مراقبون: الجيش واللجان أسياد البحر الأحمر وواشنطن عاجزة عن تأمين الملاحة الدولية


حلمي الكمالي/ غازي المفلحي/ لا ميديا

ما إن تم الإعلان عن توقيع اتفاقية الحديدة في ختام مشاورات ستوكهولم، 
سارعت وسائل إعلام تحالف قوى العدوان بوصف الاتفاقية بأنها انتصار عسكري وسياسي 
لوفد الرياض، وذهبت لتزييف بنود الاتفاقية لتضليل الرأي العام. وبالرغم من ذلك فإن اتفاقية الحديدة خلقت انقساماً شاسعاً في صفوف المرتزقة، حيث رأت وسائل إعلام أخرى تابعة للعدوان أن الاتفاقية شكلت ضربة موجعة للتحالف وما يسمى الشرعية.
وفي هذا الصدد نستعرض كيف تناولت وسائل إعلام العدوان نتائج مشاورات ستوكهولم، خصوصاً النقاشات وجملة التناقضات البينية التي طفت في منابر الارتزاق حول اتفاقية الحديدة، 

والتي بدورها عكست الكاسب والخاسر الحقيقي منها.


وسائل تطبل بانتصار المرتزقة
اختلفت ردود أفعال وسائل إعلام العدوان بين مرحبة بنتائج المشاورات باعتبارها نصراً لما يسمى الشرعية، وأخرى منددة باعتبارها انتصاراً للوفد الوطني.
حيث تناولت وسائل الإعلام الرسمية للمرتزقة، وعلى رأسها قناة اليمن التي تبث من الرياض، أخبار اتفاقية الحديدة باعتبارها نصراً على من سمتهم (الحوثيين) وإيران، ونقلت ترحيب أمريكا والسعودية والإمارات بالاتفاق كعلامة للرضى، كما نقلت أن بن سلمان يطلب من (الحوثيين) التخلي عن إيران، متصورة بهذا الترويج أن الحرب قد حسمت لصالحه وهو يقف موقف المنتصر الناصح الحريص.

ضغوط الرياض على العميل هادي
وأكدت تلك الوسائل، نقلاً عن مصادر، أن الرياض ضغطت على هادي للقبول بالاتفاق الذي ارتضته كونه مربحاً لها، ويوافق الأهداف الذي شنت العدوان لأجلها، وليس باعتباره خطوة لتخفيف المعاناة الإنسانية وبداية جيدة لإنهاء الحرب، كما نقلت مزاعم بن سلمان أنه أجبر (الحوثيين) على القدوم لطاولة الحوار بالقوة التي لم تنفعه للتقدم في ساحة المعركة.
 
تزييف مضامين الاتفاقية
ولم تتوقف هذه الوسائل الإعلامية عن التطبيل لوفد المرتزقة بتحقيقه انتصاراً كبيراً، حيث أقدمت على تزييف مضامين الاتفاقية لتوافق إعلان النصر المزعوم، ونشر موقع (مأرب برس) تقريراً مفبركاً عن اتفاقية الحديدة ينص على أن الحوثيين سينسحبون من ميناء ومدينة الحديدة، ويسلمونهما لـ(الشرعية)!

إعلام العدوان: نصر عسكري!
أما وسائل إعلام العدوان الرئيسة (كالحدث والعربية وسكاي نيوز والقنوات الرسمية السعودية والإماراتية) فقد قالت في أخبارها وعلى لسان محلليها ومداخليها وما نقلته من تصريحات مسؤولي السعودية والإمارات القائمين على العدوان، إن هذا يوم نصر كبير عسكري قبل أن يكون سياسياً للعدوان ومرتزقته، فعمليات التحالف ووجود 5 آلاف جندي إماراتي إلى جانب قوات (الشرعية) في الحديدة، هي من ضيقت الخناق على (الحوثيين) واضطرتهم للذهاب إلى طاولة المفاوضات، كما صرح أنور قرقاش.

في مصلحة التخفيف 
من المعاناة الإنسانية
يقول الإعلامي أحمد الكبسي: (لا يختلف اثنان أن تفاهمات السويد لم تكن في صالح أي طرف بحسابات السيطرة الميدانية، غير أنها وبكل تأكيد تصب في مصلحة التخفيف من معاناة الوضع الإنساني الذي بات يوصف بالكارثي، وقد مثل إعلان السويد نصراً للوفد الوطني الذي غادر صنعاء وهو يحمل هم الوضع الإنساني، وفاجأ الجميع بمرونة في التعاطي، وهو ما خلق ارتباكاً لدى أدوات ووسائل إعلام تحالف العدوان).

