حاوره/ أحمد عطاء / لا ميديا

يعتبر الشاعر هائل عزيزي من أكبر شعراء تهامة وأروعهم وأقواهم، فهو المنطلق في سبيل الأرض والعرض، وبشعره ينسج متراساً آخر في الساحل العظيم.. عرفته بفكاهته النقية وبعظمته المتواضعة وبلغته الشجية في برنامج (شاعر الصمود) قبل 3 أعوام، قادماً من مديرية المنصورية، فعرفت أنني في مقام أحد أنبياء الحرف والقصيدة.
يكتب بشغف المحب الكبير، وبعنفوان المقاتل الشرس، وبروحية القرآن الكريم، وبصوفية تهامة العصية على الانكسار والتشطير.. يتلاعب بلغته بطريقة الكبار، فهو شاعر متمكن من أدواته، ويعرف ماذا يقول وماذا ينسج وأين يقف، فهو البليغ والجزل، فحينما تطل على نصوصه تشعر بأحقية الإبداع الساحلي وقوة اللغة لديه، فهو قامة كبيرة يتميز بروح لطيفة وفكاهية ونفس مجاهدة محبة للأرض والوطن، وسخر قلمه وشعره لمجابهة أعداء اليمن، وقد أفلح في ذلك...
 أهلاً بك شاعرنا الكبير ضيفاً على صحيفة (لا).
مرحباً بك أخي العزيز، وسعيد جداً بهذا اللقاء في صحيفتكم الغراء.

ولادة الإلهام
 أولاً لو سألتك عن خطواتك الأولى..  ترى متى بدأ الهاجس بالتفردس لديك؟
قبل أن أخطو خطواتي الأولى كان لا بدّ عليّ أن أنظر إلى المسافات التي يجب أن أعبرها لأصل إلى ما أصبو إليه.. كانت الخطوة الأولى هي النظرة الأولى للندى، للأرض، للجمال، للمحبة، وللتأمل بصمت.. حينها ولد الإلهام، وبدأ الهاجس بالتفردس منذ أن بدأت أدرك ما حولي من الأشياء والأحداث في حياتي اليومية.

قصيدة برائحة الأرض
  ما هي أول قصيدة كتبتها؟
لا أذكرها تماماً لمسافة الوقت الذي بيني وبينها، لكنها كانت تتحدث عن ضوء القمر وقطرات الطل ورائحة الأرض..
كانت مشاعري تحترق بانفعالها داخلي، غير أنني لم أستطع أن أترجمها إلا عن طريق بخارها كبداية.. أذكر أنني لم أستطع احتواءها بشكل لائق، ولكنها كانت الوسيلة التي ركبت بها بداية المسافة الأدبية.

 كيف تقيم مستواك اليوم في خضم هذا الثـراء الشعري في تهامة خصوصاً واليمن عامة؟
لا أقيم مستواي أبداً.. القصيدة هي التي تجعل الجمهور والقراء يقيمون الشاعر.. الجمهور يقيم مستواي بانطباع جميل وارتياح كبير، لكني لست راضياً عما قدمت إلى حد الآن.. 

لا عائق أمام الإرادة
 ما هو أكبر عائق يقف أمامك؟
لقد آمنت أنه لا عائق أبداً أمام الإرادة، لكن هناك من يقول إن الخجل وعدم الظهور باستمرار يجب أن أتغلب عليهما!

 ما الفرق بين الحب والحرب من حيث القصيدة؟
إذا كان الحب هو التفاني في خدمة القضية، تصبح القصيدة حرباً والحرب حباً. إذن لا فرق.. 

يفرحني الانتصار في ميادين الشرف
 متى يفرح الشاعر هائل عزيزي؟
لحظة سقوط المطر، ولحظة سماع خبر انتصار في ميادين الشرف والعزة ضد الغزاة المحتلين. ولله الحمد إن غابت الفرحة الأولى تأتي الثانية يومياً. 

الصوفية حضور دائم في تهامة
 يتميز شعراء تهامة بالشعر الصوفي، ما قولك؟ وهل لديك نصوص صوفية؟
نعم.. نعم.. من خلال قراءاتي واطلاعي على معظم شعراء تهامة، وجدت معظم النصوص صوفية بحتة ونابعة من مشاعرَ روحانيةٍ رائعة، وكيف لا والشعر الصوفي حاضر منذ ما بعد الإسلام في تهامة، والشاعر التهامي عبدالرحيم البرعي مازالت قصائده الصوفية حاضرة في كل الأقطار، وغيره من شعراء تهامة الكبار... أما بالنسبة لقصائدي فمعظمها صوفية، ولم أكتشفها صوفية -ربما لأني من بيئة صوفية- إلا بعد أن تحدث عنها نقاد وشعراء، ولي الشرف بذلك. ومن قصائدي الصوفية: عافية الشموخ، وإلى عصفور في طوبى، ورحيل الانتظار، وغيرها من القصائد في المديح النبوي، وغير ذلك.

