قائد الثورة وفلسفة الصراع
 

أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -

يستند قائد الثورة على المبدأ الفلسفي القائل بملازمة الصراع للحياة البشرية، وعلى أساس حرية الإنسان في اختيار الموقف من الصراع، مستدلاً على ذلك بالآيات القرآنية، ساخراً مِمَّن يتوهمون أن الحياة مثالية دون صراع. وليس من قبيل الترف النظري أن يتبنى قائد الثورة في خطاباته هذه المسائل الفلسفية، بل يأتي ذلك في سياق تصديه لمهمة قيادة مقاومة العدوان الاستعماري التوسعي على اليمن، فيأخذ ذلك التنظير بُعداً وطنياً نضالياً ملموساً، وليس فقط بعداً نظرياً، ويتفق ذلك مع ما قاله الفيلسوف الألماني كارل ماركس، الذي اعتبر أن "سلاح النقد لا يمكن أن يحل محل نقد السلاح، القوة المادية لا يمكن القضاء عليها إلا بالقوة المأدية, لكن النظرية تغدو هي أيضاً قوة مادية حين تستحوذ على الجماهير". 
بتلك الفلسفة الواقعية يواجه قائد الثورة التنظيرات السياسية المثالية عن الصراع، التي تسيء وتؤثر على عملية مواجهة العدوان، حيث تبرز أصوات مثالية -برغم إدانتها للعدوان وجرائمه- مثبطة لجهود مقاومة العدوان، وأصوات أخرى ترد الحرب إلى "استفزاز" القوى الوطنية اليمنية للاستعمار، وتُصور الحرب بأنها حدث غير موضوعي جاء كرد فعل ميكانيكي من خارج التاريخ الراهن وطبيعة التهافت الاستعماري فيه، وترى تلك الآراء المثالية بأن السلام ممكن أن يستتب بمجرد قبول واقع الاستعمار، وهي دعوات تنفي جدلية الصراع في الوجود الاجتماعي –ويفضحها واقع المحافظات اليمنية الجنوبية الخاضعة لوصاية تحالف العدوان- وتنفي مثل هذه الأطروحات عن النظام العالمي السائد -الأحادي القطبية- طابعه العدواني الاستعماري/الإمبريالي. فيما الطبيعة العدوانية مُلازمة للنظام الإمبريالي الذي تتصدره الإمبريالية الأمريكية الراعي الأول للعدوان على اليمن، وبحسب تحليل المفكر الروسي فلاديمير لينين؛ فإن الامبريالية تتطور في اتجاه رجعي عدواني ونفي كلي للديمقراطية. 
ويعتبر قائد الثورة أن مآسي الصراع القائم في الوجود البشري مصدرها عدوانية قوى الشر، وليست قوى الحق والعدل، التي هي في واقعنا اليمنية قوى الثورة والتحرر الوطني.
ولا يتجلى الصراع في منطق قائد الثورة كصراع فوضوي، بل صراع بين "الخير" و"الشر"، وهي قيم ليست مجردة فقط في الأدمغة والكتب المقدسة والفلسفات الشرقية القديمة، بل هي انعكاس لمجريات الواقع في الأرض، بين من يريدون استعباد الناس وبين من يدافعون عن الحرية، ووفق هذا فالإنسان مُخير إما أن يكون مع هذا الجانب أو ذلك الجانب، ولا وجود للطرف المحايد. والمحايد في القضايا الوطنية ملغي من حساب الزمن ونقطة الضعف، جسر عبور الاستعمار كما يقول المفكر والأديب اليمني عبد الله البردوني. 
وعلى الرغم من حديث السيد عن حتمية الصراع على الأرض، إلا أنهُ لا يقدمه عبثياً وعدمياً، بل يربطه بجوانب روحية تُهذب من يُمارس هذا الصراع من موقعه كصاحب قضية. هذه الجوانب القيمية تجعل الإنسان يخوض الصراع بقيم ومشاعر سامية تتلمس الإنسانية، وقد انعكست هذه الموجهات الأخلاقية بشكل مادي ملموس في سلوك الجيش واللجان الشعبية مع الأسرى، على العكس من سلوك الجماعات المسلحة المُرتزِقة التي تقاتل مع العدوان.

أترك تعليقاً

التعليقات