فصول من العدوانية الإمبريالية في أميركا اللاتينية (2 - 3)
- أنس القاضي الثلاثاء , 10 ديـسـمـبـر , 2019 الساعة 6:04:44 PM
- 0 تعليقات
أنس القاضي / #لا_ميديا -
بحلول بداية القرن التاسع عشر، اشتدت التناقضات بين المبادئ الإنسانية والديمقراطية التي أعلنها الزعماء الأمريكيون وبين سلوك الدولة الرأسمالية الأمريكية، وقد أدى واقع التناقضات إلى تخلي الزعماء الأمريكيين عن التراث الثوري والتحرري الذي واجهوا به بريطانيا في حرب الاستقلال، وتنكروا لمبدأ حق الشعوب في تقرير المصير، وهو المبدأ الذي تم تثبيته في إعلان الاستقلال الأمريكي، بل تحريف هذا المبدأ وتفسيره كحق طبيعي للأمريكيين في التوسع، وقد لجأ الرئيس توماس جيفرسون إلى هذا التفسير لكي يدعم الرغبة الاستعمارية الأمريكية في ضم أراضي لويزيانا.
السياسة الاستعمارية الأمريكية في البحر الكاريبي
في نهاية القرن التاسع عشر عندما كانت أمريكا تتأهب لبدء الصراع من أجل إعادة تقسيم العالم، بدأ الجهاز العسكري البيروقراطي يمارس تأثيرا على السياسة الخارجية للبلاد، وبدأت الدوائر الأمريكية الحاكمة تتلفت لصوت المنظرين العسكريين الذن كانوا يرسمون خطوط الأساليب الملموسة للتوسع ويدعون إلى ضرورة الاستخدام الواسع للقوات العسكرية باعتبارها عاملاً حاسماً في السياسة الخارجية.
ومن بين المنظرين العسكريين البارزين، الكابتن البحري الأمريكي ماهان الذي يستمر تأثير مفاهيمه العسكرية على البنتاجون الأمريكي حتى اليوم، والعمل الرئيسي لماهان هو كتابه "تأثير القوة البحرية على التاريخ"، الذي ظهر عام 1873 وقد أُعيد طبعه أكثر من 30 مرة في الولايات المتحدة وإنجلترا.
انطلق ماهان من أن القوة الرئيسية في أي دولة بحرية إنما تتمثل في بحرية قوية وشبكة من القواعد البحرية والسيطرة على الخطوط البحرية. وهكذا فقد راح ماهان يحث الولايات المتحدة الأمريكية على أن تستولي على البحر الكاريبي قبل أي شيء، وراح يقول: "في البحر الكاريبي يكمن المفتاح الاستراتيجي للمحيطين العظيمين الأطلنطي والهادي، وهما حدودنا البحرية الرئيسية".
وكان ماهان يعتبر السيطرة على البحر الكاريبي شرطاً رئيسياً لكسب السيطرة الأمريكية على القارة، حيث قال: "سيتعين على الولايات المتحدة أن تمتلك في البحر الكاريبي محطات تصلح لأن تكون قواعد عمليات طارئة أو ثانوية وهي المحطات التي ستتمكن أساطيلها من البقاء على مقربة من مسرح الأحداث بنفس قرب خصومها، وذلك بفضل مزاياها الطبيعية وإمكانية الدفاع عنها وقربها من القضية الاستراتيجية المحورية. ومع الاستعداد العسكري السليم الذي تملكه كل مقوماته الضرورية فإن تفوق الولايات المحددة في هذا المجال يصبح مؤكداً".
دعا ماهان في عدد من الكتابات عشية الحرب الأمريكية الإسبانية، أواخر القرن التاسع عشر، إلى سياسة استعمارية نشطة في نصف الكرة الغربية وإلى استغلال التناقضات هناك لصالح الولايات المتحدة.
كان البرنامج العريض للتوسع الإقليمي الوارد في كتابات ماهان يعكس بالفعل الرؤية المستقرة لدى الطبقة الحاكمة الأمريكية في ذلك الوقت تجاه البحر الكاريبي، باعتباره الهدف الأقرب للغزو العسكري والسياسي وأن ذلك سيوفر منطقة عمليات للتوسع الاستعماري المستقبلي.
تكراراً لسياسة ماهان، أعلن السيناتور الأمريكي كابوت لودج عام 1895 أن الدول الصغيرة في أمريكا الوسطى والبحر الكاريبي هي شيء من الماضي ولا مستقبل أمامها، فالدول الكبرى من أجل دفاعها تمتص بسرعة كل المناطق الخاوية في الأرض، معتبراً هذا التوسع الاستعماري حركة من أجل الحضارة وتقدم الجنس البشري، وعلى اعتبار أن أمريكا من أعظم الأمم في العالم فليس عليها أن توقف مسيرة التوسع الاستعمارية.
وإن الاستيلاء الفعلي على كوبا وبورتريكو من أيدي إسبانيا جاء مصداقاً عملياً للسياسة العدوانية الأمريكية آنذاك.
بعد فترة قصيرة من الحرب الأمريكية الإسبانية اعترفت الدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية رسميا بمفهوم الأهمية الاستراتيجية العسكرية للبحر الكاريبي بالنسبة للولايات المتحدة، ففي العام 1904 صاغ الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت نظريته المتطورة عن مبدأ مورنو العدواني، وبناءً عليها فمن حق الولايات المتحدة الأمريكية التدخل في شؤون أمريكا اللاتينية باعتبار أمريكا قوة بوليس دولية، وهكذا فتح الرئيس روزفلت حقبة جديدة من العدوانية والخشونة الأمريكية في السياسة الخارجية مع جيرانها، فعندما كان روزفلت لا يزال مساعداً لوزير البحرية كان من أشد المتحمسين لنظرية ماهان العدوانية، وخلال رئاسته بدأ الحشد المكثف للبحرية الأمريكية.
شافيز والاغتيالات السرطانية لزعماء أمريكا اللاتينية
تنتهج الولايات المتحدة سياسة العدوان والعمل الإجرامي كوسيلة أساسية في مواجهة حركات التحرر الوطنية النزّاعة إلى الاستقلال، وكذلك في مساعيها لتصفية منافسيها الدوليين. وللولايات المتحدة سجل أسود حافل بالجريمة بحق شعوب الأرض، ومن هذه الجرائم استخدام السرطان لاغتيال القيادات والرؤساء.
قال الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز قبل رحيله: "من الصعب جدا تفسير لماذا أصيب الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا وخليفته الرئيسة ديلما روسيف، ورئيسة الأرجنتين، كريستينا كيرشنر، بالسرطان في نفس الوقت تقريبا".
وقال تشافيز إن الرئيس الكوبي الراحل فيدل كاسترو حذره ذات مرة قائلا: "شافيز خذ حذرك. هؤلاء الناس لديهم تكنولوجيا متطورة. أنت مهمل جدا. خذ الحذر مما تأكله، وما يُقدم إليك من طعام. إبرة صغيرة يحقنونك بها بما لا تدري".
ولم يكن في علم الرئيس شافيز بأنه سيصبح ضمن مجموعة زعماء أمريكا اللاتينية الذين أصيبوا بالسرطان فجأة.
في أغسطس 2010، اكتشف الرئيس الباراغواياني فرناندو لوغو أن لديه ورماً سرطانياً في الغدد اللمفاوية. تعافى رئيس بارغواي فرناردوا لوغو، ولكن أطيح به في انقلاب نظمته وكالة المخابرات المركزية. وفي العام 2009، خضع الرئيس البوليفي إيفو موراليس لعملية جراحية قام بها فريق طبي كوبي، لاستئصال ورم سرطاني اكتشف في أنفه.
دبرت الولايات المتحدة الأمريكية كل عمليات التسميم السرطانية، لقلب الأنظمة الوطنية في أمريكا اللاتينية، والسيطرة عليها.
بعد وفاة الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز في مارس عام 2013 إثر إصابته بسرطان الحوض، قال الرئيس الفنزويلي الجديد نيكولاس مادورو، إن تشافيز قد اغتيل من خلال استخدام سلاح فيروسي للسرطان تم تطويره من قبل الولايات المتحدة.
