يوجد رئيس كهذا!
 

أنس القاضي

أنس القاضي -

في ذكرى استشهاد الرئيس صالح علي الصماد، نتذكر إخوته في النهج سالمين والحمدي وفتاح، جميعهم رحلوا اضطراراً، ربما لأن الحكاية تليق بهم أكثر كأساطير! وربما لأن لنا من سمات بني إسرائيل "قتل الأنبياء"! إلا أن هؤلاء جميعاً جاؤوا ليثبتوا أن البساطة والإنسانية والزهد والإخلاص خصال وسمات واقعية يمكن للرجل الأول في الجمهورية أن يحملها، وليست مُثلاً مجردة في الأدمغة نتخيلها لنشبع حجة لنا في وجود رئيس كهذا، فقد وجدوا حقاً.
 إذا كان السابقون جاؤوا مع صعود عاصف للحركة الوطنية بتياراتها القومية والاشتراكية، فكان العامل الموضوعي هو الأبرز في صقلهم؛ فإن الصماد جاء في واقع سقوط وتهاوي الحركة الوطنية الثورية، فتطلب منه الأمر عصامية وذاتية عالية ليكون ما غدا عليه مجاهداً ومناضلاً مخلصاً صلباً عصياً على التغيير والتفسخ، يرى "مسح الغبار عن نعال المجاهدين أعلى من كل مناصب الدنيا"، ويرى أن دمه ليس أغلى من دماء أبطال الجيش واللجان الشعبية، وجسّد ما قاله في ملحمة استشهاده، حيث تعمد الخروج من بين المواطنين ليفديهم بدمه في شارع قصي حين كانت تلاحقه الطائرات المسيرة، وقد أبلغ بذلك، فيما كان قادراً على الدخول بين الجماهير والتمويه والإفلات، إلا أن ذلك قد يعرض المواطنين للخطر. وعلى عكس القادة الأفذاذ السابقين، فإن شهادة الصماد فيها جدارة وميزة، حيث اغتيل مباشرة من قبل العدو السعودي الأمريكي، فيما الرؤساء السابقون قتلوا بأيادٍ يمنية بتوجيه من ذات العدو التاريخي لشعبنا.  
جاء الرئيس الشهيد صالح الصماد من أوساط الشعب اليمني البسيط المكافح، كعظماء القادة السياسيين والزعماء الجماهيريين، الذين يظهرون في مرحلة التحولات الثورية والانتفاضات الشعبية والنضالات التحررية الوطنية. كان الصماد الشخصية التي تجلت فيها كريم الخصال الاجتماعية الحضارية المميزة للشعب اليمني، وبقدر ما هو وطني عام، فإنه أيضاً مناضل حركي خريج المدرسة القرآنية العلوية الحسينية، رئيس المكتب السياسي لأنصار الله، والمعبر الفكري والعملي عن أهداف ثورة 21 أيلول المجيدة، في بناء دولة حرة عادلة ديمقراطية لكل اليمنيين، تتجاوز وقع العثرة والتبعية والركود، وتضمن السعادة للشعب، وللأمة اليمنية التفتح الحضاري وتبوؤ المكانة المميزة، امتداداً متطوراً لتاريخ العربية السعيدة، السبئي والحميري العريق، والعربي الإسلامي المُشرق.
ويُمكن القول بأن أحد أبعاد اغتيال الرئيس الصماد هو محاولة ضرب نموذج رئيس شعبي لا يرى قيمة للمنصب، بل لخدمة شعبه، وهو نموذج مخيف للممالك الرجعية، وجاء الاغتيال لضرب أية تجربة يُثبت فيها أنصار الله اندماجهم مع  الشعب في همومه وقضاياه، وقدرتهم على التعامل والتعايش مع الكل اليمني، وقدرتهم على التعبير عن قضايا تشغل بال كل اليمنيين بتعددهم وتنوعهم، على عكس الدعايات العدوانية التي تعمل على إظهار أنصار الله كمكون غريب عن اليمن فئوي عصبوي ضيق الأفق، عدواني عسكري يعجز عن التعايش مع الشعب، وعن قيادة دولة التعامل السياسي مع دول الإقليم والعالم.

أترك تعليقاً

التعليقات