خطة ترامب وآثارها على المقاومة والسيادة
 

أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
تمثل خطة ترامب الشاملة لقطاع غزة محاولة الإعادة صياغة المشهد الفلسطيني تحت وصاية دولية تقودها واشنطن والكيان الصهيوني، تقوم الخطة على وقف فوري للحرب مشروط بقبول الطرفين .
مقابل انسحاب إسرائيلي» مرحلي مرتبط بإطلاق الرهائن والإفراج عن أسرى فلسطينيين. وتطرحالخطة حكومة انتقالية تكنوقراطية غير سياسية تحت إشراف مجلس سلام يرأسه ترامب ويضم شخصيات دولية مثل توني بلير»، إلى جانب قوة «استقرار دولية» ، تسيطر على الحدود وتنفذ عملية نزع سلاح شامل للمقاومة ، كما تتضمن الخطة عفوا مشروطا لعناصر المقاومة التي ستتخلى عن السلاح، وتمويلا دوليا لإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، مع إنشاء منطقة اقتصادية خاصة وحوافز استثمارية، أي العودة إلى فكرة «صفقة القرن» .

البنية العامة للخطة
تقوم خطة ترامب على مقاربة مزدوجة تمزج بين وقف العمليات العسكرية من جهة، وإعادة تشكيل المشهد السياسي والأمني في غزة من جهة أخرى . فهي تنص على وقف فوري للقتال إذا قبل الطرفان . بما يشمل تجميد خطوط التماس وانسحابا مرحليا للقوات الإسرائيلية» إلى حدود متفق عليها ، على أن يرتبط هذا الانسحاب بتنفيذ بنود متدرجة تتعلق بإطلاق سراح الرهائن والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين .
هذه الصيغة تمنح «إسرائيل» فرصة الحفاظ على السيطرة الميدانية حتى استيفاء الشروط التي حددتها الخطة، وهو ما يجعل وقف إطلاق النار مشروطا ومؤقتا أكثر من كونه وقفا شاملا ونهائيا . كما أن ربط الإفراج عن الرهائن والأسرى بجداول زمنية قصيرة وبنسب تبادل غير متكافئة يكشف عن طابع أمني ضاغط يضع المقاومة أمام مقايضة قاسية بين إنقاذ الأسرى الفلسطينيين وبين الحفاظ على سلاحها ودورها السياسي.

الإطار المؤسسي والوصاية الدولية
تتضمن الخطة إنشاء حكومة انتقالية مؤقتة في غزة، تتكون من لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية مهمتها إدارة الخدمات البلدية واليومية . وذلك تحت إشراف هيئة دولية جديدة أطلق عليها اسم «مجلس السلام»، هذه الهيئة يرأسها ترامب نفسه ويشارك فيها قادة دوليون بينهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وتمنحصلاحية الإشراف على إعادة الإعمار وإدارة التمويل .. إن هذه الصيغة تعكس بوضوح نية فرض وصاية مباشرة على القطاع، بحيث تجرد الفصائل الفلسطينية من شرعيتها السياسية، ويعاد إنتاج سلطة بديلة تستمد شرعيتها من الخارج لا من الداخل، ويظهر من النص أن عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة مشروطة باستكمال برنامجها الإصلاحي، ما يعني أن المرحلة الانتقالية مرشحة لأن تطول، وأن إدارة غزة ستبقى خاضعة لاحتلال أمريكي صهيوني باسم «القوات الدولية».

المسار الأمني وإعادة هندسة المقاومة
يشكل الجانب الأمني قلب الخطة ، إذ ينص على نزع السلاح الكامل من غزة، وتدمير البنية العسكرية للمقاومة بما فيها الأنفاق ومصانع السلاح، وضمان عدم إعادة بنائها مستقبلاً، وتكلف قوة استقرار دولية (ISF) بقيادة الولايات المتحدة، وبمشاركة شركاء عرب ودوليين بمهام ضبط الحدود مع مصر و » إسرائيل» ومنع تهريب السلاح، إلى جانب تدريب شرطة فلسطينية محلية. هذه القوة لا تقتصر على دور رقابي بل ستصبح الحارس الفعلي لأمن غزة الداخلي والخارجي، بما يحولها إلى سلطة أمنية موازية أو بديلة. كما أن منح العفو الأعضاء حماس شريطة التخلي عن السلاح، وتأمين ممرات آمنة لمن يختار مغادرة غزة، يكشف عن محاولة لتفكيك المقاومة من الداخل عبر إغراءات العفو والدمج أو و الترحيل، بما يشبه برامج إعادة الإدماج التي طبقت في نزاعات أخرى وانتهت بتفكيك الحركات ت المسلحة لصالح وصاية دولية.

