أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
ملخص:
مع اقتراب دخول الشهر الرابع للعدوان الصهيوني علی غزة تتضح معالم نهاية الحرب ونتائجها الرئيسية.
هناك حاجة إلی إعادة تقییم الوضع الصهيوني وتقدیر أوضاعه الراهنة بناء على منهج تحلیل السیاسة الخارجیة، في قراءة الفواعل المحلیة والدولية والمصالح والأهداف والاستراتیجیات، وما هي النتائج حتى الآن خلال ما یقارب ثلاثة أشهر من بدء عملیة طوفان الأقصی الفلسطینیة والعملیة الصهیونیة المضادة.
بناء على التكتیكات التي وضعها الكیان الصهیوني فلم یعد قادرا علی تنفیذ الأهداف الاستراتیجیة المرجوة والأهداف المعلنة، إذ فقد القدرات الذاتیة وضعف عنه الدعم الخارجي المطلوب، كما أن الفواعل الدولیة من دول وفصائل محور المقاومة -مع تمیز وریادة الموقف الیمني- وكذلك الأدوار الإیجابية النسبیة لحكومات مصر والأردن تحول دون تحقیق دولة الاحتلال أهدافها.
عجز الاحتلال عن تنفیذ الأهداف وإعادة موازین القوی القديمة لما قبل «طوفان الأقصی»، استمرار عملیاته الحالية لیس لها أفق قادر علی التغییر؛ فهي إما سوف تطیل مدة الحرب لتظل النتیجة كما هي خسارة العدو الصهيوني وبدء مرحلة جديدة من التدهور، أو سوف تدفع إلی حرب إقلیمیة وهو ما تدفع إليه الشخصیات الصهيونية الحاكمة التي تعلي من مصالحها الذاتية والحزبية على مواقعها الحكومية والمؤسسات الرسمية التي تعمل فيها.
موشرات توسیع الحرب كبیرة إلا أن الدول الغربیة عموما لیست متحمسة لذلك، وهي مستعدة للتضحیة بحكومة نتنیاهو -المتطرفة- مادمت ستبقي علی دولة الاحتلال وتمنع تسارع وهنها.

الفاعل الأول: الوضع داخل الكيان
أ. كيان الاحتلال (مؤسسات ومجتمع المستوطنين)
المصلحة:
تكمن مصلحة كيان الاحتلال الراهنة في المحافظة علی التفوق العسكري السابق لعملیة «طوفان الأقصی» والمحافظة علی هیبته ومركزه السیاسي العسكري الذي ترتبط به مشروعات كثیرة من بینها مشروع التطبیع.
الهدف: من أجل تلبیة هذه المصلحة حدد كيان الاحتلال هدفه من الحرب المتمثل في منع المقاومة الفلسطينية من تحقيق الانتصار الاستراتيجي، وتدميرها عسكريا.
التكتیك (الاستراتیجیة الجزئیة): ومن أجل تنفیذ هذا الهدف وضع كيان الاحتلال تكتیكين هما: الأرض المحروقة، والتهجير القسري.

ب. المؤسسات:
يعاني كيان الاحتلال من أزمة سياسية سابقة لـ«طوفان الأقصى»، وقد تعمقت، في بداية الحرب تجاوزها الكيان، لكنها اليوم بفعل طول أمد الحرب بارزة.
هناك نوع من الخلافات بين المؤسسات الصهيونية العسكرية والمدنية التي تصنع قرار الحرب: الكنیست ومجلس الوزراء المصغر «الكابنیت» ووزارة الحرب. هذه الخلافات في الوسط المؤسسي الصهيوني، مبنية على اختلاف مفاهيم ما هي الهزيمة وما هو الانتصار بحسب فهم ومصلحة كل طرف، وحول إمكانيات الكيان للاستمرار في المعركة بحسب تقدير كل طرف.

ج. الأفراد:
الأفراد المؤثرون في صنع القرار الصهیوني هم: رئيس الوزراء «بنيامين نتنیاهو»، وزير الدفاع «یوآف غالانت»، وزير الأمن القومي «أمتیان بن غفير».

