21 أيلول.. إبداع شعبي خلاق (*)
 

أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
لم تكن الحركة الاحتجاجية الشعبية التي انتصرت في 21 سبتمبر/ أيلول، وثبتت واقعاً سياسياً جديداً كثورة شعبية، منفصلة عن السياق التاريخي اليمني. بل كانت نتاجاً مباشراً للظروف الشاملة التي عانى منها اليمن في تلك الفترة.
ولم تكن الثورة مخططاً مسبقاً من قبل أنصار الله أو مشروعاً خارجياً، بل تدحرجاً للأحداث وانفجاراً للأزمات التي تراكمت قبل 2014م.
لقد أثبتت ثورة 21 سبتمبر/ أيلول الطابع الإبداعي الخلاّق للجماهير الشعبية اليَمَنية والجماهير على الدوام مُبدعة الثورة، تتوقّف قدرتها الإبداعية والتحويلية على المكوّن الثوري الذي يُشجّع ويُهذّب ويُدير نشاطها الثوري.
ففيما كانت الجماهير الثورية في الشارع تمارس الفعل الميداني كانت القيادة الثورية والسياسية تلتقي بالأطراف السياسية وبالسلطة، رافضة التنازل عن الأهداف المطروحة ومُبدية الموافقة على إيقاف العمل الثوري في حالة تلبية الأهداف المطروحة، وبهذا توحدت الصلابة المبدئية مع المرونة.
وفي تلك المرحلة الحساسة قادت قوى الثورة المعركة السياسية بشكلٍ حكيم، مع الوضوح التام وإطلاع الجماهير على الحقائق والمفاوضات السياسية، ما عزز ثقة الجماهير بالقيادة الثورية، وقد تحدد الخطاب والأداء السياسي آنذاك بما كان يُعبّر عنه قائد الثورة في مختلف خطاباته، بالوضوح المبدئي: «موقفنا موقف الشَّعْب ونحن جزء منه، ويجب أن يكون تحركاً عاماً لا يعبر عن فئة بخصوصها»، ومواجهة الخطاب المعادي للثورة بالتأكيد «نحن جمهوريون»، وباجتذاب أحرار الجيش والأمن ودعوتهم بعدم خذلان الشَّعْب والالتحام به وعدم الإصغاء إلى القوى التي تريد الزج به إلى معارك غير عادلة، والتصريح «بعدم قبول أي مساومة على حساب الشَّعْب»، والتأكيد على سلمية الثورة، وإدانة مواقف السفارات المعادية للثورة، والتصريح بكل شجاعة بأن من حق الشَّعْب اليَمَني أن تُستجاب مطالبه وأن يَفرضها فرضاً.
قراءة ثورة 21 سبتمبر/ أيلول من خارج سياقها التاريخي لن تُمكن القارئ -صديقا أم خصما- من فهم أسباب انتصارها أو استمرار صمودها رغم تكتل خصومها في الداخل والخارج منذ لحظة انتصارها، ودخولهم في حرب عدوانية مضادة في عام 2015م استمرت حتى 2022م، قبل أن تبدأ مرحلة خفض التصعيد.
النخبة السياسية والعسكرية والاقتصادية التي كانت سائدة قبل 21 سبتمبر/ أيلول فقدت قدرتها على البقاء وجاءت الثورة لتسقطهم بعد استنفاد قدرتهم على البقاء، ولاتزال هذه القوى عاجزة عن العودة رغم الدعم العسكري الأجنبي. وقد تفتت هذه النخبة؛ حيث سقط «هادي» و»محسن»، وفشل تمرد «صالح». أما من يقاتل اليوم إلى جانب تحالف العدوان فهم من الصف القيادي الثاني، مثل العليمي وطارق صالح وعثمان مجلي وصغير بن عزيز، فسبق أن هُزموا في صنعاء وصعدة.

(*) من دراسة بحثية للكاتب تحت عنوان «ثورة 21 سبتمبر الشعبية.. السياق التاريخي والظروف الموضوعية».

أترك تعليقاً

التعليقات