مفهوم الصحافة لدى الخيواني
 

أنس القاضي

أنس القـاضي / لا ميديا -
طلب مني أن ألقي كلمة بعنوان "الخيواني الصحافي الحر الذي واجه نظاما بأكمله" بالطبع لقد فعل ذلك، لكن السؤال كان بالنسبة لي كيف استطاع فعل ذلك ولماذا، كان عليَّ أن أبحث بين كتابات الشهيد الخيواني عن تصوره للصحافة، عن مفهوم الصحافة لديه، عن سر تجربته الصحافية المميزة.
لم تكن الصحافة مهنة بالنسبة لعبدالكريم الخيواني، كما لم تكن بذاتها قضيته ليست الكتابة لأجل الكتابة، ولم يكن خريج كلية الإعلام بل العلوم السياسية، كان الخيواني مناضلاً وطنياً ديمقراطياً ثورياً وكانت الصحافة إذن أداته في هذا النضال.
المعترك السياسي هو من أدخل الخيواني عالم الصحافة وليس العكس، كان الخيواني من كوادر حزب الحق ورئيس دائرته السياسية، ثم لاحقاً انضم إلى اتحاد القوى الشعبية، وحين تم اعتقاله كان مسؤولاً عن صحيفة وموقع الشورى الناطقة باسم "الاتحاد".
الممارسة النضالية هي من بلورت مفهوم الصحافة أو تصور ما هي الصحافة لديه، كان الخيواني مناضلاً من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية كما كان منافحاً عن السيادة الوطنية رافضاً التدخلات الأجنبية، فهو وطني وديمقراطي في آن، وإن كانت معظم كتابته حول القضية الديمقراطية لطبيعة الفترة التي كتب فيها.
قبل استشهاده بيوم وقبل العدوان السعودي بثمانية أيام كتب في صفحته على "فيسبوك" ملخصاً موقفه الوطني: "الثورة باليمن رفض التبعية، رفض الوصاية الخارجية، ماعدا ذلك مجرد تغيير وجوه وصفات العملاء".
إذن في البدء كان الخيواني مناضلاً ثم وجد في الصحافة أداته النضالية السلمية، ليفتح ملفات وقضايا كانت من المحرمات.
في أحد الحوارات السياسية معه بعد خروجه من السجن في العام 2005، كان واضحاً في التعبير عن تصوره لوظيفة الصحافة عن غاية الكتابة، ورداً على سؤال عما تبحث عنه من وراء كتاباتك قال الخيواني: "أبحث عن حقي كمواطن، أبحث عن الحرية والمواطنة المتساوية والقانون، عن العدالة والقيم والأخلاق وعن أهداف الثورة والجمهورية، أنا أعتبر نفسي أكبر جمهوري داخل اليمن، لأنني كنت من أوائل من هاجموا التوريث، ورفضوا توريث الحكم، وتوريث الوظيفة العامة. أعتقد أن علي عبدالله صالح بعد ثمانية وعشرين سنة حكما يجب أن يؤكد مبدأ التداول السلمي للسلطة الذي يتغنى به، كنا قبل الثورة والجمهورية نقول: إن الهيمنة السياسية في اليمن تستند إلى مذهب وهذه حقيقة كانت تستند إلى مذهب، لكن بعد الثورة ما هو مبرر أن تستمر الهيمنة السياسية، لماذا نريد أن نحتكر الحكم باسم الدين أو باسم الجغرافيا أو باسم القوة العسكرية؟ نحن نريد أن نؤكد مبدأ التداول السلمي للسلطة، وأن يكون لليمني الأكفأ القوي الأمين لذلك الذي تتحدث عنه الشروط الدستورية"(1).
كان الخيواني مؤمناً شجاعاً صلباً مدافعاً في ثبات عن قضيته، وفي ذات المقابلة التي أجريت معه بعد خروجه من السجن، طرح عليه سؤال: يبدو أن الطريق الذي سلكته صعب ألا تخاف؟ فكان رده: "عندي قناعة أن الأعمار بيد الله.. عندما خرجت من باب السجن قبل أن أغادر البوابة الخارجية قالوا لي بشكل واضح وفي رسالة رسمية بأني سأموت مقتولاً، منذ طفولتي أسمع أن الأشجار تموت واقفة، أعجبتني هذه العبارة فأريد أن أموت كالأشجار"(2)، وفعلاً ارتقى الخيواني شهيداً وقوفاً كالأشجار.
