مسار «الإصلاح المالي» في المناطق المحتلة، عبر شعارات تحسين الإيرادات وإدارة الدين العام، وهي في حقيقتها وسائل لتكريس التبعية الاقتصادية ونوع من محاولة ايقاف تبديد المرتزقة للموارد وحماية المنح من النهب لتؤدي الوظيفة الاقتصادية العدوانية المنوط بها.
بذلك، يتكرس ما يمكن وصفه بثالوث الهيمنة الاقتصادية:
- السعودية والإمارات: التمويل والإشراف الميداني.
- الولايات المتحدة: التوجيه السياسي والرقابة على السياسات النقدية.
- صندوق النقد الدولي: الإطار الفني لتشريع هذه السيطرة.
وتُستخدم هذه الأدوات مجتمعة لإدامة الحصار الاقتصادي على صنعاء، وخلق نموذج اقتصادي بديل في المناطق المحتلة يخضع بالكامل للمحور الغربي -الخليجي.

المسار الأمني والإداري والعسكري
أظهرت الأحداث الأخيرة اتساع نطاق الوصاية الأمريكية المباشرة على الأجهزة الأمنية والإدارية للحكومة العميلة، من خلال لقاءات متتابعة بين السفير الأمريكي ووزير الداخلية ورئيس مصلحة الهجرة والجوازات.
تتركز هذه اللقاءات حول مشاريع «البطائق الإلكترونية» و«التأشيرات الرقمية»، وهي مشاريع تبدو مدنية لكنها في جوهرها أنظمة مراقبة وتجسس رقمية تمنح واشنطن وصولاً مباشراً إلى بيانات المواطنين اليمنيين، وتعيد إنتاج شبكات السيطرة التي أزالتها ثورة 21 أيلول/ سبتمبر 2014.
كما تم استدعاء خطاب «مكافحة الإرهاب وتهريب الأسلحة والمخدرات» لتبرير هذا التغلغل، بينما الهدف الحقيقي هو إعادة هندسة منظومة الرقابة الأمنية في المناطق المحتلة بإشراف أمريكي كامل.
ميدانياً، تواصل الإمارات تعزيز حضورها العسكري والاستخباراتي في الساحل الغربي من خلال مشروع «مطار المخا الدولي»، وهو جزء من المشروع البحري الإماراتي -«الإسرائيلي»  المشترك الهادف إلى السيطرة على الممرات البحرية الحيوية، وتكريس واقع التجزئة الجغرافية للسواحل اليمنية.

المسار الإعلامي والحقوقي
تكثفت هذا الأسبوع الحملات الإعلامية الغربية والأممية حول ملفات «حقوق الإنسان» و«الموظفين الأمميين المعتقلين»، بالتزامن مع تضخيم مزاعم «التهريب الإيراني» عبر السودان والبحر الأحمر.
يهدف هذا الخطاب إلى تهيئة الرأي العام الدولي لأي تصعيد عسكري ضد ميناء الحديدة، وإلى تبرير الإجراءات الاقتصادية العدوانية ضد صنعاء تحت غطاء «المساءلة الحقوقية».
كما شهد الخطاب الغربي تحريضاً متزايداً من مراكز الأبحاث الأمريكية - الصهيونية (خصوصاً مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات)، التي دعت إلى تصنيف أنصار الله «جماعة إرهابية»، في محاولة لتقنين الحرب السياسية والاقتصادية ضد اليمن.
يتكامل هذا النشاط الإعلامي مع مشروع «إعادة تدوير» للحكومة العميلة، بحيث تُقدَّم كطرف متعاون مع المجتمع الدولي في مقابل «سلطة متمردة»، في استعادة واضحة للخطاب الاستعماري التقليدي.

تقدير التهديدات
1. تدويل جديد للملف اليمني تحت غطاء إنساني -أمني، بما يمهّد لقرارات أو عقوبات جديدة ضد صنعاء.
2. تغلغل استخباراتي أمريكي مباشر في الأجهزة الإدارية للمرتزقة، يمنح واشنطن قدرة على التحكم بالبيانات والسياسات.
3. انبعاث النفوذ البريطاني والفرنسي عبر البوابة الاقتصادية، بما يعيد تقسيم الجنوب والشرق إلى مناطق نفوذ غربية -خليجية متداخلة.
4. تصاعد التنافس التركي -الخليجي في مأرب وشبوة وحضرموت، وهو ما يُنذر بإعادة إنتاج صراعات محلية خاضعة لتوازنات خارجية.
5. تهيئة ميدانية ودعائية لاستهداف الحديدة بذريعة تهريب الأسلحة والمخدرات.
6. شرعنة الحصار الاقتصادي من خلال صندوق النقد الدولي والدعم الخليجي المشروط.
هذه التهديدات مجتمعة تعبّر عن التغيرات في أساليب العدوان من العسكري إلى الاقتصادي والأمني والمؤسسي، بهدف إحكام السيطرة على القرار الوطني والسيادة المالية والبحرية.