الفاعل الثاني (الفواعل الدولية)
أ. أمريكا:
على المستوى الأمريكي هناك خلافات مؤسسية بين وزارة الخارجية والبنتاغون والكونغرس وبين الحزبين، حول مدى الاستمرار في المعركة مع حكومة نتنياهو، مع اتفاق الجميع على دعم الكيان كدولة.
حاليا يلعب دور الأفراد أهمية كبيرة، فالرئيس جون بايدن مقبل على الانتخابات، والشرائح الاجتماعية التي تصوت عادة للديمقراطيين شريحة الشباب، وكذلك العرب المسلمين يضغطون حاليا على بايدن باتجاه إيقاف الدعم الأمريكي لحرب الإبادة في غزة.
هذا الموقف السياسي للفرد بايدن والمؤسسة الحزبية الحزب الديمقراطي تتناقض مع مصلحة الدولة الأمريكية والمؤسسة العسكرية الأمريكية التي ترى ضرورة دعم الكيان الصهيوني مبدئيا مع الخلاف حول كيفية الدعم ونسبته.

ب. الدول العربیة والإسلامیة:
الیمن: مستمرة في الضغط الاقتصادي المؤثر علی دولة الاحتلال من الجبهة الجنوبیة.
حزب الله: مستمر في فتح الجبهة الجنوبیة التي ترهق وتشتت قواه، ولها أثر مكلف على العدو بالعمل الیومي المستمر.
المقاومة الإسلامیة في العراق: مستمرة في استهداف القواعد العسكریة الأمریكیة في سوریا والعراق، وصعدت عملیاتها باتجاه «إیلات»، والأخطر من ذلك مصالح الاحتلال في البحر المتوسط.
مصر والأردن: رغم الموقف السلبي في مسألة الحصار إلا أنهما لعبتا حتی الآن دورا مهما في منع مشروع التهجیر القسري لسكان غزة.

النتائج:
ميدانياً: خسر الكيان المعركة البرية عسكريا، علی مستوی الأفراد والمعدات، وهناك تململ وحالات فرار للضباط، ولم تعد له القدرة على الاستمرار في الهجوم بالوتیرة السابقة في ذات الجبهات، وقد أعلن بدء انسحاب قواته من بعض المناطق، وهو ما يشير إلى عجزه عن تحقيق أهدافه العسكرية وعدم قدرته على الثبات في المناطق التي يتواجد بها.
بات الكیان الصهیوني عاجزا عن تنفیذ أهدافه بتطبیق استراتیجیة التهجیر والأرض المحروقة التي لم تنه المقاومة.
على مستوى الأفراد المؤثرين فإن نتنياهو الخاسر الأكبر في هذه الحرب، فهو في مأزق من قبل الحرب، ووجد فيها فرصة للهروب إلى الأمام لكنها مؤقتة وهو الخاسر الأكبر، إلى جانبه وزير الحرب ووزير الأمن «القومي» مختلف هذه الشخصيات تدفع نحو استمرار الحرب، ففي توقف الحرب احتراق لمستقبلها السياسي.
على المستوى الدبلوماسي: كيان الاحتلال يضعف وتشوهت صورته أمام الرأي العام العالمي والحكومات في العالم.
الولایات المتحده الأمریكیة غیر مستعدة لمواصلة الدعم اللانهائي بسبب قرب الانتخابات وكذلك الدول الأوروبية لم تعد مستعدة للمضي إلی ما لا نهایة مع حكومة نتنياهو بعد انكشاف جرائم الحرب، كما أن الولایات المتحدة والغرب یضعون في الحسبان مصالحهم في كيان الاحتلال ومصالحهم في دول العالم الإسلامي عموما، وهي أكبر، والكیان الصهیوني في ذاته ما هو إلا أداة للحفاظ علی المصالح الغربیة، والولايات المتحدة لا تريد أن توضع في موضع المقارنة هذه بين الكيان الصهيوني والعالم الإسلامي.
استمرار الحرب وتوسعها إقلیمیا خسارة ومخاطرة كبیرة للولايات المتحدة، ومما لا شك فیه أن الدعم الغربي لن یستمر كما كان علیه في البدایة فانخفاضه سیكون مؤثرا علی كيان الاحتلال.

أترك تعليقاً

التعليقات