أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
تأتي هذه الدراسة حول حزب التجمع اليمني للإصلاح في الذكرى 35 لتأسيسه الذي يصادف 13 سبتمبر من كل عام. ويعد هذا الحزب أحد الفاعلين الرئيسيين في المشهد اليمني حتى اليوم، سواء من حيث دوره العسكري أو من خلال تمثيله السياسي في "مجلس القيادة" العميل، وتحالفاته الواسعة داخلياً وخارجياً.
تسعى هذه الدراسة إلى تقديم قراءة تحليلية معمّقة لمسار الحزب وأدواره المتغيرة، عبر تناول خلفياته التاريخية، وعناصر قوته وضعفه، وخطابه السياسي والإعلامي، إضافة إلى شبكة تحالفاته المحلية والإقليمية والدولية، وحدود المناورة التي يمتلكها اليوم.
كما تسلط الضوء على التحديات التي يواجهها "الإصلاح"، من محاولات تهميشه إقليمياً، إلى تصاعد المنافسة مع خصومه المحليين، وصولاً إلى محاولاته إعادة التموضع كـ"حزب جمهوري شعبي" قادر على التكيّف مع أي تسوية سياسية قادمة.
تهدف هذه المقاربة إلى فهم موقع الإصلاح في اللحظة الراهنة، واستشراف مساراته المستقبلية ضمن مشهد يمني وإقليمي مضطرب.

الخلفية والسياق
يمثل حزب "التجمع اليمني للإصلاح" إحدى أبرز الظواهر السياسية اليمنية في العقود الثلاثة الأخيرة؛ إذ وُلد في لحظة تحولات كبرى عقب إعلان الوحدة اليمنية وما ترتب عليها من إقرار التعددية السياسية، مع تجربة سياسية عسكرية سابقة كانت مؤثرة على الواقع اليمني، وغالباً ما كان تأثيراً سلبياً.
تأسس التجمع اليمني للإصلاح في 13 سبتمبر 1990 كامتداد تنظيمي لفرع جماعة الإخوان في اليمن (كانت تسمى بالحركة الإسلامية)، مستنداً حينها إلى قاعدة اجتماعية وقبلية واسعة يتصدرها الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، ومعتمداً على شبكة دعوية وتعليمية واقتصادية منحته قدرة على التغلغل في المجتمع.
ومنذ تلك اللحظة، تمايز الإصلاح عن بقية القوى السياسية اليمنية بمرونته وقدرته على إعادة التموضع، فكان شريكاً في السلطة ضمن تحالفات مُعينة مع المؤتمر الشعبي العام (قبل الوحدة) ومنافساً ومعارضاً في مراحل أخرى (بعد عام 1997)، وفي العموم كان حزب الإصلاح جزءاً من بُنية جهاز الدولة اليمنية المدني والعسكري، وكانت قياداته المؤسسة جزءاً من القوى المشيخية والدينية النافذة في اليمن.
بخلاف بقية فروع جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي، لم يأتِ يومٌ على التجمع اليمني للإصلاح وهو مُلاحق من السلطة في ظل الدولة الموحدة (الجمهورية اليمنية). هذا الارتباط العميق بين "الإصلاح" وبين الدولة أعطاه ميزة عن بقية القوى السياسية اليمنية. وحتى في الفترة التي كان فيها معارضاً للمؤتمر في ظل "تكتل أحزاب اللقاء المشترك" لم يكن حاله مثل حال بقية أعضاء التكتل، الذين كانوا خارج السلطة ومفاصل الدولة؛ بل كانت قياداته نافذة في الدولة وشريكة في الثروة مع علي صالح.
هذه الميزة جعلت حزب الإصلاح مختلفاً عن بقية فروع الجماعة، فحتى مع ضعف الجماعة إقليمياً مازال فرعها في اليمن قوياً.
شهد الحزب منذ نشأته العلنية 1990 محطات مفصلية شكّلت مساره وأثرت على تطور البلد، فقد دخل في تحالف مع المؤتمر الشعبي العام بعد حرب 1994، ثم ظهرت الخلافات مع المؤتمر عقب الحرب، خصوصاً من العام 1997 وتراجع ثقله نسبياً، فعمل من داخل تكتل "المشترك" المعارض ليستعيد مكانته، ثم عاد بقوة في ثورة 11 فبراير 2011.
