أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
ملخص:
شهد العام الماضي تنافساً محموماً بين “الانتقالي” و”الإخوان” وبالتالي أبوظبي والرياض، حول محافظة حضرموت اليمنية شرقي البلاد، وكانت ذروة هذا الصدام ما حدث منذ 30 نوفمبر 2022م الذي حدده “الانتقالي” كموعد للتصعيد ضد “المنطقة العسكرية الأولى”، رداً على ذلك احتفلت القوى المناوئة لـ”الانتقالي” يوم 20 ديسمبر 2023م باليوم باعتباره “يوم حضرموت الوطني”.
كان “الانتقالي” في “المؤتمر التشاوري” الذي عقده في عدن مايو هذا العام، أكد على مبدأ الفيدرالية لإعطاء حضرموت وضعا مميزاً، كما حدد المكلا مكاناً لعقد مؤتمر الجمعية العامة في الـ21 من ذات الشهر.
في إطار هذه التجاذبات، قامت السعودية بعملية استباقية حيث أخذت قيادات حضرمية إلى الرياض واستدعت الزبيدي والبحسني أيضاً؛ تولت بصورة مباشرة صياغة المستقبل السياسي لحضرموت، مشروع فصل حضرموت عن اليمن، الأطماع السعودية من حيث الفكرة امتداد لنشاط استعماري قديم كانت تتزعمه بريطانيا.
في 17 يونيو قال نائب السفير الأمريكي الأسبق، لدى اليمن، نبيل خوري، إن تقسيم اليمن ممكن، ولكن ليس على أساس جنوب وشمال، فمحافظة حضرموت لها رأي آخر، وهو تلميح إلى تأييد المشروع السعودي.
في 21 يونيو 2023م تمخضت اللقاءات والمباحثات التي قام بها عدد من أبناء حضرموت في الرياض والتي كان من ضمها لقاءات مع قيادات غربية وأوروبية، عن إشهار ما سمي “المجلس الوطني الحضرمي”، كإطار لجمع المكونات والشخصيات الحضرمية، يتبنى صراحة «الحكم الذاتي».
في 24 يونيو وصل العليمي إلى المحافظة برفقة وفد سعودي رفيع، أطماع السعودية في حضرموت، لا بد لها من غطاء مشروعية، وهذا ما يلعبه “مجلس العليمي”.
وعد “رشاد العليمي” بتمكين أبناء حضرموت من إدارتها مالياً وإدارياً وأمنياً، جاء ذلك خلال ترؤسه -يوم الأحد 25 يونيو- لقاء موسعا في المكلا بقيادات السلطة المحلية والقيادات الأمنية والعسكرية (الموالية للتحالف) والشخصيات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني.
تستخدم السعودية العليمي لتمرير مشروعها هذا؛ ففي زيارته افتتح العليمي -يوم الأحد- 20 مشروعا إنمائيا، بدعم سعودي في محافظة حضرموت، بتكلفة مليار و200 مليون ريال سعودي.
طرح السعودية هذا المشروع، لا يعني النجاح النهائي لأطماعها، ولا يعني توقف الاستقطابات السياسية فيها بين القوى الموالية للتحالف، كما لا يعني أن القوى الوطنية اليمنية في حضرموت لا أثر لها، ستستمر الاستقطابات والتجاذبات بين هذه القوى عموماً، وستكون الصيرورة النهائية في حضرموت هي نتيجة لهذا الحراك الداخلي والتأثيرات الأجنبية أيضاً.
مشروع أقلمة حضرموت
شهد العام الماضي تنافساً محموماً بين «الانتقالي» و«الإخوان»، وبالتالي أبوظبي والرياض، حول محافظة حضرموت اليمنية شرقي البلاد.
تنقسم حضرموت من حيث التضاريس إلى منطقة ساحلية مهمة في موانئها وسواحلها الاستراتيجية تصلح لتكون قواعد عسكرية بحرية، ومناطق أودية وصحراوية تكتنز الثروات النفطية، ولدول التحالف المعتدية مصالح في المنطقتين معاً.
تسيطر السعودية حالياً على وادي حضرموت داعمة للإخوان، فيما تسيطر الإمارات جزئياً على ساحل حضرموت داعمة لـ”الانتقالي”.
طوال الفترة الماضية هناك تحركات إماراتية للسيطرة على الوادي والصحراء، فقد دفع “الانتقالي” نحو طرد قوات المنطقة العسكرية الأولى، وافترض أن ذلك جزء من “اتفاق الرياض”، وكانت ذروة هذا الصدام ما حدث منذ 30 نوفمبر 2022م الذي حدده «الانتقالي» كموعد للتصعيد ضد «المنطقة العسكرية الأولى»، رداً على ذلك احتفلت القوى المناوئة لـ”الانتقالي” بيوم 20 ديسمبر 2023م باعتباره “يوم حضرموت الوطني”.
يسعى “الانتقالي” للسيطرة على كامل حضرموت ضمن مشروع “دولة جنوبية فيدرالية”، تستوعب الأطماع الخارجية وعودة السلاطين، فيما يدافع الإخوان عن الوحدة اليمنية، ويرفعون في الوقت ذاته مشروع فصل حضرموت عن اليمن في حال سقط خيار الوحدة، وهو مشروع بريطاني أمريكي قديم، وكان “الانتقالي” في “المؤتمر التشاوري الجنوبي” (4-8 مايو 2023م) الذي عقده في عدن، أكد على مبدأ الفيدرالية هذا، كما حدد المكلا مكاناً لعقد مؤتمر الجمعية العامة في الـ21 من ذات الشهر، ضمن عمله على استمالة حضرموت.

