أنس القاضي

أنـس القاضـي / لا ميديا - 

تسبب ترحيل العُمَّال اليمنيين من المملكة عقب حرب الخليج 1990 بأكبر الهزات التي عصفت بالاقتصاد اليمني خلال العقدين الماضيين. ومن ضمن الجرائم الحديثة ضد المغتربين والعمال اليمنيين، تَحضر "محرقة خميس مشيط"، ففي مايو من عام 2008م، طاردت دوريات الشرطة السعودية 25 يمنياً تسللوا عبر الحدود الجنوبية إلى خميس مشيط للعمل، وحين لجأ هؤلاء العمال للاختباء في مكب النفايات، قام الضباط السعوديون بإضرام النار في مكب النفايات، فأصيب على إثر ذلك 18 يمنياً بحروق شديدة.

في فبراير 2013م، قامت السلطات السعودية بترحيل الآلاف من اليمنيين العاملين في المملكة، تبعا لصدور نظام عمل جديد هناك يطلب من الأجانب العمل لدى كفلائهم فقط، مما ألحق أضراراً جسمية في الاقتصاد اليمني. وفي يوليو من عام 2017م، أقدم سعود بن عبد العزيز بن مساعد بن سعود على الاعتداء ضرباً على المغترب اليمني، جمال سنان الذي ركن سيارته أمام قصر الأمير السعودي في الرياض.. 
في أواخر العام 2017م، بدأت السعودية حملة قهر جديدة موجهة ضد العمالة الأجنبية، ومنها العمالة اليمنية، تحت شعار "وطن بلا مخالف"، في حملة لاإنسانية بطريقة انتهكت حقوق الإنسان وحقوق العُمَّال التي ضمنتها المواثيق الدولية. وأظهرت الشهادات الشخصية والصور والفيديوهات القادمة من السعودية مشاهد مداهمة قوات الداخلية السعودية ومكافحة الشغب لمنازل المغتربين اليمنيين وإخراجهم مع عوائلهم بطريقة مهينة. كذلك قيام بعض الجنود السعوديين بسرقة الذهب والأموال النقدية من البيوت التي يداهمونها.
في صور أُخرى، يظهر العُمَّال اليمنيون في سجون السعودية وهم ينامون على صقيع البلاط دون فراش أو لحاف. 
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عبر عن قلقه من الإجراءات الأخيرة التي تقوم بها السعودية تجاه المغتربين اليمنيين، فقد اعتبر أن على السعودية "أن تأخذ بعين الاعتبار تدهور الأوضاع الإنسانية التي خلفتها الحرب المندلعة على اليمن منذ مطلع العام 2015 والتي تعد السعودية طرفا رئيسا فيها".
وقال المرصد إن اليمنيين في الوضع الراهن، مع ما تشهده البلاد من حرب، ينطبق عليهم وصف اللاجئين ما يجعلهم يندرجون تحت قاعدة "اللجوء وعدم الطرد" التي نصت عليها الاتفاقية الخاصة باللاجئين لعام 1951؛ وهو ما يجعل طردهم وترحيلهم انتهاكا لهذه القاعدة وقد يعرض حياتهم للخطر.
وأشار المرصد الحقوقي الدولي إلى أنه تلقى إفادات من يمنيين قالوا إن الحملة التي أطلقتها السلطات السعودية باسم "وطن بلا مخالف" أدت كذلك إلى اعتقال عشرات منهم، حيث جرى نقلهم قسرا إلى معسكرات التجنيد للقتال في جبهات الحدود نيابة عن الجيش السعودي.

