تهديدات كورونا وضرورات تعميق المسار الثوري المؤسسي
- أنس القاضي الجمعة , 19 يـونـيـو , 2020 الساعة 6:41:31 PM
- 0 تعليقات
أنس القاضي / لا ميديا -
لفيروس كورونا طبيعة تهديد اقتصاد سياسي وأمن قومي، أكثر من كونها طبيعة بيولوجية تُحل بمجرد التوصل للعلاج، وخاصة أن بلادنا في حالة عدوان وحصار أجنبي وتهديدات داخلية. ويُمكن التعامل مع فيروس كورونا، الذي يُعد تهديداً، كفرصة للدفع بالمسار الثوري ومسار بناء الدولة وتطوير أدائها إلى الأمام وتجاوز كثير من العراقيل الوظيفية الاجتماعية التجارية السياسية التي تتعارض مع المسار الثوري المؤسسي وتعرقله في الظروف العادية. الجماهير الشعبية اليوم تحت ضغط الخوف من الوباء تغير من هرم أولوياتها من السياسي الثقافي إلى الحياة والوجود، ومستعدة لدعم القرارات الثورية المؤسسية وإعادة تقييم مواقفها وانحيازاتها السياسية وفقاً للمتغيرات، ومن يعجز عن استقطابها اليوم فالأمر غدا عليه أصعب.
تبلي وزارة الصحة بلاءً حسناً في مواجهة كورونا، مقارنة بالبُنية الصحية المنهارة في اليمن، لكنها منفردة لن تستطيع حمل ثقل المسؤولية الشاملة، فيجب بالضرورة أن تُسندها بقية الوزارات والهيئات والمؤسسات الرسمية، وتسندها الإرادة الثورية والرئاسية والحكومية للتعامل بحزم مع القطاع الصحي الاستثماري الذي يحقق أرباحاً طائلة منذ تشكله وفي الظروف الراهنة دون أن يُقدم من الخدمة الاجتماعية الصحية دعما للشعب والوطن ما يمثل النزر اليسير من فائض أرباحه التي لا تُعد.
تَدَخُّل الدولة في الاقتصاد أمر لا يمكن الاستغناء عنه لتجنب الفوضى والأزمات والاحتكار، فكبريات الدول الرأسمالية المتقدمة التي ترفض تدخل الدولة تخضع لهذا المبدأ كلما ألمت بها أزمة، وهي تفعل اليوم في ظل كورونا. والدستور اليمني المعمول به حاليا والذي يرفع شعار اقتصاد حرية السوق الرأسمالي، يُجيز المصادرة والتأميم، في الظروف العادية، وهو تدخل ضمن الفكر الرأسمالي السائد في بلادنا والمُقر دستورياً، فلسنا في وارد الحديث عن إجراءات "اشتراكية".
في الظروف الاستثنائية صلاحيات الدولة أكبر في ضبط السوق والتدخل في الحياة الاقتصادية، ونحن في ثلاثة ظروف استثنائية مُركبة نعرفها جيداً ويعرفها العدو ويمارس حالة إرهاب سياسية إعلامية دائمة حتى لا نستفيد منها، وهي ظرف العدوان والحصار والوباء، وجمود الحياة الديمقراطية المشوهة التي كانت مُعبرة عن مصالح النخبة، وكذلك متخففون من الوصاية والمواقف الأجنبية، وهذا يعطي الدولة إمكانية التدخل في ضبط السوق بشكل لا تستطيع أن تقوم به في الظروف العادية، وإذا لم تبرز الدولة هيبتها وتفرض ثورة 21 أيلول جديتها في هذا الظرف سيكون من الصعب أن تجسده في وضع الاستقرار والمشاركة السياسية، ومهمتها التاريخية منوطة بالتأثير على الواقع اليوم وتحديد ملامح المستقبل ليكون مشرقاً بعيداً عن ظلامية حقبة التبعية والوصاية الأجنبية والنزعات والأهواء الأنانية الطفيلية التي كانت هي المحرك لجهاز الدولة والمجتمع معاً.