غير أن مسار الحرب العدوانية منذ 2015 وُضع "الإصلاح" أمام تحديات غير مسبوقة؛ فمن جهة كان جزءاً من تحالف العدوان ضد صنعاء، ولا يتمتع بحرية الحركة في المناطق التي تحكمها السلطة الوطنية في صنعاء، ومن جهة أخرى هناك محاولات لتهميشه وإضعافه من داخل معسكر تحالف العدوان الذي هو فيه، خصوصاً مع سياسات أبوظبي المناهضة له باعتباره الذراع اليمنية لتنظيم الإخوان المسلمين.
مع ذلك، تمكن "الإصلاح" من الصمود طوال 10 أعوام، وهو يناور على الجبهتين ضد صنعاء وضد عدن في آن، مستفيداً من تغلغله السابق في السلطة وقوى النفوذ وأجهزة الدولة، وبواسطة إمكانياته الذاتية عبر ما يمتلكه من شبكات تنظيمية ومجتمعية، ليظل المكون الأكثر ثباتاً في المشهد الحزبي بعد حرب العام 2015، مقارنة بالاشتراكي، أو المؤتمر الشعبي العام الذي يجد أكثر من اتجاه إن لم يكن أكثر جناح داخله.
تأتي الذكرى 35 لتأسيس "التجمع" في سبتمبر هذا العام 2025 في ظل تغيرات إقليمية وتحولات داخلية، فهي لحظة سياسية حرجة تتقاطع فيها عوامل داخلية وإقليمية.
فعلى الصعيد الداخلي: يواصل "الإصلاح" التمسك بمعاقله الأساسية؛ في مأرب، حيث يسيطر على الموارد النفطية والغازية، ويمتلك تشكيلات عسكرية وتحالفات قبلية دينية مع التنظيمات "الإرهابية"؛ وفي تعز حيث يحتفظ بحضور سياسي وعسكري بارز.
لكنه في المقابل فقد أوراقاً استراتيجية مهمة، كان آخرها نفوذه على المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت، بعد تعيين قيادة موالية لرشاد العليمي، الأمر الذي حدّ قدرته على المناورة شرقاً؛ لكنه اجتماعياً مازال موجوداً في حضرموت.
وعلى الصعيد الشعبي: يعاني الحزب من تراجع في القدرة على النشاط في مناطق جغرافيا السيادة الوطنية، وفي المحافظات الجنوبية، خصوصاً عدن؛ لكن قواعده في هذه المناطق في حالة كمون.
على المستوى الإقليمي، يجد حزب الإصلاح نفسه محاصراً بين محاور متضادة؛ فمن ناحية، يواصل ارتباطه التقليدي بمحور (قطر - تركيا) الذي وفر له دعماً سياسياً وإعلامياً على مدى العقد الماضي.
ومن ناحية أخرى، يسعى جاهداً إلى طمأنة الرياض وأبوظبي عبر خطاب "اليمننة" ونفي أي صلة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمون، إدراكاً منه أن مستقبله السياسي في اليمن يتطلب عدم استعداء هاتين العاصمتين.
وزاد المشهد تعقيداً التحولات الإقليمية الأخيرة؛ تراجع إيران في سورية، وتنامي الحضور التركي، ما جعل الإصلاح يبحث عن هوامش جديدة للتموضع في ظل لعبة توازنات معقدة.
في هذا السياق، يمثّل إحياء الذكرى الخامسة والثلاثين للحزب أكثر من مجرد فعالية خطابية؛ فهي في أحد أبعادها رسالة سياسية بأن الإصلاح ما يزال فاعلاً حاضراً قادراً على التكيف مع الظروف، وأنه يطمح إلى إعادة إنتاج ذاته كـ"حزب شعبي" يتجاوز صورة التنظيم العقائدي، ليطرح نفسه كأحد الأعمدة الرئيسية لـ"الجمهورية والشرعية".