اعتراض المصالح والأطماع
ويضيف الكبسي: (الرغبة السعودية بالخروج من مستنقع الحرب في اليمن تعترضها أطماع محمد بن زايد وطموح المرتزقة بالسيطرة على الحديدة وقطع إمدادات الغذاء والدواء لضغط أكثر على السلطة في صنعاء، كما أن الإخوان المسلمين غير راضين عن أي تفاهمات تضع أنصار الله شريكاً في السلطة وهم أصحاب مشروع اقتلاع واجتثاث الحوثي).
ويستطرد أحمد الكبسي: (أيضاً مرتزقة الجنوب لم يمنحوا أي امتياز أو إشارة لترتيب وضعهم في التسوية، ما يجعل الصورة في وسائل الإعلام تبدو مليئة بالتناقضات، وهكذا حالة لا يجيد العزف عليها إلا العبيد).

دثار لتغطية الهزيمة
كل ما يروج له مرتزقة العدوان من أوهام لانتصارات سياسية ودبلوماسية حققوها في الحديدة، بحسب مراقبين، لا يعدو عن كونه دثاراً لتغطية الهزيمة والفشل وإقناع قواعدهم بأنه تم تحقيق شيء من وراء عدوانهم ومغامراتهم السياسية.
ويتساءل آخرون: إذا كان هدف تحالف العدوان القبول بقوة مشتركة لإدارة ميناء الحديدة برقابة أممية، فأين ذهبت الأهداف السابقة التي أُعلن العدوان لأجلها، مثل انسحاب قوات الجيش واللجان من المحافظات وتسليم الأسلحة والعودة إلى صعدة؟!

البحث عن حفظ ماء الوجه
إلى ذلك، لا تبدو الأخبار التي تتحدث عن انتصارات وفد الرياض خلال اتفاقية الحديدة، إلا محلاً للسخرية فقط، إذ تظهر صورة الانهزام في ملامح الأخبار المفبركة وغير المنطقية، وكذا التصريحات المتناقضة لمسؤولين بارزين في التحالف، حيث تعتبر تصريحات وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش اعترافاً بالهزيمة، دون أن يدرك مضامين ما تحدث به عندما أكد وجود 5 آلاف جندي إماراتي في معركة الحديدة مع قوات المرتزقة وتحالف دولي ليقبلوا باتفاقية تحفظ ماء الوجه وتوقف نزيف الهزائم الحاد، بحسب المراقبين.

يعترفون بفشلهم
أما في ما يتعلق بردود الأفعال الرافضة للاتفاقية، فقد علقت قناة (بلقيس) الموالية للعدوان، على بنود اتفاقية الحديدة بأنها فشل ذريع لما يسمى الشرعية، واختراق للقرارات الدولية.
وذكرت القناة في تقرير لها الأسبوع الماضي، أن اتفاقية الحديدة شرعنت لـ(الحوثيين) باعتبارهم طرف نزاع بعدما كانوا انقلابيين.
كما ذكر (الموقع بوست) التابع للعدوان، في تقرير نشره الأسبوع الماضي، أن اتفاقية الحديدة شكلت انتكاسة واضحة للتحالف. وأشار التقرير إلى أن ما تسمى الشرعية تنازلت عن المرجعيات التي كانت تطرحها في المفاوضات، حيث ظهرت بندية مع وفد صنعاء، وهذه خسارة كبيرة لها.
من جانبه، أكد موقع (يافع نيوز) التابع للعدوان، في تقرير نشره الأسبوع الماضي، بشأن اتفاقية الحديدة، أن (الشرعية) سلمت محافظة الحديدة للحوثيين.
وعلق مراقبون على بنود الاتفاقية، بحسب التقرير، بأن الحوثيين قد تسلموا بشكل رسمي مدينة الحديدة من (الشرعية) وبرعاية وإشراف الأمم المتحدة.

معرفة الكاسب الحقيقي
إذا أمعنا جيداً في مضمون الردود والمواقف السابقة، فإن الهجوم الذي شنته وسائل إعلام تابعة للتحالف على اتفاقية الحديدة باعتبارها خسارة كبيرة لما يسمى الشرعية، يعكس الكثير من التناقضات البينية في صفوف العدوان وأدواته، والتي بدورها تكشف للجميع عن الكاسب الحقيقي من هذا الاتفاق.

ضغوط دولية
محللون ومراقبون سياسيون أكدوا في حديثهم مع (لا) أن هذا الانقسام داخل وسائل إعلام العدوان بشأن اتفاقية الحديدة، يدل على أن الأخيرة سرت بضغوط دولية، حيث يؤكد الباحث السياسي السوري محمد زيات أن قوى الوصاية الغربية الراعية للعدوان على اليمن أدركت مؤخراً أن الخيارات العسكرية لم تعد نافعة في مسألة السيطرة على الحديدة، وذلك لعدة أسباب أبرزها الصمود الأسطوري لقوات الجيش واللجان الشعبية في الساحل الغربي للبلاد. ويوضح الزيات أن هذه القوى مارست ضغوطاً على التحالف لقبول الاتفاقية، مع العلم أنها ليست في صالحه، مشيراً إلى أن المعارضين للاتفاقية من المحسوبين على التحالف هم من المغرر بهم الذين صدقوا أن الأخير يخوض الحرب دفاعاً عنهم. 
إذا أخذنا هذا الطرح فإن مزاعم حكومة العميل هادي بأن الوفد الوطني كان مرغماً على توقيع اتفاقية الحديدة، لا تبدو منطقية، فخلافاً على إقرار الكثير من الموالين لها بانتكاسة الشرعية، فإنه من المعلوم أن وفد الرياض كان رافضاً الذهاب لجولة مفاوضات سلام جديدة قبيل أن تنطلق مشاورات ستوكهولم.

إرغام وفد الرياض على التوقيع
من المعلوم أن وفد الرياض رفض التوقيع على اتفاقية الحديدة منذ أن طرحها المبعوث الأممي مارتن جريفيث، حيث ذكرت قناة (الجزيرة) القطرية في تقرير بثته الأسبوع الماضي، نقلاً عن مصادر موثوقة في حكومة المرتزقة، أن وفد الرياض قدم ورقة إلى العميل هادي توصي بعدم التوقيع على اتفاق الحديدة كونه لا ينص صراحة على خروج قوات الجيش واللجان الشعبية من مدينة الحديدة ومينائها، لكن هادي وجّه بالتوقيع عليه بعد ضغوط شديدة من السعودية.
وأكد التقرير أن رئيس وفد المرتزقة خالد اليماني لم يكن راغباً في الموافقة على الاتفاق بشكله الحالي، فيما قاطع بقية الأعضاء الجلسة الختامية للمشاورات، معتبرين ذلك نجاحاً للوفد الوطني.

التناقضات البينية
إن التدقيق في هذه التناقضات البينية حول الاتفاقية من جانب العدو وأدواته، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، بحسب مراقبين، أن تحالف العدوان لم يكسب من اتفاقية الحديدة كما يزعم، والصورة واضحة، خاصة إذا ما تساءلنا لماذا رفض وفد الرياض التوقيع على الاتفاقية إذا كانت تمثل مكسباً له؟! 

فقدان الغطاء السياسي
وكان عضو الوفد الوطني المفاوض سليم المغلس، أكد في حوار حصري مع (لا) الأسبوع الماضي، أن حالة الانقسام الواضحة في صفوف المرتزقة بشأن اتفاقية الحديدة ناتجة عن أن توقيعهم على الاتفاقية أفقدهم الغطاء السياسي أمام قواعدهم من المخدوعين تحت ما يسمى المرجعيات الثلاث، مشيراً إلى أن الاتفاقية أسقطت ذريعة العدوان، وهي إعادة (الشرعية).

الاتفاقية سد منيع أمام المؤامرات
من جانب آخر، يؤكد عبدالرحمن سلطان، محلل سياسي، في حديثه لـ(لا)، أنه لا يمكن مطلقاً القول بأن اتفاقية الحديدة شكلت انتصاراً لتحالف العدوان، موضحاً أنه إذا تمعنا جيداً في بنود الاتفاقية ومقارنتها مع الأهداف التي أراد العدو تحقيقها من خلال هجومه على الحديدة، سنجد أن العدو لم يتمكن من تمرير أهدافه الحقيقية من خلال الاتفاقية، بل على العكس تماماً مثلت الأخيرة سداً منيعاً أمام مؤامراته. ويشير سلطان إلى أن العدو فشل في إسقاط بنية المقاومة داخل المدينة، وهي أهم عامل صمود قوات الجيش واللجان الشعبية.

فشل أطماع العدو
ما أشار إليه المحلل السياسي عبدالرحمن سلطان، يتفق مع آراء العديد من المحللين السياسيين الذين يرون أن هجوم العدو على مدينة الحديدة تركز لعدة أسباب أبرزها استهداف النسيج الاجتماعي الثوري الحر في المدينة وإسقاط بنية المقاومة اليمنية فيها. ومن خلال استعراض بنود اتفاقية الحديدة نجد أن العدو فشل كلياً في تمرير هذه الأطماع.

تأمين البحر والملاحة الدولية
لا يتوقف الحديث عن مكاسب سياسية حصدتها القوى الوطنية اليمنية من خلال التوقيع على اتفاقية الحديدة عند بعض وسائل إعلام العدوان، بل إن قيادة التحالف أقرت بذلك بشكل غير مباشر، حيث أكد السفير السعودي في واشنطن خالد بن سلمان، أن توقيع الوفد الوطني لاتفاقية الحديدة إنجاز عظيم.
وقال السفير السعودي في تغريدة على حسابه الشخصي في (تويتر): إن توقيع (الحوثيين) على اتفاقية الحديدة شكل خطوة كبيرة نحو إعادة الأمن لليمن والمنطقة، بما في ذلك أمن البحر الأحمر، والممر الحيوي للتجارة الدولية.
غير أنه، وبحسب مراقبين، فإن تصريحات السفير السعودي تؤكد أن تحالف العدوان كان بحاجة لتوقيع (الحوثيين) بالفعل حتى يضمن تأمين البحر والملاحة الدولية، وهذه حقيقة يوضح المراقبون أنها تعكس انتصاراً كبيراً حصدته صنعاء من هذا الاتفاق، حيث إن واشنطن صاحبة النفوذ البحري الواسع أصبحت اليوم عاجزة عن فعل شيء في ما يخص الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وأن صنعاء هي صاحبة الكلمة الفصل في هذا الأمر.

التشبث بالدفاع عن الوطن
إن التشبث بالدفاع عن الوطن وسيادته يقود أصحابه لتحقيق انتصار على كافة المستويات السياسية والعسكرية، وهذا ما اعترف به مسؤولون وسياسيون بارزون من الموالين للعدوان أثناء تعليقهم على نتائج مشاورات ستوكهولم.
حيث أكد رئيس الوزراء الأسبق في حكومة المرتزقة خالد بحاح، أن نتائج المشاورات تمثل خسارة لـ(الشرعية).
وأوضح بحاح في منشور على صفحته في (فيسبوك)، أن السبب يعود لتواجد (الانقلابيين) على الأرض، وهو ما أعطاهم الثقة، فمن أقلعت طائرته من صنعاء وسيعود إليها ليس كمن جاء من خارج حدود وطنه.

مكسب إنساني لوقف عبث العدوان
من جانبه، يؤكد الباحث السياسي فائد اليوسفي أن الاتفاقية مثلت نكسة للتحالف بكل المقاييس، لأن الأخير هدفه التدمير فقط.
ويوضح اليوسفي في حديثه مع (لا) أن التحالف لم يأتِ إلى الحديدة ليمنع تدفق الأسلحة الإيرانية التي هي مجرد وهم وكذبة يسوقها للعالم، إنما أتى لتدمير الحديدة ومنع المساعدات الإنسانية لخنق صمود الشعب اليمني بمزيد من المعاناة.
ويشير اليوسفي إلى أن توقيع (أنصار الله) اتفاقية الحديدة وتسليم الميناء للأمم المتحدة مقابل الرواتب، وكذا إيقاف العبث الذي يقوم به تحالف الشر ضد أبناء اليمن، يعد صفعة كبيرة للعدوان، في حين تكشف تجار الحروب من المرتزقة المحليين.

مكسب حقيقي للقوى الوطنية
يتفق الكثير من المحللين السياسيين على أن توقيع الوفد الوطني على اتفاقية الحديدة كان لوجه إنساني بحت بحسب نص الاتفاقية، وهو تأمين دخول الغذاء والدواء الذي أراد العدو استهدافه خلال هجومه على الحديدة، فيما يتجسد المكسب الحقيقي للقوى الوطنية بقدرتها على مناولة الأمم المتحدة مهمة الإشراف على الميناء في سبيل رفع المعاناة عن الشعب، في وقت تملك القدرة أيضاً على الصمود والمواجهة في كل لحظة.

فرض معادلة جديدة
بناء على ما سبق يمكننا القول بأن اتفاقية الحديدة شلت حركة تحالف العدوان، وشكلت ضربة موجعة له، وبات عاجزاً عن تحقيق أطماعه، فيما مثلت إنجازاً استراتيجياً للقوى الوطنية، التي حققت خلاله تقدماً كبيراً فرضته قوتها وقدرتها العسكرية وحنكة إدارتها للمعركة البحرية بما يتوازى مع المطالب الدولية المشروعة وغير المشروعة، والذي مكنها من التصدي لأشرس هجوم بحري، وكسرها لرهانات الأعداء دون الوقوع في كمائن المجتمع الدولي، وهو ما يعطيها القدرة على تأمين أهم طريق بحري في العالم بتسليم واعتراف قوى إقليمية ودولية، وفرض معادلة جديدة ترسمها أقدام وسواعد يمنية أصيلة.