  من هو الشاعر الذي يدهشك في المشهد اليوم؟
في الحقيقة يدهشني النص الجميل وليس الشاعر، والمشهد يكتظ بالكثير من القصائد الرائعة والجميلة.
حديقة شعرية فواحة
 كيف ترى الساحة الشعرية في هذه المرحلة؟
أراها كحديقة واسعة يفوح عطرها الزكي ويورف ظلها الهادئ، ولا تخلو أيضاً من الأعشاب الضارة والنباتات المتسلقة! لكن الجمال يزهو بلون الشعر أكثر من أية فترة مضت. 

 أنت أحد المشاركين في (شاعر الصمود).. حدثنا عن ذلك؟
مشاركتي في برنامج (شاعر الصمود) أشبهها بنخلة باسقة أراد لها الشعر أن تزور كروم صنعاء.. لم تبخل بـ(المناصف)، لكنها عادت بانطباع جميل عن العنب!

  من أين تستمد قدرتك الشعرية؟
من القرآن الكريم أولاً، ثم القراءة والاطلاع والأشياء التي حولي والبيئة والأحداث المفعمة بالقضية التي تستنهض الهم الأدبي الذي يسكنني.

الدموع تزيد الشعر بريقاً ونكهة
  هل حصل أن بكيت وأنت تكتب نصاً؟ وما النص الذي كتبته؟
أكثر بكاء الشاعر يكون بداخله، وأحياناً أكتب وأرى القصيدة هي التي تبكي. وقد قلت في نص شعبي ذات بكاء:
كفّنت روح انتظاري وامسيت ارتّل تناهيدْ
وكلّما تْطِيحْ نُهدِه.. تنبت على الكف معبدْ
صلّت حروفي جماعة على رفاة المواعيدْ
والدمع ينزف لداخل ما عاد يذرف على الخدّْ
والدموع لا تمحو ما نكتب، بل تزيد الشعر بريقاً ونكهة.
ولا أخفيك أني أبكي عندما أبدأ التعبير عن استشهاد طفل أو مجزرة مروعة بحق النساء أو حالة فقير متعفف.. والواقع حافل بالبؤس والظلم والصمود. 

 هل أنت مقتنع بمستواك اليوم؟
قلت لك آنفاً إنني لست راضياً عما قدمت لحد الآن، وأتطلع إلى الأفضل.

انتشار عربي
 متى ستطبع أعمالك الشعرية؟
لا أريد أن أطبع عملاً عبارة عن بعض كتيبات كما تطبع دور النشر حالياً، لكن حينما تتوفر الإمكانيات آمل أن تكون أعمالي مطبوعة بشكل أوسع يوزّع على مكتبات الوطن العربي، كي أعبر المسافة الشائكة التي أنظر إليها بمختلف الأبعاد. وإن لم تتوفر الفرصة أجزم أن الزمان سيطبعها يوماً ما بطريقة أو بأخرى. 

 ماذا تقول للشعراء المنفوخين بالأنا وهم لا شيء؟
لن أقول لهم شيئاً، إنما سخريتهم من أنفسهم ستولّد لدى الناس قناعة بتقزمهم، وهذه أكبر عقبة ستقف في طريقهم.

مرحلة تاريخية للزامل
 أنت من محبي الزوامل.. ما هو الزامل الذي تردده باستمرار؟
الصراحة الساحة ممتلئة بأروع الألحان الثورية، وهذه المرحلة في تطور الزامل تاريخية. أما الزامل الذي أردده دائماً فهو: (قال امتهامي وصوته عالِ قاحي يا تهامي قاحي).

  في الآونة الأخيرة جلست كثيراً مع عيسى الليث.. هل كتبت له زاملاً؟
لم أكتب لحد الآن زاملاً لأي منشد، والسبب يعود -حسب اعتقادي- لكوني شاعراً بالفصحى، وسأحاول كتابة الزامل الشعبي، وآمل أن أوفق في ذلك بإذن الله.

 هل هناك سؤال غفلت عنه وتود أن أسألَكَه؟
لا.. لقد أثريت الحوار بالأسئلة. 

 كلمة أخيرة تود قولها؟
أدعو كافة الشعراء والشاعرات أن يثروا الساحة بقصائدَ تعايش الواقع، وتحكي خطورة المرحلة، إذ يستحيل أن يكون هناك شاعر يمتلك الموهبة والقدرة وله أحاسيس مرهفة، أن يغفل عن دمار الطائرات وقتل الأطفال والنساء وتحطيم كل شيء جميل، لأن الشاعر دائماً جميل الروح، ويغار على الجمال ويدافع عنه.
تحيتي لك وللإخوة القراء الكرام..