عناصر القوة والقيود
يستند تجمع الإصلاح في بقائه كفاعل رئيسي في المشهد اليمني إلى جملة من عناصر القوة التي حافظ عليها رغم مسار الحرب الطويل وتبدل موازين القوى. فمن جهة، تُمثّل مأرب معقل الحزب العسكري والسياسي الأبرز، إذ احتفظ هناك بموارد النفط والغاز، وبشبكة نفوذ سياسي وإداري وعسكري متداخلة جعلت المحافظة بمثابة العاصمة غير المعلنة للتجمع. هذا النفوذ عزز قدرة الإصلاح على الصمود وتثبيت حضوره في لحظات الانحسار، كما جعله لاعباً لا يمكن تجاوزه في أي تسوية يمنية ولا يمكن تجاهله من قبل القوى الإقليمية. إلى جانب مأرب، يظل محور تعز الذراع العسكرية والسياسية الأكثر فاعلية؛ إذ يهيمن الإصلاح على القرار الميداني داخل المدينة، ويوظف تعز رمزياً بوصفها مركزاً لـ"الجمهورية والمقاومة"، بحسب فهمه الخاص لهذين المفهومين.
إلى جانب الحضور الميداني، يمتلك الحزب آلة إعلامية ودعائية واسعة عبر قنوات تلفزيونية ومنصات إلكترونية ومراكز دراسات، وهي شبكة تمكّنه من التأثير في الرأي العام وصياغة خطاب سياسي ينسجم أحياناً مع السرديات الإقليمية والدولية.
كما يدير الحزب شبكة من منظمات المجتمع المدني ذات الطابع التنموي والحقوقي، التي توفر له شرعية اجتماعية وتساعده على مد جسور مع منظمات دولية.
هذا بالإضافة إلى تمثيله الرسمي فيما يُسمى "مجلس القيادة الرئاسي" عبر شخصيات وازنة مثل سلطان العرادة، وهو ما يضفي على الحزب شرعية سياسية داخل معسكر ما يسمى "الشرعية" ويمنحه القدرة على التأثير في القرار العام.
إلا أن هذه القوة ليست مطلقة؛ إذ تواجهها قيود حقيقية حدّت من نفوذه. وأبرز هذه القيود كان خسارة المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت، بعد أن أحكم رشاد العليمي تعيين قيادة موالية له هناك، وهو ما أفقد الإصلاح نفوذاً استراتيجياً شرق اليمن. كما يواجه منافسة شديدة من طارق عفاش في القطاع المحتل من محافظة تعز، وفي الجنوب يُواجَه برفض صريح من المجلس الانتقالي الذي يقيّد نشاطه في عدن والمكلا وغيرهما.
إلى جانب ذلك، يظل الحزب عرضة للارتهان للتحالفات الخارجية؛ إذ يسعى لإقناع الرياض وأبوظبي بخطاب "اليمننة" ونفي الارتباط بالتنظيم الدولي للإخوان، في الوقت الذي يحافظ فيه على علاقات تقليدية مع قطر وتركيا، وهذا الوضع يضعه في حالة توازن هش بين محورين متنافسين في المنطقة.
على الصعيد الداخلي لا نستطيع الجزم بوجود أجنحة داخل الإصلاح كما هي ظاهرة في المؤتمر الشعبي العام، دون أن يعني ذلك أنه مطلق الوحدة الداخلية، فهناك تباينات بين تيارات تبدو أكثر حداثة وتميل لتركيا وقطر، وتيارات أكثر محافظة وتميل للسعودية. هذه التباينات لا تصل حد التصدع، ولا تمثل خطراً عليه في الوضع الراهن؛ فعلى مستوى السلطة، مازالت سلطة الإصلاح في قيادة واحدة.
خلاصة القول: إن حزب الإصلاح، برغم التراجع وفقدان بعض أوراق القوة، لا يزال قوة سياسية حيوية مقارنة ببقية الأحزاب اليمنية التقليدية؛ لكنه قوة محاصرة بخصوم محليين، وضغوط إقليمية تتراوح بين الاحتواء والتوجس.

