أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -

الفترة التي قضاها الرئيس الصماد برغم محدوديتها الزمنية إلا أنها كانت غنية في محتواها، وغنية بمواضيعها، من عدوان وحصار ومعارك داخلية، وغنية في محتواها العملي لما تمتع به الرئيس الشهيد الصماد من نشاط فعال، منه الميداني، ومتابعة القضايا وقراءة الملفات ومتابعتها... كل هذا النشاط والإخلاص الذي تحلى به الرئيس الشهيد صالح الصماد مكنه من معرفة طبيعة الخلل وأشكال الممارسات الفاسدة. وهذا الرجل الذي قضى حياته مُعارضاً ومقاوماً لسلطة الاستبداد، له ولتنظيمه رؤاهم لمعالجة الوضع. تطورت هذه الرؤى مع النشاط الملموس للشهيد صالح الصماد كرئيس للجمهورية في أكثر المراحل مصيرية في التاريخ اليمني. وفي هذا المحور نتناول قضايا أزمة الدولة والإصلاح الاقتصادي والإداري والشفافية ومكافحة الفساد والتوجه الاجتماعي التنموي في فكر الرئيس الشهيد صالح علي الصماد.

رؤيته لأزمة الدولة اليمنية 
اعتمد الرئيس الصماد على البحث التاريخي في تحديد مشكلة عدم تطور الدولة اليمنية، منطلقاً من التناقض السعودي اليمني كطرف عدواني له الدور التخريبي الأبرز في محاربة نمو وتطور الدولة اليمنية، منذ أكثر من نصف قرن من الزمن. وهذا التركيز على الدور السعودي المعادي يبتعد عن سرد الماضي، ليبرز في الحضور التاريخي الراهن كقانون اجتماعي يمني خاص يفترض أن عملية بناء الدولة اليمنية يجب أن تكون مترافقة مع عملية الحماية وعملية انتزاع الاستقلال الوطني من قبضة الهيمنة السعودية. وهذا ما ميز رؤية الرئيس الشهيد صالح الصماد وتشخيصه لوضع مؤسسات الدولة عن آراء بقية القوى التي كانت معارضة لسلطة الاستبداد، والتي تعاملت مع مشكلة تدهور الدولة في الجانب الإداري والسياسي الداخلي بعيداً عن الدور الرئيسي المعيق للتطور اليمني وهو الدور التخريبي السعودي.
 والرئيس الشهيد صالح الصماد إذ تحدث بعمومية عن تعطيل السعودية للتقدم في الجمهورية اليمنية ككل، ينتقل إلى الخاص في خطاب آخر حاملاً الفهم التشخيصي ذاته، وهو ما يعكس رسوخ هذا التحليل الصائب للرئيس الصماد عن أسباب تدهور الواقع اليمني، باعتباره عملاً عدوانيا وعملاً بشرياً غير متأصل في طبيعة الإنسان اليمني. وقال الرئيس الصماد في لقائه مع السلطة المحلية ومشايخ محافظة الجوف: "محافظة الجوف تعرضت للإهمال طيلة عشرات السنين. وهي لم تتعرض للإهمال عن طريق الخطأ، لا، بل هو تعمد من قبل قوى العدوان لجعل هذه المحافظة خاضعة للتجهيل، لكي يستطيعوا احتلال هذه المحافظة، لأنهم يعرفون ما تتميز به من ثروة بشرية وثروة معدنية وزراعية وغيرها". والرئيس الصماد يقف بهذا التحليل والتشخيص العلمي موقفاً تقدمياً على عكس التأويلات التي ترى في التدهور اليمني نتيجة لخراب الإنسان اليمني بذاته وأنه شعب غير قابل أن يتقدم، وبالتالي فهذه الآراء السلبية عن الشخصية اليمنية تحكم عليها بالهوان والتبعية وتلغي الاحتياجات الاجتماعية اليمنية في الثورة والتحرر الوطني وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية العادلة. 