السعودية متغير جديد في الصراع
في إطار هذه التجاذبات، وعقب عقد “الانتقالي” لقاء تشاوريا في عدن مايو 2023م وتحديد يوم 21 مايو 2023م يوما لانعقاد الجمعية الوطنية التابعة لـ”الانتقالي”، قامت السعودية بعملية استباقية حيث أخذت قيادات حضرمية إلى الرياض واستدعت الزبيدي والبحسني أيضاً.
بداية من هذا التاريخ، تولت السعودية بصورة مباشرة صياغة المستقبل السياسي لحضرموت، وتثبيت مشروعها الخاص، لفرضه كأمر واقع، على مختلف الأطراف، كمشروع لفصل حضرموت عن اليمن.
الأطماع السعودية من حيث الفكرة هي امتداد لنشاط استعماري قديم كانت تتزعمه بريطانيا سابقاً، ففي العام 1967 صرح المندوب السامي البريطاني في أحد ردوده على البعثة الدولية بأن بلاده لا تملك سلطة إرغام الولايات الشرقية (القعيطي والكثيري والمهرة) على الانضمام إلى الجنوب العربي، لكونها لم تدخل في إطار «حكومة اتحاد الجنوب العربي». كان التوجه البريطاني أن يعطي الخيار للإمارات الشرقية (حضرموت والمهرة) للانضمام إلى المملكة السعودية أو الدول الخليجية الأخرى.
وقبل ذلك، في خمسينيات القرن الماضي، أوعزت بريطانيا إلى السلطان القعيطي في حضرموت، التنازل عن إقليم “شرورة” لصالح السعودية، بعد اكتشاف الولايات المتحدة تواجد النفط فيه، في صفقة جرت بين بريطانيا وأمريكيا.
جدير بالذكر أن السعودية توسعت بشكل كبير خلال سنوات العدوان في منطقة الخراخير، التي يُفترض أن يمد منها أنبوب النفط إلى البحر العربي مروراً بالمهرة.
بشكل أو بآخر تتقاطع الأطماع السعودية مع دعوات القوى المطالبة بفصل حضرموت عن اليمن عموماً، وهي القوى السياسية التي تتمركز في وادي حضرموت، والتي أعلنت في 16 مايو 2023م “ميثاق الشرف الحضرمي”، رداً على لقاء “الانتقالي التشاوري” في عدن.

تلميح أمريكي
في 17 يونيو قال نائب السفير الأمريكي الأسبق، لدى اليمن، نبيل خوري “إن تقسيم اليمن ممكن، ولكن ليس على أساس جنوب وشمال (...) فمحافظة حضرموت لها رأي آخر، وليس هناك تفاهمات في جنوب اليمن بشأن ذلك”، وهو تلميح إلى تأييد المشروع السعودي.
ليس لكلام خوري إلزامية وصفة رسمية، إلا أنه مازال يُعبر عن طريقة تفكير الولايات المتحدة إزاء اليمن؛ فالولايات المتحدة لا تهتم بعودة جنوب اليمن لما قبل وحدة عام 90، بل تركز بشكل أكبر على اجتزاء حضرموت من اليمن عموماً، لأهميتها النفطية والساحلية، والأطماع في قاعدة عسكرية في ساحل “بروم ميفع”.