الأنشطة والخطاب الإعلامي السياسي
شهد حزب الإصلاح خلال العام المنصرم نشاطاً سياسياً واجتماعياً متصاعداً يعكس حرصه على إعادة التموضع كلاعب رئيسي داخل معسكر "الشرعية" المزعومة، فقد كثّف الحزب اجتماعاته على مستوى القيادات المركزية والفروع، وعقد فعاليات جماهيرية مرتبطة بذكرى التأسيس، وأعاد تفعيل أدواته في المجتمع المدني عبر الجمعيات والمنظمات الحقوقية والتنموية التابعة له أو المتحالفة معه.
هذا الحراك لم يكن داخلياً فقط، بل ارتبط أيضاً بخطاب سياسي وإعلامي نشط حاول من خلاله تقديم نفسه باعتباره حزباً "جمهورياً"، وإسلاماً وسطياً غير متطرف ولا طائفي، وبوصفه فاعلاً وطنياً جامعاً في مواجهة "الانقلاب" ومدافعاً عن السيادة الوطنية ضد "التدخلات الإيرانية". هذا الخطاب قد يبدو ساذجاً، لكنه مؤثر ويحظى برواج في المجتمع اليمني، حيث تدني التحصيل العلمي وضعف الوعي السياسي النقدي.
في ميدان الإعلام، يمتلك الإصلاح شبكة واسعة من القنوات الفضائية ("سهيل"، "يمن شباب"، "بلقيس"، وحتى قناة "المهرية" فهي تميل إلى الإصلاح وتعكس التحالفات السياسية التي يشارك فيها في محافظة المهرة خصوصاً)، إضافة إلى منصات إلكترونية ومراكز دراسات تنتج تقارير وتحليلات تخدم وجهة نظره في نهاية المطاف أو تهاجم خصومه.
هذه المنظومة الإعلامية تؤدي عدة وظائف متوازية؛ فمن جهة تعبئ القواعد الحزبية وتحشد الرأي العام المحلي، ومن جهة أخرى تخاطب الخارج بلغة سياسية تحاول أن تبدو منفتحة وحداثية.
منذ "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023، برز تقاطع لخطاب الإصلاح الإعلامي مع السردية الإقليمية المعادية لليمن، لاسيما في ما يتعلق بالعمليات اليمنية في البحر الأحمر وضرب العمق "الإسرائيلي"؛ إذ تبنى جناح الإخوان الإعلامي -باستثناء قناة "المهرية" بوضعها الخاص- لغة تركز على اتهام صنعاء بتهديد التجارة الدولية و"خدمة أجندات إيرانية"، واستخدام الأخبار العاجلة والتقارير بما يخلق حرباً نفسيةً بتضخيم قدرة الكيان الصهيوني، ومباركة عملياته العدوانية على اليمن بإيراد الأخبار وفقاً للذرائع "الإسرائيلية"، في انسجام واضح مع الخطاب الأمريكي و"الإسرائيلي".
كما عاد الحزب، عقب التحولات في الساحة السورية، إلى تكثيف استخدام النبرة الطائفية في بعض منابره الإعلامية والدينية، مستحضراً ثنائية "الجمهورية مقابل الكهنوت" و"اليمنيين مقابل الهاشمية السياسية". هذه النبرة تخدم وظيفة مزدوجة: تعبئة القواعد الحزبية طائفية سياسية، ومحاولة بناء تحالفات سياسية مع خصوم صنعاء من جهة أخرى.
على المستوى السياسي المباشر، سعى الإصلاح إلى إبراز حضوره في ملفات معينة، منها على سبيل المثال "الوحدة والفيدرالية"، عبر خطاب مرن يتنقل بين الشعارات؛ ففي بعض السياقات يرفع لواء الدفاع عن الوحدة كقيمة سيادية، وفي سياقات أخرى يعلن التزامه بمخرجات الحوار الوطني وخيار الدولة الاتحادية، وفي سياقات أخرى يدعم اتجاهات تمزيقية (الحكم الذاتي أو حتى انفصال حضرموت). هذا التناقض يعكس مرونة الحزب؛ لكنه في الوقت نفسه يثير الشكوك حول مصداقيته. كذلك، يُظهر الإصلاح استعداداً سياسياً للتعاون مع المجلس الانتقالي، أو مع طارق صالح، رغم الخصومات والتباينات، ما يدل على براغماتية خطابية تسمح له بالبقاء في قلب اللعبة السياسية.