المجتمع يتابع الأوضاع ويقيم القوى ويُحدد مواقفه الراهنة والمستقبلية بناءً على معطيات اليوم، فمن يتركه اليوم فريسة الجشع والجوع والأوبئة لن يقف معه مستقبلاً في ظرف الاستقرار النسبي، فمستقبل ثورة 21 أيلول/ سبتمبر طبقاً للقانونيات الاجتماعية يتوقف على ما يتم تجسيده اليوم من هيبة للدولة ومن استشعار للمسؤولية، في مواجهة جائحة كورونا.
حتى اليوم التقييم الأولي لتعامل السلطة إيجابي وجيد مقارنة بوضع البلد الصحي، ولكن مازالت هناك الكثير من الثغرات والجوانب السلبية التي يجب تقويمها حتى لا تتسع دائرتها وتأكل ما هو إيجابي، خاصة وأن بلدنا مازال في بداية دخول الفيروس وانتشاره، ولم يبلغ الدرجات المتوسطة والمرتفعة طبقاً للمتواليات الرياضية.
الجوانب الإيجابية حتى اليوم:
• التحرك السريع والمبكر من الدكتور المتوكل في دق ناقوس الخطر في مجلس النواب.
• التعامل الموضوعي وعدم تجميد الحياة الاقتصادية اليومية بالحجر الشامل.
• القيام بحملات الرش والتعقيم وحظر التجول في بعض الأحياء والشوارع والأسواق.
• استمرار إجراءات حظر التجمع في الحدائق والمنتزهات والمطاعم.
• عدم الإعلان عن حالات الإصابات والوفيات.
• تعقيم وفرض حظر التجوال لبعض المناطق والأسواق.
• الحجر الصحي على القادمين من مناطق المرتزقة (ويجب أن يستمر).
• التزام الكثير من المولات الكبيرة بالتعقيم.
• العمل على الحد من تهريب المسافرين والمهاجرين الأفارقة.
• التوجه نحو إيجاد علاج يمني للفيروس.
• الكشف الدائم عن جهود منظمة الصحة العالمية المشبوهة وتحطيم صورتها عند المواطنين مما يفقدها القدرة على التأثير في المجتمع.
الجوانب السلبية:
• قصور الخطاب الإعلامي في إيصال رسالة استشعار مسؤولية الوقاية الصحية للمواطن، فالوعي الاجتماعي انفعالي عاطفي في التعامل مع كورونا مشبع بالخوف وبالاستهتار لا بالمسؤولية العقلانية.
• عدم متابعة ومراقبة المستشفيات وإلزامها باستقبال الحالات، فما زالت بعض المستشفيات تمتنع عن استقبال بعض الحالات المصابة بأمراض اعتيادية كالقلب والباطنية خوفاً من الوباء ولا تقدم لهم الخدمات البسيطة.
• التساهل مع التجمعات مثل تجمعات أسواق القات وعدم الوصول إلى آلية تنظم عملية شراء القات في ظروف آمنة.
• التقصير فيما يخص ضبط أسعار مستلزمات التعقيم والوقاية الشخصية، رغم أن السلع متوفرة في المخازن.
• كثير من الناس المصابين بأمراض مزمنة أغلقت في وجوههم المستشفيات، وحتى بعد توجيهات الوزارة التي مازالت حبراً على ورق.
• ارتفاع أسعار الخضروات والفواكه ومعظمها تزرع داخل اليمن.
• توقف كثير من البقالات ومحلات الصرافة والحلاقين والمطاعم عن تعقيم الزبائن مقارنة بما كان عليه الحال في رمضان.
• كثير من المخابز في الحارات لا تلتزم بالإجراءات الوقائية كالكمامات والقفازات.
• بعض البوفيهات ومطاعم المأكولات السريعة تتيح للزبائن تناول الأطعمة داخلها خلافا للتوجيهات.
• التقصير في الحضور السريع إلى مناطق البلاغات عن الإصابة أو الاشتباه.
• سيطرة إشاعة "إبر الرحمة" على قطاع واسع من المجتمع.
