واقع الحركة النسوية اليمنية في ظل العدوان 2 - 2
- أنس القاضي الأثنين , 19 أغـسـطـس , 2019 الساعة 6:23:04 PM
- 0 تعليقات
أنس القاضي / لا ميديا -
كغيرها من اللافتات استغلت «المسألة النسوية» للطعن في السُلطة الوطنية في صنعاء خدمةً للعدوان؛ وقد ظهرت طوال فترة الحرب العدوانية كثير من المسائل التي تم إثارتها وتسويقها كقضايا حقوقية ومظلوميات نسوية، وتوجيه السخط ضد المدافعين عن الوطن في ظل صمت مُخزٍ عن جرائم تحالف العدوان ومرتزقته بحق المرأة اليمنية. كما يتم العمل على خلق صورة ظلامية عن أنصار الله، تماثلهم بالجماعات المتطرفة، ليُبرر الموقف النسوي ضدهم، «كـ«أعداءً لحرية المرأة».
المرأة والحوار والمفاوضات والكوتا!
توسيع المشاركة السياسية للمرأة إحدى قضايا المرأة المشروعة والصائبة والهامة للحياة، ولا شك فيها، وهي حق مكفول شرعا وقانونا ومنطقا تاريخيا. إلا أنه حتى هذه القضية المشروعة يتم التعامل معها وفق المفهوم الغربي الليبرالي، ويتم تحقيقها بطريقة خاطئة، وإفراغ هذه المسألة أو القضية من مضمونها التقدمي.
في مؤتمر الحوار الوطني تم الفرض على مختلف المكونات أن يعطوا المرأة نصيباً من المشاركة، أي تم قسر الأحزاب على مسألة ربما ليست من ضمن أدبياتهم، وهو الأمر الذي أدى عمليا إلى أن وجدت نساء من المشاركات في مؤتمر الحوار وقفن ضد حقوق المرأة المشروعة، في قضايا هامة كقضية زواج القاصرات على سبيل المثال، فيما وقف كثير من الرجال في التصويت لصالح قضايا المرأة الواقعية.
من تجربة "مؤتمر الحوار" يتضح أنه ليست كل امرأة مدافعة عن حقوق المرأة. كما يبين المؤتمر بوضوح أن القضايا التي طرحت ما هي إلا قضايا سياسية، وكان موقف الرجال والنساء منها موقفاً سياسياً ملحقاً بالموقف العام والرؤية التي طرحها هذا المكون المعين حين شارك في الحوار. فالموقف السياسي للمرأة هو موقف سياسي يمكن أن يكون ضد مصالحها، كما يمكن أن يتفق مع مصالحها، وليس موقفاً فسيولوجيا غريزيا يؤيد مصالح المرأة وحقوقها، فتكون المعادلة كالتالي: "كلما شاركت النساء بشكل أكبر كان لحقوق المرأة ثقل في التصويت". هذه الفرضية أثبت الواقع زيفها!
مسألة الكوتا للمرأة، "كتمييز إيجابي" كما تم تسميته، هي أيضا مبنية على المنطق الخاطئ ذاته، والواقع يقول بأنه إذا تم تعيين امرأة في موقع سياسي أو إداري معين، فإنها إذا لم تكن ذات كفاءة وكانت فاسدة فلن يكون أداؤها مفيداً للمرأة ولا للرجل، ولن يختلف عن أداء الرجل. فالكفاءة هي المعيار وتتنافس وفقه المرأة والرجل معاً، لا حاجة للكوتا المبنية على حصة مكفولة قانونياً للمرأة كنوع فسيولوجي.
ومع ذلك فبعض المواقع الإدارية قد تتطلب أن تقوم عليها امرأة، خاصة تلك التي تمس بصورة مباشرة النساء في الحياة العامة، فتتطلب أن تقوم عليه إداريا امرأة لتكون أعمق فهما لحاجات شقيقاتها وتكون الإجراءات العملية خفيفة على النساء أنفسهن ولا يجدن حرجاً وثقلاً. وهذا الأمر لا يحتاج إلى كوتا، بل يحتاج إلى رؤية حكومة مؤسسية موضوعية تضع كل موظف وموظفة في المنصب الإداري المناسب.
جريفيتث والمرأة
كان من السخرية، بعد عرقلة المفاوضات السياسية، أن يقوم جريفيتث بالتواصل مع نساء يمنيات وعقد "مؤتمر وسيطات السلام" (مارس 2019)، والإطراء على دورهن في صون السلام وضرورة مشاركتهن... إلى آخر المجاملات الدبلوماسية. لكن السؤل هو: هل تعرقلت التسوية السياسية والمفاوضات لأن المشاركين فيها ذكور وليسوا إناثاً؟ وهؤلاء النساء هل هن قادمات من خارج الانقسام السياسي الموقفي في اليمن، الانقسام الذي تعمم على الذكور والإناث معا؟
والسؤل الأهم هوَ: هل القضايا التي تطرح في المفاوضات والتي يتوقف عليها حل الأزمة هي قضايا سياسية، أم قضايا فسيولوجية، التي يمكن لمشاركة المرأة أن تنجح المفاوضات ويحل السلام لأن القضايا المعقدة ستتبخر بمجرد مشاركة المرأة أو رميها رداءها ليُحرج المتفاوضون؟! إن العُقد في القضايا هي التي تحكم سير المفاوضات، وإذا ما تم حل هذه العقد والقضايا، فسوف تتوصل كل الأطراف الداخلية والخارجية إلى السلام، سواء كان المشاركون في المفاوضات رجالاً أو نساء.
جوهر قضية المرأة اليمنية في الوضع الراهن
إن جوهر قضية المرأة في الوضع الراهن هو السلام في اليمن، المشروط بالسيادة الوطنية. هذه القضية هي الجوهرية، وعليها يتوقف حل سائر القضايا الجزئية والتفصيلية. قضية السلام هي قضية كل الشعب، رجالاً ونساء. وللنساء معاناة خاصة لا تُنكر، وصمود خاص لا يُنتقص، فالحرب العدوانية والحصار وما ترتب عليهما من أزمات إنسانية واقتصادية وغيرها، مختلف هذه المعاناة -التي عمت كل المجتمع اليمني- لها وقع أشد وطأة على المرأة وطفلها، باعتبارهما الحلقة الأضعف في المجتمع، بل إن المرأة قتلت مباشرة بالقصف، وليس فقط بتداعيات الحرب والحصار.
إن حقيقة كون القضية الوطنية هي قضية المرأة اليمنية في الوضع الراهن، لا تعني إنكار وجود مظلوميات وقضايا خاصة للمرأة تتطلب حلاً في هذا الوضع التاريخي ومستقبلاً، منها ما له علاقة بمستوى تطور المجتمع، ومنها ما له علاقة بانتشار الوهابية، ومنها إشكاليات في النصوص القانونية التي تم إعدادها وفق النظرة الإخوانية من بعد تعديل الدستور عقب حرب صيف 94م وهو ما يعد تراجعاً قانونياً عن دستور الوحدة وعن المكتسبات القانونية للمرأة التي كانت موجودة في قانون الأسرة في اليمن الديمقراطية سابقاً. إن مثل هذه القضايا موجودة، وهي قضايا ملحة وجوهرية، ولا يتم الالتفات إليها من غالبية الناشطات الليبراليات منهجا.
في مقدمة القضايا الملحة للمرأة قضية حق المرأة في الإرث، وفي مهر الزواج، فغالبية اليمنيات لا يحصلن على هذا الحق المشروع دينيا وقانونيا، فهذه المظلوميات تماثل بين وضع المرأة اليوم ووضعها في الجاهلية البدوية قبل البعثة النبوية.
قضية تعليم المرأة
إن أحد أبرز حقوق المرأة هوَ حقها في التعليم، فغالبية اليمنيات يُحظر عليهن التعليم، وخاصة الثانوي والجامعي، وهذا الحق مشروع دينياً، وهو أساس الاستخلاف في الأرض ومكفول قانونياً ومستحسن عقلياً ومنطقياً لا غبار عليه، إلا أن هذا الحق لا تأخذه كل اليمنيات، وهوَ حق تتوقف عليه المقدرة على اكتساب كثير من حقوق المرأة، فحرمان المرأة من التعليم يحد من مشاركتها السياسية والاقتصادية، ويُبقيها مكبلة في ظلام الجَهل مطواعة وأشد عرضة للاضطهاد الأسري، سواء من الزوج أو الأقرباء والأوصياء. ورغم أهمية هذا الحق كمرتكز أساسي في حقوق المرأة إلا أن الناشطات من النوعية المذكورة لا يلتفتن إلى هذا الحق ولا إلى هذه القضية.