إن مجمل الأنشطة والخطاب الإعلامي السياسي لحزب الإصلاح خلال الفترة الأخيرة يؤكد أنه يسعى إلى استعادة المبادرة بعد سنوات من الجمود السياسي لصالح العمل العسكري، فهو يحاول أن يقدّم نفسه كمكون سياسي شعبي يمني الهوية، وضمانة سياسية للاستقرار. كما ينشط تنظيمياً ليكون مستعداً بثقل شعبي للحضور على طاولة أي مفاوضات قادمة، أو أي سياقات سياسية أو انتخابات بعد تحقيق السلام، من خلال مراكمة رصيد إعلامي وسياسي، وربط نفسه برمزية ثورات سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر.

تحالفات الضرورة
تشير طبيعة التهاني النوعية التي تلقاها حزب الإصلاح إلى أن موقعه داخل معسكر "الشرعية" مبني على إدراك متزايد لضرورته كشريك في بناء جبهة سياسية وعسكرية في مواجهة صنعاء. ويبرز في هذا السياق كل من المؤتمر الشعبي العام (جناح الخارج - عدن/ الرياض) والتكتل السياسي للأحزاب المؤيدة للعدوان بوصفهما ركيزتين أساسيتين في ما يمكن وصفه بـ"تحالف الضرورة مع الإصلاح".
فمن جهة، يُدرك المؤتمر الشعبي العام في الخارج أن الإصلاح، رغم التنافس المزمن بين الطرفين منذ تسعينيات القرن الماضي، يظل قوة يصعب إقصاؤها. التباينات بينهما ليست جذرية على مستوى المشروع السياسي، بل تنافسية على النفوذ والمكاسب. ولذلك فإن تهنئة الأمين العام المساعد للمؤتمر للإصلاح تحمل دلالة سياسية تتجاوز المجاملة؛ فهي إقرار ضمني بأن الطرفين بحاجة إلى بعضهما لإعادة إنتاج معسكر "حرب صيف 1994" تحت المظلّة السعودية أو السعودية - الإماراتية ورعاية أمريكية. بكلمات أخرى فإن هذا التحالف لا يقوم على انسجام أيديولوجي من قضايا الجمهورية والديمقراطية، بل على مبدأ التحالف ضد الخصم المشترك، من أجل المصالح المادية المشتركة والتوريث وعودة مراكز النفوذ التي أطاحت بها الحركة الاحتجاجية الثورية من 11 شباط/ فبراير 2011 وصولاً إلى 21 أيلول/ سبتمبر 2025.
ومن جهة أخرى، يشكّل التكتل السياسي للأحزاب المؤيدة للعدوان، الذي يرأسه أحمد عبيد بن دغر، مظلة أوسع يُعَدّ الإصلاح أحد أعمدتها الرئيسية. تهنئة بن دغر للإصلاح لم تكن مجاملة بروتوكولية، بل تأكيداً على موقع الحزب داخل هذا التكتل، بما يعنيه ذلك من اعتراف بدوره كحزب محوري في صياغة السياسات داخل معسكر عدن والرياض. ومن خلال هذا التمثيل، يُمنح الإصلاح شرعية مضاعفة؛ فهو جزء من السلطة الرسمية (عبر مجلس القيادة والحكومة)، وركيزة ضمن التكتل السياسي الجامع، ما يعزز صورته كفاعل لا يمكن تجاوزه في أي تسوية قادمة.
إن هذا النمط من التحالفات يمكن توصيفه بـ"تحالف الضرورة"، إذ تدرك القوى الثلاث (المؤتمر والإصلاح والتكتل السياسي) أن خلافاتها التنافسية لا ينبغي أن تتحول إلى صراعات مدمرة، طالما أن التحدي الأكبر المتمثل بصنعاء ما يزال قائماً.