• أطباء وبمبادرات شخصية فتحوا سياراتهم وصفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم المعاينات والنصائح الطبية بدون رقابة من الوزارة ولا تنظيم لهذا الأمر.
• مبادرات الشخصيات الرسمية برش الشوارع وغيرها تحولت إلى حفلات وولدت مشاعر سلبية لدى المجتمع فاقد الثقة بالحكومة الذي خبر طوال عقود كثير من هذه الحملات الوزارية في قضايا أخرى كنوع من الدعاية الانتخابية والتسلق على جهود الآخرين.
المقترحات والتوصيات وفق الممكن القيام به:
• تخصيص رقم طوارئ للبلاغات الشعبية عن جوانب التقصير الخدمية ورفع الأسعار وعدم الالتزام بالتعقيم والنظافة، على أن يكون فاعلاً بشكل يومي يتلقى البلاغات ويتفاعل معها ولا تتكرر تجربة تخصيص أرقام للإبلاغ عن الفساد وعدم التفاعل، وهذه النقطة وسعت هوة عدم ثقة المجتمع تجاه الدولة، وهناك فرصة اليوم لإعادة ردم هذه الهوة وبناء علاقة ثقة بين المجتمع والدولة.
• تشكيل لجنة من الأمن والمخابرات الوطنية والأجهزة الرقابية وحماية المستهلك والنائب العام لتلقي البلاغات وفحصها والتوجيه بالتعامل معها.
• مطالبة كبار الأسر التجارية اليمنية والبنوك والمصارف الكبرى بتقديم عون مادي (مع عدم رفع سعر منتجاتها) لدعم معيشة الشعب والحفاظ على استقرار السلع ودعم الجهود الصحية، سواء عبر تقديم المبالغ إلى حساب خاص، أو عن طريق استيراد المتطلبات من السوق العالمية.
• إلزام الشركات الكبيرة والمشروعات الاقتصادية الأدنى التي سرحت أو أوقفت جزءاً من عمالها نتيجة الإجراءات الاحترازية بأن تدفع لهم المرتبات والمستحقات المعهودة، حتى لا تولد هذه الإجراءات أزمة بطالة جديدة في هذه الظروف.
• تكثيف الجهات المعنية حملات التفتيش والمتابعة للمستشفيات والصيدليات وتجار مواد التعقيم ومحلات الخضروات والفواكه بشكل شبه يومي ولا تقتصر على نزول وفد رسمي مع الكاميرات لامتصاص الغضب أو رفع تقارير إنجاز ثم يعود الواقع إلى ما كان عليه.
• قيام مكاتب الصحة في المديريات الريفية والحضرية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية وعقال الحارات برصد حالات الإصابة والوفاة الفعلية غير المعلن عنها حتى تستطيع الحكومة أن تبني خططها وفقاً لمعلومات صحيحة.
• تشكيل لجنة إعلامية مصغرة من المركز الإعلامي ووزارة الإعلام والأمن والمخابرات تعمل بشكل دائم على رصد الشائعات وتفنيدها، سواءً بخطاب إعلامي مباشر أو بطلب تصريحات سياسية أو صحية أو أمنية وفق ما تقتضيه الشائعة.
• دراسة إمكانية صرف نصف راتب كل شهر أو شهرين لإعانة أسر الموظفين الحكوميين على شراء المواد الصحية والأطعمة المقوية للمناعة، أو صرف سلال صحية لأسر الموظفين الحكوميين.
• توسيع الطاقة العملية في مصانع الأكسجين التي مازالت تعمل، وإصلاح التالف منها.
• رصد المناطق الحضرية أو الأرياف الأكثر إصابة بالوباء وإغلاق حركة الانتقال منها وإليها والتعامل معها بشكل خاص.
• تتولى وزارة الصحة تنظيم المبادرات الطبية العقلانية لمساعدة المجتمع وتقديم النصائح والبرتوكولات أو المعاينة.
المصدر أنس القاضي
زيارة جميع مقالات: أنس القاضي