مجلس جنوبي
في 21 يونيو 2023م تمخضت اللقاءات والمباحثات التي قام بها عدد من أبناء حضرموت في الرياض من 20 مايو الماضي -والتي كان من ضمها لقاءات مع قيادات غربية وأوروبية- عن إشهار ما سمي “المجلس الوطني الحضرمي”، كإطار لجمع المكونات والشخصيات الحضرمية.
يهدف المجلس في التحليل الأخير، إلى تحويل حضرموت إلى إقليم سياسي بإدارة ذاتية بعيداً عن صنعاء وعدن، وبهذا تكون السعودية استبقت ما قد تتوصل إليه أية مفاوضات يمنية قادمة حول مصير الوحدة اليمنية وشكل النظام السياسي في البلد.
المتغير هذه المرة في الحراك السعودي في حضرموت أنه متسق مع الحراك الأمريكي وموافقة مبدئية أوروبية.
وكان أُعلن البيان الختامي للمجلس بحضور محافظ حضرموت المعين من قبل الحكومة العميلة والسفير السعودي لدى اليمن “ستيفن فيجن”.
أشارت الوثيقة الصادرة عن المجلس المشبوه إلى وحدة حضرموت وحق أبنائها في إدارة شؤونهم الاقتصادية والسياسية والأمنية (...) والتأكيد على الالتزام بالأهداف المشتركة مع “تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية”، وحظيت بتأييد من شخصيات وازنة.
- “رئيس مجلس الشورى” بن دغر اعتبرها خطوة موفقة ورؤية مستشرفة تنشد السلام والاستقرار في حضرموت وفي عموم اليمن، وتعزز الاتجاه نحو مزيد من الحقوق والحريات، وتدعم جهود استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب.
- “حلف أبناء وقبائل شبوة” بارك الإعلان عن تشكيل مجلس حضرموت الوطني.
- “مؤتمر حضرموت الجامع”، بارك ما تم التوصل إليه من جهود أنتجت مجلس حضرموت الوطني.
- “ياسين مكاوي” دعا أبناء عدن لتشكيل كيان سياسي، على غرار مجلس حضرموت.

زيارة العليمي
في 24 يونيو، وصل العليمي إلى المحافظة برفقة وفد سعودي رفيع، وأعلنت السلطة ترحيبها بالزيارة، واصفة إياها ببشارة الخير لحضرموت، ويَظهر أن هذه الزيارة عبارة عن تمهيد وشرعنة لمخرجات ما سمي “مجلس حضرموت الوطني” الذي شكلته المملكة مؤخراً.
أطماع السعودية في حضرموت، لا بد لها من غطاء مشروعية، وهذا ما يلعبه مجلس العليمي، فعبر هذا المجلس سيتم في واقع الحال شرعنتها، وربما تجري تعديلات في مجلس العليمي أو حكومة معين عبدالملك لتمثل فيها شخصيات حضرمية.
وعد «رشاد العليمي» بتمكين أبناء حضرموت من إدارتها مالياً وإدارياً وأمنياً وقال: “في حال نجاح التجربة ستعمم على بقية المحافظات”، وهي إشارة واضحة إلى تبني مشروع فصل حضرموت.
أياً كان الشكل السياسي حتى لو لم يطلق عليه الشكل الكونفدرالي، جاء ذلك خلال ترؤس العليمي الأحد 25 يونيو لقاء موسعاً في المكلا بقيادات السلطة المحلية والقيادات الأمنية والعسكرية (الموالية للتحالف) والشخصيات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني.
تستخدم السعودية العليمي لتمرير مشروعها هذا، وفي زيارته هذه افتتح العليمي، الأحد، 20 مشروعا إنمائيا، بدعم سعودي في محافظة حضرموت، بتكلفة مليار و200 مليون ريال سعودي.
في هذه الزيارة التي جاءت بأمر سعودي، رافقت العليمي شخصيات كبيرة، أريد لها أن تكون ضمن الحضور كنوع من تقديم موقف داعم للتحركات السعودية في المحافظة، وهم بحسب مناصبهم في الحكومة الموالية للتحالف: “رئيس مجلس الشورى” أحمد بن دغر، و”مستشار رئيس مجلس القيادة الرئاسي” حيدر أبو بكر العطاس، و«نائب رئيس مجلس النواب»محمد الشدادي، و”نائبا رئيس هيئة التشاور والمصالحة” عبدالملك المخلافي، والقاضي أكرم العامري، و”مدير مكتب رئاسة الجمهورية” الدكتور يحيى الشعيبي، و«الأمين العام لرئاسة الجمهورية» ياسر الشقي، و«وزير الصحة العامة والسكان»الدكتور قاسم بحيبح، و«وزير النفط والمعادن» سعيد الشماسي، وعدد من المسؤولين وأعضاء مجلسي النواب والشورى، والشخصيات الاجتماعية.

أترك تعليقاً

التعليقات