النتائج: تحوّل في طبيعة العدوان
تشير الوقائع إلى أن مشروع العدوان على اليمن انتقل إلى مرحلة جديدة تسعى لإعادة إنتاج منظومة التبعية القديمة بالتزامن مع اعادة تأهيل الحكومة العميلة -بوصفها الوكيل المحلي- لتكون جاهزة لأي مسار تفاوضي سياسي أو ربما مسار عسكري إذا تدهورت الأوضاع.

تدويل جديد للملف اليمني
أصبح الملف اليمني جزءاً من الحزمة الغربية في التعامل مع محور المقاومة، حيث يجري توظيف الخطاب الحقوقي والإنساني كأداة سياسية لتبرير العقوبات وتهيئة الأرضية للتصعيد، وربطها بأجندة دولية تخدم مصالح واشنطن ولندن وباريس.

توسّع الوصاية الاقتصادية والمالية
المسار الاقتصادي الذي تقوده السعودية والإمارات تحت مظلة صندوق النقد الدولي يقوي اقتصاد عدن ويشرعن الحصار على صنعاء، فله طابع مزدوج تنموي في عدن، وسياسي نحو صنعاء كوسيلة ضغط وكآلية لتكريس انقسام الموارد بين صنعاء والمناطق المحتلة.

تغلغل استخباراتي وهيمنة أمنية أمريكية
المشروعات الأمنية والإدارية مثل «البطائق الإلكترونية» و»التأشيرات الرقمية» تمثل إعادة بناء لشبكة الرقابة الأمريكية داخل المؤسسات اليمنية، بما يمنح واشنطن وصولاً مباشراً إلى بيانات المواطنين، ويعيد إنتاج منظومة السيطرة التي أسقطتها ثورة 21 أيلول/ سبتمبر.

عودة النفوذ الأوروبي بأشكال اقتصادية
تسعى بريطانيا وفرنسا لاستعادة نفوذهما التقليدي في الجنوب والشرق اليمني من خلال مشاريع «الاستثمار» النفطي والغازي، والحضور عبر قوات البحرية العميلة.

صراعات النفوذ بين رعاة الاحتلال
يتجلى في مأرب وشبوة وحضرموت تنافسٌ بين تركيا والسعودية والإمارات، ما ينذر بإعادة إنتاج صراعات محلية تخدم توازنات الخارج.

تهيئة ميدانية ودعائية لاستهداف الساحل الغربي
التصعيد الإعلامي حول «التهريب الإيراني» المزعوم، وملفات حقوق الإنسان يشير إلى نية مبيتة لاستهداف ميناء الحديدة وإعادة خنق صنعاء اقتصادياً، في سياق تصعيد إقليمي متزامن مع الضغوط على حزب الله والمقاومة الفلسطينية.

الترابط مع الصراع الإقليمي
كل ما يجري في اليمن المحتل مرتبط عضوياً بالمسرح الأوسع في المنطقة، إذ يُدار الملف اليمني اليوم ضمن منظومة الضغط على محور المقاومة، ويُستخدم الجنوب اليمني كقاعدة بحرية واستخباراتية لدعم المشروع الأمريكي - «الإسرائيلي» في البحر الأحمر وباب المندب.

أزمة داخلية في معسكر العدوان
رغم هذا الحراك الخارجي المكثّف، تعاني الحكومة العميلة من تفكك داخلي وفقدان للثقة بين مكوناتها، ما يجعلها عاجزة عن الاستقلال الذاتي، ويؤكد أن كل محاولات ترميمها ليست سوى محاولة لإطالة عمر مشروع الوصاية الغربية.

الخلاصة العامة
إن مجمل التطورات خلال الأسبوع الأول من أكتوبر 2025م تعكس ميلا عاما لتحالف العدوان إلى مرحلة «إدارة الاحتلال» بدلاً من خوضه، وتؤكد أن الهدف المركزي هو إحكام السيطرة على القرار السيادي والموارد الاقتصادية والبيانات الوطنية، مع ربط اليمن المحتل بالتحالف الغربي -الصهيوني في معركته الشاملة ضد محور المقاومة.

أترك تعليقاً

التعليقات