لذلك، يتجه كل طرف إلى التنازل عن بعض تحفظاته في سبيل الحفاظ على وحدة المعسكر. ومع أن هذه التحالفات تظل ضعيفة وقابلة للاهتزاز، فإنها تعكس إدراكاً متزايداً لكون أي مشروع لمستقبلهم جميعاً من دون الإصلاح سيكون منقوصاً ويفتقر إلى القدرة على الحشد والتعبئة.
وبناءً على ذلك، يمكن القول بأن الإصلاح مكون لا غنى عنه في بناء جبهة سياسية موحدة معادية لصنعاء.

التموضع الإقليمي والدولي
يجد حزب الإصلاح نفسه اليوم في قلب معادلة إقليمية معقدة، تحكمها ثنائية الدعم والتوجس. فمن جهة، يمتلك الحزب تاريخاً من الارتباط الوثيق بمحور (قطر - تركيا) الذي وفر له خلال العقد الأخير دعماً سياسياً وإعلامياً وغطاءً إقليمياً سمح له بالصمود في وجه الضربات الإماراتية. هذا المحور ما يزال يشكل رصيداً معنوياً وعملياً للإصلاح، خصوصاً مع تنامي الدور التركي في ملفات المنطقة، وتماهي الخطاب الإصلاحي مع خطاب "الإسلام المعتدل" الذي يطرحه حزب العدالة والتنمية في أنقرة، وهناك احتمالات حصوله حالياً أو مستقبلاً على أسلحة تركية، مثل المسيّرات.
ومن جهة أخرى، يواجه حزب الإصلاح تحفظات عميقة من السعودية والإمارات، وهما الطرفان الأكثر تأثيراً في معسكر العدوان.
فالرياض، وبحكم إدراكها لوزن الإصلاح في مأرب وتعز، وقاعدته الشعبية وتحالفاته القبلية، تدرك صعوبة إقصائه، لكنها تفضل إبقاءه في موقع الشريك المقيَّد، مراقبةً لنشاطه، وضاغطةً عليه لتقليص حضوره العسكري والإداري خارج مناطقه التقليدية.
أما أبوظبي، فقد تبنت منذ وقت مبكر سياسة إضعاف الإصلاح، معتبرةً إياه امتداداً لتنظيم الإخوان المسلمين، وهي تعمل على تقليص نفوذه عبر دعم خصومه المحليين مثل "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وطارق عفاش، بما يعكس استراتيجية احتواء مزدوجة تقوم على تطويق الحزب بدل المواجهة المباشرة معه.
في هذا السياق، برزت محاولة الإصلاح لإعادة صياغة موقعه الإقليمي عبر خطاب "اليمننة"، حيث شدد قادة الحزب على استقلاليته عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وركزوا على هويته الوطنية بوصفه حزباً يمنياً خالصاً. هذه الرسائل لم تكن موجهة فقط للداخل اليمني، بل كانت إشارة مباشرة إلى الرياض وأبوظبي بأن الإصلاح يمكن أن يكون شريكاً في إطار "اليمن الجمهوري" دون أن يشكل تهديداً أيديولوجياً. ورغم ذلك، ما تزال الشكوك الخليجية قائمة، خصوصاً في ظل العلاقات المفتوحة التي يحتفظ بها الإصلاح مع الدوحة وأنقرة.
إن التموضع الإقليمي للحزب اليوم يقوم على مبدأ التوازن الإجباري: فهو لا يستطيع التفريط بعلاقاته مع تركيا وقطر التي تمثل له مظلة دعم خارجية، ولا يستطيع في الوقت نفسه الدخول في صدام مباشر مع السعودية والإمارات اللتين تتحكمان بالقرار داخل الشرعية. هذه المعادلة تفرض على الإصلاح لغة براغماتية مزدوجة؛ فهو يتحدث إلى الداخل والخارج بلغة الإسلام المعتدل والهوية الوطنية، في حين يحافظ في العمق على جسور مع حلفائه التقليديين.
وتكمن خطورة هذا التموضع في كونه هشاً وقابلاً للانهيار عند أي تصعيد إقليمي، وعند التنافس الإقليمي بين هذه الدول على اليمن إذ توظف كل دولة أدواتها، وفي لحظة كهذه تفشل سياسة "اللعب على الحبلين".