البعد الاقتصادي - الإنساني
ترفق الخطة جانباً اقتصادياً واسعاً يقوم على ضخ المساعدات الإنسانية بشكل فوري، وإعادة تشغيل | البنية التحتية الحيوية من مياه وكهرباء وصرف بـ صحي ومستشفيات ومخابز، كما تتحدث عن إنشاء ت منطقة اقتصادية خاصة وتقديم حوافز جمركية واتفاقات وصول مع الدول المشاركة، في إطار ما و وصف بـ » خطة ترامب الاقتصادية». ويراد من هذه صـ الحزمة أن تحوّل غزة إلى نموذج للتنمية المرتبطة أ. بالسلام، بحيث يصبح الاقتصاد أداة لإعادة تشكيل الوعي الجمعي وتحييد دوافع المقاومة. غير أن هذه المقاربة تجعل من المساعدات حقا مشروطا . مرتبطا بمدى التزام الفصائل بشروط نزع السلاح ) والقبول بالوصاية. وبذلك تتحول الإغاثة والإعمار 1 من حقوق إنسانية أساسية إلى أدوات ضغط سياسي -وتصبح التنمية الاقتصادية وسيلة لفرض استقرار -زائف ، لا لمعالجة جذور القضية.

مواقف الفاعلين المحليين والإقليميين 
قوبلت الخطة بموجة من المواقف المتباينة فقد أكدت حركة حماس، على لسان محمود مرداوي ، أن الخطة لم تعرض عليهم مسبقا وأنها قريبة من الرؤية «الإسرائيلية وغير مضمونة، مشددة على أن سلاح المقاومة تحرري لا عدواني .
أما حركة الجهاد الإسلامي، على لسان أمينها العام زياد النخالة، فوصفتها بأنها وصفة لتفجير المنطقة واستمرار العدوان، مؤكدة أنها اتفاق «أمريكي - إسرائيلي» صرف .
من جهة أخرى، رحبت السلطة الفلسطينية بما سمته جهود ترامب الصادقة، بما يوفر غطاء رسميا للخطة، في حين صدرت مواقف عربية متفرقة تبارك المبادرة من قطر والأردن والإمارات والسعودية ومصر وتركيا، وهو ما يعكس اصطفافا إقليميا ضاغطا على المقاومة.
في المقابل، شن مفكرون وسياسيون بارزون مثل محمد البرادعي هجوما على الخطة، واعتبروها مخطط إذعان وخنوع، بينما رفض إعلام غزة الرسمي الخطة واعتبرها محاولة لفرض وصاية دولية تشر عن الاحتلال.

الإشكاليات الجوهرية وقابلية التنفيذ
تكشف القراءة الأولية أن الخطة تقوم على مقايضة أساسية وقف الحرب مقابل نزع المقاومة وإخضاع غزة لوصاية دولية. هذه المقايضة تحمل في طياتها عدة إشكاليات.
أولا: إن قبول المقاومة بهذه الشروط يكاد يكون مستحيلاً، لأنها تعني انتحارها السياسي والعسكري.
ثانياً: حتى إذا قبلت بعض البنود جزئياً ، فإن تنفيذها سيصطدم بتعقيدات ميدانية وشرعية، مثل تحديد تفويض قوة الاستقرار الدولية، ومعايير الانسحاب الإسرائيلي»، وطبيعة الحكومة التكنوقراطية .
ثالثا: يفتح بند المناطق الخالية من الإرهاب» الباب أمام تجزئة غزة وتطبيق انتقائي للخطة . بحيث تدار أجزاء من القطاع تحت الوصاية بينما تبقى أجزاء أخرى ساحة مواجهة مفتوحة .
رابعا: ربط المساعدات والإعمار بشروط سياسية وأمنية يحول دون بناء ثقة مستدامة، ويجعل أي مكاسب إنسانية مؤقتة وقابلة للانهيار مع أول أزمة .

المخاطر الإقليمية والدولية
تنطوي خطة ترامب على مجموعة من المخاطر التي تتجاوز الساحة الفلسطينية إلى المحيطين الإقليمي والدولي. فمن جهة أولى، يهدد إدخال قوة استقرار دولية بقيادة أمريكية وبمشاركة دول عربية بتحويل غزة إلى ساحة تنافس نفوذ بين القوى الإقليمية، حيث ستسعى كل دولة مشاركة إلى تثبيت حضور أمني سياسي يضمن لها موطئ قدم في ملف القضية الفلسطينية. هذا الأمر قد يولد تناقضات داخل القوة نفسها .
خصوصاً بين الدول العربية وتركيا من جهة، وبين الولايات المتحدة و«إسرائيل» من جهة أخرى، بما يضعف فعاليتها ويزيد احتمالات الانقسام داخلها .
ومن جهة ثانية، فإن فرض وصاية مباشرة على غزة مع انعدام التوافق الوطني الفلسطيني يعمق الانقسام الداخلي بين الضفة والقطاع، ويضعف فرص استعادة الوحدة الوطنية، وهو ما قد يستثمر لاحقا لإعادة طرح مشاريع الانفصال أو الكونفدرالية مع الأردن ومصر .

أترك تعليقاً

التعليقات