كان يرى الخيواني في الكتابة نقداً للبناء وللإصلاح والتغيير، نحو واقع جديد، وبالتالي فالكتابة من أجل الشعب، فكتب بلغة شعبية ولكن بعيدة عن الابتذال، كان يقود القارئ نحو أفكار عميقة وقضايا معقدة انطلاقاً من حقائق بسيطة، يسعى من خلال كلماته إلى دفع الشعب للمطالبة بحقوقه. يشير إلى هذا الفهم في حوار أجراه بعد خروجه من السجن عام 2008، عندما سئل: لماذا فتحت ملفات محظورة؟
قال في رده: "ملفات التوريث، الفساد، النفط، انتهاكات الحقوق، حرب صعدة... كلها كانت ملفات في إطار نقاش قضية كيف يحكم الحاكم، أردنا أن نشخص الاختلالات، كمقدمه للمطالبة بالإصلاحات، ولتوضيح ضرورتها"(3). وهذه المهمة للصحافة راسخة لديه منذ فترة طويلة رؤية أشار إليها في ورقة عمل في ندوة عن مستقبل الديمقراطية في اليمن في العام 1997، جاء فيها ناقداً: "المعارضة كثيراً تشير في صحفها إلى قضايا الفساد والمعاناة الاقتصادية وتكشف جزءاً من جوانبها، لكنها تفشل في تحويل هذه القضايا إلى قضايا رأي عام سواءً بصحفها مجتمعة أو من خلال تصعيد أساليب الكشف والضغط على السلطة ومواجهة الفاسدين"(4).
وقد استطاع الخيواني أن يتجاوز واقع الصحافة الذي تحدث عنه، وذلك عندما أخذ مسؤولية صحيفة الشورى وموقعها الإلكتروني.
كان الخيواني يرى في الصحافة مسؤولية تجاه الشعب والوطن، مسكونا بهم المجتمع والوطن اليمني، شغوفاً بيوم حرية ورفاه الشعب، ولم يكن يبحث عن مكسب شخصي. أشار إلى هذه المسألة في حوار أجري معه بعد خروجه من السجن 2008، حين سئل: ما الذي كنت ومازلت تدافع عنه؟ فكان رده: "أنا أسعى فقط لوجود شروط وطن، ومواطنة حقيقية واحترام لحقوق الإنسان وحرياته فعلاً وأرفض الفساد، إن أبناءنا يستحقون أن نتحمل مسؤوليتنا تجاههم. إن الاستبداد والفساد والتداول السلمي للسلطة هي أهم تحديات بلداننا وهي قائمة بسبب غياب التنمية وعدم احترام حقوق الإنسان وقمع الحريات"(5). وفي 2014 حين أشيع أنه تعين في منصب أمني في أمانة العاصمة، كتب موضحاً في صفحته على "فيسبوك": "كانت أمامي فرصة وزارة أيام صالح، وبشهر أكتوبر وأنا بالحوار الوطني كانت أمامي فرصة رئاسة مجلس إدارة الثورة، ورفضت، وكان العرض من جهة الإعلام، لستُ باحثاً عن منصب، أنا أيها القوم صاحب هم ومسؤولية اجتماعية، لذا أنا أعتبر نفسي أكبر من أي منصب، سلطتي من ثقة البسطاء بالشارع ومن يأتمنونني على قضاياهم"(6).
كانت هذه لمحة سريعة عن تصور الشهيد الخيواني، للصحافة والعمل الصحفي، وتجربته جديرة بالدراسة الموسعة، فقد كان ولايزال من أبرز الأسماء الصحفية في بلادنا في مرحلة ما بعد الوحدة، كما أنه من أبرز وأشرف السياسيين والمناضلين الوطنيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان.


هوامش:
(1) عبدالكريم الخيواني في حوار مع مجلة "الرجل اليوم" الإماراتية: "أنا ضحية الرئيس". حاوره: محمد السياغي، 10/09/2005.
(2) مصدر سابق.
(3) حوار مع الخيواني في صحيفة "العرب" اللندنية، 17 أغسطس 2008.
(4) مركز دراسات المستقبل، "الديمقراطية في اليمن.. الواقع والآفاق المستقبلية"، ط1، صنعاء، 1998 (ص107)، وقائع الندوة 17-18 ديسمبر 1997، الاقتباس من ورقة عمل عبدالكريم الخيواني، ممثلاً عن حزب الحق، وكانت بعنوان "حتى لا تكون الديمقراطية حالة طارئة".
(5) حوار مع الخيواني في مجلة "همسة" النصف شهرية، أكتوبر 2008.
(6) منشور لعبدالكريم الخيواني في صفحته على "فيسبوك"، بتاريخ 27 ديسمبر 2014، متوفر في مدونته الشخصية.

أترك تعليقاً

التعليقات