أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -

تأتي التطورات الأخيرة في الجنوب اليمني في سياق المشروع البريطاني، فالمملكة المتحدة هي الفاعل الدولي الأول في الجنوب اليمني، وكامتداد للسياسة الاستعمارية البريطانية القديمة، تنفذها الإمارات حاليا. وحين انسحبت بريطانيا من عدن، كانت نقلت إلى مشيخة الإمارات مقر «قيادة المستعمرات في الشرق الأوسط وأفريقيا». 
إن جوهر السياسة الاستعمارية البريطانية التي يجري تطبيقها، مع استيعاب تطورات الزمن والقوى والتفاعلات الجديدة، هذا الجوهر هو تقسيم الجنوب اليمني إلى إقليمين فدراليين (كما جاء في مخرجات الحوار الوطني غير المتفق عليها) امتدادا لتقسيمه سابقا إلى محميتين؛ كل إقليم يحتوي على المناطق ذاتها، التي كانت سلطنات وتسمى حاليا ولايات، وهذا المشروع يستوعب الطموحات الأمريكية والسعودية وحتى الروسية والصينية، أي ينسجم مع طبيعة النظام العالم الحالي، فكل دولة ستكون مستعدة لدعم إقليم معين ومشيخات وقوى وتيارات فيه، لضمان النفط أو السواحل أو الموانئ أو القواعد العسكرية، أو القنوات والأنابيب النفطية. وجدير الذكر بأن سفراء كل من بريطانيا أمريكا وروسيا وممثلين عن الصين قاموا بزيارة المحافظات الجنوبية اليمنية في الأعوام الماضية وخاصة عدن وحضرموت وشبوة. 
على غرار ما فعلته بريطانيا حين قررت الانسحاب من عدن، قامت بتشكيل «حكومة اتحاد الجنوب العربي» و»الجيش الاتحادي»، لضمان مصالحها، تقوم الإمارات حالياً ومن بعد إعلانها سحب قواتها من اليمن، بدعم الانتقالي وأحزمته الأمنية، لفرضه طرفاً فاعلاً في «الشرعية» معترفاً بها مؤقتاً حاكماً ذاتياً للجنوب، ليضمن للإمارات وبريطانيا المصالح والطموحات الاستعمارية. 
وجدير بالذكر أن السير وليام لوس، المستشار البريطاني المعتمد في عدن والذي هندس تشكيل «اتحاد إمارات الجنوب العربي» (1959)، هو نفسه الذي هندس تشكيل «دولة الإمارات العربية المتحدة» (1971).
ومن أجل إسقاط هذا المشروع اضطرت الجبهة القومية إلى نهج الكفاح المسلح، الذي كان موجهاً بشكل أساسي ضد السلطنات، ومن أجل توحيد جنوب اليمن وليس ضد بريطانيا التي كانت توشك على الرحيل وحددت موعد خروجها على أن يكون عام 1968م. وقد وصلت احتياطات سلطة «اليمن الديمقراطية الشعبية» سابقاً إلى إعطاء المحافظات أرقام (1-6) بدلاً من الأسماء، من أجل محو الهويات والعصبيات السياسية الحاكمة (السلطانية المشيخية القبلية الجهوية) التي غذتها بريطانيا، وعادت الإمارات اليوم إلى تغذيتها وتسليحها، وبعث السلاطين والمشايخ والأمراء الذين يشكلون ثقلاً كبيراً في قوام قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي. بل إنه ليس من المصادفة أن يكون هاني بن بريك قائد القوات السلفية في الانتقالي، إذا عرفنا أنه من أُسرة أو قبيلة عرف عنها التعامل مع بريطانيا ففي 30 مايو 1876 اجتمعت قيادة «جيش الجنوب العربي» ورشحت العقيد ناصر بريك قائدا لجيش اتحاد الجنوب العربي.
يحتوي هذه التقرير على عدد من الاستراتيجيات الاستعمارية البريطانية، وامتداداتها الإماراتية، ووفق رؤيتها، تساعدنا في استشراف مستقبل الأحداث في جنوب اليمن وعدم الاستغراب من التطورات التي سوف تحدث وسوف تأتي امتداداً وتكراراً لما صنعته بريطانيا أو مختلفة نسبياً مستوعبة لتغيرات الواقع عما كان عليه قبل ثورة 14 أكتوبر المجيدة والاستقلال الوطني 30 نوفمبر 1967م 