رؤيته لسلطة الدولة 
 الروح الديمقراطية للرئيس الصماد ونزوعه نحو العدالة هي ما جعلت أفكاره حول الدولة متطابقة مع التحليل العلمي بأن الشكل السياسي للسلطة إنما هو انعكاس للبناء التحتي. والرئيس الصماد في كل خطاباته يؤكد أن تشكيل المجلس السياسي الأعلى والحكومة إنما جاء لتلبية الضرورات الاجتماعية والمصالح الاقتصادية للمواطنين. وتحدث بواقعية عن ممكنات خدمة المواطنين، بعيداً عن الخطابات الاحتفالية أو الدعائية الانتخابية. وهذا الفهم السسيولوجي عن طبيعة منشأ السلطة السياسية، الذي تنفيه مختلف المدارس الليبرالية، موقف فكري تقدمي من الرئيس الصماد، يحفظ حق الشَعب في نقد ومعارضة وإسقاط أي سُلطة لا تتوافق في أدائها مع احتياجات الشعب ومصالحه. وعلى النقيض من ذلك تسعى المدارس الليبرالية دائما وسلطات الاستبداد إلى نفي هذه الحقيقة الموضوعية عن السلطة السياسية. 
 ظهرت الدولة في تاريخ التطور الإنساني مع ظهور الملكية الخاصة باعتبارها جهازاً يُنظم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بما يخدم الطبقات الاجتماعية المسيطرة. هذا الطابع الطبقي للدولة هو ما يجعل الظفر بالسُلطة السياسية ضرورة للسيطرة على الدولة، وما يجعل الوصول إلى السلطة السياسية شرطاً على الحركة الثورية من أجل إمكانية القضاء على العلاقات الاقتصادية البالية والفاسدة وترسيخ ممارسات وقيم جديدة تُلبى عبرها مصالح القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة من التغيير، وهي في واقعنا اليمني (الطبقة الشعبية) السواد الأعظم من الشعب، ويحمل خطاب قوى ثورة 21 أيلول مضامين اجتماعية معبرة عن مصالح القطاع الأوسع من الشعب وعن القضية الوطنية ككل، وهي الأسس التي ركز الرئيس الصماد على أن تتم عملية بناء الدولة وإصلاحها وفقها، وهذه الرؤية تجلت في تعبيرات كثيرة في خطابات الرئيس الشهيد، المؤكدة دوماً على مبادئ العدالة والمساواة والمواطنة وحرية المنافسة. كما أن الرئيس الصماد نفى عن السلطة في رؤيته أن تكون مغنما أو مصلحة أنانية خاصة، كما كان يُنظر لها في السابق في ظل سلطة الأقلية المسيطرة، إذ طالب الرئيس الصماد العاملين في جهاز الدولة بأن يكونوا على قدر تضحيات هؤلاء المدافعين عن الوطن. وطلب من العاملين في جهاز الدولة أن يكونوا بهذا الحس الاجتماعي والوطني العالي المتجرد من المصالح الانانية على حساب الشعب. ويؤكد الصماد أن الدولة التي يجب بناؤها إنما هي دولة الشعب، ولا ريب أن الشعب هنا هو أوسع الجماهير الكادحة التي يتوزع أبناؤها في مختلف جبهات الدفاع على الوطن، ويمتد هذا الفهم والانحياز الاجتماعي للدولة، كما رآه الرئيس الصماد، إلى درجة عالية من التسامي الإنساني المعزز بالقيم الدينية التي تميزت بها شخصية الرئيس الصماد، إلى الحد الذي يُصبح فيه رئيس الجمهورية وهو صاحب أعلى منصب وظيفي في البلد يُفضل مسح الغبار عن أحذية المقاتلين المجاهدين الكادحين على منصبه هذا، وأن تصبح المهام والمناصب هي مسؤوليات في إطار تقسيم العمل من أجل خدمة الشعب لا مواقع طبقية مميزة، وخاصة في هذا الوضع الاستثنائي الذي يمر به البلد، والذي يصبح فيه التعامل مع المنصب كوجاهة ومكانة اقتصادية خيانة للوطن. وحمد الله ألا يكون لديه من مال الدولة مسكن يؤوي أولاده حين يستشهد. إن هذا التسامي الذي تحلى به الرئيس الشهيد الصماد هو رد فعل أخلاقي وديني رافض لطبيعة الدولة التي كانت مجيرة لمصالح الأقلية المُسيطرة، على حساب معاناة وجوع سواد الشعب الأكبر، فيما تعهد الرئيس الصماد أن يكون على النقيض من ذلك، بأن يظل معبراً عن مصالح الشعب: "قطعنا على أنفسنا عهداً أن نكون حيث كان شعبنا، وأن يجدنا حيث يجب، ويفتقدنا حيث يكره، وأن نحافظ على وحدته وأمنه واستقراره وسيادته، ونحن على هذا العهد سنظل، ولن نكون إلا خداماً لهذا الشعب بكل أطيافه ومكوناته، وما نقوم به من خطوات هي لهذا الهدف الشريف بشرف هذا الشعب وعظمته".

التوجه الاقتصادي للدولة 
 التوجه الاقتصادي الإنتاجي للدولة هو جوهر رؤية الرئيس الشهيد صالح الصماد، الذي أكده تحت شعاره "يد تحمي ويد تبني"، والذي يقضي بضرورة الاهتمام بالإنتاج الزراعي والصناعي وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي، موجهاً الحكومة بالقيام بما يلزم من أجل الوصول إلى هذا الهدف، وعدم الركون إلى الخارج. وقد تلمس الصماد خطر الهيمنة السعودية اقتصاديا ودورها في ضرب الإنتاج الوطني اليمني رغم ما تكتنزه الأرض اليمنية مع خيرات فلزية ومنتجات زراعية عالية الجودة. وفي هذا الإطار ومن منطق الاحساس بالمسؤولية ونقد التجربة اهتم الرئيس الصماد كثيراً باستلهام تجارب الشعوب التي واجهت تحديات استعمارية وكان لها تجارب مقاومة ناجحة، وعلى سبيل المثال قال الرئيس الشهيد صالح الصماد في كلمته بمناسبة الذكرى الأولى لتشكيل المجلس السياسي الأعلى:
"إننا جميعاً علينا مسؤولية كبيرة أن ندرك المؤامرة التي يُراد تمريرها على شعبنا، وأن معاناة شعبنا وتضحياته كانت وستكون سواء وقفنا ضد العدوان أم استسلمنا، وأنه ينبغي علينا تقييم عام (سنة) من أداء المجلس وثمانية أشهر من أداء الحكومة للاستفادة من الإيجابيات وتلافي الأخطاء والسلبيات، وأن نعد رؤى ناضجة تعمل على تحسين الأداء وتلبية مطالب الشعب، وأمامنا كثير من التجارب على مستوى المنطقة والعالم، فدول وصلت إلى نقطة الصفر ثم أعادت النظر في سياستها والتفتت إلى واقعها وانتعشت في ظل صراعات كما يعيشها شعبنا. هناك فيتنام وكوبا وماليزيا وغيرها". 

أترك تعليقاً

التعليقات