قضية الاختيار في الزواج
مسألة تزويج المرأة وفق رغبة والدها، ورفض تزويجها ممن تقبل به الفتاة، سواء عرفته من قبل أم لا، ممن هو صاحب خلق كريم ويسعى في الأرض من أجل تأمين العيش الكريم، كثير من الفتيات يعانين من هذه المسألة، فتبقى البنت في البيت إما للعمل المنزلي أو بدون عمل، يطرق الشباب باب منزلها ليتقدموا لها وفق دين الله وسنة رسوله، لكن الأب يرفض ويمانع، وقد يترك ابنته تعيش بدون زوج حتى تصبح عانساً، أو قد يزوجها رغماً عنها من شخص يريده هوَ. وفي كلتا الحالتين، يؤدي هذا الأمر إلى تداعيات غير محمودة في المجتمع، فقد تنحرف مثل هؤلاء البنات مع طول بقائهن عازبات لا يجدن تلبية احتياجاتهن الفسيولوجية والعاطفية وفق الشرع، وقد لا يتأقلمن مع الزواج الإجباري فينتهي بمشاكل عائلية. وهذه القضية على ثقلها وأهميتها لا تجد اهتماماً لدى ذلك النوع من الناشطات.
المرأة اليمنية التقدمية في مواجهة العدوان
لم يشهدِ الحراكُ الاجْتمَاعي اليمني، منذ عقود، مشاركة نسوية كبيرة في الريف والمدينة، كالحضور الفاعل اليوم في مواجهة العدوان، وقبله في ثورة 21 أيلول، فقد كسرت المرأة اليمنية بمشاركتها الفعالة قيود وعادات متخلفة، وخرجت بشجاعة إلـى الفضاء العام، تحمل مع جماهير الشعب وبجانب الرجل مسؤولية القضية الاجْتمَاعية الوطنية، وتشارك في المظاهرات والمسيرات وتموين المقاتلين بالطعام، وبالتبرعات، وبالإنفاق الذي وصل إلـى تقديم أبنائهن، وأحبائهن شهداء من أجل الحرية، فإذا المرأة التي تبدو رجعية بمظهرها، تقدمية صلبة مُخلصة، وهي تتحدث أمام وسائل الإعْــلَام الوطنية، وتهتف بحرية وكبرياء.
اشتراك المرأة اليمنية بشكل كبير وفاعل في النضال الاجْتمَاعي، ببُعديه الثوري والوطني، هو نتاج ضغط العدوان عليها، ونتاج تغيرات في وعيها، والذي بدوره يغير في وعي المجتمع والقادة حول المرأة وأدوارها. والواقع اليمني اليوم في أمس الحاجة إلى دور المرأة بجانب الرجل في مواجهة العدوان الذي يتطلب تكاتف كل الطاقات.
بعيداً عن شكل ومظهر المرأة المُرتبط بمستوى تطور وتراجع مجتمعها، فإن طليعيتها تتحقق من واقع القضية التي تتحرك فيها، في المرحلة التاريخية المحددة. فكلما كانت قضيةً شعبيةً ضد القوى التي لا مصلحه لها بالتحرر الوطني والعدالة الاجتماعية، كانت امرأة طليعية، قريبة من تحقيق حقوقها الخاصة في الإطار العام، وكانت الأكثر تقدماً على السائد، والأكثر قُدرةً على التطور المستقبلي عن سواها من النساء، اللامباليات المساندات للقوى المعادية للشعب بصمتهن، وإن كنَّ هؤلاء اللامباليات أكثر "تحرراً" في المَظهر والتعامل المديني مع الآخرين، إلا ان عدم اشتراكهن في هذا النضال معناه أن جوهر تحررهن فردي، وفهمهن للتقدم ليبرالي يحتكره للطبقة المُترفة، وهنا تكمن رجعيته، فيما تَقدم الأخرى ذات المَظهر والتعامل المحافظ هو تقدم ثوري خادم للتقدم الاجتماعي العام لتقدم المرأة والرجل، من حيث أن الممارسة النضالية لهذه المرأة -سواء في الريف أو المدينة- يصب في مجرى النضال العام، ولكون رؤيتها للمجتمع تنطلق من قاعدة وحدة القضية الشعبية الواسعة، وبالتالي وحدة المصالح الطبقية للجماهير المُستغلة المحرومة المُضطَهدة، بعكس ذوات التقدم "البرجوازي" اللواتي ينظرن إلى المحيط بعيون متعالية فيقصرن طابع تعاملهن المتحرر على الطبقة المماثلة لوعيهن الطبقي، والشرائح الأكثر ثراءً في المجتمع المديني ويتأففن من الفُقراء والكادحين، وإن كنَّ نساء مثلهن.
المصدر أنس القاضي
زيارة جميع مقالات: أنس القاضي