أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
العمليات الأخيرة المستمرة في مأرب تدفع قوى العدوان إلى إعادة التموضع العسكري والسياسي في جنوب الوطن، وتحوله -وخاصة عدن- إلى بؤرة للصراع القادم، نتيجة لتناقض وتصادم مصالح كل من حكومة هادي و«الخونج» من جهة، وجماعة «الانتقالي» من جهة ثانية.
تحول عدن إلى مركز سياسي لحكومة هادي، بعد خسارتها المتوقعة لمدينة مأرب، سوف يجعل المدينة مركزا للتنافس كما كان عليه الوضع في العاصمة صنعاء قبل ثورة 21 أيلول/ سبتمبر 2014.
فرض تنفيذ ما يسمى «اتفاق الرياض» هو الخيار الوحيد الذي تملكه دول تحالف العدوان، إلا أن هذا الاتفاق ولد ميتاً، ومع إمكانية فرضه على قيادات الارتزاق إلا أن إمكانية تنفيذه على الأرض غير ممكنة.
إزاء دوامة الصراع المحتملة التي سوف تدخلها عدن والمحافظات الجنوبية، يتوجب أن تقوم القوى الوطنية اليمنية في صنعاء بالإعداد للقيام بمسؤولية إنقاذ المجتمع، كطرف من خارج صراع المرتزقة، قادر على طرح مبادئ توافقية وعادلة تستجيب لها القوى والجماهير الجنوبية، فرغم أن لها وضعاً خاصاً مرتبطاً بالقضية الجنوبية إلا أنها بشكل عام لها نفس مخاوف واحتياجات المديريات المحررة من شبوة ومأرب والبيضاء وغيرها من المحافظات الشمالية، ويُمكن تحريرها والدخول إليها إذا تمكنا من اجتذاب المجتمع وكسب موقفه.

الوضع السياسي الاجتماعي في جنوب الوطن
كان الوضع الاجتماعي في جنوب الوطن أحد أبرز التحديات التي واجهت الثورة، فالمجتمع في المحافظات الجنوبية ظل يغلي من بعد حرب صيف 94، وتعرض لانتكاسة وفقد الأمل في التحرك مع الشعب اليمني ككل عقب انتكاسة ثورة 2011، كما تعرض لانتكاسة ثانية سياسية عندما لم تطبق «النقاط العشرون» و«النقاط الإحدى عشرة» في بداية مؤتمر «الحوار الوطني»، وتعقد الأمر أكثر مع تفريخ هادي لمكونات الحراك واستقالة القيادات الحراكية المشاركة في مؤتمر الحوار، وعدم تنفيذ مخرجات الحوار المتعلقة بمعالجة القضية الجنوبية ذات الصفة العاجلة، وتبدد أمل الجنوبيين بعد انقلاب «الرئيس الانتقالي هادي» على التوافق في مسألة حل القضية الجنوبية، وإقرار تقسيم المحافظات اليمنية الجنوبية إلى إقليمين ضمن مخطط تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، وهو الأمر الذي رفضه الجنوبيون، لما له من خطورة على وحدة الأراضي الجنوبية اليمنية.
ممارسات السلطة العُدْوَانية تجاه أبناء المحافظات الجنوبية طول المسار التاريخي من بعد حرب 94، وتعقد إشكالاتهم السياسية والاقتصادية، وقمع الفعاليات السلمية للحراك، ووصول الأزمة إلى تنصل بعض النخب الحراكية عن الهوية اليمنية، هذا المسار التاريخي جعل من المحافظات الجنوبية الخاصرة الرخوة للوطن اليمني والمنفذ الأسهل للقوى العُدْوَا.ية، وبخلاف الشمال فمازالت إمكانية تحرك قوى العدوان في جنوب الوطن متاحة بشكل أوسع.

تداعيات أحداث مأرب
العمليات الأخيرة المستمرة في مأرب تدفع قوى العدوان إلى إعادة التموضع العسكري والسياسي في جنوب الوطن بطريقة غير منظمة وعشوائية مصيرها الفشل، وتتم في ظل حالة التنافس الصراعية بين أطراف المرتزقة، مظاهرها كالتالي:
ـ عودة الاغتيالات والسيارات المفخخة؛ منها محاولة اغتيال محافظ عدن ووزير الزراعة الموالي لـ«الانتقالي» ومحاولة اغتيال نائب رئيس جامعة عدن.
ـ عودة المعارك بين «الانتقالي» والخونج في كل من شبوة ونقطة العلم (نهاية أبين بداية عدن)، والتنافس في أبين، وحضرموت.
ـ تعزيز وضع عدن كـ«عاصمة سياسية»، حيث شهدت مؤخراً زيارة وفد من سفراء الاتحاد الأوروبي (ماريون لاليس، نائبة رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي، ‎والسفير الفرنسي جان ماري، والسفير الألماني هيوبرت ياغر، والسفير الهولندي ‎بيتر ديريك هوف، والمبعوث السويدي بيتر سمنبي) والتقوا بمسؤولين من الحكومة العميلة وعلى رأسهم رئيس الوزراء معين عبدالملك ووزير الخارجية أحمد بن مبارك، كما اجتمع الوفد برئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» عيدروس الزبيدي، والمجلس الأعلى للحراك الثوري الذي يقوده فؤاد راشد (المنشق عن تيار باعوم).
ـ زيادة الاهتمام البريطاني بالوضع في جنوب الوطن على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي، فخلال هذه الفترة زاد النشاط الاستخباراتي البريطاني في الجنوب والمهرة خصوصاً، وأبدت بريطانيا استعدادها لإعادة أموال البنك المركزي اليمني المجمدة في لندن إلى عدن، كما صرح السفير البريطاني الأسبوع الماضي مخاطباً «الانتقالي» بأن الانفصال غير ممكن إلا بدعم «الانتقالي» لهادي والخونج.