المؤمرة الخليجية ووأد الثورة الشعبية
المبادرة الخليجية أهم رد فعل خارجي استعماري ومحلي رجعي ضد الحراك الاجتماعي في 2011. من حيث اسمها، تبدو "المبادرة الخليجية" وكأنها مبادرة من طرف خارجي، من خارج الظروف التاريخية للأزمة، طرف محايد وجار لليمن تربطه به مصالح مشتركة، ولا يهمه ما ستؤول إليه الأمور. بهذا المضمون تم تسويق المبادرة الخليجية، لكنها من حيث طبيعتها السياسية ليست مبادرة طرف محايد، بل رؤية طرف له مصلحة في أن يصوغ التغيير بما يراعي مصالحه ومصالح الأمريكيين والأوربيين والخليجيين.
إن ما قامت به المبادرة الخليجية هو أنها أعاقت تطوير الفعل الثوري لحراك 11 فبراير 2011م، وحيدت جزءا كبيرا من الجماهير، وتعاملت مع الحدث كأزمة سياسية بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، لأن حل المسألة حلاً علمياً يتعارض مع مصالح الخليجيين ومن وراءهم من أمريكان وأوربيين. كما أن الملحقات السرية العسكرية والأمنية التي تم توقيعها وإخفاؤها، تلعب دوراً سلبيا في إعاقة التغيير والعمل الديمقراطي والتوجه نحو الاستقلال الوطني.
وتبرز أهمية المبادرة الخليجية بالنسبة للقوى المعادية لحرية الشعوب، من حيث إصرارهم على تبنيها في كل محطة سياسية من بعد 2011 كمرجع ومُرتكز تنطلق منه العملية السياسية اليمنية، لما تم تقديمه من تنازلات في هذه المبادرة للغرب والخليج وتوقيع القوى السياسية على هذه التنازلات التي تتصادم مع تطلعات شعبنا إلى التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي الديمقراطي. 
وقد قامت السعودية مؤخراً بتجديد "المبادرة الخليجية"، فيما عُرف بـ"اتفاق الرياض" بين المرتزقة (حكومة هادي العميلة والمجلس الانتقالي الجنوبي العميل)، الذي يُعطي السعودية مطلق الحرية في القرار بالشأن العام اليمني في المناطق المحتلة ويجعلها في موقع الانتداب والاحتلال المباشر. 

أشكال الاستهداف السعودية منذ 2011 حتى شن العدوان حروب كتاف ودماج
عملت السعودية على دعم الجماعات الارهابية وبيت الأحمر في معارك كتاف ودماج وعمران، وذلك من أجل نسف عملية الحوار الوطني ومخرجاتها. فاتسعت المعارك التي مولتها السعودية من عمران إلى "كتاف" و"دماج"، وصولاً إلى "حرض" والجوف وأرحب؛ في محاولة لتطويق صعدة، فحدثت وساطات الصلح والاتفاقيات، إلا أن هذه القوى المعادية للشعب تعمدت أن تنسفها، وخسرت المعركة في النهاية.
وجدير بالذكر أن معركة "دماج 1" كانت بعد توقيع "المبادرة الخليجية" العدوانية 23 نوفمبر 2011م، التي عارضها أنصار الله، ومعركة "دماج 2" قرب ختام مؤتمر الحوار الوطني اواخر العام 2013 مطلع العام 2014م، وكانت هذه المعارك تلقى رعاية إعلامية من القنوات السعودية، تؤكد ارتباطها بهذا الطرف الخارجي.

الاغتيالات أثناء مؤتمر الحوار الوطني وما بعده
أثناء مؤتمر الحوار الوطني وما بعده، قامت الجماعات الموالية للسعودية باغتيال كل من عضو مؤتمر الحوار الوطني والنائب البرلماني د. عبد الكريم جدبان في 22 نوفمبر 2013م. وفي الأيام الأخيرة لمؤتمر الحوار، حين انقلب هادي على التوافق في الجلسة العامة، تم اغتيال عضو مؤتمر الحوار الوطني البرفسور أحمد شرف الدين في 21 يناير 2014م، والدكتور محمد المتوكل في 2 نوفمبر 2014م، والسياسي الصحفي عبد الكريم الخيواني بالقرب من منزله في العاصمة صنعاء في 18 مارس 2015م، والدكتور المرتضى بن زيد المحطوري، في جامع بدر في 20 مارس 2015م.