العلاقة مع الولايات المتحدة لا تختلف عن العلاقة مع السعودية والإمارات، فالإصلاح يتقرب للولايات المتحدة، وتزورها قياداته، ويؤكد لهم طابعه السلمي المدني ورفض الإرهاب عموما والتنكر للعلاقة مع الإخوان، ولا يبدي الإصلاح أي تعارض مع مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، بل يُظهر للولايات المتحدة من خلال خطابهم الإعلامي أنه مستعد أن يكون جزءًا من هذا المشروع، في ظل التقسيم على أساس مذهبي طائفي.

النتائج المتوقّعة وحدود المناورة
يعمل حزب الإصلاح، في المدى المنظور، على مسارين متوازيين يبدوان للوهلة الأولى متباينين لكنهما متكاملان في حساباته: تهيئةٌ تنظيمية مبكرة لاستحقاقات تسوية سياسية قد تعقبها عودة النشاط الحزبي والانتخابات، وترسيخٌ لأدوات القوة الميدانية بوصفها ضمانة تفاوضية وأداة ردع في الوقت عينه.
على المستوى التنظيمي، يمضي الحزب إلى إعادة تهيئة هياكله الداخلية، وتنشيط قنواته المجتمعية والإعلامية، وصياغة خطاب سياسي لفترة ما بعد الحرب قابل للتسويق وواسع القابلية للتحالف مع بقية القوى السياسية، بما يضمن جاهزيته للانخراط السريع في أي عملية سياسية تُستأنف برعاية إقليمية ودولية.
هذه الجاهزية لا تُقاس فقط بسلامة البنية الحزبية، بل أيضاً بقدرة الحزب على تقديم نفسه كوعاء سياسي عابر للانقسامات المناطقية والأيديولوجية، مستنداً إلى صورته كـ"حزب الشعب والوطن والجمهورية، وثورة فبراير، والإسلام المعتدل".
وبالتوازي، يرسّخ الإصلاح أدوات قوته الصلبة ويضاعف أثرها في الجغرافيا الأكثر حساسية بالنسبة له: في تعز وطور الباحة عبر تعزيز النفوذ (السياسي -العسكري) الرسمي؛ وضمن ما يُعرف بـ"مجلس المقاومة الشعبية". وفي سيئون حضرموت عبر تفعيل "مكوّن التحرير والتغيير" المدعوم تركياً كرافعة سياسية اجتماعية. وفي مأرب عبر تثبيت الوجود المسلّح وتحسين التموضع الأمني والإداري.
لا يُراد لهذه الأدوات إنتاج حسمٍ عسكري، بقدر ما يُراد لها خلق وقائع تفاوضية صلبة، ورفع كلفة إقصاء الحزب، وتأمين الحواضن المحلية للحزب للعودة مجدداً.
إقليمياً، يتجه الإصلاح إلى تحسين علاقته بالسعودية والإمارات والولايات المتحدة عبر تبنّي خطاب "اليمننة" والتبرؤ العلني من التنظيم الدولي للإخوان المصنّف "إرهابياً" في عواصم عدّة. المقصود هنا هو خفض منسوب الارتياب الأمني والأيديولوجي، وتقديم الحزب كشريكٍ يمكن ضبطه ضمن هندسة التحالفات المعادية المناوئة لصنعاء، من دون مطالب قصوى تُحرج الرياض أو أبوظبي.
سياسياً، يسعى الحزب إلى جبهة جمهورية عريضة مع المؤتمر الشعبي العام (جناح الخارج) ومع طارق صالح واجنحة من تيارات يسارية وقومية، انطلاقاً من مرتكز سردي يعتبر هذه القوى تكتلاً "جمهورياً" في مواجهة "قوى ملكية"، وقوى وحدوية ضد قوى انفصالية، هذا الخيار لا يعني انتفاء التنافس على النفوذ -خصوصاً في تعز والساحل الغربي- لكنه يحدّد إطاراً عملياً لتقاسم الأدوار مرحلياً، ويَعدّ المسرح لتحالفات سياسية محتملة عقب انتهاء الحرب والحصار في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات