أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
وفقاً للمادة (131) من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإنه في حالة وفاة الرئيس أو عجزه، يتولى نائب الرئيس -في هذه الحالة محمد مخبر- تصريف الأعمال لمدة لا تزيد على 50 يوما. وخلال تلك الفترة يتم انتخاب رئيس جديد. ومن المرجح أن تسعى الحكومة الإيرانية في الفترة القادمة إلى الدعوة إلى الوحدة الوطنية، والسعي إلى صيانة العملية الديمقراطية التي آمنت الانتقال السلمي السلس للسلطة منذ انتصار الثورة.
السياسة الخارجية الإيرانية تُصاغ من خلال عدة مؤسسات رئيسية، تتداخل فيما بينها لضمان توجيه السياسات بشكل متسق مع الأهداف الوطنية والإقليمية والدولية للجمهورية الإسلامية الإيرانية. أبرز هذه المؤسسات تشمل: المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، مجلس الأمن القومي الأعلى، الحرس الثوري الإيراني، مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، الرئيس الإيراني، وزارة الخارجية. تتفاعل هذه المؤسسات مع بعضها، حيث يتم اتخاذ القرارات الكبرى من خلال التنسيق والتوافق بين القيادات العليا، مع الأخذ بعين الاعتبار رؤية المرشد الأعلى ومصالح النظام ككل.
في صناعة السياسة الخارجة الإيرانية يقف في رأس الهرم المرشد الأعلى، وليس منصب الرئيس الذي يحل في المرتبة الثانية، والمؤسسات في إيران هي التي ترسم السياسة الخارجية، إلا أن المسألة ليست بهذه البساطة الشديدة، وإلا لما كان هناك حاجة لوجود تيار محافظ وتيار إصلاحي، ولا تنافس ووعود وبرامج انتخابية حول السياسة الخارجية، ولاقتصر الخلاف على السياسات الداخلية. الواقع أن للرئيس المنتخب مباشرة من قبل الشعب تأثيراً في السياسة الخارجية، وهناك فروقات في السياسة الخارجية الإيرانية حين ينتقل الحكم من رئيس إصلاحي إلى رئيس محافظ، ويحدث تضارب بين توجهات المرشد وتوجهات الرئيس، كما كان عليه الوضع في زمن روحاني.
كانت حكومة إبراهيم رئيسي ووزارة خارجيته الأكثر انسجاما وتوافقا مع «الميدان» الذي يمثله «فيلق القدس». فغياب إبراهيم رئيسي وحسين أمير عبداللهيان يأتي في ظروف حساسة مهمة إقليميا ودوليا، وخاصة في ظل التطورات الإقليمية جراء الحرب على غزة، وهو أمر خطير ولا يمكن تجاهله، خصوصا أن الوضع في المنطقة مفتوح على احتمالات كثيرة.
عمل رئيسي ووزير خارجيته على تعزيز الانفتاح الإيراني مع دول المنطقة والعالم، وخصوصاً مع الدول الصاعدة والمناهضة للغرب. إن الشخصية الذاتية للرئيس الراحل، والموثوقية التي حظي بها لدى الرؤساء والملوك خلال الفترة التي نشط فيها بمجال السياسة الخارجية، تجعل من رحيله أمراً مربكاً لهذه الدول، التي تحتاج أن تتكيف مع الشخصيات الجديدة وتعرف توجهاتها. وكسب الثقة في الدبلوماسية أمر مهم، ففي هذا الصعيد كانت مختلف الدول ترى أن رئيسي شخصية موثوقة يُمكن العمل معه بثبات والتقدم في الملفات. وعبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوضوح عن هذه النقطة، وتخشى روسيا من أي تقارب إيراني مع الغرب.
عمل رئيسي ووزير خارجيته على تعزيز الانفتاح الإيراني مع دول المنطقة والعالم. تلخص نهج رئيسي في فتح أبواب الدبلوماسية أمام الجميع لمواجهة الحصار. وفي فترته القصيرة زار دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية، واتجه بشكل خاص نحو روسيا والصين، وسعى للانفتاح الإقليمي مع دول مجلس التعاون الخلجي، وكانت آخر مساعيه استعادة العلاقات مع جمهورية مصر ومع الأردن، وهو أمر كان يؤرق كيان الاحتلال مؤخراً.
كان الإرث الرئيسي الذي خلفه رئيسي هو التدهور الحاد في علاقات إيران مع الغرب، وسيظل هذا الأمر مع الحكومة الجديدة، ومستقبل الانتخابات الأمريكية المقبلة سيؤثر في هذه السياسة، وحتى الانتخابات الأمريكية القادمة ستظل السياسة الإيرانية تجاه الغرب كما هي.
من المرجح أن يواصل خلفا رئيسي وأمير عبداللهيان جهودهما لإصلاح العلاقات مع دول الإقليم، بما في ذلك مع مصر.
في المسألة النووية، سيكون هناك توتر مستقبلي، حيث سيؤدي الاجتماع المقبل لمجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى استمرار المماطلة التي تمارسها طهران بشأن الوصول إلى الطاقة الذرية، والشفافية مرة أخرى على جدول الأعمال.
بالنسبة للقضية الفلسطينية، ستستمر السياسة الخارجية تجاهها بدون أي تغييرات، فهي ثابت في السياسة الاستراتيجية الإيرانية، والحرس الثوري هو المعني بها بصورة رئيسية.
بالنسبة للقضية اليمنية، لن يكون هنا تغير كبير سلبي، فالتركيز على اليمن بما أظهره من ثقل استراتيجي في الحرب البحرية، يجعله جزءاً من التوجه الإيراني نحو الشرق، فالعلاقة مع اليمن تتجاوز مسألة دعم فصيل عسكري، وترتبط أكثر بالتحولات الدولية التي يسهم فيها اليمن بصورة مباشرة.
إذا فازت شخصية محافظة فسيكون هناك نوع من التناغم بين المرشد ومجلس الأمن القومي والقوى الرئيسية في صناعة السياسة الخراجية، وهذا ما شهدته فترة رئيسي. وفيما إذا صعدت شخصية إصلاحية فإن هذا التناغم سيُفتقر ويؤثر في سلاسة الأداء. هذا في حالة لم يكن للرئيس الجديد تصوراته الخاصة عن السياسة الخارجية، فإذا صعدت شخصية إصلاحية لها ثقل كما كان عليه روحاني فإن التضارب وعدم التناغم سيكون مؤثراً في مختلف هذه القضايا، بما في ذلك القضية اليمنية.
والأهم من ذلك كانت الأولوية القصوى للجمهورية الإسلامية في السنوات الأخيرة التحضير لمرحلة ما بعد وفاة المرشد الأعلى للثورة، آية الله علي خامنئي، البالغ من العمر 85 عاما، وكان صعود رئيسي إلى الرئاسة والعلاقة الطويلة مع خامنئي سبباً في جعله مرشحاً على نطاق واسع، كواحد من المرشحين الأكثر ترجيحاً لخلافة المرشد الأعلى، وهو ما يعني تحديد السياسة الخارجية لإيران لعقدين مستقبلاً على الأقل.
وبهذا المعنى فإن خسارة رئيسي -بالنسبة للقوى المناهضة للأحادية القطبية والصهيونية- ليست فقط على مستوى السياسة الخارجية لفترة حكومة معينها، بل خسارة على المستوى المستقبلي للدولة الإيرانية.

أترك تعليقاً

التعليقات