عدن بؤرة الصراع القادم
إعادة الانتشار العسكري والسياسي في عدن، في ظل ضعف وحدة قوى الارتزاق، وفي ظل الانهيار الاقتصادي الخدمي الشامل في المحافظات الجنوبية، سوف يحول جنوب الوطن وعدن إلى بؤرة للصراع، ففيما يتجه الخونج وحكومة هادي إلى الانتشار فيها باسم «الشرعية اليمنية» ولا يملكون خياراً غير ذلك، فإن «الانتقالي» يبدي ممانعة لتوسع جماعة هادي والخونج، بناءً على شعار الجنوب العربي ومطالب الحكم الذاتي، ويرفض أن يتم الانتقاص من المكتسبات السياسية العسكرية التي حققها بفضل دعم الاحتلال الإماراتي طوال الفترة الماضية.

ضيق خيارات قوى العدوان
لا تملك قوى العدوان من أجل نجاح إعادة تموضعها سوى خيار واحد وهو إرغام «الانتقالي» وحكومة هادي على تنفيذ ما يسمى «اتفاق الرياض» (2019)، ودعم الحكومة العميلة ماديا وخدمياً من أجل تهيئة الوضع الاجتماعي لتنفيذ «اتفاق الرياض»، وهذا الاتفاق ولد ميتاً، وإن استطاعت قوى العدوان فرضه على النخب القيادية العميلة -وهو أمر ممكن- فمن الصعوبة أن يتم تطبيقه على الأرض، وذلك لتعقد الوضع في جنوب الوطن المرتبط بالقضية الجنوبية وانعدام الثقة الذي تجذرَ من خلال فشل تجربة «مؤتمر الحوار» و«النقاط العشرين» و«النقاط الإحدى عشرة» و«اتفاق السلم والشراكة» و«اتفاق الرياض» الذي لم يطبق منذ 2019.
من المتعذر نجاح «اتفاق الرياض»، لكن الأقرب إلى الواقع هو فرض الاتفاق على مستوى مدينة عدن وتعزيز وضعها كعاصمة سياسية وتحسين الخدمات والعملة بدعم أوروبي، فيما سيظل التنافس بين القوتين خارج مدينة عدن، وهو ما سوف يزعزع الوضع فيها.

الحل لدى صنعاء
لا تملك قوى العدوان حلاً للمحافظات الجنوبية كما هي مفلسة في المناطق الشمالية. والجماهير الجنوبية بشكل عام لها نفس مخاوف واحتياجات المديريات المحررة من شبوة ومأرب والبيضاء، ويُمكن تحريرها والدخول إليها إذا تمكنت صنعاء من اجتذاب المجتمع وكسب موقفه، من خلال تصرفات قانونية واجتماعية جوهرها متضمن في مخرجات «الحوار الوطني» وفي رؤى القوى الجنوبية و«النقاط العشرين» و»النقاط الإحدى عشرة» التي تمس بصورة مباشرة مصالح القوى في الجنوب، والاعتراف بها هو حق أدبي ولن يحمل الدولة أي تكاليف مالية راهنة، نظراً لطبيعة الوضع الاقتصادي، وتطبيقها سوف يكون تالياً لعملية التحرير في مرحلة البناء، لكن من المهم الاعتراف به من اليوم لطمأنتهم بأن دخول أنصار الله هذه المناطق مختلف من حيث مضمونه الاجتماعي عن دخول قوى حرب 94 وعن وجود الحكومة العميلة الراهنة، وهي قضايا متعلقة بمسألة المسرحين والمتقاعدين، والوضع الاجتماعي والاقتصادي للمستفيدين من قانون الإصلاح الزراعي، ممن تم انتزاع أراضيهم بعد حرب 94 من أفراد وجمعيات تعاونية ومزارع الدولة وأبنائهم وقود تحالف العدوان في الوقت الراهن، والتوازن السياسي بين شمال الوطن وجنوبه، وتصحيح مسار الوحدة، وإعادة الاعتبار للتاريخ الوطني والنضالي السياسي للمجتمع اليمني في جنوب الوطن، ومسألة الوضع العسكري الأمني، فمن بعد حرب 94 كان الجنوب يعاني -ومعه كل الوطن- من السيطرة العسكرية لسلطة الاستبداد والعمالة التي تثير الحساسيات الشطرية والمناطقية والمذهبية.

أترك تعليقاً

التعليقات