الاستراتيجيات الاستعمارية العامة
تتشابه الاستراتيجية البريطانية (سابقاً)، مع الممارسات الإماراتية (حالياً)، وهو ما يتضح في النقاط التالية:
ـ الاستعمار البريطاني كان يعتبر اليمنيين الشماليين في عدن أجانب، يمارس ضدهم عمليات التسفير الجماعي، بقصد القضاء على يمنية عدن وعروبتها. واليوم يمارس الانتقالي ممارسات مشابهة في حق الشماليين، وللهدف نفسه، وهو محاربة يمنية عدن ووحدويتها.
ـ قام الاستعمار البريطاني، بإنشاء جيش اتحادي لإمارات الجنوب العربي، وجيوش خاصة لكل إمارة، وتولى دعمهما، وهو نفسه ما قامت به الإمارات بتشكيل أحزمة ونُخب عسكرية مناطقية.
ـ قام الاستعمار البريطاني بتشكيل اتحاد فيدرالي بين الإمارات والمشيخات، واليوم ينادي الانتقالي إلى جنوب عربي فدرالي، وفي تقسيم الأقاليم في مؤتمر الحوار تم اعتماد هذه الصيغة.
ـ الاستعمار البريطاني كان قد حدد مسبقاً سنة 1978 موعداً أقصى لانسحابه، ولهذا فقبل تنفيذه هذا القرار قام بتشكيل حكومة اتحاد إمارات الجنوب العربي، وسلحها، من أجل أن تحافظ له على المصالح الاستعمارية وتظل مرتبطة به. وحاليا الإمارات بعد رغبتها بالتهدئة مع إيران واليمن، عملت على تقوية الانتقالي وأعطته الضوء الاخضر للانقلاب، ومكنته ليكون قادراً على تأمين مصالحها الاستعمارية والتوسعية في الجنوب وعدن.
ـ بريطانيا ساندت بني سعود في حرب 1934م، ضد المد التوحيدي التحريري اليمني بقيادة الإمام يحيى، وكان الهدف تمكين السعودية من التوغل في اليمن وإلحاقها بالسعودية ومحو شخصيتها الوطنية. وحالياً تقوم الإمارات عبر المجلس الانتقالي بالدور ذاته، مع تغيير طفيف في الأمر، وهو أن الإمارات عبر الانتقالي صدرت إلى الحدود الشمالية اليمنية مرتزقة محليين، فيما صدرت بريطانيا خبراء وقوات جوية.
ـ دخلت بريطانيا عدن للمرة الأولى عن طريق شركة الهند الشرقية الإنكليزية، باتفاق امتيازات خاصة لها في الميناء مع سلطان لحج مطلع القرن التاسع عشر، بينما دخلت الإمارات عدن عن طريق اتفاق امتياز لشركة دبي العالمية للموانئ عام 2008، وبعد فض الاتفاق عام 2013م صرح السفير البريطاني بأن أي امتياز جديد في الميناء يجب أن يكون لبريطانيا، وفقاً لاتفاق الامتياز القديم.
ـ السيطرة العسكرية البريطانية بدأت من عدن، ثم جزيرة ميون في باب المندب، ثم سقطرى، ثم ذهب البريطاني إلى الساحل الغربي (الذي كان تحت سيطرة العثمانيين آنذاك)، ثم تراجع، بينما سيطرة الإمارات (حالياً) ماثلت خط السير البريطاني، إلا أنها لم تنسحب من الساحل الغربي بعد.
ـ كانت بريطانيا تشن حملات تأديبية ضد التمردات الداخلية بدعوة موالاة الشمال، كما حدث ضد لحج وردفان والضالع. وبالمثل قامت الإمارات بحملات تأديبية باسم مكافحة الإرهاب في شبوة وحضرموت وأبين.
ـ قامت بريطانيا باختيار مشايخ بائسين في ساحل البحر العربي وأعطتهم المال والسلاح وعقدت معهم اتفاقيات الحماية وأسست «دولة الإمارات العربية المتحدة». وراهناً بحثت الإمارات عن شخصيات ليست ضمن قيادات الحزب الاشتراكي التاريخية ولا من قيادات الحراك الجنوبي، ووضعتهم في أعلى قيادة المجلس الانتقالي.
ـ بدأت بريطانيا بتشكيل جيوش للسلطنات، ثم قبل خروجها صنعت لهم الشكل السياسي، (اتحاد إمارات الجنوب العربي). والإمارات (حالياً) بدأت بصناعة جيوش مناطقية في الجنوب للانتقالي، ثم أعطته الشكل السياسي كممثل للجنوب، وتتجه إلى إعلان الجنوب دولة اتحادية فدرالية.

أترك تعليقاً

التعليقات