الأعمال الإرهابية السعودية في زمن هادي
نشطت الجماعات الإرهابية الاستخباراتية الموالية للسعودية لنشر الفوضى في اليمن وتمكين "القاعدة" من الثورة الشعبية 21 سبتمبر/ أيلول 2014، حيث وقعت عدة أحداث أمنية وإرهابية غير معهودة في اليمن وهي كالتالي:
ـ سيطرة "القاعدة" على المنطقة العسكرية الثانية في المكلا (حضرموت) في 30 سبتمبر 2013م. 
ـ اقتحام مستشفى العرضي التابع لوزارة الدفاع في 5 ديسمبر 2013م، وكان المنفذون من جنسيات سعودية. 
ـ تفجير أودى بحياة مائة مجند من الأمن المركزي المستعدين للاحتفال بعيد الوحدة في ميدان السبعين في 21 مايو 2012م.
ـ تفجير في المتقدمين للانتساب لكلية الشرطة في 7 يناير 2015م، وغيرها من الأعمال الإجرامية التي رعتها السعودية.

التفجيرات بعد انتصار الثورة
وبعد انتصار الثورة الشعبية، خرجت مظاهرة رافضة لتعيين بن مبارك الموالي للسعودية رئيساً للحكومة، فدبرت تفجيراً إرهابياً استهدف متظاهرين في ميدان التحرير في 9 أكتوبر 2014م، وجريمة التفجير في مسجدي بدر والحشحوش في 20 مارس 2015م، ومحاولة تفجير ثالثة استهدفت جامع الإمام الهادي في صعدة في 25 مارس 2015م وتم إحباطها.

الانقلاب على اتفاق السلم والشراكة وحوار "موفنبيك"
وقفت السعودية خلف انقلاب هادي على اتفاق السلم والشراكة الوطنية، وكذا على الحوار الذي كان يجري في "موفنبيك"، وذلك للتهيئة لعدوانها. وجدير بالذكر أن المبعوث الأسبق إلى اليمن جمال بن عمر صرح لصحيفة "وول ستريت جورنال" أن الوصول إلى اتفاق سياسي كان وشيكاً قبل بدء الغارات السعودية، مما ساهم في تصلب مواقف الأطراف المتنازعة. 
حوار "موفنبيك" كان مهماً، وخرج باتفاقٍ يتعلق بالسلطة الانتقالية الجديدة، وكذلك مهام المرحلة الانتقالية وتصحيح الاختلالات التي فيها وتزمينها؛ إلا أن السعودية كانت تريد من العملية السياسية أداةً لتمزيق البلد وتفتيته وفرض أجندة خارجية، فقّدم هادي وبحاح استقالتهما لإرباك المشهد وخلق فراغ دستوري، وصدر قراران من مجلس الأمن أيّدا وأكدا ورحّبا باتفاق موفنبيك وشددا عليه، وهما: القرار 2201 والقرار 2204، حينها فَرَّ هادي لعدن أعلن انقلابه على اتفاق السلم والشراكة وأعلن رفض حوار موفنبيك، وطالب أن يكون الحوار في الرياض، وتحت رعاية مجلس التعاون الخليجي ورفض أن يكون تحت رعاية الأُمَم المتحدة.

مجازر غارات الطيران منذ بداية العدوان
بعد شنها للعدوان على اليمن، وإعاقة توصل اليمنيين إلى اتفاق تاريخي كان يجري في موفنبيك برعاية أممية، نفذت السعودية مئات المجازر البشعة، بغارات الطيران، وهي مجازر مماثلة لما كانت ترتكبه جماعاتها عبر التفجيرات والعبوات الناسفة. وأبرز هذه الجرائم، مجزرة استهداف مدينة عمال محطة كهرباء المخا في 19 نوفمبر 2015م، مجزرة عرس آل سنبان في 8 أكتوبر 2015م، مجزرة حي فج عطان من 20 أبريل 2015م، مجزرة الصالة الكبرى في 8 أكتوبر 2016، مجزرة عزاء نساء أرحب في 15 فبراير 2017م، مجزرة طلاب ضحيان في 9 أغسطس 2018م، وغيرها من المجازر التي وثقتها منظمات حقوقية وطنية ودولية، ودانتها المنظمات الدولية. ومختلف هذه المجازر منذ مجيء العدوان، والتي لم تتوقف حتى الآن، إنما هي استمرار لذات النهج العدواني السعودي منذ مجزرة حجاج تنومة عام 1923م.

أترك تعليقاً

التعليقات