تدخلات عدوانية فاشلة في فنزويلا البوليفارية
منذ صعود مادورو إلى الرئاسة في فنزويلا تعرض لأكثر من محاولة اغتيال كان آخرها بمناسبة يوم الجيش الفنزويلي 2018م، اتهم شافيز الولايات المتحدة بالوقوف وراءها. وقد نفذت العملية الفاشلة بطائرة بدون طيران استهدفت الرئيس مادورو وهو يلقي كلمة في ساحة العروض العسكرية في العاصمة الفنزويلية كاراكاس.
تعمل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، منذ زمن طويل، على تطوير أساليب سرية لاغتيال القادة السياسيين المعارضين للولايات المتحدة. وقد طورت الاستخبارات الأمريكية أسلحة السرطان بالتعاون مع الدكتور ألتون أوشنر، الرئيس السابق لجمعية مكافحة السرطان الأمريكية.
حاولت شعبة الخدمات الفنية في الاستخبارات الأمريكية، برئاسة الدكتور سيدني غوتليب، استخدام السم والأدوية المسببة للسرطان والمواد المشعة لقتل الزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو. واستخدم الأمريكان ذات المواد المُسرطنة في محاولة اغتيال رئيس الوزراء الكونغولي باتريس لومومبا. نجا كاسترو من عشرات محاولات الاغتيال التي دبرتها وكالة المخابرات المركزية، في حين اغتيل لومومبا عام 1961 بدعم أمريكي.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة صادقت على اتفاقية حظر استخدام الأسلحة البيولوجية وحيازتها عام 1972، لكن قسم العمليات الخاصة بوكالة الاستخبارات المركزية في الجيش الأمريكي بولاية "ماريلاند" وشعبة الخدمات التقنية في وكالة الاستخبارات المركزية، واصلا صيانة وتطوير مخزونات العوامل البيولوجية المسببة للسرطان المستخدمة في العمليات الاجرامية.
الانقلاب على الديمقراطية الوطنية في تشيلي
في صبيحة الحادي عشر من سبتمبر عام 1973، دبرت المخابرات المركزية الأمريكية انقلابا في تشيلي ضد الرئيس الشرعي المنتخب ديمقراطيا سلفادور أليندي، نفذه الجنرال العميل أوغستو بينوشيه، وكانت نتيجة الانقلاب مقتل الرئيس سلفادور أليندي، وإعدام 30 ألفا من الشخصيات والكوادر الوطنية العسكرية والمدنية، واعتقال 100 ألف آخرين، وعودة الشركات الأمريكية لنهب ثروات البلاد.
ففي العام 1970 كان المرشح الاشتراكي سلفادور أليندي قد فاز بالرئاسة التشيلية عبر الانتخابات الديمقراطية، لتتشكل أول حكومة وطنية في تشيلي معارضة للهيمنة الأمريكية. أطلق أليندي، فور فوزه بالرئاسة، مشروع الانقاذ الوطني، الذي تضمن رفع أجور الموظفين وتأميم القطاعات الإنتاجية الرئيسية.
استاءت الولايات المتحدة من قرارات التأميم التي اتخذها أليندي، فعملت في بداية الأمر على الضغط الاقتصادي ضد تشيلي، وحرضت هيئات التعاون الإقليمي ضدها، وخوَّفت المستثمرين من ضخ أموالهم في الاقتصاد التشيلي.
تصاعدت المؤامرات الأمريكية ضد الحكومة الوطنية في تشيلي، ووصلت إلى حد تمويل إضرابات اجتماعية لسائقي الشاحنات؛ في مسعى لعرقلة حركة النشاط التجاري المحلي. ومع فشل كل هذه المؤامرات الأمريكية في التأثير على النظام الوطني، لجأ الأمريكان إلى التخطيط للانقلاب على النظام الوطني في تشيلي واغتيال الرئيس الاشتراكي، سلفادور أليندي.
المصدر أنس القاضي
زيارة جميع مقالات: أنس القاضي